العنوان الإسلام والغرب «٥ من ٥» التهديد الإسلامي للغرب..الأسطورة والحقيقة
الكاتب د. أحمد يوسف
تاريخ النشر الثلاثاء 28-نوفمبر-1995
مشاهدات 16
نشر في العدد 1177
نشر في الصفحة 48
الثلاثاء 28-نوفمبر-1995
• العلمانيون المنحازون ضد الإسلام -لجهلهم به- يقدمون صورة مغلوطة عن عداء الإسلاميين للغرب والتقدم
• د. القرضاوي: الحوار مع الغرب ضرورة على الصعيد الديني والفكري والسياسي.. ولا بأس من التعامل معه بمنطق المصلحة
• ينبغي أن يكون مفهومًا عند صناع القرار أن الغرب هو ضرورة ثقافية للشرق، وأن الشرق هو ضرورة ثقافية للغرب، وأنهما واجهتان للتنافس والتكامل وليس للعداء
نحن لا يوجد لدينا شهوة للحرب ولا نضمن عداوات تاريخية، ولكن الغرب لا يزال مصممًا على الاستمرار في منع نهضتنا، وتكريس تخلفنا، ونهب ثرواتنا، ودعم عوامل قهرنا واستنزافنا، مثل دعمه للأنظمة الديكتاتورية وتجريد أمتنا من أسباب النهضة والمقاومة.
إن التحول الذي طرأ على الإسلاميين لدى الغرب من الإعجاب به وتقليده، ومحاولة منافسته إلى العداء والرفض قد تم التقليل من أمره إلى درجة تصويره بأنه صراع حضارات منفصلة ومختلفة عن بعضها. إن زعماء الحركات الإسلامية ليسوا مخطئين في اعتبارهم الغرب أكبر التحديات أمام تحقيق الأسلوب الذي يرتضونه كمنهج للحياة يلتزم به أتباعهم. إن القوالب الفكرية المسطحة والتعميمات التي تتعزز بمقولات معظم المفكرين من ذوي الخلفية الأكاديمية العلمانية المنحازة المحدودة في معلوماتها عن الإسلام والمسلمين تحاول أن ترسم صورة المقارنة بين نقيضين: الإسلام ضد الغرب، والأصولية ضد التقدم، والتقاليد الجامدة ضد التحولات الديناميكية، والرغبة في العودة إلى -أو المحافظة على- الماضي ضد التأقلم والتكيف مع الحياة العصرية.
إن هذه الصورة القاتمة تتغير ملامحها في أدبيات هؤلاء الأكاديميين فالإسلاميون -عندهم- كلهم «أصوليون» بالمعنى الكنسي الممجوج في الغرب! ويتجاهل هؤلاء عن عمد ومع سبق الإصرار حقيقة أن العديد من هؤلاء الأصوليين قد تلقوا دراسات عصرية، ويعيش الآلاف منهم الآن في الغرب، ما بين أساتذة جامعة، وأطباء، ومهندسين، أو رجال أعمال، ورؤساء مراكز ومؤسسات إسلامية أمريكية وأوربية، بل يتولون في بعض الدول العربية والإسلامية مناصب ومواقع تخصصية رفيعة، ويشاركون في المسار الديمقراطي.
موقف متناقض للغرب
إن التركيز كما يقول «أسبوزيتو» على فكرة «صراع الحضارات»«1» يعزز الاتجاه والميل نحو التقليل أو تجاوز بعض المسببات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتصرفات المسلم، بل يصور لنا أفعال المسلم بأنها ردود أفعال غير منطقية بدلًا من وصفها بأنها استجابة لسياسات وإجراءات معينة.
إن صورة الغرب المتناقضة في الوعي واللاوعي العربي والإسلامي تختزن داخلها صورتين لهذا الغرب: صورة تجسد تارة العقل والتقدم والنزعة الإنسانية، وتارة أخرى تعطي وصفًا لقوة مسيطرة تعرقل نهضة الآخرين، وتتحول إلى عنف وحشي وتدخل غشيم. إنه حينًا غرب الإخاء والمساواة وحقوق الإنسان، وهو غرب العدوان واللاتكافؤ والعجرفة والاحتقار والاستعمار في معظم الأحايين«2».
