العنوان الحوار قبل الدمار
الكاتب د. محمد البصيري
تاريخ النشر الثلاثاء 28-ديسمبر-1993
مشاهدات 17
نشر في العدد 1081
نشر في الصفحة 66
الثلاثاء 28-ديسمبر-1993
الأنظمة تملك زمام المبادرة بتهيئة الأجواء، وتصحيح الأهواء، وإطفاء نار الفتنة التي أشعلها الأعداء
نطرح في هذا العدد من المجتمع قضية على جانب كبير من الخطورة والأهمية، ألا وهي قضية الحوار، وقد تتعدد الآراء والأفكار حول الحوار: مفهومه وحدوده ووسائله، ولكن القاعدة التي يجب أن نبني عليها مسار الحوار هي أن الاختلاف يجب أن لا يفسد للود قضية... ولا شك أن فقدان وسائل الحوار الصحيحة وأجوائه السليمة سبب رئيسي في الكثير من المشاكل والخصومات، والقطيعة التي يترتب عليها في أحيان كثيرة مؤثرات شديدة وسوء فهم، بل تصل إلى تغليب سوء الظن والإيمان والقناعة بالنظرية التآمرية لكل طرف ضد الطرف الآخر.
ومن أجمل ما قرأت كتاب بعنوان «الحوار أصوله المنهجية وآدابه السلوكية» للأخ الفاضل أحمد بن عبد الرحمن الصوبان، وهو موجه خاصة إلى شباب الصحوة الإسلامية لتفعيل الحوار وإعماله عند الاختلاف، وترشيد شباب الصحوة نحو الأصول المنهجية والآداب السلوكية في الحوار.
وذكر المؤلف في التمهيد التعريف اللغوي للحوار وأصوله الشرعية وأهميته، حيث بدأ الحوار بين الله- عز وجل- وملائكته الأبرار عليهم السلام ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَحَنْ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تَبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ (البقرة:۳۳-۳۰)، والمحاورة هي سنة وديدن الأنبياء- عليهم السلام- مع أقوامهم، والقرآن مليء بالأمثلة على ذلك.
ولست في مقام استعراض هذا الكتاب القيم؛ فسوف نستعرضه في باب الثقافة «بالمجتمع» لاحقًا إن شاء الله، ولكني أردت الإشارة إليه كمدخل للحوار بمفهومه الشامل مع كل الأطراف، وهو موضوع غلافنا لهذا العدد، وأعني بذلك الحوار مع الأنظمة في الدول الإسلامية والدول الغربية، فهناك وللأسف الشديد فجوة واسعة تزداد اتساعًا يومًا بعد يوم، وقطيعة بين التيار الإسلامي وهذه الأنظمة، بل إن الأمر وصل في بعض الدول إلى الحرب المعلنة من كل طرف على الآخر، كالذي يجري على الساحة الجزائرية والمصرية والتونسية، فلو غلبوا حوار العقل والمنطق والمصلحة العامة لكانوا في حال مختلف تمامًا عما هم فيه الآن من سلسلة متوالية وغير متناهية من سفك الدماء وإزهاق للأرواح بغير ما ذنب اقترفته، وهذه هي الفتنة بعينها، التي يقتل فيها الإنسان المسلم دون أن يعلم بأي ذنب قتل.
والمسؤولية في ذلك تقع في الجانب الأكبر على الأنظمة الحاكمة في تلك الدول التي أصابها البلاء، وانتشرت فيها الفتنة؛ ذلك لأن الأنظمة هي التي بيدها مقاليد الأمور، ومفاتيح ومغاليق الحوار، وتستطيع أن تملك زمام المبادرة بتهيئة الأجواء، وتصحيح وتصويب الأهواء، وإطفاء نار الحرب والفتنة التي أشعلها الأعداء، هذا في حال إذا كانت هذه الأنظمة راغبة فعلًا وحقًّا في الحوار البناء.
وفي الجانب الآخر يجب على شباب الصحوة الإسلامية أن ينتبهوا إلى مسارهم، وأن يتفقهوا، ويتبصروا أمر دينهم، وأن يقتدوا بسنة نبيهم محمد- عليه أفضل الصلاة والسلام- ويتذكروا أمر ربهم لنبيهم وللمسلمين من بعده ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنَ﴾ (النحل: 125)، وقول رب العزة لرسوله الكريم الحليم: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: 159).
فالرفق واللين ما كان في شيء إلا زانه، وما انتزع من شيء إلا شانه، وإقناع الناس بعظمة الإسلام وشموله وصلاحيته لهذا الزمان وكل زمان لا يأتي بالثورة والعنف والقتل غير المبرر، بل بالصفح والتسامح والتعاون والقدوة الحسنة في كل مناشط الحياة... واستخدام لغة الحوار والتفاهم والعقل والمنطق بدلًا من السلاح.
هذه دعوة مخلص لجميع الأطراف المتخاصمة والمتحاربة والمتقاتلة بنزع سلاحها أيًّا كان نوعه، وتنظيف صفوفها من العناصر الدخيلة البغيضة التي تؤجج الصراع، وتزيده حدة وشراسة، وتقتل كل فكرة بناءة تدعو للصلح والمحاورة، فأعداء الأمة الإسلامية يفرحون بالفتنة، ويتربصون ويتحينون كل فرصة لتأجيج الخلاف، وزيادة اتساع الهوة والفجوة بين المسلمين، فهل نعي ذلك ونستفيد من دروس وعبر التاريخ ؟!.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل