; التدخين أخطر وباء عالمي.. الفصل الأول | مجلة المجتمع

العنوان التدخين أخطر وباء عالمي.. الفصل الأول

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 10-يوليو-1979

مشاهدات 13

نشر في العدد 453

نشر في الصفحة 29

الثلاثاء 10-يوليو-1979

ليس في هذا العنوان أي مبالغة أو تهويل، فمنذ عشرات السنين لم يكتسح العالم وباء استطاع أن يقضي على ملايين الأنفس في كل عام مثلما استطاعت السجائر وأشباهها أن تفعله بالبشرية.

تقول مجلة هيكساجين مجلد 6 رقم 3 عام 1978، والصادرة من سويسرا: «إن شركات التبغ تنتج سيجارتين يوميًا لكل إنسان على الأرض، ولو أخذت هذه الكمية من النيكوتين دفعة واحدة لاستطاعت السجائر أن تبيد الجنس البشري بأكمله في ساعات... وبالمقارنة فإن القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما في 16 أغسطس 1945 فتكت بـ 260,000 شخص، بينما تفتك السجائر في كل عام بـ عشرة في المائة على الأقل من جميع الوفيات في البلاد المتقدمة، ولا توجد إحصائيات دقيقة من البلاد النامية والمتخلفة، وإن كانت النسبة تفوق دون شك مثيلاتها في البلاد المتقدمة، حيث الحملات المركزة ضد التدخين، وحيث الرعاية الصحية المتقدمة... وحيث الضرائب الباهظة جدًا على التبغ، وحيث الرقابة الشديدة على كمية النيكوتين في السجائر... وكل هذه العوامل مفقودة تمامًا في البلاد المتخلفة والنامية».

ويقول تقرير الكلية الملكية للأطباء بالمملكة المتحدة (بريطانيا)، والصادر في عام 1977م: «إن كمية النيكوتين الموجودة في سيجارة واحدة كفيلة بقتل إنسان في أوج صحته لو أعطيت له هذه الكمية من النيكوتين بواسطة إبرة في الوريد.

كما يؤكد تقرير الصحة العالمية والصادر في عام 1975م، بأن عدد الذين يلاقون حتفهم أو يعيشون حياة تعيسة من جراء التدخين يفوقون دون ريب عدد الذين يلاقون حتفهم نتيجة الطاعون والكوليرا والجدري والسل والجذام والتيفود والتيفوس في كل عام ... ويؤكد التقرير أن الوفيات الناتجة عن التدخين هي أكثر بكثير من جميع الوفيات للأمراض الوبائية مجتمعة.

ويقول تقرير الصحة العالمية: إن التوقف عن التدخين سيؤدي إلى تحسين الصحة وإطالة الأعمار بما لا تستطيعه جميع الوسائل الطبية مجتمعة.

وقد ثبت بالإحصائيات الدقيقة في أوربا وأمريكا أن مجموع الدخل الذي تحصل عليه الحكومات المختلفة من الضرائب الباهظة على التبغ هو أقل بكثير مما تنفقه تلك الدول على معالجة الأمراض الناتجة عن التدخين، ولا شك أن التدخين يشكل عبئًا ثقيلًا على أغنى الدول، وخاصة إذا علمنا أن بريطانيا وحدها تفقد في كل عام خمسين مليون يوم عمل نتيجة الأمراض التي تصيب العمال والموظفين بسبب التدخين، وأن ما لا يقل عن خمسين ألف شخص يلاقون حتفهم قبل الأوان في كل عام في بريطانيا وحدها نتيجة للتدخين.

وإذا عرفنا أن الإحصائيات تقول إن من بين كل ثلاثة مدخنين فإن واحدًا منهم على الأقل سيلقى حتفه نتيجة للتدخين -كما يقول الدكتور كيث بال في المجلة الطبية «بوست جراديوت دكتور» عدد ديسمبر 1978- وكما يؤكده أيضًا تقرير الكلية الملكية للأطباء حيث يقول: إن من بين كل عشرة مدخنين، فإن ثلاثة أو أربعة منهم سيلقون حتفهم نتيجة للتدخين. إذا عرفنا ذلك فإننا سندرك أي خسارة تصاب بها الأمم نتيجة التدخين، وناهيك بفقدان الحياة في ريعانها من خسارة، كما أن الهيئات الصحية ووزارات الصحة في العالم أجمع تواجه عبئًا ثقيلًا في معالجة الأمراض الناتجة عن التدخين.

والغريب حقًا أن الحكومات والشعوب المختلفة تصاب بالهلع والذعر عند ظهور وباء الكوليرا أو الحمى الشوكية، وتقوم بجهود جبارة لمكافحة ذلك الوباء، ومع هذا فإنها تستقبل ببرود مخيف الخسائر الجسيمة في المال والصحة والأرواح الناتجة عن التدخين، بالرغم من أن ضحايا التدخين يفوقون عشرات بل مئات المرات ضحايا ذلك الوباء الذي أقلق تلك الشعوب والحكومات.

ولعل السبب في ذلك أن نتائج التدخين لا تظهر على الفور، بينما نتائج الأوبئة تظهر جلية واضحة وبصورة مباشرة لانتشار الوباء.

وتدخين السجائر لا يؤثر على الصحة بمجرد تدخين علبة سجائر ... كلا، إنه يحتاج إلى ربع قرن من الزمان قبل أن تظهر آثاره المدمرة (ما عدا تأثير التدخين على أجنة الحوامل المدخنات).

وقد جبل الإنسان على رؤية الأخطار المباشرة، وعلى التعامي عن الأخطار المستقبلية، وإن كانت محدقة به من كل حدب وصوب.

ومما يزيد الطين بلة أن السجائر التي تباع في البلاد النامية والمتخلفة تحتوي على أضعاف ما تحتويه مثيلاتها في أوربا من السموم الناقعة. يقول الدكتور «كيث بال» في مقاله الذي نشرته مجلة «بوست جراديوت دكتور»: إن السجائر التي تباع في البلاد النامية تحتوي على ضعف كمية القار «القطران» والنيكوتين الموجود في مثيلاتها في أوربا، والتي تصدرها الشركة نفسها وبالاسم ذاته، والسبب في ذلك يرجع إلى أن الرقابة هناك مشددة، والرقابة في البلاد النامية مخففة أو معدومة.

ويقول تقرير الكلية الملكية للأطباء الصادر في لندن 1977 تحت عنوان: التدخين أو الصحة: «إن تدخين السجائر في العصر الحديث يسبب من الوفيات ما كانت تسببه أشد الأوبئة خطرًا في العصور السالفة».

ويقول أيضًا: «إن تدخين سيجارة واحدة تقصم من عمر المدخن خمس دقائق ونصف، وهو الوقت نفسه الذي يقضيه المدخن عادة في تدخينها. وبحساب بسيط فإن الشخص الذي يدخن عشرين سيجارة يوميًا منذ ريعان شبابه، يخسر خمس سنوات من حياته في المتوسط، ولا شك أن من يدخن أربعين سيجارة يفقد ضعف تلك السنين، وليس معنى هذا أن كل من يدخن سيفقد حتمًا هذه المدة من عمره، كلا فهناك من يعيش حياة طويلة بين المدخنين، وإن كانت مليئة بالأسقام، ولكن هناك من يفقد ضعف هذه المدة من السنين نتيجة للتدخين، والمعدل هو كما ذكرناه.

وقد أثبتت الإحصائيات الدقيقة في أوربا وأمريكا أن كثيرًا من المدخنين يعيشون حياة تعتورها الأمراض والأسقام، كما أن الجدير بالذكر أن أعمار النساء في البلاد الغربية أطول من أعمار الرجال بحوالي سبع سنوات، ويرجع ذلك إلى أن أغلب الرجال يدخنون بشراهة، كما أن عدد المدخنين من الرجال يفوق عدد المدخنات.

وليت الأمر مقتصر على فقدان الحياة! وما أفدحها من خسارة جسيمة! ولكن الأخطر من ذلك هو الحياة التعيسة المليئة بالأسقام التي يعيشها كثير من مدمني التدخين.

