; التنمية البشرية في العمل الإغاثي الإسلامي.. الكويت نموذجاً | مجلة المجتمع

العنوان التنمية البشرية في العمل الإغاثي الإسلامي.. الكويت نموذجاً

الكاتب نهال محمود مهدي

تاريخ النشر الأحد 01-يناير-2017

مشاهدات 1849

نشر في العدد 2103

نشر في الصفحة 18

الأحد 01-يناير-2017

رغم تعدد وانتشار المنظمات الخيرية والإنسانية العاملة في المجال الإغاثي، وتوحد أهدافها المعلنة على مساعدة المنكوبين والمحاصرين والمتضررين من الكوارث المختلفة؛ فإن العمل الإغاثي الإسلامي يتخلله عامل وهدف مميز؛ وهو أنه صورة من صور التكافل الاجتماعي بين المسلمين كافة حول العالم.

لا شك أن للتكافل الاجتماعي بين المسلمين قيمة كبرى في الدين الإسلامي أشارت إليها الآيات القرآنية في صورة الحث على التعاون في فعل الخيرات، والدعوة للإنفاق في أوقات الشدة والرخاء: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ {133} الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء) (آل عمران).

كما كانت الإشارة النبوية حاضرة في العديد من الأحاديث النبوية التي تناولت فضل تقديم يد العون للغير، وجعلها من أحب الأعمال إلى الله تعالى وأعظمها أجراً، فقد ورد في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ..»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أحب الناسِ إلى الله أنفعُهم للناس وأحبُّ الأعمالِ إلى الله سُرُورٌ تُدْخِلُه على مسلم أو تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً أو تَقْضِي عنه دَيْناً أو تَطْرُدُ عنه جُوعاً، ولأَنْ أمشيَ مع أخي المسلمِ في حاجةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أن أعتكفَ في هذا المسجدِ شهرًا، ومن كفَّ غضبَه سترَ اللهُ عورتَه ومن كَظَمَ غَيْظَه ولو شاء أن يُمْضِيَه أَمْضاه ملأ اللهُ قلبَه رِضًا يومَ القيامةِ، ومن مشى مع أخيه المسلمِ في حاجةٍ حتى تتهيأَ له أثبتَ اللهُ قدمَه يومَ تَزِلُّ الأقدامُ، وإنَّ سُوءَ الخُلُق لَيُفْسِد العملَ كما يُفْسِدُ الخلُّ العسلَ» (أخرجه الطبراني).

ولعل تلك الصبغة الدينية هي ما تميز العمل الخيري الإسلامي، وتُكسب القائمين عليه قيمة ومكانة إضافيتين نابعتين من امتثالهم لتعاليم الدين وتوجيهاته ومقاصده الإنسانية العامة.

واستناداً لذلك المنبع الديني، أنشأت العديد من الدول العربية والإسلامية جمعيات خيرية تنشط جهودها التنموية في مجموعة مترامية الأطراف من الدول الإسلامية الفقيرة، أو توجهها نحو التجمعات أو الأقليات المسلمة في الدول غير الإسلامية؛ بالإضافة لجهود إغاثية غير هينة تقدمها الجمعيات الخيرية الإسلامية لأي دولة في العالم تتعرض لكارثة طبيعية أو بشرية.

 

تغيير نوعي

لا يخفى على المتابعين للعمل الإغاثي حول العالم أن تلك الجهود من مختلف الجمعيات كانت تنحصر غالباً في المساعدات الطبية والغذائية وبناء المخيمات في مناطق الإغاثة وتجهيزها بما يوفر بيئة معيشية آمنة للنازحين والفارين من مناطق النزاعات والحروب، ويزيد على ذلك في بعض الأحيان حالات كفالات الأيتام، وبناء مساكن ثابتة أو متنقلة للإيواء.

