; الحركة الإسلامية في الهند | مجلة المجتمع

العنوان الحركة الإسلامية في الهند

الكاتب أ. عبد الرحمن تروائي المليباري

تاريخ النشر الثلاثاء 21-أبريل-1970

مشاهدات 89

نشر في العدد 6

نشر في الصفحة 16

الثلاثاء 21-أبريل-1970

الأستاذ عبد الرحمن تروائي المليباري يكتب عن:

الحركة الإسلامية في الهند

المودودي يقول: خيرٌ لي من مَنصب الوزير أن أكون ساعي بريد في العمل الإسلامي

الإسلام دين إلهي ومنهج رباني يشمل جميع جوانب الحياة البشرية، وليس مجرد تصور أو عقيدة أو طريـق منعزل عن واقع حياة الأمة، وليس الإسلام مجرد اسـم لعلاقة سرية بين العبد وربه، وليس الإسلام مجرد نظام خاص وُجِدَ لإنهاء بعض الخصومات القبلية التي وُجِدَت في فترة من الفترات كما يريد أن يظهره خصومه، ولكن الإسلام عقائد وعبادات ومعاملات وأخلاق وجهاد ودولة ونتائج، وهو الدين الوحيد الضامن لحامله الرفاهية في العاجلة والآجلة مهما تغيرت الأزمان وتطورت الآراء.

أما مسؤولية إقامة هذا الدين الحنيف على الوجه الأكمل فإنها مُلقاة على كواهل هذه الأمة بعد وفاة رسولها وقائدها محمد -صلى الله عليه وسلم-. والخلفاء الراشدون الذين تحملوا أعباء هذه المسؤولية بعده أدُّوا دورهم على أتم صورة في إقامة الخلافة الإسلامية، فبعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بسنوات قلائل أُزيلَت وَحُطِّمَت الإمبراطوريتان العظيمتان الرومية والفارسية المحيطتان بالجزيرة العربية الإسلامية من الوجود، فأصبحوا سادة العالم وقادة البشر أكثر من ألف سنة، وحطموا خلالها الصليبيين، وقضوا على التتار، وغزو شرق أوروبا وجنوبها وغربها، وأقاموا فيها حكم الله -عز وجل- مئات السنين، حتى أن الخليفة العباسي هارون الرشيد كان يقول للسحابة: (أمطري حيث شئت، فسيأتيني خراجك) ولا يعتبر الإنسان مسلمًا حقيقيًا حتى يُحَكِّمَ الإسلام في شؤونه كلها: دقيقها وجليلها، صغيرها وكبيرها، عظيمها وحقيرها.. وهذا مصداق قوله تعالى ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ (سورة المائدة : الآية ٤٩)

﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾ (سورة النساء: الآية 105)، وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ (سورة المائدة : الآية 44)، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (سورة المائدة : الآية 45)، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ (سورة المائدة : الآية 47)، ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (سورة النساء: الآية 65).
 وإن هذه الآيات لتضع الإنسان أمام طريقين لا ثالث لهما، أحدهما: الاستجابة لله وللرسول واتباع ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والثاني: اتباع الهوى والشيطان.. وهذا صريح من قوله تعالى: ﴿إِن لَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيۡرِ هُدٗى مِّنَ ٱللَّهِۚ﴾ (سورة القصص: الآية 50)،  والناظر في واقع المسلمين الآن يجد أن حكامهم قد سلكوا بهم الطريق الثاني طريق الهوى والشيطان.

 

موقف الدولة العلمانية

 فهذه مصر الإسلامية في سنة ١٨٨٤ قد تخلت عن الشريعة الإسلامية، وصبغت نظامها طبقا للقوانين الفرنسية، وهكذا فعلت الدولة التركية والألبانية المسلمة فطردت القوانين الإسلامية حتى قانون الأحوال الشخصية الإسلامية وجعلت نظام إيطاليا وسويسرا نظاما لها، وتاريخ الإسلام في الهند ليس ببعيد عنا فقد ظلت الدولة الإسلامية فيها مستمرة مدة ثمانية قرون إلى زمن الاستعمار البريطاني فيها، ومنذ أن وطئت أقدام المستعمر أرضها بدأوا يبطلون الشريعة الإسلامية القائمة آنذاك شيئًا فشيئًا، وكنا نحن المسلمين في الهند نرزح تحت نير الاستعمار المجرم وطأته وضغطه مدة ١٩٠ عاما، ثم أخذت الهند استقلالها بعد ذلك ولكن لم تنته محاولة محو الإسلام من نفوس أتباعه، فما زالت تقوم محاولات سرية لمحو ما بقي من شعائر دينية على يد الحكومة العلمانية التي ركزها الاستعمار عندما خرج من الهند فكأن الهند لم تأخذ استقلالها بعد.

