العنوان الجبرتي أول من أصدر صحيفة في الشرق
الكاتب عبد الرحيم عبد الخلاق
تاريخ النشر الثلاثاء 09-مارس-1971
مشاهدات 161
نشر في العدد 50
نشر في الصفحة 24
الثلاثاء 09-مارس-1971
هل توجد صحافة إسلامية؟
*يجب أن تكون الصحافة الإسلامية على مستوى المعركة!
*أين وكالة الأنباء الإسلامية؟
· في ندوة ضمَّت بعض العاملين في حقل الدعوة الإسلامية أثار أحد الحاضرين مشكلة القصور أو التقصير الذي مُنيت به الحركة الإسلامية حتى أصبح صوتها الحقّ خافتًا يعلو عليه ضجيج الباطل في كلّ مكان! وتضاءل نورها في زوايا الأرض التي عمَّها الظلام الدامس للكفر والفساد بما كسبت أيدي الناس! وبالتالي فقد انحصر دورها القيادي البشرية إلى أدوار إقليمية تكاد تترنح فيها من الضربات العالمية الموجهة إلى حامليها وتعدَّت إلى عقيدتهم ومبادئهم! حيث تفنَّن الخصوم في الأساليب المزيّفة للحقّ حتى اقتنع بها كثيرٌ من الناس.. وتركَّز موضوع الندوة على وسائل الإعلام الحديثة من صحافة وإذاعة، «وتلفزيون» وسينما، ومسرح.. ومدى إمكانيّة استخدامها في خدمة الدعوة الإسلامية.. واستقطب الندوة موضوع الصحافة..
أهميَّة الصحافة
لكن «أبو فراس»، حاول منذ البداية أن يحوِّل الحديث عنها قائلًا:-
منذ متى كانت الدعوة الإسلامية في حاجة إلى صحف سيَّارة تحمل مبادئها وتبشر برسالتها؟! إنّنا في حاجة إلى تجمُّع حركي فقط يعمل في صمت وينساب تيَّاره الإيماني إلى قلوب الناس..!
ورددتُ عليه قائلًا:
لسنا ننكر ضرورة التجمُّع للدُعاة إلى الله، ولكن الحاجة للصحافة تنبع من الرغبة الصادقة في أن يكون للحركة الإسلامية صوت يُسمع وكتاب مقروء! يأتي من أصل توجيه الله لها: ﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ﴾ (سورة النحل: 125)
«والحكمة ضالَّة المؤمن إن وجدَها فهو أحقّ الناس بها»، وكل طريق يوصل للناس عقيدَتنا فهو من الحكمة المَدعوين إليها...!
- ومن أجمل ما قرأت بيانًا عن أهمية الصحافة هذا القول:
إن الجريدة أو المجلة أشبه ما تكون بواجهة المحل التجاري «الفاترينة»! فقد يعرض التاجر في واجهة متجره أفخر البضائع وأفضلها نوعًا وذوقًا وثمنًا... ولكنّها لا تستلفتُ النظر! لأنَّه وضعها بغير نظام أو تركيب فني... فيمرّ بها الجمهور مرَّ الكرام! في حين أنَّك تجد تاجرًا آخرًا قد تفنَّن في تنسيق تلك الواجهة، وأجاد عرض بضاعته فيها.. فلا يكاد يمرُّ بها شخص حتى تستهويه طريقة العرض فيقف أمامها طويلًا..!
والإسلام بضاعة ربانية قيمة.. لو أحسنَّا تقديمه للناس لانجذبوا إليه..!
- ولو أخذنا بالمفهوم الشائع للصحافة من أنّها «مرآة المجتمع»، لأدركنا حتميّتها لمجتمع المسلمين تعكس مبادئهم وعاداتهم وترسم صورة العدالة التي تميّز بها مجتمعهم. ولاستطعنا أن نجعل منها عدسات تلتقط إشعاعات الهدى والنور لتبثّها في العالمين..!
*ابتسم «أبو بصير» واعتدل في جلسته ليأخذ مأخذ الجدّية في القول والتأثير في القوم فقال:
إنه ليلفت نظري ما ورد في القرآن الكريم من كلمة «الصحف» لقوله تعالى ﴿ َمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ﴾. (سورة النجم: 36)
فأشعر بأنّ هذه الصحف أشبه ما تكون بمجلة متنقّلة ذات تاریخ مجید يتوارثها الناس، وتستمدّ صحفهم الحديثة بعضًا من صحفهم القديمة... وتكون على أيّة حال داعية يمكن تسرّبه إلى كلّ بيت إذا ما حوربت علانيته.