إلا أن التوجه الجديد والملاحظ مؤخراً وتحديداً منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011م، وتفاقمها وما نجم عن ذلك من زيادة عدد اللاجئين السوريين ووصولهم لما يقارب 5 ملايين لاجئ، بحسب أحدث تقارير منظمة «العفو الدولية»، وانتشار مخيماتهم في أكثر من دولة تمتد ما بين الحدود الغربية والجنوبية لسورية في لبنان والأردن، إلى الحدود الشمالية لها مع تركيا؛ هو إحداث تغيير نوعي في طريقة الدعم والمساعدات المخصصة للاجئين تتجاوز الدعم الوقتي إلى دعم إنساني ممتد، يهدف لإحداث نوع من التنمية البشرية، وإعادة بناء اللاجئ معنوياً، وإكسابه عدداً من المهارات التي تساعده على التكيف مع الواقع الجديد بداية، ثم محاولة تطوير ذلك الواقع وتحسينه على المدى البعيد.

أما الجزء الأول من الدعم فكان الدعم النفسي الذي اعتمد على إيفاد متخصصين نفسيين وتربويين وسلوكيين لتلك المناطق؛ لتدريب اللاجئين بفئاتهم وأعمارهم المختلفة على تجاوز تلك الأزمة وتفادي آثارها السلبية، خاصة وأن التعرض للعنف والكوارث وفقدان الأهل أو الانفصال عن الأسرة، وتدهور الأوضاع المعيشية؛ يؤدي إلى نتائج وخيمة قد تزداد خطورة بالتعرض المباشر لانتهاكات نفسية أو جسمانية.

 

لا لجيل ضائع

جدير بالذكر أن لدولة الكويت تجربة رائدة في هذا المجال أشادت بها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) كونها إحدى أكبر الدول المانحة للمساعدات؛ حيث أشارت المنظمة إلى أن الكويت تعد مشاركاً بارزاً في مبادرة «لا لجيل ضائع» التي ساعدت من خلال الدعم المقدم من قبلها في صور مختلفة على الحيلولة دون فقدان جيل الأطفال السوريين الحالي الأمل في مستقبلهم، وذلك من خلال تعزيز مهاراتهم ومعارفهم، وتوفير فرص الحصول على مساحات آمنة لهم.

كما بينت المنظمة أن التمويل الكويتي ساهم في مساعدة 293 ألفاً و443 طفلاً سورياً على استعادة شعورهم بأنهم أطفال عاديون كغيرهم من الأطفال في ظل الحياة المضطربة التي يعيشونها؛ وذلك من خلال تقديم الدعم الملموس لهم، وتوجيه المساعدات النفسية والاجتماعية المباشرة عبر الأنشطة الترفيهية والاستشارات والرياضة.

وإلى جانب التوجه الرسمي كانت هناك العديد من المبادرات الخيرية؛ على رأسها كانت بادرة هي الثانية من نوعها في العمل الخيري والإنساني النوعي قامت بها الرحمة العالمية التابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي والتي سيرت قافلة «السلام وبلسم» الخاصة بدعم اللاجئين السوريين نفسياً في الأردن.

هدفت القافلة في الأساس لتقديم الدعم النفسي لمن يعانون من حالات الهلع والخوف والتردد من الأشقاء السوريين؛ بسبب رحلة اللجوء الصعبة على مدار السنوات الماضية، كما عملت على التخفيف من حدة تلك التأثيرات بالطرق العلمية، إضافة إلى تعزيز الوازع الأخلاقي والديني لدى المصابين؛ لما له من أثر كبير في إحداث الطمأنينة والراحة النفسية لهم بشكل مباشر.

 

مشروع «الأمل»

وفيما كان الدعم النفسي المعنوي هو الجزء الأول في فكرة التنمية البشرية للاجئين، كان الدعم العلمي الهادف لمنح الطلاب الفارين من القتال والمتخلفين عن صفوفهم الدراسية فرصة ثانية في اللحاق برفاقهم، وقد برز ذلك الدعم في نشاطات عدد من الجمعيات الخيرية الكويتية العاملة في هذا المجال.

فقد طرحت جمعية النجاة الخيرية مشروع «الأمل» لتعليم الطلاب السوريين اللاجئين في تركيا، ويقوم المشروع على أساس كفالة الطلبة السوريين كفالة دراسية كاملة تشمل تحمل المصروفات الدراسية ولوازم الدراسة من حقيبة وملابس، ومواصلات طوال العام الدراسي، وذلك في محاولة لتخفيف معاناة الطلبة السوريين الذين تم تهجيرهم، وتركوا منازلهم وأصبحوا يقيمون في المخيمات على الحدود التركية على أمل إعادة البسمة للطلبة اللاجئين وتخفيف المعاناة عنهم.

