العنوان الدعـم النفسـي لمتضــرري الكــوارث لا يقـل أهميــة عن الدعــم الإغاثــي
الكاتب سامح أبو الحسن
تاريخ النشر الأربعاء 01-مارس-2023
مشاهدات 20
نشر في العدد 2177
نشر في الصفحة 8
الأربعاء 01-مارس-2023
الغانم: نحتاج معالجين نفسيين وتربويين يمهدون لبيئات إيجابية ليستطيع الأطفال التأقلم معها
د. القطان: التهدئة بالساعات الأولى هي التي تنقذ الإنسان حيث تكبح إفرازات الأدرينالين اللاواعية
البارون: البكاء والارتعاش أو الهدوء المخيـــــــف مؤشــــرات خطـــر في عيـــــــون
مقدمي المساعدات النفسية
تحقيق- سامح أبوالحسن:
يحتاج الناجون من كارثة الزلازل إلى مساعدات نفسية، بصورة لا تقل أهمية عن المعونات المادية والإنسانية والطبية، وذلك من أجل تخفيف المعاناة النفسية المتمثلة في مشكلات الاكتئاب المصاحبة لتلك الكوارث.
هذا ما أكده علماء واختصاصيون في علم النفس لـ«المجتمع» من خلال هذا التحقيق الذي سعى للتعرف على وسائل الإسعاف لمن تعرضوا لمثل هذه الكوارث.
في البداية، قالت مديرة مركز «اتزان» للاستشارات والتدريب الاختصاصية النفسية د. حنان القطان، في حوار مع «المجتمع»: إن الآثار النفسية للزلازل تكون بمثابة الصدمة أو اضطرابات الصدمات أو كرب ما بعد الصدمة، فالذي يتعرض لأي حدث يهدد حياته يتعرض لصدمة نفسية، وتختلف هذه الصدمة من إنسان إلى آخر، وتتفاوت القدرة على المعايشة مع هذه الكارثة، وأبرز هذه الآثار تتمثل في الأرق واضطرابات النوم الذي يعد من أهم الأعمال التي تعيد للعقل توازنه وتصحح الكثير من المشكلات في الجسد، بالإضافة إلى الصور الذهنية التي تأتي للإنسان مع الصوت والتخيل؛ مؤدية إلى السرحان، وينفصل الإنسان فيها عن الواقع.
وتابعت: من كرب ما بعد الصدمات الدخول في حالة من الاكتئاب حينما يكون الإنسان أسيراً لأحزانه لفترة طويلة ولا يستطيع أن يتجاوز آثار فقْد أسرته أو أحد أفرادها، فقد يدخل في حالة من الاكتئاب، ويشعر بالضيق والتوتر والقلق، وأن مستقبله قد انتهى، ويشعر بتأنيب الضمير، وغيرها من الآثار المؤلمة بعد الكوارث.
وأضافت د. القطان: هنا يبرز محوران يؤثران بشكل مباشر في حجم الآثار السلبية لكرب ما بعد الصدمة؛ الأول: الاستعداد الوراثي والنفسي لما بعد الاضطرابات النفسية والمشكلات، مثل الاكتئاب والوسواس وغيرهما، والثاني: تكوين الشخصية، وكيف تربى هذا الإنسان؟ وهل لديه درجة عالية من اليقين والتسليم بقدر الله تعالى، أم لديه فقر في المعاني الإيمانية؛ وبالتالي يكون عاجزاً عن التسليم بقضاء الله وقدره، وهنا يجد صعوبة في التكيف؟ وهذا ما نسميه التكوين الشخصي، وذلك يساهم في تفسير الموقف بين إنسان وآخر، ومثلما قال العلماء: الصدمة لا تولِّد المشكلة، وإنما تفسيرك الداخلي هو الذي يولِّد المشكلة.
واستطردت الاختصاصية النفسية: من الآثار أيضاً عدم الإدراك المتزن لما حدث؛ مما يولد بعض المشكلات في السلوك، مثل الرعونة وعدم توخي الحذر وعدم المبالاة بوسائل الأمن والسلامة والاستخفاف العقلي مع المشكلة والأزمة، وهذا يعتبر من الآثار التي من الممكن أن يحدثها تفسير المصاب لمشكلته وصدمات حياته، وأيضاً قد يحدث اضطراب القلق وليس القلق التفاعلي بسبب أزمة، وإنما هو القلق المزمن، وله آثار سلبية مثل القولون العصبي والصداع والضيق والوهن.
الصدمة ومراحلها
أما بالنسبة للصدمة نفسها، فهي تحتاج إلى تعريف، وهي -حسب القطان- عبارة عن كمية من المشاعر الضارة التي تهدد الحياة بحيث لا يستطيع الجسد أن يتحملها في وقت سريع، وتُحدث تغييراً في أسلوب الحياة، وقد تصل بالإنسان إلى العجز وعدم القدرة على العمل؛ فقد تسبب الخوف الشديد أو الخوف المرضي من خلال تحفيز الجهاز العصبي للجسد؛ وبالتالي يكون لديه إفراز للأدرينالين بشكل غير واعٍ، وهذا ظهر جلياً في ارتدادات ما بعد الزلزال؛ فنرى فزع الناس في الضربة الأولى، وهنا نجد سرعة الاستجابة للمثير أسرع بكثير مما قبل؛ مما يدل على أن هناك إفرازاً بشكل كبير للأدرينالين، وهذا دليل على أن الجسد متنبه ولديه رد فعل طبيعي؛ والله تعالى جعل الأجساد دائماً في حالة دفاع، لكن هذه الحالة إذا عاشها الإنسان فترة طويلة فمن الممكن أن تؤثر على حالته النفسية، فهو يحتاج إلى الهدوء والتنفس بعمق، وذكر الله والتوكل عليه.
وعن مراحل الصدمات التي يعيشها الإنسان، قالت د. القطان: المرحلة الأولى هي الإنكار؛ فيرفض الإنسان هذا الحدث، أو لا يستطيع تقبله، ثم بعد ذلك ينتقل إلى مرحلة الغضب والاحتجاج؛ وهذه المرحلة صحية؛ لأنها تنقل الإنسان من الإنكار غير المنطقي إلى القبول، أما الثالثة فهي مرحلة المساومة؛ وهي المطالبة بإنقاذ بعض الأفراد، وتأتي المرحلة الرابعة وهي الاكتئاب، وآخر مرحلة وهي القبول؛ وفيها يتم تقبّل الحدث.
وهذه المراحل تختلف على حسب صحة الإنسان النفسية، فهناك من يمتلك الصحة النفسية العالية فيصل إلى مرحلة القبول بشكل أسرع، كما حدث مع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند موت النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: «من قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد مات قطعت رأسه»، وعندما ذكَّره أبو بكر رضي الله عنه بالآية: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} (آل عمران: 144)، قال: «وكأني أسمعها لأول مرة»، وهذا دليل على أنه انتقل إلى القبول والإدراك بسرعة ولم يأخذ دقائق، فسرعة الاستجابة والوصول إلى القبول تختلف من إنسان إلى آخر.
وأضافت د. القطان: هناك أفكار ووسائل للدعم النفسي؛ أولها: تهدئة الجهاز العصبي للمتضررين، وهذه اللحظات الأولى والساعة الذهبية حيث لا تترك المصاب بالهلع تمر عليه ساعات طويلة ثم بعد ذلك تذهب لتهدئته، فالتهدئة الأولى هي التي تنقذ الإنسان، وهي التي تكبح جماح إفرازات الأدرينالين وغيرها اللاواعية، بتذكيرهم بالصبر والهدوء وعناقهم وخاصة الأطفال؛ لأنهم سرعان ما ينتقلون من الخوف إلى الأمان، ويتم تغذيتهم وإعطاؤهم الماء والطعام.