هذه الصورة المخيفة للغرب تجعل الإسلاميين يتعاملون معه بحذر ويخافون عدوانه، وبالرغم من أن كثيرًا منهم يعيشون على أرضه ويتحركون في ساحاته الجغرافية والإنسانية، إلا أن هذا الغرب ما زال ينظر إليهم كتهديد وخطر. إن التحدي لا يتحول بالضرورة -وفي كل الأحوال- إلى خطر على الاستقرار الإقليمي أو على المصالح الغربية بل هو يشكل اختلافًا محفزًا لاستنهاض الذات يتعين التحاور معه بلغة التعايش والتقارب، وليس الإقصاء والاحتواء.. لغة تدفع الجانب الإنساني والإبداعي فيه لاكتساب حريته وتشييد مشروعه الحضاري المكمل لواجهة التحدي.
إن الغرب يتوجب عليه أن يتعامل مع الإسلاميين من منطلق الوعي بالغد وملامحه الإسلامية التي ترسمها رؤى وأفكار وتطلعات الحركة الإسلامية المتوهجة في كل مكان أن الغرب هو «ضرورة ثقافية» للشرق. كما أن الشرق هو ضرورة ثقافية للغرب، إنهما واجهتان للتنافس والتكامل، وليس للكراهية والعداء، ولهذا يرى «أسبوزيتو» أن السياسة الأمريكية يجب عليها باختصار أن تنفذ في إطار الاعتراف بالاختلافات الأيديولوجية بين الغرب والإسلام والتعامل معها إلى أقصى حد ممكن من منطلق المقبول أو على أقل تقدير من منطلق التسامح«3».
خيار الغرب في التعامل مع حركة الإحياء
أما «روين رايت» فتقدم مساهمة إيجابية من أجل علاقات مستقبلية أوثق مع العالم الإسلامي بالقول: «إن المستقبل سيكون في صالح التحول الإسلامي، وأن على الغرب أن يتفهم هذه الحقيقة أولًا، ثم يتعامل معها إيجابيًّا منذ الآن حتى لا يخلق عداوات ليس بحاجة لها في العالم العربي والإسلامي، وترى بأن هناك خيارين أمام الغرب للتعامل مع حركة الإحياء الإسلامي: الأول: الاستفادة من اللحظة التاريخية الحالية التي تشهد تنامي الإسلام والديمقراطية في العالم من أجل الضغط على الدول الإسلامية لتشجيع التعددية السياسية، ثم القبول بنتائجها بشكل إيجابي عندما تؤدي إلى نجاح الإسلاميين في الانتخابات، فالغرب عندها سيكون في موقف أقوى في محاسبة أية حكومة يشكلها الإسلاميون، إذا ما خالفوا قواعد اللعبة الديمقراطية أو انتهكوا حقوق الإنسان في بلدانهم، كما أنه سيكون بمقدور الغرب أن يمارس هذا الدور عندئذ بدون أن ينظر له على أنه معاد للإسلام، أما الخيار الآخر فهو سياسة مواجهة واحتواء الحركة الإسلامية عن طريق دعم الدول التي تضطهدهم، وتقضي هذه السياسة -التي تفهم ضمنيًّا وأحيانًا علنيًّا وبصراحة من مواقف الحكومات الغربية- بوقف وتحجيم الحركة الإسلامية قبل أن تصل للسلطة، وتنتقد «روين رايت» هذا الاختيار وتقول: إنه قد يكون مكلفًا على المدى البعيد بقدر مواز للتكلفة التي نجمت عن الصراع الطويل مع الشيوعية؛ لأنه -على ما يبدو وبعكس ما تهدف إليه هذه السياسة- قد تكون السبب في تحقيق التخوف الأكبر لدى الغرب، وهو توحيد الجماعات الإسلامية المختلفة -التي تصل إلى مرحلة اليأس بعد سنوات من القهر- في قوة همها الأساسي معاداة الغرب، واستخدام الأساليب المتطرفة في ذلك.. إلا أن الخطر الأكبر هو إيجاد شرخ غربي- شرقي جديد يكون الإسلام هو الطرف الشرقي فيه، ويخوض مع الغرب معركة دموية مفعمة بالتاريخ العدائي»«4».
إن السؤال المثار -بإزعاج- في الغرب اليوم هو: كيف سيكون الحال فيما لو وصلت الحركات الإسلامية للحكم؟ وكيف ستتعامل مع المصالح الغربية في المنطقة؟
سؤال قد تكون له مشروعيته، ولكن تراكمات الممارسات الغربية تجاه الإسلاميين لا تخدم -على وجه اليقين- إمكانات تبديد هذه المخاوف في الوقت الراهن.
إن المحللين السياسيين متفقون على أن الحركية الإسلامية ستبقى صبغة أساسية للسياسة المحلية في القرن الحادي والعشرين، ويتوقع «كمال أبو جابر- وزير خارجية الأردن» أن يكون الإسلام هو الوجه الجديد في المستقبل لمدة عقدين أو ثلاثة عقود قادمة«5».
وترى «روين رايت» أن الحركات الإسلامية هي القوى الوحيدة المنظمة والمؤهلة للتحرك بسرعة لملء الفراغ السياسي بالمنطقة«6»، كما أن «جونثان باور» يحاجج بالقول: «حتى مع اعتبار أن البعث الإسلامي يمثل تحديًا للقيم الدينية الغربية شبه المنسية، إلا أن انبعاث الوهج الإسلامي يقدم في الوقت نفسه -إذا ما اتخذ شكلًا ديمقراطيًّا- ربما أفضل فرصة للسلام والتسامح بين العالمين المسيحي والإسلامي منذ القرن الحادي عشر»«7».
لا شك أن هناك مشاكل كثيرة عالقة منذ عهود الاستعمار بين الإسلام والغرب، وبالتالي بين الإسلاميين والغرب، وهذه المشاكل لا يمكن بحال تجاهلها، بل يتوجب البحث عن حل عادل لها، إذا ما أراد الإسلاميون بناء علاقات إنسانية، وتقليص حدة العداء القائمة بين الطرفين. إن الناس تختلف مفاهيمهم وانتماءاتهم، ولكن مع ذلك تبقى الحاجة قائمة لإنصاف الآخر والتعايش معه حضاريًّا، انسجامًا مع الفهم الدارج حول عالمية الرسالة الإسلامية.
إن الإسلام كما يقول الفاروقي يمثل بالتأكيد تحديًا للغرب، ولكن هذا التحدي هو تحدي الصديق وليس العدو«8».
وأخيرًا، ما الذي يمكن أن نصل إليه بعد هذا الاستغراق في التحليلات البناءة لبعض الكتاب الغربيين المتخصصين في دراسة ومتابعة قضايا وفعاليات الحركة الإسلامية؟ لا شك أن تناولات وإرشادات هؤلاء الكتاب وفهمهم الواعي لحركة الإسلام والصحوة الإسلامية يساعد في تقديم رؤية متزنة علمية وموضوعية لجهات صنع القرار في الدوائر الغربية، مما يفتح المجال لخطاب حضاري بعيد عن المهاترات والتجنبات التاريخية، ويعكس حالة التحول والتغيير والنضج السياسي التي تمر بها الحالة الإسلامية الحركية. إن هذا ما حاولت «روين رايت» أن تلفت إليه النظر بالقول: «لقد ارتبط الإسلام الحركي طوال الثمانينيات في العقلية الغربية بالتطرف السياسي والإرهاب، واحتجاز الرهائن والعمليات الانتحارية، ومع اقتراب العقد من نهايته بدأت الصحوة الإسلامية مرحلة جديدة؛ إذ بدأت الحركات الإسلامية بالمشاركة في النظام السياسي بدلًا من معارضته، وازداد اجتناب النموذج الإيراني واستبدل رصاص المتعصبين بصناديق الاقتراع«9»، وتوسعت الحوارات بين النخب الإسلامية والقومية وتزايدت النداءات لتعميق دراسة فقه المصالحة مع النظم والأوضاع، فمهما حاول الناقدون التشكيك في مصداقية التوجه الإسلامي، فإن الحقيقة تبقى قائمة، وهي أن هناك استعدادات على الساحة الإسلامية الحركية لفتح حوارات مع الغرب لتقريب صورة النموذج الإسلامي بأفقه الحضاري وأبعاده الإنسانية، كما أن هناك قضايا يرى الإسلاميون تعزيزها بالتعاون مع الغرب كقضايا الديمقراطية والحريات السياسية وحقوق الإنسان.
