; دراسات استراتيجية- مؤلف كتاب «قرن الحروب» يقول: الحرب في البلقان سوف تستمر ثلاثين سنة | مجلة المجتمع

العنوان دراسات استراتيجية- مؤلف كتاب «قرن الحروب» يقول: الحرب في البلقان سوف تستمر ثلاثين سنة

الكاتب مراسلو المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 24-أغسطس-1993

مشاهدات 14

نشر في العدد 1063

نشر في الصفحة 32

الثلاثاء 24-أغسطس-1993

زغرب: حسن يوسف عمر سباهيتش عن داناس الكرواتية:

يوم ٢٣ يوليو ۱۹۹۳م ألقى الأستاذ ويليام أنغداهل محاضرة في مقر التجمع الكرواتي لأوروبا في زغرب، وتناول فيها الأوضاع السياسية والعسكرية من منظور الاعتداء الصربي على كرواتيا والبوسنة والهرسك، وكانت المحاضرة عبارة عن تعريف الحاضرين بالنظريات التي انطلق منها هذا المحلل السياسي الأمريكي المقعد في كتابه الأخير «قرن الحروب»  (A CENTURY OF WAR)  مع العنوان الفرعي «السياسة البريطانية الأمريكية النفطية والنظام العالمي الجديد» ANGLO

AMERICAN OIL POLITICS AND THE NEW WORLD ORDER

  وقد نشر ترجمة الكتاب باللغة الألمانية بوتيغير ويرلاغس (BOTTIGER VER LAGS) سنة ۱۹۹۲م، بينما نشرت طبعته الإنجليزية الأولى في أمريكا سنة ١٩٩٣م.

  ويحاول هذا المحلل السياسي الأمريكي الذي يعيش في مدينة ويسبادن الألمانية، ويعمل في معهد شيلير للدراسات الإستراتيجية المناهض للصهيونية- ربط الصراعات السياسية الخفية بجذورها التاريخية، ويتبوأ الكتاب منزلة إحدى أهم دراسات جغرافية إستراتيجية معاصرة؛ إذ يتابع تصارع القوى العالمية من مؤتمر فينا سنة ١٨١٤م الذي صيغ فيه شكل أوروبا بعد نابليون إلى حرب الخليج التي قادتها أمريكا لكسر شوكة صدام حسين، الذي يعتبره ويليام أنغداهل أداة غربية لصناعة النظام العالمي الجديد.

وفي رأي الباحث كانت الأحداث العالمية طوال هذه السنين تتسابق لتنفيذ الخطط البريطانية الأمريكية لفرض سيطرتها الكاملة على:

1 - النقل البحري في العالم.

۲ - الاقتصاد وتحركات رؤوس الأموال.

3- مواد الخام العالمية: (مثل: المعادن، والقطن، والفحم، والبن، ولأول مرة على رأس هذا القرن استخراج النفط).

   ويسمي ويليام أنغداهل هذه المخططات لفرض السيطرة على العالم بـ «الركائز الثلاث للإمبراطورية البريطانية».

ويسوق الشواهد التاريخية لتأييد نظريته في الكتاب قائلًا بأن: «السبب الرئيسي لسلسلة من المآسي التي تعرضت لها دول الشرق الأوسط ومنطقة البلقان يعود إلى سنة ۱۸۸۹م عندما نجحت جماعة من رجال المال الألمانيين داخل المصرف المركزي الألماني في الحصول على موافقة الخلافة العثمانية لبناء سكة الحديد من برلين عبر إسطنبول إلى الأناضول بعد مضي عشر سنوات من هذا الاتفاق المبدئي، بدأت الخطوات العملية لتنفيذ المشروع بتوقيع الاتفاق مع الخلافة العثمانية لإقامة خط سكة الحديد برلين -إسطنبول- بغداد، وأسفرت زيارة القيصر الألماني ويلهايم الثاني WILHEIM II لإسطنبول عن توقيع اتفاقية التحالف العثماني  الألماني سنة ۱۸۹٨م، الذي يفتح للألمان أبواب تسويق المنتوجات الألمانية في دول الشرق الأوسط، ويعتبر مشروع خط سكة الحديد برلين بغداد بحق تاج تألق وتفوق الإستراتيجية الاقتصادية الألمانية، التي أدركت أن فرصتها الذهبية تكمن في أسواق الشرق، ووفرة مواد الخام وخاصة النفط، الذي أصبح العمود الفقري لصناعات الدول الأوروبية.

  وكان من المخطط أن تربط سكة الحديد عمق أوروبا الصناعية بعمق القارة الآسيوية؛ لتوفر بذلك لوادي نهر الدجلة والفرات الخصب مواصلات عصرية من جانب، ولكافة دول أوربا أقرب وأرخص طريق إلى مصادر مواد الخام في شبه القارة الهندية.

