العنوان الانتحار الوجه الآخر للحضارة الغربية: سقوط في مهاوي الرذيلة وجمعيات للانتحار
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 08-ديسمبر-1987
مشاهدات 30
نشر في العدد 846
نشر في الصفحة 30
الثلاثاء 08-ديسمبر-1987
طبيب غربي يقول:
الإيمان القوي والتمسك بالدين كفيلان بالقضاء
على القلق والتوتر
تسارع في السنوات الأخيرة إنتاج واستهلاك
الكحول والمخدرات بأنواعها، وكيف تسربت تلك السموم إلى المدارس والمعامل في المجتمعات
الغربية، حتى أصبحت تشكل أخطارًا كبيرة عليها، الشيء الذي آثار الفزع ودعا الحكومات
سواء في الولايات المتحدة الأميركية أو بريطانيا أو فرنسا أو الاتحاد السوفيتي إلى
شن حملات للقضاء على آفة الإدمان على الكحول والمخدرات، ولكن ليست هذه الآفة وحدها
التي تنخر أجسام المجتمعات الغربية، فهنالك آفات أخرى ليست أقل منها خطرًا جاءت أخبارها
الأخيرة لتكشف الوجه القاتم الآخر للحضارة الغربية التي افتتن بها بعضنا واعتبروها
قدوة ومثالًا يحتذى، حتى إذا وصلتهم آخر أخبار الإيدز- مرض الشذوذ الجنسي- وأخبار سوق
الرقيق ونخاسة الأطفال وأخيرًا وليس آخرًا أخبار جمعيات المساعدة على الانتحار، ذهل
الجميع وتملكتهم الحيرة وبدأوا يراجعون أنفسهم.
سقوط حضارة الجنس والفحش
لم تشهد حضارة الإباحية الجنسية ازدهارًا
مثل الذي شهدته في المجتمعات الغربية في العقدين الأخيرين من هذا القرن، حتى إنها خرجت
فلاسفة ومنظرين لها يدعون إليها باسم إعطاء الشباب الحرية الكاملة وتخليصهم من عقد
الكبت والحرمان الجنسي، ومن أمثال هؤلاء الكاتب الفرنسي الذي أودت المخدرات بحفيدته
وهو «فرانسوا كافانا» الذي يعتبر من كبار مفكري الإباحية وداعية من أهم دعاتها حيث
أسس لذلك مجلتين«
CHARLI HEBDO» «KIRI HARA »
دأبتا على تصوير العلاقات الجنسية الشاذة، وكأنها وضع طبيعي، بالإضافة
إلى دعوة الشباب إلى التخلص مما يسميه «المركبات الموروثة» وإطلاق العنان لأنفسهم للنيل
من المحرمات، وقد تصدى له ولمجلتيه الإباحيتين بعض المثقفين الفرنسيين، فكان رده عليهم
أنهم ضد الحريات، ولعله اليوم يندم على ما جناه على حفيدته وغيرها بأفكاره المريضة.
لا غرابة أن يزداد الجنس والشذوذ الجنسي
في المجتمعات الغربية الرأسمالية التي بنيت على أيديولوجية المادة، والتي لا تعرف للنقود
رائحة ولا لونًا، فقد وجدت هذه المجتمعات في مجال الممارسات الإباحية بابًا من أوسع
أبواب التجارة المربحة والمدرة للأموال، لا يهتم إذا كانت هذه التجارة لاأخلاقية أو
ذات أضرار ظاهرة وخفية ما دامت مكسبة ومكسبة بوفرة.
وفي هذا الإطار نفهم كيف راج أدب الفحش
والجنس بألبوماته وصوره الخليعة وشرائطه المتهتكة ومعارضه التي نزلت إلى أدنى درجات
الانحطاط، بعرضها البغايا العاريات في أوضاع منكرة في «فترينات» البللور، وكأنها دمى
للبيع ولكن للكبار فقط.
لقد تحولت- نتيجة رواج هذه التجارة- صالونات
الرياضة والتدليك والحمامات والمسابح والحانات والفنادق والمخيمات إلى أوكار للفسق
والفجور وتجارة اللذة والشذوذ بنوعيهما، وتصاعد الأمر تصاعدًا خطيرًا فاتسعت دائرة
تجارة الرقيق الأبيض والأطفال الصغار الذين صاروا موضوع صفقات كبيرة بين كبار تجار
الرذيلة الذين ينقلونهم من بلد إلى بلد.
