العنوان الافتتاحية.. البوسنة والهرسك بحار من دماء المسلمين..
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الأحد 17-مايو-1992
مشاهدات 187
نشر في العدد 1001
نشر في الصفحة 4
الأحد 17-مايو-1992
عندما كان شعار الأمة الإسلامية «العزة
لله ولرسوله وللمؤمنين» أطلقت تلك المرأة المسلمة صرختها «وامعتصماه» عندما
اعتدى عليها العلج الرومي أحد جنود الجيش الصليبي الذي احتل عمورية وصدرت هذه
الصرخة من نفس واثقة بأن النصرة قادمة من دار الخلافة الإسلامية، ودوت صيحتها في
أسماع المسلمين، ولبى «المعتصم» النداء بجيش عرمرم دك جيش الصلبان، وطردهم من تلك
الأرض الإسلامية، وانتصر لتلك المرأة المستضعفة.
واليوم، تجلجل في سماء الكون ملايين
الصرخات والصيحات والاستغاثات من ملايين المستضعفين من شيوخ ونساء وأطفال
المسلمين، تشكو إلى الله ظلم أعدائها وتنكيلهم بها، وتستنجد بإخوانهم من المسلمين
في مشارق الأرض ومغاربها.. أن أنجدونا.. وأغيثونا.. فيرتد الصوت صدى للنحيب
والأنات وزفرات الخوف والموت من هؤلاء المسلمين المستغيثين، دونما جواب، ودون أن
ينتفض «المعتصم» من مكانه صارخًا «لبيكم»، فالمسلمون لم يعد لهم والٍ في هذه الأرض
يتولاهم كما كان الحال في عهود الخلافة، ولا مجير لهم إلا الله سبحانه.
إن دماء وأرواح وأعراض المسلمين والمسلمات
التي تزهق وتسفك وتنتهك، لا يتحمل وزرها قاتلوها أو سافكوها أو منتهكوها فقط وإنما
سيصيبنا –والعياذ بالله- قسط كبير من هذا الوزر نحن المسلمين الذين نعيش في هذا
الزمان، دون أن ننتصر لإخواننا وأخواتنا الذين تزهق أرواحهم ظلمًا وعدوانًا من شتى
أجناس وملل أعداء هذا الدين، فما حصل في بورما الشيوعية من تقتيل وذبح للمسلمين،
حصل نفسه من اليهود في فلسطين ويحصل مثيله من النصارى في البوسنة والهرسك، وتتحد
كل ملل الأرض لنصرة أتباعها في أنحاء الأرض، إلا المسلمين، فهم قاعدون بلا حراك ولا
نجدة وكأن الأمر لا يعنيهم.
إن أحداث البوسنة والهرسك المستعرة اليوم
بوقود بشري هم المسلمون فيها، ستصبح وصمة عار في جبين مسلمي هذا العصر، فلا
حكوماتهم تعدت مرحلة التصريحات والبيانات إلى مرحلة التحرك الجاد والفعال لنصرة
هؤلاء المستغيثين، ولا الجماهير المسلمة اليوم شاعرة بعظم المسؤولية التي تحملها،
وهي التي تملك الكثير لإغاثة إخوانها في تلك البقعة وغيرها، سواء بالجهاد بالنفس
أو بالمال أو بالإعلام، ثم بالضغط على حكوماتها وتحريكها نحو النصرة الفعلية سواء
العسكرية أو المالية للمسلمين هناك.
وفي ضوء التقصير الدولي الصارخ تجاه مجازر
المسلمين هناك.. بدءًا من مجلس الأمن الدولي الذي لم يحرك ساكنًا حتى الآن،
وانتهاء بالصليب الأحمر الذي سحب فرقه من تلك المنطقة، لا نجد تحركًا بالمقابل بين
الحكومات في بلاد المسلمين، ولم تقم منظمة المؤتمر الإسلامي على سبيل المثال،
باستدعاء الدول الأعضاء لمؤتمر طارئ، لبحث أمر هذه المسألة المستمرة والتي لا يعلم
مداها إلا الله، ولتوجيه الجهود والطاقات والقوة المسلمة لنصرة هؤلاء المسلمين.
إن «جمهورية روسيا» التي هي من نفس المذهب
الذي ينتمي إليه «الصرب» تدعم ماديًا ومعنويا إخوانها في المذهب، رغم جميع المجازر
التي يقومون بها، ونستنكف نحن المسلمين أن نعلن الجهاد نصرة لإخواننا هناك الذين
يواجهون القتل والتعذيب يوميًا، ونتعلل بمعاذير سياسية واهية ونتعلق بأمل كاذب من
التدخل الدولي لحل المشكلة.
إن جذوة الإسلام التي تشتعل في قلوب
المسلمين في البوسنة والهرسك، وتجعلهم يواجهون الموت بصدور عارية، وقلوب على
الإسلام ثابتة ثبات الجبال، إنما تنتظر من المسلمين جميعهم أن يمدوها بالمال
والسلاح والدعم الإعلامي والمعنوي، وعلى الدول الإسلامية مجتمعة أن تعي مسؤوليتها،
فدولة مثل «تركيا» المسلمة القريبة من حدود البوسنة والهرسك تتحمل مسؤولية دينية
وتاريخية لحماية هؤلاء المسلمين في يوغسلافيا القديمة الذين يعتبرون أنفسهم
امتدادًا للأرض الإسلامية في تركيا، وعلى «مصر» وهي بوابة العالم الإسلامي والعربي
أن تنصر لنداءات إخوانها المسلمين كذلك الحال بالنسبة لجميع الدول الإسلامية، ومن
باب أولى أن نكون نحن في الكويت والخليج عمومًا في طليعة الدول التي تضطلع بالدعم
المالي والعمل الإغاثي وتوجيه أعمال الخير إلى المسلمين هناك، فهذه المحنة لن
يرفعها سوى تضافر جهود المسلمين شعوبًا وحكومات لنصرة إخواننا المنكوبين هناك،
وحتى لا يطالنا وزر الشراكة في الجريمة، بالسكوت والصمت وقبض اليد عن عون المسلمين.
ونحن هنا نستحث حكومات دول مجلس التعاون
الخليجي بصفة خاصة أن يكون لها موقفها الداعم لمسلمي البوسنة والهرسك وهي التي
كانت لها الأيدي البيضاء والتاريخ الناصع في دعم المجاهدين الأفغان والانتفاضة
الفلسطينية وكافة قضايا المسلمين الأخرى وكلنا أمل في هذه الخطوة وإنا لمرتقبون.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل