; أوزار الحرب | مجلة المجتمع

العنوان أوزار الحرب

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 07-أكتوبر-1980

مشاهدات 20

نشر في العدد 500

نشر في الصفحة 4

الثلاثاء 07-أكتوبر-1980

الحرب!! وأي حرب تلك التي تبقي أو تذر إذا نشبت في مكان ما من هذا العالم؟؟ وماذا وراء الحرب والفتنة غير الدماء والخراب؟؟ لقد شبهها العرب القدماء بالغول!! ومثلها بعضهم بالشيطان!! ووصفها آخرون بالأصم المجنون!! أما القرآن الكريم، فقد لخص أوزارها وعناءها عندما أخبر أنها كره لنا نحن معاشر المسلمين!! نعم... إنها كره في أحوالها الطبيعية... أي عندما تكون بين المسلمين والكافرين... بين الموحدين والمشركين.... كره في جميع وجوهها وطبائعها... قسماتها النار وطلعتها اللهب، فما بالك أخا الإسلام إذا كانت الحرب بين الشعوب المسلمة!!؟ 

أما أوزارها وعناؤها فماذا تحدثنا عنها الرسل؟ وماذا ينقل إلينا الأثير من صفات وجهها الكالح؟ عناؤها ثقيل، وأوزارها مضنية!! ومخلفاتها لا تعرف للرحمة سبيلًا أبدا!!

·الحرب تأكل الشباب اليانعين، وتلتهم شبابهم النقي التهاما، أولئك الذين من المفترض أن يكونوا عدة الوطن في البناء… وعمدته في الانطلاق نحو مستقبل يعود على الأجيال، وعلى الأمة بما فيه صلاحها ورفعتها ورقيها بين أمم العالم الأخرى...

الشباب تأكلهم نيران الحروب، ولا يتبقى منهم سوى الرماد الذي تظل منه نقطة سوداء مطبوعة على جبين التاريخ... نعم... هناك من يقول: إن الأمم المغلوبة لا يمكن أن تنعتق مما هي فيه من غلب إلا بإراقة الدماء..... وهذا أمر لا نخالف فيه... وليس محلًا لنقاشنا في أية حال من الأحوال... ولو أننا استعرضنا تاريخ الأمم التي مازالت تعاني حتى الآن من مخلفات الحروب وويلاتها؛ لوجدنا كم هو الوزر... وكم هي العاقبة مؤلمة ومحزنة… ففي اليابان… ظل أهل البلاد هناك بعد دمار الحرب العالمية الثانية فترة ليست بالقصيرة يعانون من غبار الحرب المشؤوم… ومن أوزار الذرة اللعينة… ومن ندرة الإمكانات المادية والبشرية، ولا سيما في السنوات التي أكملت العقد الخامس من هذا القرن... وفي ألمانيا... قدمت النازية للهيب النيران الشباب الألمان دون تقدير للثمن الذي كان يرتقبه النازي هتلر!! لقد عاشت نساء ألمانيا سنوات عجاف بعد فقد الشباب في الحروب الألمانية المتتابعة!! ولعل الإحصاءات الرسمية ما زالت تؤكد الأثر الذي خلفته أوزار الحروب الألمانية في نقصان الذكور على الإناث، واختلال المعادلة البشرية في المجتمع الألماني... وهذا أمر يؤدي إلى كثير من المفاسد الأخلاقية، والفتن الاجتماعية المعروفة… نعم إننا كمسلمين يجب أن نحسن تقدير الموقف الداعي إلى الحرب.. وعلى غير هذه الطريقة، فإن الشباب سوف يكون هو الهباء المنثور!! 

·وأوزار الحرب تحط بكلكلها على عوامل البناء، فتهدمها هدما يصعب بعده البنيان!! ووقوع ذلك في ديار المسلمين أمر يفرح دول العالم الآخر... العالم الكافر الذي ما فتئ يتربص بشعوبنا الدوائر!! ويخطط للوقيعة بنا وبأهلينا وبممتلكاتنا وبمقدراتنا التي أنعم الله علينا… ترى ماذا تفعل الحرب في بلادنا بمنشآت النفط مثلا؟؟ والنفط - كما هو معلوم- السلعة الأساسية التي يتكسب المسلمون بها!! والذي دفع بكثير من الأمم الطامعة لاقتسام الصفقة في ديارنا ومنابعنا!!..

·نعم... إن ما ينفق في الحرب من سلاح وعتاد… وما تهدره الحرب بأوزارها من نفقات وما تجره الحرب من دمار وخراب… كل ذلك لن يكون إلا خطوات عاجلة للرجوع بالأمة إلى الخلف... إلى الوراء!! أن المنشآت، والمؤسسات، والطاقات الاقتصادية التي تبددها الحروب بويلاتها – تحيط بالأمة من جانبين اثنين. 

الأول: الحاجة والفاقة الاقتصادية بعد التدهور والتخريب. 

الثاني: استغلال الدول الطامعة لواقع الحاجة للدول المتحاربة سواء أكان ذلك في أثناء الحرب كبيع السلاح والعتاد … أم كان فيما بعد انقشاع ظلمة الحرب… عندما تبدأ الدول المتحاربة المنهوكة بالدخول في مرحلة التعويض والبناء من جديد!! ولننظر إلى ألمانيا الغربية مثلا… فعلى الرغم من القدرة الاقتصادية الهائلة التي تملكها... فإننا لا يمكن أن نصفها بأنها دولة حرة!! لماذا؟! عندما خرج الألمان من حربهم في أوربا عام ١٩٤٥ منهوكين وقعوا في الفخ الذي خلفته الحرب!! وأي فخ!! أن القوات الروسية والجيوش الأمريكية والأوروبية؛ مازالت ترابط في كثير من مواقع ألمانيا… ذلك أن الحاجة التي شعر بها القادة الألمان الذين خلفوا هتلر ألجأتهم في مثل ظروفهم إلى الاعتماد على القدرات الخارجية في البناء والتعمير… وفي إعادة الحياة الطبيعية أيضا. 

فالحاجة هي التي دعت إلى ما حصل في ألمانيا فيما بعد، وإذا كان الشعب الألماني؛ قد تجاوز محنة ما بعد الحرب خلال ربع قرن. فهل تنتظر الشعوب المتحاربة الأخرى؛ مثل هذه الحقبة لترميم خراب الحرب ودمارها، ونحن نعيش عصر الإلكترون والذرة والفضاء؟؟

نعم!! إننا كمسلمين يجب أن نعي هذه الحقيقة… ونضع بين أعيننا دائما أن دم المسلم غال… وقد تحضرك أخي القارئ معنا قوله ابن عمر -رضي الله عنهما- عندما نظر إلى الكعبة المشرفة؛ وهو يتأمل ذات يوم، فنطقت شفتاه عن مثل هذا الكلام الرائع.

«والله إني لأعلم أن حرمتك عند الله عظيمة... وأعلم أن دم المسلم عند الله أفضل منك». ونحن هنا لا يسعنا إلا أن نقول لجميع مسلمي الأرض... لقد صدق (رسول الله صلى الله عليه وسلم) عندما قال: «كل المسلم على المسلم حرام ماله ودمه وعرضه».

 

 

الرابط المختصر :