العنوان الاقتصاد.. والانتخابات التركية
الكاتب د. أشرف دوابه
تاريخ النشر الاثنين 01-مايو-2023
مشاهدات 20
نشر في العدد 2179
نشر في الصفحة 20
الاثنين 01-مايو-2023
د. أشـرف دوابــه
تستعد تركيا في أخطر مرحلة من مراحلها المعاصرة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 14 مايو الجاري، فهذه الانتخابات سيتوقف عليها وضع ليس تركيا فحسب، بل العالم الإسلامي أجمع، في ظل التوجه التركي للاعتماد على الذات اقتصادياً وعسكرياً، والتحرر من الهيمنة للدول الكبرى، ونفق معاهدة «لوزان».
جاء حزب العدالة والتنمية للحكم في ظل تبعات أزمة اقتصادية عاشتها تركيا عام 2001م، أدت إلى انهيار الليرة بنسبة 100%، وارتفع التضخم إلى مستويات قياسية، حيث وصل إلى 70%، وأفلست على إثرها نصف البنوك التركية، ووصلت معدلات البطالة مستويات خرافية، وانخفض معدل نمو الناتج المحلي بنسبة 5.7%.
ولكن بعد عام، سرعان ما تغير مجرى الاقتصاد التركي، وتحديداً بعد تولي حزب العدالة والتنمية زمام الأمور في البلاد، في نوفمبر 2002م، فشهد الاقتصاد قفزة نوعية في معدل نمو الناتج المحلي بنسبة 5.3% في عام 2003م، و9.4% في عام 2004، و8.4% في عام 2005م، واستمر معدل النمو في الزيادة بصورة جيدة، رغم التزام الحزب منذ انتخابه بتنفيذ الاتفاق الموقع مع صندوق النقد الدولي عام 2001م، الذي أجبره على اتخاذ سياسات تقشفية صارمة، وإجراء إصلاحات هيكلية طالت عدداً من القطاعات كان أهمها القطاع المصرفي، حيث تم تعويم سعر صرف الليرة، ورفع القيود المفروضة على تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، وتشديد الانضباط المالي، وزيادة استقلالية البنك المركزي، وقد تخلت حكومة حزب العدالة والتنمية من عبء صندوق النقد الدولي وسددت قرضه، بل أصبحت دائنة له.
نقلة نوعية
وقد نجح العدالة والتنمية في عمل نقلة نوعية في التعليم والصحة ووسائل النقل والمطارات، ومستوى معيشة المواطن، وتوجه إلى اكتشاف البترول والغاز، وإن كان الاقتصاد التركي يعاني خلال السنوات القليلة الماضية من ارتفاع معدلات التضخم بصورة أثرت تأثيراً سلبياً على المواطن الذي يعيش في تبعات لولب الأسعار والأجور.
فقد تعرضت الليرة لنكسات خلال الفترة الماضية، وفقدت ما يقارب 10 أضعاف قيمتها مقارنة بالدولار الأمريكي خلال السنوات العشر الماضية، واشتعلت موجة تضخمية كبيرة بداية عام 2021م، وتجاوز التضخم في عام 2022م نسبة 85% مقارنة بـ25% في عام 2021م، وإن تراجع في مارس الماضي إلى نسبة 50.51%.
وهو الأمر الذي يوضح أن المكون الرئيس لمعدل التضخم في تركيا يعود لانخفاض قيمة الليرة، وهذا هو نقطة الضعف الحقيقية للحكومة التركية، فغلاء الأسعار يمس حياة الناس وينسي المواطن ما يراه من إنجازات، ومع ذلك؛ فإن الثقة في المعارضة التركية لمعالجة هذه الآثار فيها شكوك من الشارع التركي، لا سيما في ظل بناء حزب العدالة والتنمية اقتصاداً حقيقياً بلغ معدل نمو ناتجه المحلي في عامي 2021 و2022م نسبتي 11.4% و5.6% على التوالي، رغم تبعات أزمة «كورونا»، كما شهد هذا المعدل مزيداً من النمو رغم تبعات الزلزال الذي أصاب 11 ولاية تركية.