وهذه الحالة المؤلمة ما ألمت بالمسلمين إلا نتيجة لتخليهم عن الشريعة الإسلامية وتحولهم عنها، وإعراضهم عن القرآن الكريم، وفهمهم الخاطئ للإسلام حيث فصلوا بين الدين والدولة فأصبح الدين عبارة عن مفهوم ضيق لا هيمنة له على حياة الأمة  وأصبح المسلمون عبيدا وأذلاء في وجه الأعداء ومن الواضح جــدًا أن المسلمين إذا طبقوا القرآن تطبيقًا كاملًا في جميع مرافق حياتهم فلن يقدر أي  عدو محليًا كان أو خارجيًا أن يتغلب عليهم فترة من الزمن، ومنذ أن حدث هذا الفصام النكد بين الدين والدولة أصـبح المسلمون قطيعًا من الغنم في وجه الأسود المفترسة تكالبت عليهم الأمم. هذا ما قصد إليه الوزير الإنجليزي جلادستون حين وقف في مجلس العموم من عشرات السنين يقول «إن قدم الإمبراطورية الإنجليزية لن ترسخ في بلاد الإسلام ما دام القرآن موجودًا».

امتیازات القرن العشرين

 والقرن العشرون طلع علينا بامتيازات غير معروفة من قبل البلايا والرزايا والنكبات والنكسات التي تبلبل القيم الروحية وتهز الاتجاهات الإنسانية، ومن أكبرها خطرًا استيراد الحضارة الغربية القتَّالة التي أثرت في حياة الأمة الإسلامية أيما تأثیر فصرفت الشباب المؤمن عن الجادة المستقيمة، فانطفأ النور وعم الظلام وكثر الناعقون خلال هذا الظلام الدامس فقسمت الناس إلى معسکرین بارزين: شرقي وغربي، بعد ما قسمهم الإسلام إلى قسمين معسكر الإيمان ومعسكر الكفر. وإن هؤلاء الناعقين لبسوا كل ثوب حتى يصلوا إلى مهمتهم، فكان منهم المستشرقون الذين عنوا بدراسة العلوم الشرقية والمعارف الإسلامية للكيد للإسلام والدس والافتراء عليه وعلى نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- راغبين في إلباس الإسلام أثوابًا مستوردة مشوهة، وكان منهم الكُتَّاب في الداخل الذين اشتراهم المبشرون والاستعمار بثمن بخس يستخدمونهم في مهاجمة الدين وفصل الدين عن الدولة، مقلدین حملة الاستشراق البشع المتولد من أبوين غير شرعيين: التبشير الذي خططه، والاستعمار الذي غذاه. ولا شك أن جميع الأفكار والتنظيمات المضادة للإسلام تتفق على نقطة واحدة وهي تقويض دعائم العقيدة الإسلامية الغراء ليغرسوا مكانها بعض التصورات والمفاهيم الجهنمية، وبالتالي يصبح أبناء الإسلام حيارى لا يعرفون عنوان الإسلام فضلًا عن مبادئه وتعاليمه.

 والعلماء هم ورثة الأنبياء غفلوا أو تغافلوا عن هذا الاصطياد في الماء العكر فما أدوا ما عليهم من الواجبات الدينية الملقاة على كواهلهم، وقد صار جل همهم في تحقيق المطامع الدنيوية والتشاجر في مسائل لا مساس لها بجوهر الدين. فما أحوج الأمة الإسلامية في هذه الظروف المحرجة والأوضاع المضطربة إلى حركة إسلامية تقوم بالدعوة الإسلامية الخالصة من جديد وتحمي تعاليم الإسلام وقوانينه من الطوفان المادي الجديد، وتعيد إلى حظيرة الإسلام جميع جوانب الحياة البشرية الفردية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

 وتحقيقاً لهذا الغرض النبيل الجليل تأسست في الهند وغيرها حركات إسلامية عديدة، منها: حركة «الجماعة الإسلامية» في الهند وباكستان، والإخوان المسلمون في البلاد العربية، وما شومي (مجلس شوری مسلمي إندونيسيا). وغرضي من هذه الجولة السريعة أن أقدم إلى الإخوان نظرة خاطفة عن تاريخ الجماعة الإسلامية وعن نشاطها الكبير الفعال فيها وذلك بعد إيجاز تاريخ وصول الإسلام إليها.

 

وصول الإسلام إلى الهند

 تعتبر الهند القطر الثالث في العالم بعد باكستان وإندونيسيا وذلك من ناحية كثرة المسلمين الذين يبلغ عددهم حوالي ٦٠ مليون نسمة. والهند توجد فيها عدة أجناس وديانات ولغات وثقافات، وقد استمرت العلاقات التجارية والروابط الثقافية بين العرب والهند ولا سيما ربوع (مالابار) قرونًا عديدة، والتجار العرب والبحارة من الحضارمة وغيرهم كانوا يتجولون في خليج بنغال وبلاد الملايو وجزر إندونيسيا، ولما انبثق فجر الإسلام من أفق الجزيرة العربية وامتدت أشعتها إلى ما وراء بلاد الجزيرة العربية شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، حمل التجار العرب إلى الهند هذا المشعل الجديد في حين كانت الهند تئن من التفرقة والشدائد المتكررة من أصحاب الديانات السائدة فيها، ورأوا أن تربة الهند صالحة لبذر هذا الدين الجديد، ودعوا الناس إلى التوحيد والمساواة ومكارم الأخلاق. والكتب التاريخية القديمة والحديثة تنص على أن الإسلام وصل إلى الهند في القرن الأول الهجري.

 ومالابار هي البقعة الأولى التي تشرفت بالإسلام أولًا، ثم انتشر إلى البقاع الهندية الأخرى.

تأسيس الجماعة الإسلامية:

 أسس هذه الحركة الإسلامية الأستاذ المودودي منذ أن بدأ يشتغل بالصحافة وبالتأليف مجردًا قلمه السيال، مكبًا على معالجة القضايا التربوية والاقتصادية والسياسية، وكشف النقاب عن عورات الزنادقة والملحدين والمنحرفين والحكام الظالمين في صفحات مجلته «ترجمان القرآن». بدأ الأستاذ يكتب معلنًا ومحاربًا جميع ألوان الطواغيت بأساليب مختلفة ثابتًا أمام التحديات العصرية بدون أي تزعزع أو هوادة في أي حال من الأحوال كالجبل الأشم الراسخ، وبدأ يكتب سلسلة من المقالات والأبحاث الفكرية القيمة التي تتعلق بانحطاط المسلمين وتدهورهم واندحارهم وضياع سابق عزهم، وكان يناقش فيها جميع المخططات العملية السيئة للأحزاب السياسية ومحاولاتها الشريرة لتضليل أبناء الأمة وذوبان بعض القلوب المسلمة فيها، وموقف العلماء المنتمين إلى الإسلام المتقاعسين المتغافلين عن المهمات الدينية، وبعد أن اختتم تلك السلسلة من المقالات بدأ يكتب مقالات جديدة بأسلوب جديد مناشدًا فيها ضرورة قيام جماعة صالحة خيّرة لإنقاذ الأمة الإسلامية مما هي فيه من الانحراف والانحلال والتأخر. وقد رسم فيها الغاية الأسمى لتلك الحركة التجديدية والوسائل المطلوبة لتحقيق غايتها، وقد صرح فيها أن الإسلام عقائد وعبادات ومعاملات وأخلاق وجهاد ودولة وآثار، وهو صالح لكل زمان ومكان، وهو نظام إلهي للبشرية كافة، وهو يعطي الاستقرار التام والسلام الكامل وأن الأنظمة الوضعية المستوردة كلها لا قيام لهــــا ولا دوام وإنها لا تستحق البقاء أمام هذا النور الساطع الذي لا يغيب ولا يأفل حتى يرث الله الأرض ومن عليها، لأنه نور الله الذي لا يطفئه شيء ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (الصف: 8).

ولا شك أن مقالاته الفكرية قد فتحت قلوب العلماء والمفكرين النائمة وجعلتهم يفكرون في مستقبل الإسلام والمسلمين، والأوضاع الخطيرة المحيطة بهم من كل جانب، والنتيجة الوخيمة التي تأتي على الأمة المسلمة إذا تُرِكَت بلا قيادة دينية محكمة. وفعلًا إنها فتحت قلوب أمثال المجاهد البطل محمد إقبال الشاعر الإسلامي الذي أرسل خطابًا إلى المودودي يخبر فيه أن بيئة بنجاب وجوّها أليق وأحسن من حيدر آباد لغرس فكرته ودعوته، ولا بد من السفر إليها. وبعد وصول هذا الخطاب انتقل الأستاذ من حيدر آباد إلى بتان كوت ببنجاب سنة ۱۹۳۸م.

وبعد أن بذل جهوده المباركة طيلة تسع سنوات، ازداد عدد المؤيدين من أرجاء الهند وفي ٢٦ آب سنة ١٩٤١ اجتمع ٧٥ رجلًا من رجال العلم والدعوة الذين تأثروا بدعوته وفكرته، و الذين وجد فيهم استعدادًا كاملًا للاضطلاع بأعباء هذه المهمة العظيمة والجهاد في سبيلها بالنفس والنفيس، احتشدوا في دار السلام ببتان كوت وبعد طول البحث و النقاش والتشاور اتفقت كلمتهم على تكوين حركة الجماعة الإسلامية. وقد صَرَّحَ الأستاذ المودودي في مناسبة انتخابه أميرًا لهذه الحركـة بكلماته الرائعة المشهورة، وهي: «أحب أن أتولى وظيفة ساعي البريد تحت نظام إسلامي صحيح، أكثر مما أحب أن أُنْتَخَب رئيسًا أو وزيرًا تحت نظام غير إسلامي».

وعقب استقلال الهند وانقسامها إلى قسمين الهند وباكستان، انقسمت الجماعة الإسلامية إلى قسمين الجماعة الإسلامية الهندية والجماعة الإسلامية الباكستانية. والأستاذ المودودي يحاول باذلًا جميع طاقاته أن يقيم دولة إسلامية مثالية في باكستان، وقد صرَّح قائلًا أثناء محاضرته في كلية لاهور في شهر يناير سنة ١٩٤٨ «إن باكستان لا بد أن تكون دولة إسلامية صحيحة، ولا بد أن تُنَفَّذ فيها القوانين الإسلامية بدل القوانين الوضعية الأجنبية»

هدف الجماعة الإسلامية الهندية ومناهجها:

الهدف الذي ترمي إليه الجماعة الإسلامية الهندية: هو إقامة الدين الحنيف، والدافع الحقيقي وراءه إنما هو نيل مرضاة الله تعالى والفوز في الآخرة.

 التوضيح :

 إن المراد بالدين في قوله «إقامة الدين» هو الدين الذي أرسل الله لأجله جميع أنبيائه في مختلف العصور والأمصار، والذي أكمله بمحمد -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء والمرسلين على أتم شكل وأكمله هدى للناس كافة. وهذا الدين الـــذى بَقِيَ في الدنيا سائدًا ومحفوظًا ومقبولًا عند الله هو الدين الوحيد المسمى بالإسلام، وإن هذا الدين هو نظام يحيط الإنسان بظاهره وباطنه ويشمل كل جانب من جوانب الحياة البشرية الفردية والاجتماعية: العقيدة، والعبادة، والخُلُق، والسلوك.. وما إلى ذلك من القوانين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ولن توجد شعبة من شعب حياة الإنسانية خارجة عن دائرة هذا الدين، وهذا الدين الإلهي هو أصلح نظام للبشر يحل جميع مشاكل حياته حلًا سليمًا حكيمًا كما أنه يكفل له مرضاة الله والسعادة الآخرة ولا تستقيم حياة الفرد والمجتمع بطريق أمثل وأجود إلا بإقامة هذا الدين على الوجه الأكمل. المراد بإقامة هذا الديـن هو اتباعه بكليته دون أي تفريق وتعديل بكل إخلاص، وتطبيقه بكامله في جميع مرافق الحياة البشرية الفردية والاجتماعية حتى يصبح ارتقاء الفرد وبناء المجتمع وتنظيم الدولة طبقا لمقتضيات هذا الدين. والمثال الرفيع لإقامة هذا الدين إنما هو ما رسمه محمد -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدون.