وإلى جانب التنمية العلمية كانت التنمية الروحية بمراعاة حالة الأطفال النفسية السيئة جداً، وتحفيزهم على تفريغ تلك الشحنات السلبية بملئهم بطاقة إيجابية تتمثل في توزيعهم على حلقات للقرآن الكريم، شهدت تفاعلاً كبيراً من الأطفال خاصة في ظل مسابقات ومكافآت دورية للحفظة وذويهم.

 

تمكين المرأة السورية

وبالرغم من كم المساعدات الهائل الذي تدفق على مدار ست سنوات من عدة دول عبر هيئات حكومية وغير حكومية، فإن الأمور في مخيمات اللاجئين الحدودية والداخلية في دول اللجوء كانت غير مستقرة، ورأى المتخصصون في العمل الإغاثي أن الأمر يجب ألا يتوقف عند حد المساعدات العينية الدورية، ولا حتى الدعم النفسي والعلمي للاجئين؛ فالحاجة باتت ماسة لتجهيز بنية داخلية تعمل على تأمين وضع معيشي أفضل للاجئين بشكل دائم يغنيهم مع الوقت عن تلقي المساعدات التي يمكن أن تُوجه لمن هم أسوأ وضعاً.

فكان التفكير في تدريب بعض اللاجئات السوريات على مهن بسيطة تساعدهن على تدبير مبالغ شهرية ثابتة، معتمدات على عملهن وجهدهن الخاص.

وكان لبيت الزكاة الكويتي تجربة رائدة في هذا المجال؛ حيث أنشأ بالتعاون مع هيئة الإغاثة الإنسانية التركية مشغلاً مجهزاً لتعليم الحياكة للاجئات تمهيداً لتوفير فرص عمل ملائمة لهن، وهو الأمر الذي ساهم في رفع الروح المعنوية لهن من خلال إحساسهن بذواتهن وقدرتهن على الاعتماد على النفس وتدبير أمورهن إلى جانب الدعم النفسي غير المباشر.

وعلى نفس الصعيد، كان لمؤسسة الرحمة العالمية دور في مجال تنمية وتمكين المرأة السورية لتقوم بدورها في رعاية أبنائها خاصة الأسر التي فقدت المعيل، وذلك عبر مشاريع تدريبية تأهيلية تكسب المرأة حرفة دائمة، وذلك من خلال مشغل كامل مجهز تأسس في إحدى المدن التركية.

هذا إلى جانب تعاون المفوضية السامية لشؤون اللاجئين مع عدد من المنظمات الخيرية في بعض دول اللجوء في تقديم منح مالية ضمن مشاريع مختلفة لتمكين اللاجئين السوريين، من بينها إقامة مشروعات إنتاجية في مجالات تصنيع الألبان وغيرها، وإقامة حدائق منزلية وزراعتها بالأعشاب الطبية بهدف تحسين الواقع المعيشي للأسر الفقيرة التي تحتاج للدعم، إلى جانب عقد دورات تدريبية متخصصة للسيدات وبرامج تتعلق بالطفولة والأسرة، في وقت يتم فيه إفادة المجتمع المحلي من المشروعات التي تنفذ على مدار العام.

جهدٌ متواصل يقوم به العاملون في مجال العمل الإغاثي على مدار العام في محاولات جادة لإنقاذ ما تخلفه الحروب والنزاعات، وفكرٌ يتطور مع الوقت يتجه نحو تجاوز المساعدات المؤقتة إلى خلق بيئة تنموية محيطة باللاجئ تمكنه من تخطي أزمته النفسية وبناء ذاته، ثم إكسابه مهارات تساعده على الوصول لحد الاكتفاء والاندماج في مجتمعه الجديد بروح إيجابية، وقدرة على التعايش مع الواقع والتصالح معه.>

الرابط المختصر :