فمريض النزلات الشعبية المزمنة مثلًا لا يموت في العادة قبل مضي عشر سنوات على الأقل من العذاب الدائم وهو يستميت في استنشاق الهواء وإخراجه، هذه النعمة التي لا نحس بها يحسدنا عليها مريض الإمفيزيما والنزلات الشعبية، فالشهيق والزفير الذي نقوم به ست عشرة مرة في الدقيقة دون أن نلتفت إليه أو ننتبه له، هو عملية شاقة تستغرق جهدًا ووقتًا بالنسبة لمريض الصدر الذي يعاني من الإمفيزيما، وتصور عشر سنوات أو تزيد من العذاب في كل ثانية وفي كل نفس، يضيق صدره وتنكتم أنفاسه، فكأنما يصَّعَّد في السماء، وفي كل لحظة وآونة يتجرع كأس الموت ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت، في كل ساعة من عمره يزفر ويشهق ألفًا ومائتين مرة، وفي كل يوم تختلج أنفاسه أربعة وعشرين ألف مرة، ويبقى في هذا العذاب الدائم يومًا بعد يوم وشهرًا بعد شهر وعامًا بعد عام، ينتظر الموت بل ويتمناه ليخلصه من هذا العذاب، وأين الموت ليريحه؟، لا يأتي إلا في الأجل المضروب!

كل هذا العذاب من أجل سويعات قضاها في شبابه يستمتع فيها بمتعة كاذبة بالتدخين، ألا ما أتعسها من متعة، وما أبهظه من ثمن يدفعه في سبيلها!

ويقول تقرير الكلية الملكية للأطباء: «إن المدخنين يرهقون الخدمات الصحية، فهم أكثر ترددًا على العيادات وعلى المستشفيات، وأكثر طلبًا للزيارات المنزلية، كما أن استعمالهم لأَسِرَّة المستشفيات ومدة مكوثهم بها أكثر بكثير من أمثالهم من غير المدخنين، وخاصة أولئك الذين تقل أعمارهم عن خمسة وأربعين عامًا».

كما يذكر التقرير المشار إليه أن خطورة التدخين لا تقتصر على المدخنين وحدهم فقط، وإنما يتعدى ذلك إلى الأجنة في بطون أمهاتها، فيكثر الإجهاض بين الحوامل المدخنات، كما أن أوزان المواليد من أمهات مدخنات أقل بكثير من أمثالهم من أمهات غير مدخنات، ليس ذلك فحسب، بل إن وفيات الأطفال في الأشهر الأولى من حياتهم لأمهات مدخنات هي أضعاف الوفيات الموجودة للأطفال الذين لا تدخن أمهاتهم.

بل إن الأطفال الرضع الذين يعيشون في غرف مليئة بدخان السجائر هم أكثر تعرضًا للالتهابات الرئوية والنزلات الشعبية من أمثالهم من الأطفال الذين يعيشون في أجواء نقية.

ولهذا تتجه الحكومات وخاصة في البلاد المتقدمة إلى بذل كافة المجهودات لمحاربة التدخين والتقليل من آثاره الضارة، يساندها في ذلك هيئات علمية وطبية متخصصة، فقد قامت كثير من الدول بمنع الدعاية للتدخين منعًا باتًا، كما أصدرت تشريعات تمنع بيعه لمن هم دون سن السادسة عشرة، وفرضت على ذلك عقوبات مشددة، كما أن كثيرًا من الدول وخاصة المتقدمة تمنع التدخين في أماكن التجمعات العامة مثل المواصلات إلا في بعض الأماكن المخصصة لذلك، كما تمنع التدخين في السينما والمسرح، وتمنعه كثير من التنظيمات والإدارات أثناء العمل، ولا يسمح به إلا في فترات الراحة التي تتخلل ساعات العمل الطويلة، وفي أماكن خاصة، كما أن الحملات الإعلامية والتثقيفية واسعة الانتشار يساهم في ذلك مساهمة فعالة الأطباء والعلماء والاقتصاديون وعلماء الاجتماع وعلماء الدين. كما يقدم التليفزيون في تلك البلاد المتقدمة برامج خاصة توضح مدى المخاطر التي تصيب المدخن، كما أنها توضح الأضرار التي تصيب المجتمع.

كما أن الهيئات الطبية تطالب بوضع إعلان بخط بارز على كل علبة سجائر يقول: إن السجائر تسبب سرطان الرئة والنزلات الشعبية المزمنة وجلطات القلب، بدلًا من الإعلان المكتوب حاليًا: إن السجائر قد تضر صحتك.

وتطالب الهيئات الطبية الحكومات بزيادة الضرائب على التبغ إلى درجة تثقل كاهل المدخن، وتدفعه إلى الإقلال من التدخين، وتقول تلك الهيئات: إن لذلك عدة فوائد: أولاها: التدخين سيقل، فمن يدخن عشرين سيجارة سيضطر إلى تخفيضها إلى عشر، كما أن الطلبة صغار السن ومحدودي الدخل ربما امتنعوا عن التفكير في التدخين نتيجة لارتفاع سعرها.

وثانيتها: إن الدخل الذي سيتحقق من ذلك سيعوض الدولة بعض ما تنفقه على المدخنين أنفسهم لمعالجتهم من أمراضهم المزمنة.

وثالثتها: يستعمل جزء من هذا الدخل في تمويل الحملة ضد التدخين وكشف أضراره، وتوضيحها للمجتمع.

وتقوم وزارات الثقافة والتعليم بإرشاد الطلبة إلى مغاب التدخين ومخاطره في برامج تعليمية ضمن المناهج، كما أن الهيئات الطبية تدعو المدرسين على وجه الخصوص إلى الامتناع عن التدخين ألبتة، فإن لم يستطيعوا ذلك فعليهم على الأقل ألّا يدخنوا أمام الطلبة، لأن القدوة تفعل ما لا تفعله الموعظة.

وتدعو الهيئات الطبية الآباء والأمهات إلى الامتناع عن التدخين وخاصة أمام أطفالهم، كما أن الحملة ضد التدخين أثناء الحمل قد نجحت إلى حد كبير.

ومما يشجع المرء أن يقرأ في تقرير الكلية الملكية للأطباء الصادر عام 1977 أن الأطباء والطبقة المثقفة في بريطانيا قد أدركوا مغبة التدخين، فانخفض عدد المدخنين من الأطباء من خمسة وخمسين بالمائة عام سنة 1950 إلى عشرين بالمائة عام 1970، ويعتقد أن نسبتهم الآن أقل من ذلك.

ويقول التقرير أيضًا: إن استهلاك السجائر للأطباء قد قل في الفترة ذاتها من عشر سجائر يوميًا لكل طبيب عام 1950، إلى أربع سجائر يوميًا لكل طبيب عام 1970، وبالمقارنة إلى بقية الشعب البريطاني فإن الطبيب يدخن ثلث ما يدخنه الرجل العادي، إذ يستهلك كل رجل بالغ اثنتي عشرة سيجارة يوميًّا في المتوسط، ويعتبرها التقرير نسبة عالية جدًا، ولو قارناها بما نشاهده من استهلاك الرجل للسجائر في هذه البلاد فإننا سنجد أن ما يستهلكه البريطاني أقل بكثير مما يستهلكه المواطن هنا.

وقد ظهرت آثار ترك التدخين على الأطباء البريطانيين كما يقول التقرير فانخفضت نسبة الإصابة بجلطات القلب لدى الأطباء من مستواها العالي عام 1954 عندما بدأت الدراسة إلى مستوى منخفض عام 1971 عند انتهائها، بينما استمرت جلطات القلب في الزيادة لدى بقية الشعب البريطاني.

وكذلك انخفض مستوى الإصابة بالسرطان الرئوي لدى الأطباء في ذاتها، وكذلك انخفض مستوى الإصابة بالنزلات الشعبية المزمنة والإميفيزيما لدى الأطباء خلال فترة الدراسة ما بين 1950 إلى 1971، بينما لم تنخفض الإصابة بسرطان الرئة إلا قليلًا لدى الرجال وهي في الزيادة المضطردة لدى النساء.

كما أوضحت الدراسة إن الوفيات قد انخفضت تحت سن الخامسة والستين لدى الأطباء بنسبة 21في المائة، بينما لم تنخفض لدى بقية الشعب إلا بنسبة 7في المائة فقط.

من كل ذلك نخلص إلى أن التدخين وباء خطير يهدد الصحة، وإن التغلب عليه ممكن إذا تضافرت الجهود.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

كلمة عن إعلانات التدخين!!

نشر في العدد 2

112

الثلاثاء 24-مارس-1970

مع القراء - 15

نشر في العدد 15

30

الثلاثاء 23-يونيو-1970

هذا الأسبوع - العدد 20

نشر في العدد 20

37

الثلاثاء 28-يوليو-1970