ومن الحقائق الفظيعة التي أوردتها مجلة
الابزرفر البريطانية أنه تتم المتاجرة بما لا يقل عن مليون طفل بعضهم في الرابعة من
أعمارهم في سوق تجارة الفن الإباحي الدولية، ويموت الكثير منهم قبل سن الخامسة عشرة
إما بالمرض أو بالانتحار بل ويتم قتل البعض- كما يقال- في أفلام إثارة لساديين. وقد
نالت الولايات المتحدة النصيب الأوفر من تجارة هذا الفن الإباحي حيث يقدر رجال الجمارك
هذا النصيب بـ80 أو %85، وقد تفننت المؤسسات الإباحية في تلبية رغبات الشذاذ فأنشأت ضمن ما
أنشأت ما يعرف بـ«سياحة اللواط» حيث تقدم السياحة الغربية للشواذ عروض اللواط في البلدان
التي يقصدونها للسياحة. وإذا كانت هذه الممارسات الإباحية اللاأخلاقية تثير التقزز
وتبعث على الاستنكار، بأن الذي يصدم المرء حقًا هو ما وصل إليه رجال الغرب وساساته
من استهتار بكل القيم الأخلاق، حيث أعطوا الشرعية القانونية لمثل تلك الممارسات ففي
بريطانيا مثلًا تمكن الشواذ من الحصول على نص قانوني يبيح الزواج بين ذكر وذكر أو أنثى
وأنثى ويعترف به، وفي فرنسا يعترف القانون بعلاقة المعاشرة بين ذكر وأنثى دون عقد زواج
وهو ما يسمى عندهم. CONCUBINAGI
ثمار حضارة الجنس والفحش
لم يطل الوقت على شجرة الجنس حتى أثمرت
ثمارها الخبيثة، وبدأ الغرب يحصد ما زرع.. كوارث وأوبئة وآخرها مرض الإيدز الذي لقب
بمرض الرعب لأنه خلق موجة من الفزع والهلع لم تشهد مثلها المجتمعات الغربية على مر
تاريخها، إنه طاعون العصر الذي ظهر أول ما ظهر في أميركا، حيث اكتشفه الأطباء لأول
مرة في المركز الطبي في «أوكالا» سنة 1981. أما في باريس فقد تم تشخيص هذا المرض عام
1983، وعبثًا
حاول الغرب إلصاق تهمته بالقرود الخضراء في أواسط إفريقيا وبسكان بعض الجزر النائية
مثل جزر هايتي، ولكن المتخصصين في عواصم الطب الكبيرة أقروا واعترفوا بعد إجراء المزيد
من الأبحاث والإحصائيات أن هذا الوباء الجديد يعود إلى سبب رئيسي هو الشذوذ الجنسي
بشتى صوره وأشكاله. جاء ذلك على لسان الدكتور روبرت رفيلد عندما أعلن في مركز الخدمات
الطبية التابع للجيش الأميركي قائلًا «إن الوقت كفيل بإظهار حقيقة هذا المرض الجنسي
الذي لا ينتشر إلا باللواط والإباحية والطرق الجنسية الشاذة».
وورد في إحصائية أميركية للمصابين بهذا
المرض نشرت في أكتوبر 1985: «إنه من أصل (14739) حالة إيدز كان (10652) منهم من الشاذين
جنسيًا و2494 منهم من المدمنين على المخدرات، وأما العدد الباقي فموزع بين زوجات المصابين
وأبنائهم وبين الذين نقل لهم دم ملوث بفيروس هذا المرض». إن هذه الظاهرة أحسن تأكيد
لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لم تظهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتَّى يُعْلِنوا
بها، إلَّا فشا فيهم الطَّاعونُ والأوجاعُ الَّتي لم تكُنْ مضَتْ في أسلافِهم الَّذين
مَضَوا قبلَهم» (ابن ماجه: 4259).
إنها لعنة السماء تحل بالمفسدين المارقين.
ولنستمع إلى «روك هدسن» الذي تربع على عرش السينما الأميركية، وحاز كل ما يريد من مال
وشهرة. لنستمع إليه وهو على فراش الموت بعد أن أصيب بمرض الإيدز:
«أنا بانتظار القدر، إنه يدق بابي، أستمع إلى صوته في أعماقي،
لم أكن أود أن أتعذب هكذا ومن خلال هذا المرض اللعين، سرطان العصر، ورغم ابتسامات الكثيرين،
وتهنئتي بالتماثل للشفاء إلا أنني على موعد مع القدر.. إنه يدق بابي.. اللحظات الأخيرة».
وليد غير طبيعي لحضارة الغرب والغربة: جمعيات
للموت
حضارة الغرب التي تنصلت من الإيمان والدين،
وابتعدت عن نهج الله تعالى، بدأت تفرخ مواليد غير طبيعيين، وآخر هؤلاء المواليد إثارة
للغرابة والدهشة إنشاء جمعيات للانتحار.
إنها جمعيات ذات وجود فعلي علني وقانوني،
ولها مقار رسمية، ووفود تجتمع في مؤتمرات عالمية وتتخذ قرارات تنفذ بصورة صارمة.