كما أن البطالة استقرت عند 10% في فبراير 2023م، ويسعى نموذج الاقتصاد التركي، الذي أُعلن عنه في الربع الأخير من عام 2021م، إلى معالجتها من خلال الإنتاج والتوظيف، حيث أوجد 2.78 مليون وظيفة منذ وضعه، وتجاوز دخل الفرد 11 ألف دولار، ومن ناحية أخرى؛ بلغ الدين الحكومي في عام 2022م نسبة 42% من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت نسبة عجز الموازنة 2.7%، وما زال العجز التجاري للبلاد مستمراً؛ حيث زاد من 138.4% في عام 2022م عن العام السابق إلى 110.19 مليارات دولار، بعد أن قفزت الواردات 34.3% إلى 364.4 مليار دولار، مقابل زيادة في الصادرات بواقع 12.9% إلى 254.2 مليار دولار.
واتسع العجز التجاري في ديسمبر الماضي بـ52% مقارنة بالعام السابق إلى 10.381 مليارات دولار، مع زيادة الصادرات 3.1% إلى 22.92 مليار دولار، وارتفاع الواردات 14.6% إلى 33.30 مليار دولار، ومع ذلك؛ يتوقع أن تصل الصادرات إلى 270 مليار دولار في عام 2023م، وأن يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي تريليون دولار أمريكي في عام 2023م، مقابل 905 مليارات دولار في عام 2022م.
تحول جذري
إن حكم حزب العدالة والتنمية أحدث تحولاً جذرياً في كافة المجالات وخصوصاً في المجال الاقتصادي، وقد اتخذ الحزب الإنسان محوراً في الاقتصاد كما كانت الحال في جميع المجالات، ووفر المناخ الملائم الذي يؤدي الى تعبئة قدرات المستثمرين والموظفين بدلاً من فرض نموذج التنمية من أعلى إلى الأسفل، وألغى المؤسسات العامة المعيقة للتقدم وجعلها أكثر قدرة على تسهيل الأمور وتنفيذها.
واعتبر الحزب الاقتصاد أنه مجال ليس مستقلاً عن المجتمع والسياسة، ولم يحصره في دائرة التغيرات اليومية للأسوأ، فهو توأم مع أهداف الحزب المتمثلة في الديمقراطية المتقدمة والقائمة على معايير القوانين الدولية والحقوق الأساسية، فلا يمكن للديمقراطية أن تتطور في البلاد إذا كانت التوجهات الاقتصادية فاشلة.
ومع ذلك، فإن تركيا شهدت موقفاً غير محمود من عدد من أحزاب المعارضة الإسلامية، ومنهم وزيران كانا أعضاء في حزب العدالة والتنمية، فضلاً عن حزب السعادة الذي أسسه «نجم الدين أربكان»، رحمه الله تعالى، واتخذ رئيسه الحالي هذا المنحى، حيث كان تحالفهم مع الحزب الجمهوري مخيباً لآمال الإسلاميين، في ظل ما عاناه الأتراك المسلمين من هذا الحزب، حتى تدخل في ملبسهم وتعليمهم وشعائرهم الإسلامية وحال بينهم وبين شريعة الإسلام، بعد أن كان الإسلام هو السائد في هذه البلاد لمدة تزيد على 6 قرون.
إنه لا توجد دولة إسلامية تحمل هَمَّ الإسلام كما تحمله تركيا، فهي سفينة نوح للعالم الإسلامي، وجعلت أراضيها ملاذاً للمظلومين، فماذا يمكن أن يحدث للمسلمين إذا غرقت هذه السفينة، لا قدر الله؟!
مستقبل نجاح تركيا وقيادتها الأمة أمل كل غيور على دينه، وإذا كان للحكومة التركية سيئات، فإنها مغمورة في حسناتها التي لا تعد ولا تحصى، وقد ظن بعض الإسلاميين من قبل أن إصلاح الدولة العثمانية هو في التترس لإزالة حكم السلطان عبدالحميد، يرحمه الله، ولكن مع زوال حكمه زالت دولة الإسلام وعضوا أصابع الندم، ومن لا يتعلم من التاريخ لا يمكـــــن أن يكــــــون من الحكمــاء العاقلين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلبنسبة مشاركة 84% وتصويت 52.1% لصالحه.. الشعب التركي يجدد الثقة بالرئيس «أردوغان»
نشر في العدد 2180
28
الخميس 01-يونيو-2023
الحــرب الأوكرانيـــــة اختبــــار صعـــب للعلاقـــــات التركيــــة الروسيـــة
نشر في العدد 2183
27
الجمعة 01-سبتمبر-2023