  ولكن هذه السياسة الاقتصادية الألمانية كانت تتعارض كليًا مع الإستراتيجية البريطانية، وللدلالة على ذلك يكفي ذكر كتاب «الصرب حراس البوابة THE SERBS THE GUAR  DIANS OF THE GATE للورد البريطاني لافان R.G.D LAFFAN الذي كان مستشارًا للجيش الصربي إبان الحروب الصربية -العثمانية سنة ۱۹۱۷م، وكان قد وجه رسالة إلى مجلس العموم البريطاني قال فيها: «إذا أصبح مشروع برلين -بغداد واقعًا فإن المساحة الشاسعة التي تشكل مصدرًا طبيعيًا لجميع مقومات القوة الاقتصادية الذي لا يمكن الوصول إليه بحرًا، ستصبح تحت سيطرة ألمانية كاملة، ويكون من شأن هذا الحاجز أن يعزل روسيا تمامًا عن أصدقائها الغربيين التقليديين بريطانيا وفرنسا، ومن شأن هذا التحالف الألماني التركي أن يجعل مصالحنا في مصر والخليج العربي في متناول أيدي الجنود الألمانيين والأتراك، كما أنه يهدد إمبراطوريتنا في شبه القارة الهندية.

وبمجرد نظرة عابرة على الخارطة تتضح طبيعة سلسلة الدول الواقعة بين ألمانيا وتركيا، ألمانيا، المملكة النمساوية الهنغارية، بلغاريا ثم تركيا، ويبقى هناك جزء صغير يمكنه أن يسد الطريق، ويفصل بين طرفي سلسلة هذه الدول، وهذا الجزء هو صربيا، نعم دولة صغيرة مثل صربيا يمكن أن تشكل تحديًا لقطع الطريق بين ألمانيا والموانئ العالمية في إسطنبول وسولونيا اليونانية، وبذلك تكون صربيا فعلًا حارس البوابة الشرقية، وإذا تمت السيطرة على صربيا، وضمت إلى حلف برلين بغداد فإن إمبراطوريتنا مترامية الأطراف وقليلة الحماية ستصاب بشلل بسبب التوغل الألماني في دول الشرق».

أظن أنه ليس بالإمكان وصف الإستراتيجية الجغرافية البريطانية وصفًا أدق من هذا الذي ورد في رسالة «اللورد لافان».

ويبني ويليام أنغداهل استنتاجاته على التسلسل التاريخي لأحداث شبه جزيرة البلقان من بداية القرن العشرين، وكلها تدور حول المساعي البريطانية لإفشال مشروع سكة الحديد برلين -بغداد من خلال إشعال نیران سلسلة الحروب البلقانية، ثم الحرب العالمية الأولى إلى المشروع البريطاني «هتلر» ضمن مخطط مراكز القوى الاقتصادية الأمريكية البريطانية لتصنيع القائد الوطني الذي يدفع بألمانيا إلى رحى الحرب العالمية لإيجاد سبب لهزيمة ألمانيا، والقضاء النهائي عليها.

كل هذه المخططات الإستراتيجية الجغرافية هي القوى الرئيسية التي تحرك الأحداث على مسرح الحرب في جمهوريات يوغسلافيا السابقة، وفي تحليله لهذه النظرية يسرد ويليام أنغداهل دلائل قاطعة لصحة ما يذهب إليه في هذا الكتاب النادر، كما يستفيض في متابعة المساعي الألمانية لتلطيف الجو بينها وبين بريطانيا في محاولة إقناع اللوردات البريطانيين بأن مشروع برلين -بغداد ليس مؤامرة ضد مصالح بريطانيا، وتصديقًا لهذه التأكيدات زار القيصر ويلهايم الثاني الملكة البريطانية فيكتوريا، وحاول استمالتها لمشاركة بريطانيا الكاملة في المشروع.

  ولكن ذهبت الجهود المبذولة سدى، كما هو الحال اليوم فقد قوبلت الاقتراحات الألمانية السلمية والفعالة بجهود بريطانية توسعية أدت إلى نشوب الحربين العالميتين.

   ومن هنا يقدم ويليام أنغداهل تصوره لمستقبل الحرب في البوسنة والهرسك وكرواتيا قائلًا بدون تردد: «بناء على المساعي الدولية الحالية فإن مستقبل المنطقة هو استمرار الحرب ثلاثين سنة».

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 8

40

الثلاثاء 05-مايو-1970

نشر في العدد 117

29

الثلاثاء 12-سبتمبر-1972