مصدر صحافتنا
*قلت له:
والقرآن الكريم بما سُمِّي به «المصحف الشريف» الجامع بين دفّتيه مبادئ العقيدة، وأصول الشريعة، ومناهج الحياة المُثلى هو المصـدر الأصيل الذي يشتمل على:
ما يوضِّح العقائد الصحيحة ومعارك الإلحاد، والقوانين المُحكمَة والعقوبات لكلّ أنواع الجرائم مع ذكر الوقائع أحيانًا بوصف مُفصّل أو موجز...
واستخدام القصة لخدمة الأهداف العليا.. ممّا يحتاج إلى دراسة خاصّة للقرآن الكريم من هذه الزاوية.. وهو بهذه الصورة عالمي الفكرة والموضوع والهدف لأن الله سبحانه وتعالى خاطب به الناس كافّة.
أثر الصحافة
قال «أبو بصير»:
وبما للصحافة من قوة فعّالة فقد وُضعَت كسلطة رابعة لسلطات ثلاث يقوم عليها بناء أي دولة وهي السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية.. ويعمل لنقدها وتوجيهها ألف حساب.. حتى حاولت النظم الحاكمة السيطرة عليها أحيانًا وشراءها أحيانًا أخرى.. وحسبنا أن نذکر أثرها في إزالة أنظمة حاكمة والإتيان على عروش من القواعد.. وكم استطاعت الصحافة الموجَّهة من قبل الحاكمين أن تجرَّ عقول الجماهير وألسنتهم إلى حيث يريدون..
ولا زالت تتفتَّق الأذهان في دول كثيرة عن أساليب تكميم الصحافة وتقييدها.. تارةً بقوانين تنظيم الصحافة وأحيانًا بملكيّتها أو تبعيّتها لهيئات شبه حكومية.. أو التأثير على منهجها وأسلوبها بالمصاريف السرّية... إلخ.
الكاريكاتور.. وامرأة أبي لهب
· قلت له:
لو أن الصحف الإسلامية استطاعت دراسة القرآن الكريم في عرضه للموضوعات بطريقة مشوّقة ومثيرة، وأسلوب بليغ يُوجز حيث يجب الإيجاز، ويُطنِب حيث يلزم الإطناب، ويسترسل في الوصف الجميل إذا ما اقتضاه لعرض للموضوع.. بل إني لأكاد ألمح «الكاريكاتور» الساخر في مواجهة أئمة الكفر وزعماء الباطل، وتحطيم أصنام من البشر لها قداستها عند عبادها نوعًا من الحرب النفسية..
فيما تراءى لي من الصور لما أعلنه القرآن الكريم في سورة «المَسَد» من رسم صورة ساخرة هازئة مشينة لامرأة «أبي لهب» وهي تحمل على رأسها حطبًا تشتعل فيه النيران وهي مجرورة من عنقها بحبلٍ من مَسَد..!
إنّها صورة تُحطِّم الكبرياء الذي تدلَّلت به في قومها عمرًا طويلًا وحينما يتعبَّد بهـا المسلمون قراءة وترتيلًا! وتنتشر بين الناس منطبعةً في أذهانهم وخيالاتهم.. مع سهولة التصوير لها.. لا بد أن تؤتي أثرها وتحقِّق الهدف منها في سرعة مذهلة..!
«الريبورتاج»
*قال «أبو بصير»:
إنّ أبرز ما تحرص عليه الصحف الحديثة الجيّدة، وتهتمّ به الدراسات المتخصّصة ويحتلّ مكان الصدارة في الاجتماع الأسبوعي لمُحرِري المجلة الأسبوعية، ويهتم باختيار فئة من المحرِّرين الممتازين الذين لهم قدرة على الوصف، وصدق النظر، والتقاط الصور الخاصة بالموضوع الذي تقدّمه للجريدة هو «الريبورتاج» وهي كلمة أجنبية تعني بالعربية «الوصف الصحفي».. ومن أهمّ ركائزه إبراز الموضوع بصورة واضحة مشوّقة تستلفت النظر وتُثبت المعلومات.. ومع قراءة دقيقة فاحصة لكتاب المرحوم «سيد قطب» «التصوير الفني في القرآن الكريم» تشعر بأنّك أمام كتاب معلم معجز خالد يعتبر دليلًا هاديًا لكلِّ صحفي «ريبورتاجي» ممتاز.