 

المنهج:

1 - القرآن والسنة هما الأساس الذي تعتمد عليـه الجماعة في جميــع أعمالها، وأما سواهما فلا يعتبر إلا المرتبة الثانية وإلى حد يسمح به الكتاب والسنة.

2- أن الجماعة تهتم في جميع نشاطاتها اهتمامًا بالغًا بالتزام حدود الإخلاص والقيم، ولن تقبل أي وسيلة ولا مخططًا يصادم الصدق والأمانة يؤدي إلى انفجار أي اعتداء عنصري واشتباك طائفي وفساد وفوضى في الأرض.

3- تعتمد الجماعة لتحقيق هدفها المرسوم على الوسائل السلمية العملية، أي: إنها تقوم أولًا بنشر العقيدة وتزكية القلوب وتهذيب الأخلاق والعادات، ثم تكوين الرأي العام لإيجاد انقلاب صالح منشود في مجالات الحياة الاجتماعية.

 

لمحة سريعة عن حياة الأستاذ المودودي:

ولد الأستاذ المودودي بتاريخ ٢٥ أيلول سنة ۱۹۰۳ في مدينة أورنك آباد في مقاطعة حيدر آباد، وكانت ولادته في أسرة علمية صوفية تعرف بالأسرة المودودية نسبة إلى الشيخ قطب الدين مودودي خشتي رحمه الله مؤسس الطريقة الجشتية في الهند المتوفى سنة ٥٢٧ هـ. وكان والده عالمًا متدينًا شديد الورع أحب أن يعلم ابنه في مسقط رأسه وفي منزله لكيلا تؤثر فيه الحضارة الغربية، بدأ نشاطه كصحفي إسلامي وهو في سن السابعة عشرة من عمره، وفي سبيل الدعوة الإسلامية تولى منصب رئاسة تحرير جريدة «تاج» الصادرة في جبل بور، وجريدة «مسلم»، وجريدة «الجمعية» الصادرة في دلهي، ومجلته «ترجمان القرآن» الخاصة التي بدأ صدورها سنة ۱۹۳۲ والتي لا تزال تصدر تحت رئاسته، وهي تعد من أكبر المجلات الإسلامية في العالم. والأستاذ المودودي غني عن التعريف وعن كل بيان لأنه لا يزال محترمًا بين المسلمين في الداخل والخارج. وإن كان هناك شخصيات تتوفر فيهم أهلية القيادة للأمة المسلمة في هذه الظروف العصيبة فهذا الرجل المسلم الواعي المفكر لا بد أن يكون في مقدمتهم، وله عضوية مرموقة في عدة منظمات إسلامية عالمية. قام برحلات عديدة في البلاد العربية من المملكة العربية السعودية والأردن وسوريا وفلسطين ولبنان والجمهورية العربية المتحدة؛ وذلك لمشاهدة الأماكن التاريخية والآثار الإسلامية المعروفة بالقداسة والشهرة كما وردت في القرآن الكريم. وهو أمير للجماعة الإسلامية منذ تأسيسها إلى وقتنا هذا اللهم إلا فترة بسيطة كان مسجونًا فيها، وهو لا يزال يمارس جهوده الجبارة ليلًا ونهارًا في الدعوة الإسلامية ولإيجاد وحدة بين صفوف العلماء والجمعيات الإسلامية.

 

 مؤلفاته:

 للأستاذ المودودي حوالي ۱۰۰ کتاب ما بين رسائل وكتب من السياسة والقانون والدستور والتربية والاقتصاد والاجتماع والأخلاق والتاريخ وما إلى ذلك من مشكلات اليوم والقضايا العصرية المعقدة. وعادته في التأليف أن يدرس الموضوع مهما كان الموضوع دراسة وافية ثم يعرضه على القالب الإسلامي وبوتقته، ثم يعالجه معالجة سديدة بشكل جذاب وأسلوب أخاذ على ضوء الكتاب والسنة والمنطق السليم وهو بالطبع ليس بمعصوم. ومن أشهر كتبه «تفهيم القرآن» تفسيره للقرآن الكريم صدرت منه أربعة مجلدات من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الفتح ومن المتوقع إنه سيصدر الباقي قريبًا لأنه مكب على إنهائه رغم وجود الأعمال المتراكمة المتشعبة. وقد كانت زيارته للبلاد العربية إنما هي لمشاهدة الأماكن التاريخية والآثار الإسلامية القديمة ولدراسة تاريخها كما ورد ذكرها في القرآن الكريم؛ ولذا نجد في تفسيره صور الخرائط للأماكن التاريخية والمعارك الإسلامية التي قلما توجد في كتب التفسير الأخرى، ومنها كتاب «الجهاد في الإسلام» الذي ألفه سنة ۱۹۲۷م وقد فَصَّلَ فيه موضوع الجهاد بحيث لا يبقى أي شبهة حول قضية الجهاد في الإسلام، وهذا الكتاب يقع في أكثر من ٥٠٠ صفحة، ومما يذكر من أسباب تأليفه المباشرة قول الزعيم الهندي المعروف «المهاتما غاندي» تصريحاته العديدة: «بأن الإسلام لم ينتشر إلا بقوة السيف»، ولا شك أن هذا الكتاب جعل له مكانة عظمى في صفوف العلماء وكان موقع تقدير نبيل من أقطاب العلماء والمثقفين والمفكرين.

 

الحكم على المودودي بالإعدام

ومنها كتاب «المسألة القاديانية» كتبه سنة ١٩٥٣، ولما صدر هذا الكتاب أُلقِيَ القبض عليه في شهر آذار سنة ١٩٥٣ وسجنته الحكومة الباكستانية، وصدر من المحكمة الباكستانية العسكرية قرارها بإعدامه، والمسلمون لما سمعوا هذا الخبر المؤلم صاحوا صيحة كبيرة فتواردت البرقيات من أنحاء العالم كله في الدوائر الحكومية وتركت أثرا كبيرا. وهذا الأستاذ حسن الهضيبي من أعلام مصر يبعث ببرقية يبين فيها أن الحكم لإعدام السيد أبي الأعلى المودودي أمر مؤسف جدا وعمل إجرامي بشع نحو الحركة الإسلامية والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها الذين ينظرون إلى هذا الحكم بالاستنكار الشديد والقلق الكبير، ويطلبون من الحكومة الباكستانية استبدال هذا الحكم وعدم تنفيذه، وارتباط المسلمين بباكستان إنما هو ارتباط إسلامي فحسب «منبر المشرق القاهرية 22-5-1953».

 وخلاصة برقية مسلمي إندونيسيا: «الأستاذ أبو الأعلى المودودي أمانة للعالم الإسلامي، والعالم الإسلامي في حاجة إليه إن لم تحتج إليه باكستان، نحن (مسلمو إندونيسيا) معه، وللعالم الإسلامي في أشد حاجة إلى أفكاره النيرة.

بناء على طلب المسلمين من أنحاء العالم الذين اقتنعوا بفكرته والمواطنين القائمين بالجماعة الإسلامية ألغت الحكومة حكم الإعدام بعقوبة السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، ثم رُفِعَت القضية إلى المحكمة العليا في لاهور ثم أطلقت سراحه سنة ١٩٥٥. ويجدر بنا أن نذكر هنا أنه ألقي عليه القبض قبل هذا في شهر تشرين الأول سنة ١٩٤٨ أي بعد تأسيس پاکستان إلی أيار سنة ١٩٥٠.

 ومن الجدير بالذكر أن بعض مؤلفاته البراقة نُقِلَت إلى اللغات العالمية العربية والإنجليزية والفرنسية والتركية والألمانية وغيرها من اللغات المحلية، مثل: البنغالية والتأملية والمراتية والكندية والمليالمية والهندية و التلنكية، وأعجب من هذا بعض مؤلفاته التي ظهرت في اللغة العربية ما يلي:

 1 - المصطلحات الأربعة في القرآن.

2 الحجاب.

3 - تفسير سورة النور.

4- الإسلام والجاهلية.

5- نظرية الإسلام وهديه في السياسة والدستور والقانون.

٦ - القانون الإسلامي.

7-  نحن والحضارة الغربية.

8 - المسألة القاديانية.

 9- مبادئ أساسية لفهم القرآن.

10 - حركة تحديد النسل في ميزان النقد.

1 ۱ - مسألة ملكية الأرض في الإسلام.

12- أسس الاقتصاد بين الإسلام والنظم المعاصرة.

13- الربا.

14- شهادة الحق.

15 - نظرية الإسلام السياسية.

16 - منهاج الانقلاب الإسلامي.

 ۱۷ - معضلات الاقتصاد وحلها في الإسلام.

 مؤلفات الأستاذ المودودي كلها مفيدة تحتوي ذخائر وكنوز علمية فكرية فلسفية، وهو مُعَرَّضٌ للأخطاء وليس بمعصوم .

بعض الوسائل المهمة التي تستخدمها الجماعة الإسلامية الهندية :

 ۱ - توزيع المنشورات الإسلامية.

2 – الطباعة.

3-  الحلقات العمومية.

4- اجتماعات الاستقبال.

5- حلقات التبليغ.

6-  دور المطالعات.

7- مخازن الكتب.

8- مراكز الشباب.

9 - التنسيقات الدراسية.

10- المنظمات التربوية.

 ۱۱ - إنشاء المدارس والكليات.

 ۱۲ - إنشاء المكتبات الإسلامية ومكتبة الجامعة الإسلامية المركزية، والمكتبات الفرعية نشرت خلال السنوات الماضية مئات من الكتب في عدة لغات رائجة في الهند، وقد ترجمت بعض الكتب الإسلامية لرجال الأقلام البارزة في العالم الإسلامي وفي مقدمتهم سيد قطب رحمه الله. والجماعة الإسلامية الهندية بفضل الله تعالى تتمشّى الى الإمام بكل جرأة ونشاط على قدم وساق، وليس في الهند حركة إسلامية ترمي إلى هدف لأجله وجدت الجماعة الإسلامية. وقد أُبْلِغَت دعوتها إلى آلاف المسلمين وعشرات من غير المسلمين، ولمنشوراتها تأثیر عمیق ونفوذ كبير في أصحاب الفكر والاطلاع من المهندسين والدكاترة والأساتذة وغيرهم من المثقفين. والجماعة الإسلامية الهندية ليست حزبًا سياسيًا كما يريدها أعداؤها بل إنها حركة إسلامية خالصة تقوم بالإسلام ولأجل دعوة الإسلام.

 أمير الجماعة الإسلامية في الهند الأستاذ أبو الليث الندوي الإصلاحي، وهو لا يزال يمارس جهوده المباركة الموكلة إليه من الجماعة الإسلامية. والأستاذ أبو الليث يعد من فحول علماء الهند وله نظرة ثاقبة وعميقة في علوم القرآن والحديث، وله اطلاع واسع على مشاكل العصر. ومقر الجماعة الإسلامية في الهند هو مدينة دلهي العاصمة، وجريدتها الرسمية هي الدعوة التي تصدر باللغة الأردية وتعد من أكبر الجرائد الإسلامية في الهند. الجماعة الإسلامية الهندية قامت خلال السنوات الماضية بجمع مبلغ كبير من التبرعات والمساعدات من المسلمين وتوزيعها بين المصابين والمنكوبين وخاصة بين سكان بيهار وأحمد آباد عندما ألمت بهم العواصف والسيول والنكبات والنكسات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

عبد الرحمن تروائي المليباري- بالمدينة المنورة

الرابط المختصر :