الحوار فريضة وضرورة
فالدكتور يوسف القرضاوي الفقيه والمفكر الإسلامي المعروف يدعو إلى فتح حوار مع الغرب باعتبار أن هذا الحوار مع الغرب فريضة وضرورة لنا حتى يفهم ماذا نريد لأنفسنا والناس؟ وأننا أصحاب دعوة لا طلاب غنيمة، ورسل رحمة لا نذر نقمة، ودعاة سلام لا أبواق حرب، وأنصار حق وعدل لا أعوان باطل وظلم، وأن مهمتنا أن نأخذ بيد الإنسانية الحائرة إلى هداية الله، وأن نصل الأرض بالسماء، والدنيا بالآخرة، والإنسان بأخيه الإنسان حتى يحب كل امرئ لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، وحتى تبرأ البشرية من داء الأمم: الحسد والبغضاء«10».
ويطالب د. القرضاوي بأن يكون هذا الحوار مع الغرب على أكثر من صعيد، على الصعيد الديني والفكري والسياسي، ويرى أنه لا بد للحركة الإسلامية من حوار سياسي مع رجال السياسة وصناع القرار الظاهرين والمستترين.
ولا يجد د. القرضاوي بأسًا في التعامل مع الغربيين بمنطقهم المصلحي المعروف، حيث يعتقد أن مصلحة الغرب ألا يعادي ألف مليون من المسلمين، بل السعي لكسب ودهم واحترامهم وثقتهم، ويرى أن هذا الحوار طويل النفس والقائم على المكاشفة والاستقامة والصرامة لا بد أن يزيل الأوهام المستقرة في عقول الغرب عن الإسلام والمسلمين. ويعقب بالقول: «إننا إذا أقنعنا قادة الغرب والمؤثرين في سياسته بحقنا في أن نعيش بإسلامنا: توجهنا عقيدته، وتحكمنا شريعته، وتقودنا قيمه وأخلاقه، دون أن نبغي عليهم، أو نضمر سوءًا لهم نكون قد قطعنا شوطًا كبيرًا في سبيل الوصول إلى هدفنا في إقامة المجتمع المسلم الذي ننشده لأوطاننا»«11».
أما فيما يتعلق بالمخاوف من الإسلام السياسي وسطوته وإذا ما بلغ أشده ووصل إلى سدة الحكم فهذه ادعاءات -كما يقول «أسبوزيتو»- أثبت الإسلاميون بطلانها من خلال تقبلهم للعملية الانتخابية والتعددية السياسية في أكثر من قطر، واحترامهم للأقليات وحق المرأة، كما أنهم فوق مستوى الشبهات، وأن القواسم التي تجمعهم في الغرب وفي الدفاع عن الحقوق الإنسانية والحريات السياسية، والتعددية الحزبية، ونبذ الإرهاب، هي أكثر مما يمكن أن تجتمع عليه العلاقات المصلحية الآنية بين الغرب والنظم القهرية الديكتاتورية في الشرق الإسلامي»«12».
إن الإسلاميين يتطلعون للتطور والتحديث وربطه بعجلة الفكر الإسلامي وضوابط حركة المجتمع الإسلامي، كما أن الإسلاميين لديهم قائمة من الأولويات تقف على رأسها استعادة الحريات والكرامة الإنسانية في العالمين العربي والإسلامي؛ حيث الناس يعانون من الاضطهاد والديكتاتورية.
