العنوان التقارب السوري الأمريكي.. الدوافع والتوقعات
الكاتب عاطف الجولاني
تاريخ النشر الثلاثاء 28-ديسمبر-1993
مشاهدات 15
نشر في العدد 1081
نشر في الصفحة 43
الثلاثاء 28-ديسمبر-1993
أعلن وزير الخارجية الأمريكي وارن كريستوفر عقب اختتام جولته الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، والتي شملت عددًا من الدول المعنية بالمفاوضات العربية الإسرائيلية، أن لقاء قمة سيعقد في واشنطن وسط شهر كانون ثاني «يناير» المقبل بين الرئيسين الأمريكي والسوري، دون أن يعطي تفاصيل واضحة عن أسباب ودوافع هذا اللقاء، الذي سيكون الأول من نوعه منذ فترة طويلة.
المعطيات المتوفرة حتى الآن تشير إلى أن المفاوضات ستكون محور الارتكاز للقمة الأمريكية- السورية المنتظرة، وإن كان ذلك لا ينفي وجود دوافع خاصة لدى كلا الطرفين، ويمكن إجمال أهم الأسباب والدوافع لهذه القمة على النحو التالي:
أولًا: على الجانب السوري
- لقاء أدى إلى توقيع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاق غزة- أريحا مع الإسرائيليين إلى إضعاف الموقف التفاوضي السوري، حيث بات على سوريا خوض المفاوضات وهى تفقد ورقة التنسيق العربي ووحدة الموقف التفاوضي العربي، وأصبحت مضطرة للتعامل بما تبقى لديها من أوراق تفاوضية.
- من خلال متابعتهم لبنود اتفاق غزة- أريحا والتصلب الإسرائيلي في عملية التفاوض مع الفلسطينيين، أدرك المسؤولون السوريون ضرورة إعطاء دور أكبر للراعي الأمريكي، حتى لا تضطر سوريا للدخول في مفاوضات مباشرة ودون ضمانات مع الإسرائيليين كما حصل بالنسبة للفلسطينيين، وتشير بعض المصادر في هذا الصدد إلى أن الرئيس السوري سيسعى إلى الحصول على تعهدات شخصية من الرئيس كلينتون لتنفيذ بنود أي اتفاق مبادئ يتم التوقيع عليه بين السوريين والإسرائيليين.
- في ظل غياب الحليف السوفييتي عن إدارة حلبة الصراع الدولي، وتفرد الولايات المتحدة بذلك، يرغب المسؤولون السوريون بتحسين وضع سوريا الدولي، ورفعها عن قائمة الدول المتهمة بتشجيع الإرهاب، ويدرك المسؤولون السوريون أن مثل هذا الأمر لا يمكن تحقيقه في الظروف الحالية دون التقارب مع الولايات المتحدة وفتح جسور معها.
ثانيًا: على الجانب الأمريكي
- تدرك الولايات المتحدة ومعها «إسرائيل» أهمية الدور السوري في المنطقة، وفي آفاق نجاح أي اتفاقات يتم التوصل اليها مع أي طرف عربي آخر، وعلى الرغم من نجاح «إسرائيل» في اختراق الجبهة التفاوضية العربية عبر اتفاق غزة- أريحا الذي أضعف الموقف السوري، فإن الأمريكيين والإسرائيليين يدركون جيدًا أن سوريا لا تزال تملك العديد من الأوراق المهمة التي تمنحها قدرة على المناورة، ويأتي في مقدمة هذه الأوراق الورقة اللبنانية التي تخضع بشكل شبه كامل للسيطرة السورية، والورقة العسكرية المتمثلة في كون سوريا- ولو نظريًّا- الطرف الأقوى والأقدر في المنطقة على تشكيل تهديد عسكري للكيان الإسرائيلي.
إضافة إلى ذلك فإن سوريا تمتلك- إلى حد كبير- ورقة المعارضة الفلسطينية التي يتواجد معظم فصائلها على الأراضي السورية، وقد ضغطت «إسرائيل» ومنظمة التحرير بشكل مستمر من أجل دفع سوريا إلى لجم وتحجيم المعارضة الفلسطينية فوق الأراضي السورية.
- لقد رفضت سوريا حتى الآن فتح قناة سرية للتفاوض مع الإسرائيليين على غرار ما حدث في أوسلو بالترويج بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما أن المفاوضات السورية- الإسرائيلية متوقفة تمامًا منذ أكثر من ثلاثة أشهر، ويتوقع أن يؤدي اللقاء المرتقب بين الرئيسين الأمريكي والسوري إلى إزالة الجمود على هذا المسار، واستئناف المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والسوري.
- ولعل أحد الدوافع التي ربما كان لها دور في هذا التقارب الأمريكي السوري، هو إعطاء أهمية أكبر للدور الأمريكي في التسوية الجارية الآن في المنطقة بعد اتفاق غزة- أريحا الذي تم التوصل إليه من خلال وساطة نرويجية، وقد وصف المراقبون هذا الاتفاق في حينه على أنه نجاح أوروبي «إشارة إلى النرويج» وفشل أمريكي.
ويلاحظ أن الدوافع لدى الجانب الأمريكى ترتبط- إلى حد كبير بشكل أو بآخر- بالعملية التفاوضية، وهذا ما يدفع إلى التساؤل حول احتمالات نجاح لقاء الأسد- كلينتون في تذليل العقبات أمام توقيع اتفاق مبادئ سوري- إسرائيلي على غرار الاتفاقين الفلسطيني والأردني، وبما يمهد الأجواء لتوقيع اتفاق آخر على المسار اللبناني.
وتشير التوقعات الى أن احتمالات تليين المواقف السورية حيال القضايا الخلافية مع الجانب الإسرائيلي واردة بعد اللقاء، ولا يستبعد أن يتوصل الجانبان الإسرائيلي والسوري إلى توقيع اتفاق مبادئ خلال فترة وجيزة قد لا تتعدي الشهرين أو الثلاثة.
وتجدر الإشارة إلى أن أهم النقاط الخلافية بين السوريين والإسرائيليين تتمحور حول النقاط الثلاثة التالية:
- الانسحاب الكامل من الجولان الذي تطالب به سوريا، وترفضه «إسرائيل».
- العلاقات الدبلوماسية الكاملة والساخنة التي تطالب بها «إسرائيل» وتتحفظ عليها سوريا.
- الاعتراف المتبادل والتعاون الاقتصادي.
وقد أشار السفير الأمريكي السابق في دمشق تالكوت و. سيليي إلى أن احتمالات التوصل إلى اتفاق مبادئ سوري- إسرائيلي باتت واردة، وأن سوريا ستوافق على جدولة الانسحاب الإسرائيلي من الجولان على مراحل قد تستغرق سبع سنوات، وأنها ستوافق كذلك على جعل مرتفعات الجولان مناطق منزوعة السلاح، لكن وعلى الرغم من جميع التوقعات فإن الأمر قد يتطلب الانتظار مدة شهر أو شهرين للتعرف على مسار التطورات في هذا الجانب، وكذلك في الجانب الفلسطيني.
ولا بد لنا من أن نشير ختامًا إلى أن هذا الاستعراض المحايد للدوافع والتوقعات لا یعني تعاطفنا مع أي طرف عربي يخوض المفاوضات مع العدو الإسرائيلي مهما كانت المبررات والمسوغات، فنحن نعتقد أن الموافقة العربية على دخول نفق المفاوضات منذ البداية هي التي أوصلت الواقع العربي إلى هذا الوضع المأسوي، الذي بات الحصول فيه على أقل القليل من الأماني والطموحات.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل