; الجيلاتين في الأطعمة والأغذية | مجلة المجتمع

العنوان الجيلاتين في الأطعمة والأغذية

الكاتب د. أحمد حسين صقر

تاريخ النشر الثلاثاء 23-يناير-1979

مشاهدات 17

نشر في العدد 429

نشر في الصفحة 31

الثلاثاء 23-يناير-1979

إن مصدر الجيلاتين هو جلود وأعصاب وأوتار عضلات الحيوانات وعظامها. هذه العناصر تحتوي على مواد صلبة بروتينية عديمة الذوبان في الماء تدعى بـ(الكولاجين)، وينتج الجيلاتين عن عملية غليان هذه المادة بالماء. فبما أن مصدر الجيلاتين الرئيسي هو أنسجة الحيوانات وبما أن الخنزير هو من أكثر الحيوانات وجودًا وتوافرًا لدى المجتمعات الغربية، فقد أصبح اهتمام كثير من المسلمين واليهود وآكلي النباتات أن ينظروا إلى مصادر الجيلاتين ومحتويات الأطعمة المحتوية قبل شرائهم لها.

ويكشف لنا كاتب المقالة هذه بعض الحقائق والنتائج العلمية عن الجيلاتين وفي طليعتها مادة (الكولاجين)، كما أن هذه الحقائق العلمية يجب أن تراعى أهميتها وتؤخذ بعين الاعتبار حين استخدام الجيلاتين في الطعام والأدوية حتى تعم الفائدة. وبهذا، فإن المقالة ذات أهمية بالغة بالنسبة للقارئ في كيفية استخدام الجيلاتين بالطرق السليمة. وللمقالة أهمية خاصة لمختلف الجمعيات الدينية؛ إذ إنها تساعدهم على معرفة ما هو حلال أو حرام بما تحويه وجباتهم اليومية. أما بالنسبة للمسلمين الذين يعيشون في أمريكا الشمالية، فإن المقالة ذات أهمية كبرى؛ إذ إنهم يشكلون حوالي أكثر من ثلاثة ملايين نسمة.

كما أن أهمية المقالة تتعلق بالعالم الإسلامي أجمع؛ إذ إن المسلمين يشكلون أكثر من ثمانمائة مليون نسمة، خاصة وإنه محرم اشتمال وجباتهم على لحم الخنزير كمصدر من المصادر الغذائية.

وأخيرًا وليس آخرًا فإن للمقالة أهمية لشركات الأطعمة في تحضيرها وإنتاجها للأطعمة المتنوعة دون اشتمالها على لحم الخنزير كمصدر للجيلاتين.

ثانيًا: خصائص الجيلاتين الفيزيائية والكيميائية:

أ- الخصائص الفيزيائية للجيلاتين:

الجيلاتين مادة لا لون لها وأحيانًا تكون صفراء، وهي شفافة، هشة لا رائحة لها ولا طعم، وهي إما تكون بشكل رقائق أو بشكل البودرة الخشنة. وحين توضع في الماء تبدأ بالانتفاخ وتمتص حوالي 5-10 مرات وزنها في الماء البارد. وهي قابلة للذوبان في الماء الحار أو الجليسيرول أو حامض الخليك، وغير قابلة للذوبان في المحاليل العضوية.

ب- الخصائص الكيميائية للجيلاتين:

من المعروف أن مصدر الجيلاتين الكيميائي هو (الكولاجين).

يعتبر التركيب الكيميائي (للكولاجين) أنه ذو طبيعة حلزونية التركيب للبروتين ذي النمط (الألفا) مع سلسلة الهيدروجين المقيدة للبروتينات ذات النمط (البيتا). هذه السلاسل تتداخل ببعضها لتشكل تركيبًا لولبيًّا ذا ثلاثة وجوه.

إن قليلًا من فضلات (الجليسين) على موضع كل ثلث من كل سلسلة، يسمح لحلقات (البيروليدين) أن تتجمع على جانب السلسلتين الأخريين. أما السلاسل الثلاثة فهي تمسك ببعضها بواسطة وصلة الهيدروجين بين فضلات (الجليسين) وبين مجموعة الـ(أو إتش) ما يتبقى إلا (الهيدروكسل برولين).

وعندما يوضع (الكولاجين) في الماء للغليان، فإنه يتحول إلى جيلاتين سائل وهو من البروتينات الناقصة لبعض الأحماض الأمينية الأساسية في التغذية، وحين يبرد الجيلاتين فإن السائل لا يعود إلى طبيعته الأولى أي إلى (الكولاجين) ولكنه يجمد بشكل (جِل) وهو مادة هلامية تختلف اختلافًا تامًّا من حيث الخصائص الطبيعية وبعضًا من خصائصها الكيميائية عن مادة (الكولاجين).

أما وزن الجيلاتين الذري أو الجزيئي فهو 3/1 (الكولاجين). 

ونتيجة هذه العملية فإن التركيب الثلاثي الوجوه للـ(كولاجين) لا يلبث أن ينحل مستبدلًا الوصلات الهيدروجينية إلى جزيئيات مائية. وينتمي الجيلاتين إلى البروتينات الكروية التي تشبه بروتين الدم.

(الهيموجلوبين) والإنسولين والـ(جاما- جلوبويولين) وبروتين البيض. ولهذا السبب فهي مادة قابلة للذوبان في الماء. أما الـ(كولاجين) فهو ينتمي إلى البروتينات النسيجية مثل الـ(كيراتين) ولذلك فهو عديم الذوبان في الماء.

ثالثًا: القيمة الغذائية للجيلاتين:

الجيلاتين هو بروتين غير تام إذ ينقصه حامضان من الأحماض الأمينية الأساسية هما الـ(تريبتوفان) والـ(فالين).

وهو يحتوي على كميات صغيرة من أحماض أمينية أخرى (أمينو أسيدس) مثل الـ(تربوسين) والـ(سيستين)، وليس للجيلاتين أي أثر في مساندة حياة البشر الطبيعية أو في زيادة ومساعدة النمو حتى ولو أخذ بكميات كبيرة. ولكن إذا أضفنا الأحماض الأمينية الناقصة إلى الجيلاتين بكميات معقولة ومناسبة في الطعام والمواد الكيميائية فإنه في هذه الحالة يساعد على النمو الطبيعي للجسم.

أما محتويات الأحماض الأمينية في الجيلاتين فهي مبنية في الجدول رقم (1).

جدول رقم (1) محتويات الأحماض الأمينية في الجيلاتين

اسم الحامض الأميني

النسبة بالمائة

حامض الألنين

8.7

حامض الأرجنين

8.1

حامض السستين والسستنين

0.1

حامض الأسبرتيك

6.6

حامض الجلوتاميك

11.4

حامض الجلايسين

25.5

حامض الهستدين

0.8

حامض الهيدروكسيل برولين

14.1

إن مجموع هذه النسب هو أكثر من 100% لأن وجود الماء متضمن كليًّا في داخل ذرات الأحماض الأمينية.

الحامض الأميني

النسبة بالمائة

حامض الأيسولوسين

1.4

حامض اللوسين

3.2

حامض اللايسين

4.1

حامض المثيونين

1.0

حامض الفنيل الآلالين

2.2

حامض البرولين 

18.0

حامض السيرين

0.4

حامض الثريونين

1.9

حامض التيروسين

0.5

حامض الفالين

2.5

رابعًا: استعمالات الجيلاتين:

أ- صناعة الأطعمة:

يستعمل الجيلاتين في شركات الأطعمة لتحضير الحلويات والجيلاتينيات والبوظة (الجيلاتي).