إن الإسلاميين -فيما يبدو- مستعدين لتحسين العلاقة مع الغرب، ليس فقط من أجل المصالح الاقتصادية والسياسية المشتركة، ولكن أيضًا بسبب إيمانهم العميق بأن الاستقرار والتعاون فيه كل الخير للإنسانية.. إنهم يأملون أن يتعامل معهم الغرب على نفس القاعدة، أو كما قال مالك بن نبي -المفكر الجزائري المعروف- في كتاب شروط النهضة: «إننا نحب أن نرى القوى الغربية ترحب بالصحوة الإسلامية ليس كخطر إسلامي، ولكن كنهضة لمئات الملايين من الناس الذين سيسهمون بمجهوداتهم الأخلاقية والفكرية لصالح الإنسانية»«13».
إن على الغرب أن يتعامل مع الحركات الإسلامية إذا ما أراد أن يعرف صورة أفضل عنها، وعليه أن يفتح مجالات للحوار مع قادتها حول مستقبليات العلاقة فيما بينهم، كما أنه يتحتم على الإسلاميين عندئذ أن يقوموا بتقدير أفكارهم وتصوراتهم حول مختلف القضايا بمنهجية حضارية تخدم إطارات التعايش والتقارب مع الغرب، حيث بالتعاون والتفاهم المشترك -فقط- بإمكانهم تعزيز فرص السلام والاستقرار في العالم.
روح اليقظة
إن المسلمين اليوم قد تجاوزوا مرحلة يقظة الروح -أو هم في طريقهم لذلك- إلى مرحلة «روح اليقظة»، وهي التي تزود الروح الناهضة في النفوس بالتوجيه العقلي، حيث يفكر الإنسان بعقله لا بمشاعره وعواطفه، ويسترشد في اندفاعاته بنور الفكر، من أجل إكمال المسيرة وجعلها مسيرة واعية ذات خط بياني صاعد غير خاضع لاستفزازات الأحداث أو ردود الفعل حوله، بل على بصيرة بحركته وأفعاله«14».
ولعل ما كتبه المستشرق الأمريكي «أسبوزيتو» في كتابه «الخطر الإسلامي.. حقيقة أم أسطورة» خير ما يعكس رؤية رجل خبير بالحركة الإسلامية وعلى درجة من التفهم والوعي بأوضاعها وأحوالها وخلفيات تحركها، حيث يقول: «وكما يحلم البعض بخلق نظام دولي جديد، حيث تتطلع الملايين في شمال إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا إلى المزيد من الحريات السياسية والتحول الديمقراطي، فإن استمرارية النمو الإسلامي والحركات الإسلامية يجب ألا ينظر إليها كخطر، ولكن كتحد، وبالنسبة للكثيرين من المسلمين فإن المد الإسلامي يعتبر عملية اجتماعية أكثر منها حركة سياسية تسعى إلى إقامة مجتمع ذي توجه إسلامي، وليس بالضرورة إقامة دولة إسلامية، وبالنسبة للآخرين فإن إنشاء النظام الإسلامي يتطلب قيام دولة إسلامية، وفي كلا الحالتين، فإن الإسلام ومعظم الحركات الإسلامية ليسوا بالضرورة أعداء للغرب أو الولايات المتحدة، أو ضد الديمقراطية فهم في نفس الوقت الذين يشكلون فيه تحديات للمسلمات القديمة التي عفا عليها الزمن من أنظمة سائدة وحكومات أوتوقراطية «فردية» فإنهم في الوقت نفسه لا يشكلون بالضرورة تهديدًا للمصالح الأمريكية.
إن التحدي الذي أمامنا هو أن نفهم تاريخ وحقائق العالم الإسلامي. إن الاعتراف بالتنوع وتعددية أوجه الحركات الإسلامية يدحض الصورة التي في أذهاننا عن خطر وحدة إسلامية كبرى، ويقلل أيضًا من خطر الاستسلام لأفكار خيالية عن معركة بين الغرب والإسلام الراديكالي، وانطلاقًا من مثلنا ومبادئنا المعلنة وأهدافنا من أجل تحقيق الحرية وتقرير المصير يسعون لاستكشاف ومعرفة جديدة تفضي بهم إلى المستقبل«15».