القصة
قلت له:
وإذا كانت القصة فيما قيل تعتبر تعرّضًا للتصوير يوحي برموزه وإشاراته إلى القارئ بالغرض الذي يرمي إليه الكاتب القصصي، وتُعتبَر من أبرع الوسائل التي تشدّ القارئ إلى المتابعة، ومن أحسن ما يوصل المعاني والأفكار مهما كان ثقلها وظلمها إلى عقول الناس... وما زالت قصص عالمية كان لها أكبر أثر في تغيير مجتمعات بأسرها تُطبَع وتُنشَر وتجد لها السوق الرائجة مهما طال الزمن..!
لذلك كانت القصة من المواد التي تحرص عليها الصحافة لمفعولها الساحر... حتى جعلوها أحيانًا على حلقات زيادة في التشويق وربطًا للقارئ بالجريدة وتركيزًا لكلِّ معنى يستخلص من حلقة سابقة.
والقرآن الكريم في مكانته العليا يعتبر المنار الحقّ لكلّ قاصٍّ صحفي..!
ظهور الصحافة في الشرق العربي
*قال «أبو فراس» وقد رأى الموضوع يفرض نفسه عليه ويشدُّه إليه:
متى ظهرت الصحافة في شرقنا العربي الإسلامي؟
*قلتُ له:
في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي أصدر المؤرِّخ المعروف الشيخ عبد الرحمن الجبرتي نشرة أسبوعية، مخطوطة باليد أسماها «الأيام»، وكان يضمنها أهمّ الحوادث في القاهرة، وما يصل إلى سَمعه من حوادث الثغور والمحافظات وحواضر الأقاليم، ويوزع فيها مقدارًا محدودًا حسب طاقته...! وقد نسج على منواله فيما بعد السيد جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده -رحمهم الله- حينما قاما بإنشاء جريدة «العروة الوثقى» في سنة 1884 ميلادية في باريس، وكانا يصدرانها خطِّيًا لتكون منبرًا للدعوة الإسلامية، ولسانًا للحركة الإسلامية تناهض الأوضاع الظالمة، وتَنفِث في روح المسلمين ما فتر فيهم من عزّة وإباء وتدعو إلى تجميعهم على الجهاد... وقد اعتبَر مؤرِّخو العصر الحديث أنّ نشرة «الجبرتي» تُعدّ النواة الأولى للحقل الصحفي بمصر والشرق العربي.. وتوالى صدور الصحف بشتى اتجاهاتها مع ظهور «الطباعة»، وغمر السوق الإسلامي بأنواع مختلفة من المجلّات الشهرية والأسبوعية حتى قامت الحركة الإسلامية في القرن العشرين وأدركت أهمية الصحافة ودورها الفعال فأصدر «حسن البنا» في مصر مجلة «النذير» ثم «الإخوان» الأسبوعية «والشهاب» الشهرية. وكانت أول جريدة يومية إسلامية تهتم بالخبر الصادق والفكر الهادف وتأخذ بأرقى الأساليب العصرية هي جريدة «الإخوان المسلمين» اليومية التي منذ عطَّلها الحكم الاستعماري في ديسمبر 1948 لم يحظَ الشرق العربي الإسلامي بمثلها.. إذ كانت لها دارها الخاصّة للطباعة ومراسلوها المنبثّون في أهمّ بِقاع العالم... إلخ. واستشهد مندوب إحدى الدول الكبرى في هيئة الأمم المتحدّة بتحقيق نشرته يومًا عن الأوضاع الاستعمارية في الدول العربية.
*قال «أبو فراس»:
وهل توجد الآن صحف إسلامية؟
*قلت له:
إذا كان السوق الإعلامي لم يخلُ من عديد من المجلات والجرائد الإسلامية المبثوثة في أنحاء العالم من المشرق إلى المغرب إلى القارّة الهندية فإنّ الواضح فيها الإقليمية «والكلاسيكية»..!
*قال «أبو بصير»:
ماذا تعني بالإقليمية «والكلاسيكية»؟!