ب- الصناعة التي تتعلق بغير الأطعمة:

هناك استعمالات عديدة للجيلاتين لغير الأطعمة فهو يستعمل في الشركات الصناعية كإنتاج المطاط والصمغ والإسمنت وفي حبر الطباعة العادية والحجرية، وفي المواد البلاستيكية وفي الحرير الاصطناعي وفي تحضير الأفلام الفوتوغرافية والألواح التصويرية وفي تحضير علب الكبريت وفي الإنارة الزئبقية.

ج- الاستعمالات الطبية والغذائية:

ومن استعمالات الجيلاتين العديدة ما يلي:

1- في حالات سوء التغذية، يستعمل الجيلاتين كمنشط بروتيني.

2- يستعمل خارجيًّا في علاج الصدمة الناتجة عن الإصابات والحروق وتمدد الأوعية.

3- يستعمل في علاج الورم الناتج عن نقص في المواد البروتينية في الغذاء كمحلول بنسبة 10%.

4- يستعمل في علاج وقف نزيف الجروح.

د- الاستعمالات البيطرية:

ويستعمل الجيلاتين كعلاج في الطب البيطري ومن استعمالاته العديدة في هذا المضمار ما يلي:

1- في علاج الصدمات الدورانية حيث يستعمل الجيلاتين كمحلول بنسبة 5-8% كبديل لبلازما الدم.

2- في علاج وقف النزيف وتغيير الجروح حيث يستعمل الجيلاتين كمادة امتصاصية.

خامسًا: شرح في الجيلاتين:

لقد أثار استعمال الجلاتين في الأطعمة اهتمام عدد كبير من المستهلكين؛ فبالنسبة للمسلمين فقد طرح هذا السؤال مرارًا وتكرارًا هل من الحلال أكل الأطعمة المحتوية على الجيلاتين كالجالو أو ما يسمى بالجلي مثلًا؟ أما الإجابة على هذا السؤال فهو أمر ليس بالسهل، فمن المعروف أن مصدر الجيلاتين في (الجلي) هو الـ(كولاجين) المستمد أصلًا من الخنزير. ولكن الثابت أن الخصائص الفيزيائية والكيميائية للجيلاتين مختلفة عن مصدرها الأصلي وهو الـ(كولاجين) في عملية تحويله إلى جيلاتين. وبما أن أكل لحم الخنزير ومشتقاته محرمة على المسلمين، فمن الطبيعي أن يقال بأن أكل الجيلاتين محرم أيضًا وكذلك أكل الأطعمة التي بها مادة الجيلاتين. ولكن بما أن للجيلاتين خصائص فيزيائية وكيميائية مختلفة عن الـ(كولاجين)، فإننا لا نستطيع أن نقول على سبيل التأكيد بحرمة الجيلاتين، حيث إن بعض علماء الشريعة الإسلامية يقولون بأنه نتيجة حصول هذه التغييرات البيولوجية (الفيزيائية والكيميائية) لمادة الكولاجين والذي تحول إلى مادة الجيلاتين، فإن الأطعمة المحتوية على الجيلاتين أصبحت مباحة ومثال على ذلك فهم يستشهدون باستعمال الدمن والروث والسماد للتربة كمصدر لتغذية النبات. فبما أنه لا يمكن للإنسان استعمال سماد الأرض أو الروث فهو يستعمله كمخصب للتربة، وهذا المخصب يتحول بيولوجيًّا إلى فواكه وأثمار، وهي أطعمة أحلها الله لعباده بلا شك، ولذلك فإنه أصبح لمن الضروري أن يشارك علماء الشريعة الإسلامية في العالم الإسلامي في بحث هذا الموضوع لأهميته البالغة وإصدار حكم أو فتوى فيه.

سادسًا: اقتراحات وتوصيات:

فيما يلي لائحة جزئية لبعض الاقتراحات الموجهة إلى مختلف الجماعات:

1- بالنسبة للشركات:

أ- اقتراح وجود بديل عن المنتوجات التي تصدر عن الخنزير في استخراج الكولاجين وفي إنتاج الجيلاتين ويمكن استخدام البقر والخراف والماعز وغيرها من الحيوانات آكلة الأعشاب.

ب- استعمال منتوجات نباتية في إنتاج الجيلاتين كالتفاح والرمان والبرتقال.

ج- يجب توفر معلومات للمستهلكين عن هذا الموضوع من قبل الشركات المصنعة للجيلاتين.

د- يجب على الشركات أن تذكر محتويات مصادر الجيلاتين فإذا كان مصدر الجيلاتين حيوانيًّا، فيجب أن تتضمن المعلومات مصدر هذا الجيلاتين الحيواني، أهو من الخنزير أو غير ذلك؟ أما إذا كان المصدر نباتيًّا فيجب أن تتضمن المعلومات بالتفصيل عن المصدر الرئيسي له.

ه- يجب القيام بأبحاث علمية عن الاختلافات الكيميائية والبيولوجية بين الكولاجين والجيلاتين.

2- بالنسبة للمستهلكين:

إن جميع المستهلكين المهتمين يجب أن يطالبوا الشركات بإنتاج الجيلاتين من المصادر النباتية أو المصادر الحيوانية دون الخنزير. وحبذا لو يشعر المسؤولون عن المراكز الإسلامية بمسؤولياتهم ويراسلون الشركات المنتجة للجيلاتين ويعلمونهم بمتطلبات الجاليات الإسلامية من الناحية الغذائية.

3- بالنسبة للدول العربية:

إن معظم الدول العربية والإسلامية هي من تلك البلاد المستهلكة والمستوردة لمادة الجيلاتين، وذلك لتحضير الغذاء الحلو المذاق المسمى (الجيلي)، لذلك فإن على هذه الدول مطالبة الشركات المصنعة للجيلي أن تستحضر الجيلي من مواد نباتية أو مواد حيوانية غير الخنزير، وإلا فإنها تحرم استيراد هذه المواد الغذائية لأسواقها المحلية.

ويمكن القيام بهذه العملية عن طريقة وزارة الاقتصاد والتجارة كما يقوم بهذا العمل التجار في جميع العالم الإسلامي. ولا بد من التنويه إلى أن سفارات الدول الإسلامية مطالبة بملاحقة هذا الموضوع مع الشركات وخاصة عن طريق الملحق التجاري التابع لكل سفارة. وإنني على يقين أن جميع الشركات العالمية ما هي إلا شركات تجارية ولا بد أن تقوم بعملية التصنيع وذلك إرضاء للمستهلك. وإن جميع الشركات مستعدة للقيام بتصنيع أي نوع من الأغذية ما دام هناك طلب عليه من إحدى الجاليات والأقليات وكذلك من إحدى الدول العربية والإسلامية المستوردة لتلك المنتجات. وما يقال على الجيلاتين يقال أيضًا عن الدهون واللحوم والمواد الكحولية والتي هي محرمة على المسلمين.

نسأل الله تعالى الهداية والسداد، كما نسأله جل وعلا أن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. اللهم إني قد بلغت الأمانة وأديت النصيحة وأنا على ذلك من الشاهدين. 

سابعًا: الخلاصة:

لم تكن هذه المحاولة في الاستقصاء عن الجيلاتين هو إصدار فتوى في التحليل أو التحريم، ولكن كان القصد من ذلك إطلاع الرأي العام من المسلمين وغيرهم من الحريصين على تطبيق تعاليمهم الدينية على الحقائق العلمية في تحضير وتصنيع الجيلاتين وخاصة في المأكولات. وبذلك يترك الأمر للمسؤولين في متابعة الموضوع فقهيًّا وتجاريًّا واقتصاديًّا وصناعيًّا. وإننا بذلك نرجو مرضاة الله عز وجل وأن يجعل عملنا هذا خالصًا لوجه الكريم إنه سميع مجيب.

الرابط المختصر :