خاتمة
إن معظم صناع القرار السياسي وأجهزة الإعلام والمفكرين في الغرب أصبحوا يهتمون بتزايد التأييد الشعبي للإسلاميين خلال العقود القليلة الماضية. إن هذه الحركات قد خلقت تحديًا عن طريق القوة -عندما تمنع من المشاركة في الانتخابات- لشرعية الأنظمة العلمانية. إن أهداف هذه الحركة هي التقليل من نفوذ الأيديولوجية السياسية والاجتماعية الغربية، وإزالة الأنظمة الفاسدة، وإقامة نظام اجتماعي سياسي قائم على الشريعة، ومع ذلك فإن الديمقراطية -رغم مصدرها الغربي- قد اندمجت في الخطاب الإسلامي للمفكرين الإسلاميين المعاصرين.
إن الإسلاميين اليوم لا يجدون حرجًا في تقبل المبادئ الديمقراطية طالما أن الناس يختارون الديمقراطية، ويختارون ممثليهم وقادتهم بحرية وتتوافر الحقوق الإنسانية الأساسية للشعب، وطالما كان هناك تبادل مواقع في السلطة ويعمل الإسلاميون على تطبيق الشورى على مستوى قاعدة السلطة ويستعملون الوسائل الديمقراطية المفيدة لتطبيق مبدأ الشورى كالانتخابات والنظام البرلماني، وتوزيع السلطة والتعددية. إن الحركات الإسلامية في الأردن وتركيا وماليزيا والسودان قد أثبتت التزامها بتطبيق الممارسات الديمقراطية في ممارستها أن الإسلاميين عندما أعطيت الشرعية لمنظماتهم، قد أظهروا قدرتهم على تحمل المسئولية وممارسة قدر كبير من الاعتدال، ومع ذلك فإن التجربة الديمقراطية قد علقت في بعض الدول عندما أوشك الإسلاميون على تسلم مقاليد السلطة عبر صناديق الاقتراع، وهكذا نستطيع أن نصل إلى الخاتمة بالقول: إن هناك خطة موجودة -مكتوبة أو غير مكتوبة- لتحقيق ثلاثة أهداف:
۱- تقويض محاولات الإسلاميين للمشاركة في الانتخابات.
٢- إرغام الإسلاميين على فقد الثقة بالديمقراطية نتيجة لذلك.
٣- إجبارهم على اللجوء إلى العنف كوسيلة للتعبير عن إحباطهم.
إن القادة الغربيين عليهم أن يختاروا بين احتمالين: أن يتحلوا بالصبر ويضعوا جانبًا مخاوفهم وتحاملهم، ومن ثم أن يقبلوا بالإسلام السياسي كنظام سياسي متقدم للأفكار والممارسات، أو مواصلة تعميق حالة العداء الراهنة وفقدان الثقة، وبكل تأكيد فإن الاحتمال الأول هو الأفضل.
إن حوار الإسلاميين يشجع على الانفتاح والتعايش والتعاون بين الدول. إن على الغرب أن يتعامل مع حقيقة أن الأصولية الإسلامية -أو ما نحب أن نسميه بظاهرة الإحياء الإسلامي- ليس خطرًا على المدى البعيد«16». ولسوء الحظ فإنه عندما يأتي القادة والمفكرون الإسلاميون إلى عواصم الغرب لشرح أفكارهم وتطلعاتهم فإنهم يقابلون بجفاء، وفي تلك الحالات القليلة التي يدعون فيها لمخاطبة المراكز السياسية الغربية فإنهم يستجيبون بطريقة فظة بدلًا من الحوار معهم بطريقة محترمة، ولعل أفضل طريقة للوصول إلى المرونة الغربية هي الاعتماد على حث المفكرين والأكاديميين الغربيين على الكتابة باعتدال وإنصاف، ولومهم على انتهاج أسلوب التنفير ضد نظرائهم من المفكرين الإسلاميين.