وبينت أن هناك حالات تحتاج إلى دعم نفسي من نوع مختلف، ووضع خطط علاجية لهذه الحالات، حتى الذي يمارس الدعم النفسي يحتاج إلى تفريغ وتثبيت لقلبه حتى لا يصل لمرحلة الانهيار، ولكي يشحن نفسه مرة أخرى بالعطاء من جديد، وفي المرحلة الأولى يجب أن يكون الدعم عبارة عن إسعاف أوليّ للمصاب نفسياً، ثم بعد ذلك بعد أن تهدأ الأمور يكون هناك إسعاف من نوع آخر؛ وهو إسعاف بطيء، ويتمثل في وضع خطة إستراتيجية لعلاج الكوابيس والقلق والإجهاد وعدم التنفيس بأساليب خاطئة؛ مثل التكسير أو الضرب أو الانغماس في حالة من اليأس والاكتئاب، فيحتاج المتضرر إلى مرحلة الإسعاف الأوليّ، والمرحلة الثانية قد تكون رحلة علاج وفق خطة، كما أن درجة الصدمة تختلف من طفل إلى آخر على حسب طبيعته، فهناك أطفال دخلوا في حالة من الهلع، وهناك من هو مستقر نفسياً، وهناك من يتحدث في السيارة، وآخر يضحك ويلعب ولم يدرك لصغر سنه.
الفئات الأكثر ضعفاً
فيما قال أستاذ علم النفس في جامعة الكويت د. سعود الغانم: إن الآثار النفسية للمصابين في الزلازل وخاصة الأطفال يرجع تأثيرها إلى أن الأطفال يسمون الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع، ومنها النساء وأصحاب الهمم، مشيراً إلى أن الأطفال عادة يصابون بما يسمى باضطراب ما بعد الصدمة.
وأوضح الغانم، في تصريح لـ«المجتمع»، أنه من الصعب الوقوف على مدى الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة إلا بعد مرور شهر كامل من الحادث، وذلك من خلال رصد أعراض مثل الخوف، وكبت المشاعر، وعدم القدرة على التعبير، والكوابيس، وتجنب الأشخاص والأماكن المرتبطة بالحدث، واضطرابات في رد الفعل.
ذكريات سلبية
وبيَّن الغانم أن الطفل قد تحدث له ذكريات سلبية، خاصة أن الأمور التي كان يفعلها سابقاً يبدأ التخوف من فعلها؛ فيبدأ لديه ارتفاع الخوف من الأحداث العادية التي كان يمارسها بدون مشكلات، فلذلك نقول: إننا نحتاج اهتماماً كبيراً وفرقاً متخصصة للعناية بالأطفال بعد هذه الأزمات الكبيرة؛ لأن منهم من مصيبته عظيمة، ومنها فقْد الأعزاء، فهذا سيضاعف المشكلة، فالمرحلة الأصعب هي الفقدان.
وأوضح الغانم أن الآثار قد تصيب الأطفال بارتفاع انفعال الخوف وعدم التوافق والقلق والرهبة، وأيضاً يحدث اضطراب في النوم مخافة من تكرار الحدث، والأمر الأخير هو فقدان الممتلكات المادية، فآخر مرحلة من مراحل الإصابات هي فقدان ما يتعلقون به من أمور مادية سواء أكان المنزل أم السرير الخاص أم ما يتعلق به الطفل على حسب عمره.
واختتم الغانم: دخول الأطفال إلى بيئة جديدة قد يؤثر عليهم نفسياً، وهي أماكن لم يتعودوا عليها؛ مثل المخيمات المؤقتة وغيرها، وهذا قد يؤدي بالطفل إلى عدم التوافق، في النهاية نحتاج إلى متخصصين في العلاج النفسي وتربويين يمهدون لبيئات إيجابية حتى يستطيع الأطفال التأقلم معها.
علامات الصدمة
أما أستاذ علم النفس في جامعة الكويت د. خضر البارون فقال: إن الكوابيس واسترجاع الذكريات والقلق الشديد تعد من أكثر علامات الصدمة شيوعاً لدى المتأثرين من الزلازل، فيما تعد أعراض البكاء والارتعاش أو الهدوء المخيف بمثابة مؤشرات خطر في عيون مقدمي المساعدات النفسية.
وأضاف البارون، في تصريح لـ«المجتمع»: تتعدد المخلفات النفسية التي قد تصيب الناجين من الزلازل، وتختلف من حالة إلى أخرى، حسب شدتها وطبيعة أعراضها، مشيراً إلى أنه ليس كل من يتعرض لزلزال سيصاب بمشكلة صحية أو نفسية، وأولئك الذين يتعرضون لها قد يعانون من أعراض مختلفة، ويعد طلب المساعدة المتخصصة من اختصاصي أو طبيب نفسي أمراً مهماً إذا استمرت الأعراض وتداخلت مع الأداء اليومي.
وأشار البارون إلى أن الناجين من الكارثة قد يصابون بحالات الاكتئاب التي تعد إحدى المشكلات النفسية الشائعة بعد حدث مؤلم مثل الزلزال، وتتمثل أعراضه في الشعور المستمر بالحزن واليأس وفقدان الاهتمام بالأنشطة وتغيرات في الشهية وأنماط النوم.
وأردف البارون: من بين أبرز الاضطرابات أيضاً اضطراب نفسي يمكن أن يتطور بعد تعرض الشخص لحدث صادم، ويمكن أن تشمل تجنب التذكير بالحدث، والشعور بالخدر أو الانفصال عن الآخرين، والشعور بالقلق الشديد.
وأكد البارون أن الناجين بعد ظهور هذه الأعراض يحتاجون إلى الرعاية الصحية اللازمة، بداية بالإسعافات الأولية النفسية ومساعدة الأفراد على الشعور بالأمان من خلال خلق بيئة هادئة وداعمة، مؤكداً ضرورة التشجيع على المواجهة الإيجابية والمرونة في التعامل مع الصدمات.
الأمـم المتحـــدة: 7 ملاييـــن طفـــل
تأثــروا بالزلـــزال في تركيـــا وسوريــة
أعلنت الأمم المتحدة (الثلاثاء 14 فبراير 2023م)، أن عدد الأطفال في سورية وتركيا الذين تأثروا بفعل الزلزال بلغ 7 ملايين شخص.
وقال المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) «جيمس إلدر» للصحفيين في جنيف: في تركيا، كان مجموع الأطفال الذين يعيشون في المحافظات العشر التي ضربتها الزلازل 4.6 ملايين طفل، وفي سورية تأثّر 2.5 مليون طفل.
ووسط الأنقاض، يواجه مئات آلاف المشرّدين الجوع والبرد في تركيا وسورية، حيث تحاول السلطات تخفيف آثار الكارثة الإنسانية بعد أكثر من أسبوع على الزلزال المدمّر الذي تتجاوز حصيلة ضحاياه 35 ألف قتيل، فيما أصبحت فرص العثور على ناجين شبه معدومة والأولوية الآن هي لمساعدة مئات آلاف الأشخاص الذين دُمّرت منازلهم جراء الهزّة.
وبحسب الحكومة التركية، فقد تمّ إيواء نحو 1.2 مليون شخص في مساكن للطلاب، ونُصبت أكثر من 203 آلاف خيمة وأُجلي 400 ألف شخص من المناطق المنكوبة.
ويُضاف إلى الحرمان المادي الحاد، الإرهاق النفسي الذي يشعر به الأطفال خصوصاً.
وقال نائب الرئيس التركي «فؤاد أوقطاي»: إن 574 طفلاً أُخرجوا من مبانٍ منهارة، وجدوا أنفسهم بدون أهل.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلبنسبة مشاركة 84% وتصويت 52.1% لصالحه.. الشعب التركي يجدد الثقة بالرئيس «أردوغان»
نشر في العدد 2180
28
الخميس 01-يونيو-2023
الحــرب الأوكرانيـــــة اختبــــار صعـــب للعلاقـــــات التركيــــة الروسيـــة
نشر في العدد 2183
27
الجمعة 01-سبتمبر-2023