; التبشير النصراني ومسئولية المسلمين | مجلة المجتمع

العنوان التبشير النصراني ومسئولية المسلمين

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الجمعة 18-أغسطس-1978

مشاهدات 20

نشر في العدد 408

نشر في الصفحة 42

الجمعة 18-أغسطس-1978

﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ (البقرة: 120).

لليهود والنصارى موقف متشابه من الإسلام والمسلمين، ومحور هذا الموقف هو العداء لرسالة الإسلام وأتباعها، وقد اتخذ هذا العداء أشكالًا كثيرة، برز فيها الحقد على رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم وعلى صحابته الذين مكنوا لهذا الدين في الأرض منهجه وشرعته، وإذا كان عداء اليهودية واضحًا وجليًا فإن العداء النصراني ما زال يبطن نفسه ويخفي مأربه، لأنه لم ينس حتى الآن كيف اكتسح الإسلام بسماحته قلاع الصليبية وحصونها داخل العالم الإسلامي وخارجه، ولم ينس أيضًا أن دخول الملايين من نصارى أوربا في الإسلام إبان العصور الوسطى، ولما كان النصارى يعرفون أن العقيدة الإسلامية لا يخيفها سيف ولا يهزها مدفع، فقد رأوا تحويل حربهم الصليبية العسكرية إلى حرب أخرى تعتمد على الثقافة والفكر من ناحية، وعلى الدخول الاجتماعي إلى أوساط المجتمع المسلم من ناحية أخرى مما يتيح لهم حرية الحركة بشكل لا تتيحه معركة عسكرية، ومن أجل هذا نشأت حركة التبشير واتخذت مدارسها وقلاعها ومراكزها في ديار المسلمين أنفسهم، وقد استفادوا من شيئين، الأول: غياب المسئول المسلم الحريص على سلامة عقيدة أمته، والثاني، رغبة الدول الأوروبية النصرانية في استغلال الشعوب الإسلامية واستغلال مواردها، ومن الأدلة التي تشير إلى أن التبشير النصراني يحقق هدف الاستعمار قول القس كالهون سيمون -إن الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب وتخلصهم من السيطرة الأوروبية، ولذلك كان التبشير عاملًا مهمًا في كسر شوكة هذه الحركات، ذلك لأن التبشير يعمل على إظهار الأوربيين في نور جديد جذاب، وعلى سلب الحركة الإسلامية من عنصر القوة والتمركز فيها، وقد أعدت الكنائس في أوربا نفسها للقيام بدورها في ديار الإسلام قاطبة دون تمييز بين قطر وآخر ...

وقد اتخذ العمل التبشيري الصليبي أشكالًا كثيرة أبرزها:

1- التبشير بين الجماعات: وهذا يحدث بالمدارس والمستشفيات ودور الأنشطة الثقافية والنوادي الاجتماعية والجمعيات الخيرية، ولكل من هذه المجالات خطرها الكبير، ولا يخفى ما للمدارس الخاصة التي يقم عليها النصارى من أثر في تشويه العقيدة الإسلامية السمحة في أذهان الطلاب الناشئة.

2- العمل التبشيري مع الفرد الواحد:

ويحتاج هذا العمل إلى مثابرة وصبر واستعداد كبير لحقن الفرد المسلم، وإظهار كافة إمكانيات الصداقة والود له، مع إظهار مفاهيم الرحمة والإنسانية والشفقة إن استدعى الأمر، والغاية من هذا الأسلوب أن يأنس الفرد المسلم به، مما يجعل ذلك خطوة لأن يكون هذا الفرد آلة مسخرة يكيفها المبشر كما يشاء، ويصل بها إلى أهدافه بتشكيك هذا الفرد بمعتقده وديانته، وقد يكفي النصارى المبشرون بتشكيك المسلم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم دون أن يحاولوا إدخاله في دين النصارى، ونحن لا ننسى سيطرة المبشرين على كبار المفكرين العرب مثل طه حسين الذي أحاطه المبشرون بكل عناية ورعاية إلا أن أصبح أداة طيعة في يد الكنيسة لتشكيك المسلمين بالقرآن والتشريع الإسلامي.

3- العمل التبشيري الصامت:

ويكون ذلك بتوزيع الإنجيل والنشرات الدينية، والصور والأيقونات، والكتب التي تشكك المسلمين بتصورهم لهذا الوجود وخالقه، ومن أهم الكتب التي استعان بها المبشرون للوصول إلى غايتهم: «كتاب ميزان الحق، وكتاب الهداية، وكتاب مصادر الإسلام».

أما أهداف التبشير فكثيرة، وأبرزها هو تحطيم الأمة الإسلامية بإخراجها عن عقيدتها، لأنها هي القوة الوحيدة التي حطمت الإمبراطورية النصرانية وحدت من امتدادها في العالم، يقول لورانس براون في كتابه الإسلام والإرساليات «الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام وفي قوته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته، إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي».

ويرى المستشرق بيكر الألماني «أن هناك عداء من النصرانية للإسلام بسبب أن الإسلام عندما انتشر في العصور الوسطى أقام سدًا منيعًا في وجه الاستعمار وانتشار النصرانية، ثم امتد إلى البلاد التي كانت خاضعة لصولجانها».

 لكن عندما عجزت الإرساليات التبشيرية عن كسب المسلمين وإدخالهم في دين الكنيسة، اكتفت بالتشكيك الاعتقادي، لأن رجال الكنيسة يعلمون أن أمر هذه الأمة قائم بقيام دينها، ومستمر باستمرار عقيدتها وهم يعلمون أن للتشكيك أثرًا كبيرًا في خلخلة الأمة وتخليها عن مسؤولياتها التي أمرها الله بها وعلى رأس ذلك مسئولية الجهاد في سبيل الله.

أما إذا أرادت الأمة أن تتخلص من خطر الاستعمار الصليبي المختبئ وراء التبشير، فعليها أن تُكَوِّن أولًا المؤسسات التعليمية الإسلامية وتقويها وتضاعف عددها لتقوم بدورها داخل العالم الإسلامي وخارجه، وعلى المسئولين العمل على تنقية مراكز الحياة كلها من النصرانية وعملائها ورجالاتها الذين يتسنمون مراكز عالية في التوجيه عبر الصحافة ودور النشر ووسائل الإعلام الأخرى، ومن أوجب واجبات الدولة المسلمة تجاه واقع التبشير فرض الرقابة الحريصة الواعية على كافة مؤسسات النصارى وأنشطتهم، والإشراف الكامل على مدارسهم ومستشفياتهم لأن سموم التبشير تنفث سمومها من هاتين القاعدتين بشكل مثير، وعلينا وعلى كل مسئول ألا ينخدع بأساليب النصارى المتقنة، كرفعهم لشعار الإخوة والإنسانية وحب الخير والتسامح، إن بيان الله سبحانه واضح، وعلينا التمسك به وفهم كل تحرك نصراني أو يهودي من خلاله، فما دامت الأمة متمسكة بدينها فإن العداء مستمر ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ (البقرة: 120) والحمد لله رب العالمين.

الرابط المختصر :