إن الخطر على الدول الغربية -وخاصة الولايات المتحدة- ينبع من أن المفاهيم الخاطئة سوف تظلل أحكامهم وتؤدي بالتالي إلى اتخاذ أحكام عكسية وسلبية ضد الإسلام باعتبار أنه خطر داهم، فإن على المحللين الغربيين وصناع القرار السياسي أن يأخذوا في الاعتبار أن الإسلام حضارة متنوعة تحمل في طياتها وجهات ثقافية وأيديولوجية ودينية أو إثنية وقومية مختلفة.
إن مصطلح «الأصولية الإسلامية» يجب أن يعدل بحيث يعني الحركات والجماعات المختلفة التي تنطوي تحت ذلك المصطلح، ويمكننا القول بأنه -من حيث المبدأ- لا الإسلام ولا الأصولية الإسلامية في حالة عداء مع الغرب، وأن المشاعر المعادية لأمريكا من الجماعات الإسلامية في الشرق الأوسط لیست موجهة ضد المسيحية أو الحضارة الغربية، ولكنها ردود فعل للسياسات الأمريكية «المتحيزة» خاصة تأييد واشنطن للأنظمة الشمولية، وكذلك التاريخ الطويل للتدخلات العسكرية الأمريكية في المنطقة«17».
الهوامش
«1» Esposito. The Islamic Threat, 179,
«2» Afayeh, Muhammad Nureddin. "The Orient Imagined: The Political, Occi dental Vision of the Mediterranean," Book Review, Al-Wehda, 1990, 225, See also; Hentsch, Thiery. L'orient Imaginaire; La vision politique occi- dentale de l'est Mediterranean. Paris: Minuit, 1928.
«3» Esposito. The Islamic Thereat, 209.
«4» Wright. Foreign Affairs, 145.
«5»Wright, Robin. "Islam's New Political Face." Current History 90, No. 522 «January 1991»: 25.
«6» Ibid, 26.
«7» Power Jophnathan. "Islam's Resurgence and the West,s Blindness." Commen- tary. Baltimore Sun, 14 August 1992
«8» Faruqui, M.H "crusade in the Name of Modernity: Cold war Soldiers Refuse to Retire." Book Review, Impact Inter- national. 12 June 19 July 1992, 32.
«9» Wright. Current History, 25.
«10» المسلمون، العدد «407» 20 نوفمبر ۱۹۹۲، ص۱۱.
«11» د. يوسف القرضاوي، أولويات الحركة الإسلامية للقرن القادم- القاهرة- وهبة ۱۹۹۱، ص: ۷۲- ۱۸۲.
«12» Esposito. The Islamic Threat. 199.
" «13»How should the U.S. Feal with the Islamic Movements? "North African News, March/ April 1991, 6.
«14» الثورة الرأسمالية يونيو ۱۹۹۱، ص٢٦.
«15» Esposito. Op. Cit, 202,
«16» Fuller, Graham "Islamic Fundamental- ism: No Long-Term Threat, The Wash- ington Post, 13 January 1992, See also; Abul-Fadl, Mona Where East Meets West: the West On the Agenda of the Is- lamic Revival. Islamization of Knowl edge, No. 10 Herndon, Va.: Islamic In stitule of International Thought, 1992.
«17» Hadar, Leon, "The Green Peril": Greating the Islamic Fundamentalist Threat. Policy Analysis Series, No. 177. Washington, D.C: 27 August 1992, 35.
«*» مدير المؤسسة المتحدة للدراسات والبحوث، واشنطن.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكللا ندعو للقطيعة مع الحضارات الأخرى لكن نرفض الذوبان والاستسلام
نشر في العدد 2147
24
الثلاثاء 01-سبتمبر-2020
المفكر الأمريكي «جون أسبوزيتو» يجيب في حوار سـاخن مع «المجتمع» عن: لماذا يخاف الغرب من الإسلام؟
نشر في العدد 1081
12
الثلاثاء 28-ديسمبر-1993
مستقبل العالم: على ضوء مقال صموئيل هننغتون صراع الحضارات... ودور الإسلام
نشر في العدد 1087
21
الثلاثاء 08-فبراير-1994