*قلت له:
أعني أنه لا توجد صحافة إسلامية بالمعنى الشامل التي تُبلِّغ رسالة الله للناس أجمعين والتي تخاطب المؤمنين وغير المؤمنين، وتُحسِن عرض الإسلام في ثوب قشيب وواجهات جذّابة ملفتة! تقوم على الدراسات العميقة لمشاكل العصر وأوضاع العالم، وتقديم الدواء في قنينة من زجاج جيد وصندوق معطّر وغلاف مريح أخّاذ..!
- تستفيد بعلوم العصر ومخترعاته.. وتواجه معارك الفكر وحروب العقيدة بنفس السلاح بل يكون أحد من أسلحتهم.. فما زالت الصحافة المعنونة باسم الإسلام تنقصها العالمية والشمول -مع تقديري لكلّ الجهود المبذولة من المخلصين في هذا الطريق- واستمرّت تدور في فلك المقالات لكل من يُحسن الكتابة وإن كان لا يحسن العرض.. وأبحاث ذات نوعية خاصّة تهتم بفريق من الناس دون فريق، وبالمؤمنين دون الكافرين.. ولا تبذل جهدها في استقطاب المتخصّصين والدارسين.. وحسبها في هذا السبيل من يكتب لها ويتطوّع مخلصًا لإمدادها.. ولا تزال تُعطِي قيادها حتى في التحرير والتبويب لمن ليسوا أهل الخبرة ورجال الصنعة.. ممَّا جعلها في مكانة لا تُحسَد عليها..!
*قال «أبو بصير»:
هل تستطيع أن تزيدنا إيضاحًا؟!
مؤسسة صحفية إسلامية عالمية
*قلتُ له:
إنّ صحافة الحرب المُعلَنة على الإسلام، وتنوّع ميادينها وأساليبها وتعدد الجبهات التي ترمي سهامها تجاهه.. تُحتِّم علينا أن تكون الصحافة الإسلامية على مستوى الحرب وعلى قدر مكانة رسالتها فأرى أن توجد مّؤسسة صحفية إسلامية تكون عالمية التأسيس والإصدار بحيث تسهم فيها رؤوس الأموال الإسلامية وتشترك فيها جميع العقول المتخصِّصة في الدعوة القادرة على البذل والعطاء بكلّ فنونه وأنواعه... وتكون عالمية التوزيع كذلك
قال «ابو النصير»
ويكون كلّ مسلم في موقعه وبلده آلة رصد يوافيها بما عنده ومراسلًا يمدّها بما لديه!
قلت له:
ولا بدَّ حينئذٍ من وكالة أنباء إسلامية مستقلَّة على مستوى عالمي تبثُّ الأخبار الصادقة وتموِّن صحافة العالم بأدقّ الأنباء والتعليقات من وجهة نظرنا التي تنبع من رسالتنا.
فهل تعلمون أيّها الإخوة مقدار المعاناة التي تبذلها صحيفة إسلامية لتتأكد من خبر أذاعته وكالات الأنباء الحالية وتودّ نشره والتعليق عليه؟! ومقدار العجز الذي تقف فيه حينما تندلع ثورة إسلامية تحررية في بلد إسلامي... فضلًا عن أنّ وكالات الأنباء الحالية يُسيطر عليها من يعملون لإذكاء الفتنة بين المسلمين وبثّ روح الانهزامية في صفوفهم... وما أحداث الأردن الشقيق عنّا ببعيد حينما ضخم المراسلون الأجانب الخلاف الدائر بين الأردن والفدائيين حتى وصل إلى درجة يصعب معها الالتئام ورأب الصدع...!
**- وكان ختام الندوة نداء نتقدّم به إلى الجماعات الإسلامية في كلّ مكان:
إيمانًا منّا بالصحافة كوسيلة ضرورية ناجحة تنطق باسم المسلمين- كأصحاب رسالة عالمية، واعترافًا بها كسلاح جبَّار في معارك العقيدة نوصي بالآتي:
أولًا: إنشاء مؤسَّسة صحفية إسلامية عالمية بكلّ ما تحتاجه الصحافة الحديثة.
ثانيًا: إنشاء وكالة أنباء إسلامية عالمية مستقلّة تعتمد على نفسها في نقل الأخبار والتعليق عليها.
ثالثًا: إنشاء وكالة توزيع عالمية تقوم بالنشر والتسويق والله الهادي سواء السبيل.