نعم أخي المسلم
لقد وصلت حضارة الخمور والمخدرات والفجور إلى نهاية الطريق، ومن يطالع كتاب «الهروب»
من الحياة عن طريق الانتحار الذي ألفه «كلود جيلون وایت لوبوتيك» فأحدث به ضجة في أميركا
سيجد العجب العجاب.. يتحدث هذا الكتاب عن «فن» الانتحار «يا له من فن!» وعن الجمعيات
التي تخصصت فيه واعدة الشباب بألوان من التخلص من الحياة، لا يلاقون فيها متاعب بل
يجدون أثناءها الهدوء والراحة، ومن هذه الجمعيات على سبيل المثال:
- جمعية الموت الجميل الفرنسية وهي تمد عملاءها بوصفات
للموت لا تحتمل الفشل، وتوصل خدماتها إلى المنازل.
- مصلحة الموت الأميركية وهي تعلن عن احتفاظها بالأسرار
حتى يودعها صاحبها الأخير إلى غير رجعة.
- جمعية المخرج البريطانية وهي توفر لعملائها مخرجًا
لا مدخل له بعد ذلك.
-
جمعية التجمع الألماني لإقرار حق الموت للجميع، وهي تتيح ميتة هادئة
في كرامة!
وفي الكتاب المذكور وصفات حقيقية أكيدة
المفعول، عن طريق جرعات محسوبة من الأدوية التي يمكن الحصول عليها بسهولة من الصيدليات،
وتستخدم في علاج أمراض القلب والضغط وضد الألم أو المنومات.
الوحدة القاتلة
هذا إذن الوجه الآخر للحضارة الغربية حيث
ازداد إحساس الفرد بالوحدة والعزلة بعد ما تصدعت الروابط الأسرية والاجتماعية وبعد
ما تحللت القيم والأخلاق وسادت مادية جارفة وأنانية ضيقة، فهذه مثلًا باريس نصف شققها
ومساكنها يعيش بها شخص واحد كما يشير إلى ذلك آخر إحصاء لسكانها، وما ينطبق على باريس
ينطبق على غيرها من المدن الغربية الكبرى.. شخص واحد لا أكثر في الشقة فمن تراه يكون
هذا الشخص؟ إنه شاب أو شابة استقل عن الأهل بعد بلوغ الثامنة عشرة من العمر، ونادرًا
ما يبقى الشباب بعد هذه السن مع الأبوين أو الأهل، وهو أيضًا مطلق أو مطلقة بدون أولاد،
وهو أيضًا رجل يعيش دون عقد زواج مع امرأة تعيش هي الأخرى وحدها في شقتها، وهو أيضًا
عجوز أرمل أو أرملة تخلى عنهما الجميع وذهب الموت برفيق العمر لكليهما، وهذا الشخص
الوحيد هو أيضًا الأجنبي سواء كان طالبًا أو عاملًا، وهو ممزق بين ماضيه وحاضره وبين
تراثه وتاريخه، ودينه من جهة وبين واقعه من جهة ثانية.
إنها الوحدة القاتلة، والقاتلة هنا بالمعنى
الحقيقي لا المجازي للكلمة، فقد أشارت الإحصائيات إلى أن نسبة كبيرة ممن أقدموا على
الانتحار في أوروبا لم تكن لهم قبيل انتحارهم روابط وعلاقات تخفف عنهم وحدتهم الفظيعة
وهمومهم، وكيف لا يعيش الناس في هذه المجتمعات في غربة وقد فقد الحب والإخاء والتراحم
وصار الإنسان بلا هدف ولا قيمة ولا رسالة. فما أحوج هؤلاء إلى رسالة السماء ودين محمد
صلى الله عليه وسلم يصل ما انقطع بينهم وبين خالقهم، ويعمر قلوبهم بالاطمئنان، ويعيد
إليهم قيمتهم كآدميين كرمهم الله عز وجل على سائر المخلوقات وجعلهم خلفاء له على وجه
الأرض.
يقول الدكتور ديل كارينجي: «إن أطباء النفس
يدركون أن الإيمان القوي والتمسك بالدين كفيلان بأن يقصرا القلق والتوتر العصبي وأن
يشفيا هذه الأمراض».
وإذا كنا نرثى لحال هؤلاء، فالواجب يدعونا
أن نتعظ بما حل بهم، وأن نحذر كل الحذر من تسويق أوبائهم وأمراضهم وتسريبها إلى مجتمعاتنا،
فأحوال الغرب تؤكد كل يوم أنه لا سعادة ولا راحة إلا بالإيمان ولا منجاة من عذابات
الدنيا والآخرة إلا بالسير على الطريق القويم الذي رسمه لنا ديننا الحنيف.