; المصيرُ الأسودُ.. للروس في الشيشان | مجلة المجتمع

العنوان المصيرُ الأسودُ.. للروس في الشيشان

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 10-يناير-1995

مشاهدات 71

نشر في العدد 1133

نشر في الصفحة 5

الثلاثاء 10-يناير-1995

الافتتاحية

أيًّا كانت النتائج النهائية للغزو الروسي الغاشم لجمهورية الشيشان المسلمة، الَّذي بدأ قبل أكثر من ثلاثة أسابيع، فإن اليوم الَّذي اتخذ فيه يلتسين قراره بغزو الشيشان والدخول إلى جروزني سيكون من أكثر الأيام سوادًا في تاريخ روسيا الحديث.

فالرئيس الروسي الَّذي اتخذ قراره قبل دخوله المستشفى لإجراء عملية جراحية كان يأمل أن يسمعَ خبر استيلاء قواته على قصر الرئاسة في جروزني حينما يفيق من مخدرها، لكنه أفاق على أهوال ومصائب لا تهدد حكمه الَّذي يتمزق فحسب، وإنما تهدد بانهيار الاتحاد الروسي كله أمام استعداد ورغبات شعوب القوقاز كلها في أن تحذو حذو الشيشان بالبحث عن الحرية والاستقلال بعيًدا عن النظام المتسلط في موسكو.

 فقد واجه يلتسين عاصفة من الاحتجاجات داخل الجيش الروسي وخارجه، وقام الجنرالات الَّذين لا تزال تسيطر عليهم عقدة هزيمتهم في أفغانستان برفض المشاركة في غزو الشيشان، وتقدم العشرات منهم بالاستقالات فيما رفض آخرون تنفيذ الأوامر الصادرة إليهم، وانعكس ذلك على نفوس الجنود الَّذين مُنُوا بهزيمة نكراء بعد دخولهم إلى جروزني في الأسبوع الماضي، وفيما كان الناطق العسكري الروسي يؤكد سيطرة القوات الروسية على قصر الرئاسة في جروزني كان المجاهدون الشيشان يقيمون محرقة كبرى في شوارع جروزني للقوات الروسية الغازية، وكذبت صور عشرات الدبابات المحترقة ومئات الجثث الَّتي ملأت شوارع جروزني للجنود الروس، والَّتي نقلتها وسائل الإعلام العالمية أكاذيب القيادة الروسية وخداعها لنفسها والعالم، وكان ظهور حقيقة انهزام القوات الروسية دافعاً لأكبر حلفاء يلتسين وهو إيجاور دايدار رئيس الوزراء الروسي السابق، بأن يقف في الميدان الأحمر في العاصمة موسكو، ويعلن عن هزيمة القوات الروسية الغازية للشيشان، وقال دايدار: إن القوات الروسية واجهت هزيمة بحجم الكارثة، وإن خسائرها فادحة، أما معظم الكتل النيابية الروسية فقد طالبت بعقد جلسة طارئة للبرلمان الروسي وسحب الثقة من الرئيس يلتسين وحكومته، أما كتاب الأعمدة في الصحف الروسية فقد عبروا عما يشعر به المثقفون الروس إزاء قرار يلتسين قبل أن  يغيب في عمليته الجراحية ويصدر قراره بغزو الشيشان، وقالوا: إن يلتسين قد وضع بقراره غزو الشيشان نهاية مرتقبة لنظامه وجفافًا شعبيًا لمصادر دعمه الرئيسية.

وفيما يزداد الموقف تأزمًا في روسيا وتزداد نسبة الهروب بين الجنود الروس المكلفين بغزو الشيشان حتى مات الكثير منهم متجمدين في صقيع الجبال في الشيشان تبدو معنويات الشيشان عالية للغاية رغم قلة عدتهم وعتادهم مقارنة بالجيش الروسي، وفيما يسيطر الرعب على الروس المنهزمين يخرج أحد المجاهدين الشيشان إلى بعض المراسلين الصحفيين الَّذين دخلوا رغم انف القوات الروسية إلى جروزني لينقلوا جانبًا من الحقيقة إلى العالم قائلًا لهم إننا لم نعلن الجهاد الشامل ضد الروس حتى الآن، وتركز في كراهيتنا على الكريملين وليس على الروس، ولكن إذا استمر الروس في هذه الحرب القذرة فسوف تأتي لحظة لا يستطيع جندي روسي واحد فيها على الخروج من دبابته أو مدرعته دون أن يواجه خطر الموت.

 لقد أعطى الشيشان لشعوب العالم الدرس الأول في إرادة الشعوب والثمن الَّذي يمكن أن تدفعه ثمنًا للدفاع عن العقيدة، وإعلاء راية الدين والبحث عن الحرية وحق تقرير المصير، ولهذا جاء موقف الغرب المخزي من حرب الدمار والإبادة الَّتي يقوم بها الروس المسلمين الشيشان ليؤكد على المعايير المزدوجة والسياسة المخادعة واللعبة القذرة الَّتي يمارسها الغرب ضد المسلمين سواء كان ذلك في البوسنة أو الشيشان، لكن الموقف المتخاذل لدول العالم الإسلامي من جراء أحداث الشيشان هو الَّذي يدعو إلى الأسى.

لكن هناك حقيقة واحدة يكاد يجمع عليها المراقبون هي أنه كما كان للأفغان الدور الرئيسي في انفراط عقد الاتحاد السوفيتي وسقوط الشيوعية، فإن استمرار موسكو في حربها ضد الشيشان سوف يكون طريقًا لانفراط عقد الاتحاد الروسي ونهايته.

 إنها عزيمة الشعوب الَّتي لا تعرف القهر وعقيدة المؤمنين الَّتي لا تعرف سوى النصر أو الشهادة، وطريق المجاهدين الَّذين لم يضع لهم حق على مدار التاريخ، وكما بدأت أيام برجنيف السود ونهايته بإعلانه غزو أفغانستان في ديسمبر عام ۱۹۷۹م، فقد بدأت أيام يلتسين السود بإعلانه غزو الشيشان في ديسمبر ١٩٩٤م. 

﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذين ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ (الشعراء 227).

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل