العنوان الدعوة الإسلامية في اليابان
الكاتب د. صالح مهدي السامرائي
تاريخ النشر الثلاثاء 08-ديسمبر-1970
مشاهدات 16
نشر في العدد 38
نشر في الصفحة 16
الثلاثاء 08-ديسمبر-1970
الدعوة الإسلامية في اليابان
إن الدولة العالمية التي يحلم بها كبار الفلاسفة من أمثال رسل الإنجليزي ويوكاوا العالم الياباني لا يمكن تحقيقها إلا عن طريق الإسلام.
بقلم الدكتور: صالح مهدي السامرائي
البوذية تحتقر الوجود الإنساني
قنبلة نجازاكي سقطت في قلب كنيسة
كلمة قصيرة عن اليابان
تقدر مساحة اليابان بمساحة سوريا وتشكل الجبال ثمانين بالمائة من أراضيها، أما النفوس فتبلغ مائة مليون نسمة ولذا تعتبر من أكثر البلدان ازدحامًا.
والبلد فقير في المواد الأولية ورغم هذا فإنها ثاني دولة في الإنتاج الصناعي، والياباني دؤوب ويخلص في العمل واقعي في نظرته للحياة وقد ينظر إلى نفسه أنه متأخر عن بعض الدول المتقدمة، إلا أنه يبذل جهده للتغلب على هذا الشعور بالجد والاجتهاد، والياباني شرقي في مشاعره رغم محاولات الاستغراب فعنده مشاعر الاحترام للصين باعتباره مدينًا لها حضاريًا ويهتم بأقطار جنوب شرقي آسيا، لا بدافع اقتصادي فحسب، وهذا عامل مهم في علاقة اليابان بالبلدان الأخرى، ولكن نتيجة لشعورهم بوحدة المصير وتشابه الأحاسيس والعادات المشتركة، وهذه المشاعر تؤثر على نظرة الياباني إلى العالم وخصوصًا نظرته للأديان والمبادئ العالمية، والذي يهمنا الآن هو الوضع الديني للشعب الياباني وعلاقة ذلك بالدعوة الإسلامية في اليابان ومدى تقبل الشعب الياباني لها وإمكانية نشرها بين أوساطه، إن دين اليابانيين الأصلي هو الشنتو.
وأساس هذا الدين هو عبادة الطبيعة وبالخصوص الأشياء التي تبعث على الخوف وتجلب الروع مثل مساقط المياه والأشجار الكبيرة والجبال الشاهقة والصخور الغريبة الشكل، ولقد بنيت المعابد في الأماكن التي يشعر فيها الإنسان بالرهبة، ويحتل الأباطرة الصدارة في هذا الدين حيث يعتبرون من نسل الآلهة، أما البوذية فقد جاءت إلى اليابان من كوريا والصين في القرن السادس الميلادي وانتشرت تدريجيًا حتى أصبح نصف الشعب الياباني يعتنقها.
البوذية تحتقر الوجود الإنساني
ولقد اشتد العداء بين أتباع الدينين في بادئ الأمر إلا أنه في الأخير اعترف كل منهما بوجود الآخر، والبوذية في أصلها الهندي تؤكد على حقارة الوجود الإنساني وتعلق أملًا ضعيفًا على حياة الإنسان الدنيوية وتدعو إلى الخلاص من تناسخ الأرواح والتحول إلى حالة النرفانا.
وذلك بكبح الرغبات النفسية والنرفانا حالة يكون فيها الإنسان غير مكترث بالحياة وتفصم ذات الفرد علاقتها بالكون كما تفصم قطرة الماء علاقتها بالمحيط، ولم ترق هذه الديانة المتشائمة للصيني والياباني فعملوا على تحويرها فأصبحت النرفانا تعني الجنة والأشرار فمصيرهم إلى النار.
أما المسيحية فأدخلت من قبل بعثات الجزويت التبشيرية البرتغالية وذلك في أواسط القرن السادس عشر الميلادي أي بعد مائة سنة من سقوط الحكم الإسلامي في الأندلس وجاء الفرانسيسكان الإسبانيون بعدهم.
والبرتغاليون والإسبان وهم طليعة الاستعمار الغربي الحديث خططوا على تحاشي مواجهة مركز العالم الإسلامي المتمثل في الخلافة العثمانية وقاموا بعملية التفاف عليه ففتشوا عن طريق إلى الشرق لا يمر بقلب العالم الإسلامي وهو طريق رأس الرجاء الصالح وبذلوا المحاولات للسيطرة على بلدان الشرق الأقصى فاستعمروا الفلبين وأوقفوا توسع الإسلام في المنطقة التي لولا مجيء الإسبان لكانت اليوم كلها إسلامية.
واستعمروا جزءًا من إندونيسيا والملايو في محاولة للقضاء على الإمارات الإسلامية الناشئة فيها أما اليابان فدخلها البرتغاليون تجارًا وبعدها بسنتين دخلوها مبشرين بالمسيحية وبدأوا بجزيرة كيوشو في أقصى جنوب اليابان ولقد نجحوا في بادئ الأمر في نشر المسيحية بجزيرة كيوشو وبمرور ثلاثة أرباع القرن أصبح عدد المسيحيين حوالي 3۰۰ ألف شخص وهذا مما أثار البوذيين عليهم، كما أن حكام اليابان أدركوا أن مع التجارة والتبشير يأتي الاستعمار، لذا رأوا أن ولاء النصارى اليابانيين هو للبابا وللدول الأوروبية فشنوا حملة ضدهم وقتلوا المئات وأجبروا الآلاف على الارتداد عن النصرانية ويمكن القول إنه تم تصفية المسيحية نهائيًا من اليابان، إلا أنه بعد أن فتحت اليابان أبوابها للعالم الخارجي في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي أعادت البعثات التبشيرية نشاطها في اليابان ولقد صادف نشاطها بعض الصعوبات والتقيدات خصوصًا أثناء الحرب العالمية الثانية إلا أنه بعد اندحار اليابان بإلقاء قنبلتين ذريتين إحداهما على هيروشيما والأخرى على ناكاساكي وهي مركز للمسيحية في اليابان ومن الصدف العجيبة أن قنبلة ناكاساكي سقطت في قلب كنيسة.
- أقول بعد اندحار اليابان ودخول قوات الاحتلال وإعلان الإمبراطور للملأ أنه لم يعد لها وإنما هو مبشر استغلت الهيئات التبشيرية العالمية الوضع وركزت مجهوداتها على اليابان وهي متفائلة في أن تكون المسيحية وريثة الشنتو والبوذية.
لقد انهزم الشعب الياباني وهو الذي لم يستعمر في تاريخه كله انهزم رغم الوعود التي أعطاها له الأباطرة بأنه لم يهزم لأنه الشعب المختار سليل الآلهة، إن عامل الهزيمة مضاف إليه المخطط التربوي والإعلامي الذي وضعه خبراء جيش الاحتلال عملًا على زعزعة عقيدة الفرد الياباني الذي بدأ يعيد النظر في دينه الموروث فكانت النتيجة فراغًا عقيديًا هائلًا عند الشعب لدرجة أنك حين تسأل أي شاب ياباني عن دينه يجيبك أن أبي «بوذي» وأمي «شنتو» أو كان أبي وأمي كذا أما أنا فلا دين لي هذا هو الوضع الذي عليه الياباني الآن ضياع وتيه، وقد لا يشعر بهذا الضياع إلا إذا صادف إنسانًا ذا عقيدة أو سمع عن شعب متمسك بمبدأ.
الفراغ الفكري في اليابان
إن هناك ثلاث جهات تحاول الاستفادة من الفراغ الفكري في اليابان:
١- الغرب المسيحي حيث يوجد جيش جرار من المبشرين وعديد من الهيئات التبشيرية وعدد هائل من الجامعات والكليات والمدارس الثانوية والابتدائية ففي طوكيو وحدها خمس جامعات تبشيرية في مدينة هتاجي
الصناعية التابعة لشركة هتاجي المشهورة والتي تبعد ثمانين كيلو مترًا عن طوكيو توجد كلية تبشيرية يرعى كل طالب وطالبة فيها إحدى العائلات الأمريكية والعجيب أن إحدى طالبات هذه الكلية أسلمت على يد أهل التبليغ الباكستانيين.
ولقد قرأت إحصائية عن نشاط إحدى الجمعيات التبشيرية التعليمي في اليابان جاء فيها أن لديها مدارس ابتدائية وثانوية تعداد تلامذتها ٣٠٠ ألف ومع كل الجهود المبذولة والتاريخ العريق، فأتباع المسيحية يبلغون نصف مليون من كل الفرق أي نصف بالمائة من مجموع سكان اليابان إلا أن تأثير المبشرين يتجاوز حدود إدخال الناس بالمسيحية ويتعداه إلى بث الفكر الغربي المسيحي والحضارة الغربية تمامًا، كما هي رسالتهم في كثير من البلدان الإسلامية والشرقية.
٢- الشرق الماركسي بشقيه الشيوعي والاشتراكي.
فالماركسيون يحاولون السيطرة على عقول الشباب وجذب الطبقة العاملة.
٣- حركه بوذية تسعى لاستعادة الثقة بالبوذية وتجمع الناس حولها خصوصًا الطبقة المتوسطة من المجتمع.
إبراهيم
والآن وبعد أن أخذنا فكرة عامة عن وضع المجتمع الياباني من الناحية الفكرية دعنا نبحث علاقة ذلك بالإسلام والدعوة الإسلامية في هذه البلاد النائية، لم يكتب لليابان أن تعرف شيئًا عن الإسلام خلال الثلاثة عشر قرنًا الأولى من تاريخ الإسلام أي حتى بداية القرن الرابع عشر الهجري ولم يعرف من أية محاولة لنشر هذا الدين العظيم في هذا البلد القاصي خلال هذه الفترة رغم أن عدد المسلمين في الصين، وهي مجاورة لليابان كثير حيث يزيدون على الخمسين مليونًا ولعل الحاجز البحري الذي يفصل اليابان عن البر الصيني كان السبب في ذلك، أو أن فقر اليابان بالموارد الطبيعية التي تصلح للتجارة لم يشجع التجار المسلمين من عرب و هنود وصينيين على الرحيل والاستقرار في اليابان، فينتشر الإسلام بواسطتهم كما هو الحال مع الملايو وإندونيسيا والفلبين والصين نفسها.
ولعل الله سبحانه وتعالى عز وجل بسابق علمه وتقديره ما أراد لهذه البلاد وفي تلك الفترة بالذات أن نستضيء بنور الإسلام، وظلت الحال هكذا إلى العشرينات من القرن الهجري الحالي عندما زار اليابان مبلغ ترکستانی من قازان الإسلامية التي ابتلعها القياصرة الروس وأذابها البولشيفيك والزائر اسمه إبراهيم وهو من تلاميذ المرحوم جمال الدين الأفغاني ولقد أسلم أول رجل ياباني بتاريخ اليابان على يد هذا الداعية والياباني اسمه ايبي تاناکا ولا يحضرني اسمه الإسلامي وقام بأداء فريضة الحج وألف أول كتاب عن الإسلام باللغة اليابانية، والسيد إبراهيم هذا قرأت له محاضرة كان ألقاها في جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة في الأربعينات من القرن الهجري وكانت عن حياة السيد جمال الدين الأفغاني وكان مما قاله: إن امبراطور اليابان بعث للمرحوم خليفة المسلمين السلطان عبد الحميد برسالة يطلب فيها إرسال دعاة مسلمين لتبليغ الإسلام الشعب الياباني فاستدعى السلطان عبد الحميد جمال الدين الأفغاني واستشاره في الأمر فقال جمال الدين يا حضرة السلطان إنك لو بعثت لهم علماء من الطراز الموجود حاليًا في السلطنة لنفر هؤلاء اليابانيون من الإسلام والأحسن أن تدرب جماعة من العلماء على الدعوة في مثل هذه البلاد وترسلهم، فاقتنع السلطان وبعث رسالة شكر لإمبراطور اليابان ومعها هدية ووعده بتلبية طلبه، ويقول السيد إبراهيم إن جمال الدين شجعني فيما بعد على الذهاب إلى اليابان فذهبت واستقبلتني الصحافة اليابانية بالترحيب وكذلك الأوساط الرسمية وظنوني مبعوث السلطان ومكثت معززًا مكرمًا حوالي ثمانية شهور، هذه هي قصة أول محاولة لنشر الإسلام في اليابان والطريق الثاني الذي دخل منه الإسلام إلى اليابان هو بواسطة المسلمين التتار الذين هاجروا من بلادهم بسبب الاستعمار الشيوعي الروسي / قازان هي عاصمة جمهورية التتار الإسلامية وتبعد حوالي ۷۰۰ كم شرقي موسكو، وقد فقدت طابعها الإسلامي الآن وتوجه قسم منهم إلى اليابان واستقروا في طوكيو وبعض المدن الأخرى وأسلم على أيديهم عدد لا بأس به من اليابانيين ولقد رأيت عددًا منهم وقد حسن إسلامهم ولهم ذرية مسلمة، أما الطريق الثالث فهو الصين فلقد استعمرت اليابان الجزء الشمالي من الصين وهي مقاطعة منشوريا وذهب عدد من اليابانيين إلى هناك كأعضاء إداريين ولقوا في منشوريا عددًا لا بأس به من المجتمعات الإسلامية الصينية وباختلاطهم بهؤلاء المسلمين، اعتنق بعضهم الإسلام وعادوا إلى اليابان مسلمين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ومن المسلمين العائدين الحاج «عمر ميتا» مد الله في عمره وهو رئيس الجمعية الإسلامية اليابانية السابق والذي يقوم الآن بترجمة معاني القرآن الكريم للغة اليابانية برعاية من رابطة العالم الإسلام وكذلك الحاج مصطفى کمورا زميل الحاج عمر میتا ومساعده في الترجمة.
أما الطريق الرابع فهو إندونيسيا والملايو، فمن المعروف أن اليابان احتلت الملايو وإندونيسيا خلال الحرب العالمية الثانية واتصل أفراد جيش الاحتلال بالشعوب المسلمة، هناك واعتنق بعضهم الإسلام وعادا إلى اليابان بإسلامه بعد أن وضعت الحرب أوزارها ومن هؤلاء السيد عمر يوكيبا الذي أسلم في الملايو والسيد عبد المنير واتانابا الذي أسلم في إندونيسيا وهما عضوان في الهيئة الإدارية لجمعية المسلمين في اليابان.
والطريق الخامس ولعله الأهم هو جهود جماعة التبليغ في الهند وباكستان خلال زياراتهم المتتالية لليابان، ابتداء من أواسط السبعينات الهجرية الحالية والخمسينات الميلادية، إن هذه الجماعة المباركة بما لأفرادها من إخلاص وصلاح وتجربة في الدعوة والتبليغ قامت:
١- بالاتصال بالمسلمين الموجودين فعلًا في اليابان سواء كانوا يابانيين أو أجانب وأثاروا فيهم روح الدعوة والتبليغ وحولوهم من عناصر سلبية تهتم بنفسها إلى عناصر حركية، تهتم بأمر المسلمين وأهم ثمرة لجهودهم من اليابانيين هو الحاج عمر ميتا حيث أخذوه معهم إلى الهند وباكستان وأدى فريضة الحج وقام أثناء الرحلة بترجمة كتاب حياة الصحابة إلى اللغة اليابانية، ونشر فيما بعد كما أنه ألف وترجم الرسائل الكثيرة التي تشرح ما يجب على المسلم أن يقوم به خلال حياته اليومية مثل الصلاة وغيرها وأكبر عمل يقوم به الآن هو ترجمة معاني القرآن الكريم كما أسلفنا.
وبدأ الإسلام زحفه الكبير
ومن ثمار جهودهم مع غير اليابانيين السيد أحمد موتي والا الباكستاني وهو تاجر لؤلؤ في مدينة كوب الواقعة جنوب غربي طوكيو، واتصل به أهل التبليغ ففتح الله قلبه للعمل على نصر الإسلام وكان إذا رجعت جماعة التبليغ إلى بلادها يقوم هو بزيارة المسلمين الجدد في مدينة طوكيشيما القريبة من كوب ويرعاهم ويعلمهم الإسلام ويقوم كذلك بنشر الإسلام بين أقارب وأصدقاء هؤلاء المسلمين وهدى الله به عددًا لا بأس به.
٢- قاموا بدعوة غير المسلمين إلى الإسلام وادخلوا الإسلام إلى مناطق ما شهدت مسلمًا، من قبل فممن دخل على أيديهم في الإسلام البروفسور الحاج عبد الكريم سايتو رئيس الجمعية الإسلامية الحالي وصاحب الجهود المخلصة في نشر الدعوة خصوصًا بين طلاب الجامعة التي يدرس فيها وبين أفراد المحلة، التي يسكنها ومنهم كذلك السيد خالد كيبا أسلم على يد المرحوم عبد الرشيد أرشد، وهو داعية باكستاني زار اليابان وغيرها من البلدان مثل أمريكا داعيًا إلى الله وساعد الحاج عمر ميتا، في ترجمة حياة الصحابة وترجمة معاني القرآن الكريم وكان يعمل في آخر أيامه خبيًرا في هندسة التليفون بين المدينة ومكة المكرمة وتوفي في حادث صدام سيارة وهو في ملابس الإحرام بطريقه من المدينة إلى مكة ومعه الحاج عمر ميتا ومصطفى كمورا، وأنقذ الله سبحانه عز وجل الحاج عمر ميتا ومصطفى كمورا والمرحوم أرشد دفين مكة المكرمة والحادث وقع عام ١٣٨٤ هـ كما أن المرحوم أرشد هو الذي شجع صاحب هذه الكلمة على الذهاب إلى اليابان جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وطريقة إسلام خالد كيبا تعيد لنا قصة إسلام الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه الذي خرج من بلاد فارس يبحث عن الدين الحق إلى أن لقي الرسول عليه السلام، وخالد كيبا يقول نشأت أفتش عن الحقيقة فحضرت معابد الشنتو وأنصت إلى صلواتهم فلم تعجبني وزرت المعابد البوذية وأصغيت إلى ترانيمهم ومواعظهم، فلم تلق هوى مني واستمعت إلى خطب النصارى في كنائسهم ورأيت صلواتهم فلم أتأثر بها، وصدفة وأنا أحضر لرسالة الماجستير في الحقوق وكانت حول القانون المقارن ورد ذكر للقانون الإسلامي فدفعني ذلك لدراسة القرآن وشيء عن الإسلام، فأعجبت به ودعاني مرة طالب باكستاني يدرس على الدكتوراة بجامعة طوكيو وهو الدكتور عمر دراز خان دعاني لزيارة جماعة التبليغ، وكان فيهم عبد الرشيد أرشد فأعجبني لقاؤهم وصاحبتهم ثلاثة أيام مستمرة هداني الله خلالها للإسلام.
أما إدخالهم الإسلام لأول مرة في منطقة من المناطق فيتمثل في مدينة طوكيشيما وما حولها في جزيرة شكوكو وتبعد عن طوكيو حوالي ۸۰۰ كم وقد زارتها مجموعة من أهل التبليغ، لأول مرة وليس فيها مسلم واحد وأذنوا للصلاة في المدينة وصلوا جماعة فتجمع حولهم بعض الأشخاص وتحدثوا إليهم ودعوهم إلى الإسلام فاستجاب بعضهم واعتنق الإسلام ورجع أهل التبليغ إلى بلادهم ثم أعادوا الكرة في العام التالي واتصلوا بالمسلمين القدامى الذين جلبوا معهم أقرباءهم وأصدقاءهم فأسلم البعض منهم، وهكذا بدأ عدد المسلمين يزداد ولقد ذكرنا سابقًا كيف قام السيد أحمد موتي والا تاجر اللؤلؤ بمراجعة طوكيشيما بغياب أهل التبليغ حتى إني عندما غادرت اليابان في أول عام ١٩٦٦ الميلادي كان عدد المسلمين في طوكيشيما مائتين وخمسين شخصًا.
ولا أنسى أن أسجل الدور الذي قام به المسلمون اليابانيون أنفسهم في الدعوة والتبليغ وكذلك الطلبة المسلمون القادمون من البلاد الإسلامية للدراسة في اليابان، ويمثل الدعاة إلى الله من اليابانيين الحاج عمر ميتا والحاج عبد الكريم سايتو في طوكيو والسيد ناكاياما في قرية قرب طوكيشيما، فعمر وعبد الكريم كانا يصحبان جماعة التبليغ في جميع سفراتهم داخل اليابان ويترجمان لهم ويضيفان على الترجمة من روحهما ما يرغب اليابانيين في الإسلام كما أنهما لا يزالان يقومان بالدعوة بين طلبة الجامعات وأدخلا في الإسلام مجموعة من خيرة الشباب، أما السيد ناكاياما (وقد نسيت اسمه الإسلامي) فهو رجل متوسط العمر أسلم وأسلمت عائلته معه، نشيط في دعوة أصدقائه إلى حضور مجالس التبليغ كلما جاءوا للمنطقة فهدى الله به خمسة وثلاثين شخصًا ومن عجائب الصدف أن ناكاياما هذا ورث عن أبيه رقعة مخطوطة عليها حكمة بالمقاطع الصينية، ومن المعلوم أن المقاطع الصينية يمكن قراءتها بعدة وجوه وتعطي عدة معان ولما رآها الحاج عمر ميتا وهو بروفسور للغة الصينية، قال إن أحد معاني هذه القطعة هو بذل ما في الوسع لنصرة الإسلام وهذا ينطبق فعلًا على المهتدي «ناكاياما» مع العلم أن والده لم يكن مسلمًا، وقضى هو أول عمره على غير دين الإسلام فسبحان الله القادرعلى كل شيء، أما الطلبة المسلمون القادمون من إندونيسيا والملايو والباكستان وأفغانستان و إيران وتركيا والبلاد العربية، فقد أسست نخبة مؤمنة منهم جمعية الطلبة المسلمين في اليابان وضموا إليهم الطلبة المسلمين اليابانيين، هذه الجمعية كان عملها ذا شقين الأول بث الوعي الإسلامي بين الطلبة المسلمين الغرباء والثاني التعاون مع المسلمين اليابانيين في نشر الإسلام وأسسوا لهذا الغرض مجلسًا مشتركًا ومثل المسلمين اليابانيين فيه الحاج عمر ميتا ومن الطلبة المسلمين عبد الرحمن صديقي الباكستاني (وهو من ألمع الشباب الإسلامي يتقد ذكاء وحيوية ونشاطًا في خدمة الدعوة الإسلامية وكان لولب حركة الطلاب المسلمين في اليابان تخرج من جامعة التجارة بطوكيو ويعمل الآن بكراجي) وقامت هذه النخبة من الطلبة المسلمين بجهود يجزيهم الله عنها خير الجزاء وكان من نشاطهم:
١- محاولة الظهور بالمظهر الإسلامي ليكونوا قدوة للمسلمين اليابانيين، أذكر أننا زرنا مرة مسلمًا يابانيًا فقال في معرض حديثه اعذروني لأني شارب خمر فأجابه عبد الرحمن صديقي لماذا تشرب يا أخي أنه حرام فقال إني رأيت بعض المسلمين يشربون الخمر فأجاب صديقي لماذا تنظر إلى هؤلاء؟ ألا تنظر إلينا نحن لا نشرب الخمر.
٢- كانوا يسافرون مع أهل التبليغ ومع المسلمين اليابانيين للدعوة في مجموعات من مختلف الألوان ففيهم الإندونيسي والياباني والباكستاني والعربي فيكون لذلك أثر كبير في إثبات عالمية وإنسانية الدعوة الإسلامية.
٣- يعملون دورات صيفية لتعليم اللغة العربية وتدريس القرآن الكريم.
٤- يمثلون الإسلام في المؤتمرات الطلابية ومؤتمرات مقارنة الأديان.
٥- يساهمون في إصدار جريدة صوت الإسلام في اليابان التي كانت تخرج كل عشرين عامًا.
٦- يحتفلون بالمناسبات والأعياد الإسلامية والاستفادة منها بدعوة اليابانيين إليها لإظهار قوة الإسلام فكانت تعمل في الأعياد احتفالات بدار الطلبة الإندونيسيين الضخم بطوكيو حيث يحضره ما يزيد على الألف من يابانيين وغيرهم.
هذه خطوط عريضة عن كيفية دخول الإسلام إلى اليابان والآن لننتقل إلى الشق الآخر من الحديث: ما هي حصيلة الجهود التي بذلت؟ وما هي استعدادات الشعب الياباني لتقبل الإسلام؟ وما هي حصيلة الطرق والمحاولات المتعددة لإدخال الإسلام إلى اليابان؟
لا توجد إحصائية مضبوطة ولا سجل محفوظ لعدد المسلمين اليابانيين وإنما يتراوح عددهم بين الألفين والثلاثة آلاف، يمثلون كافة قطاعات الشعب الياباني فهم بين طالب وأستاذ وعامل ومدير عمل وصحفي وفنان وراهب بوذي ورجل وامرأة (على ذكر الراهب البوذي فقد أسلم أحد الرهبان على يد المرحوم عبد الرشيد وقدم معبده للمسلمين وهو في منحدر جبل وطالما كنا نعقد الدورات الصيفية فيه)، وقد يبدو العدد ضئيلًا إلا أنها بداية والبداية دائمًا قليلة من حيث الكم ولكنها كبيرة من حيث الكيف، لقد بذلت محاولات لنشر الإسلام في اليابان فاكتسبت الدعوة الإسلامية خبرات وحصلت أخطاء كما حصلت نجاحات ومنها جميعًا سيتضح الطريق الصحيح للعمل الإسلامي هناك، وإن لم يكن للعمل الإسلامي في اليابان من نتيجة إلا هذه الخبرات والتجربة لكانت كافية هذا بالإضافة إلى التعريف الإسلامي الذي قدم لعدد كبير من الناس رغم أنهم لم يعلنوا إسلامهم.
وننتقل للسؤال الثاني ما هي استعدادات الشعب الياباني لتقبل الإسلام؟ أذكر كلامًا للمرحوم العلامة الشيخ أمجد الزهاوي حيث يقول:
ثبت من استقرائنا للتاريخ أن الشعوب المشركة هي أكثر تقبلًا للإسلام من الشعوب النصرانية واليهودية، وهذا ينطبق فعلًا على الشعب الياباني، فهذا الشعب البالغ مائة مليون ممن لا دين لهم.
ومن كان فيهم ذو دين فهو غير كتابي، نرى وسط هذا الشعب الكثير من ذوي الفطر السليمة ومن المسلمين بطبيعتهم والذين هم على استعداد لتقبل الإسلام في الحال ومن دون تردد إذا عرض عليهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وأستطيع التأكيد بأنه ما عرض الإسلام على مجموعة من اليابانيين في جلسة من الجلسات إلا وقام واحد منهم على الأقل إما يعلن إسلامه أو يبدي إعجابه بالإسلام.
أذكر أننا حضرنا مؤتمرًا دوليًا للطلاب دعت إليه جامعة مسيحية في طوكيو وتوزعنا على الحلقات المختلفة للمؤتمر وكنت في الحلقة التي تناقش موضوع الدين والسياسة، وعرضت وجهة نظر الإسلام وبعد انتهاء النقاش نهض طالب ياباني وصافحني قائلًا: إني من بين هؤلاء كلهم أبايعك على قبول عقيدة الإسلام، وفي جولة تبليغية قام بها الطلبة المسلمون وجمعية مسلمي اليابان إلى طوكشيما تحدثنا أمام مجموعة من طلبة جامعة طوکشيما وأثناء المناقشة قام طالب ياباني وقال: يبدو لي من حديثكم أن الدول العالمية التي يحلم بها كبار الفلاسفة من أمثال رسل الإنجليزي ويوكاوا العالم الفيزياوي الياباني، الحائز على جائزة نوبل هذه الدولة لا يمكن تحقيقها إلا عن طريق الإسلام، ومن جملة العوامل التي تجعل الياباني أكثر استعدادًا لتقبل الإسلام.
١- موافقة هذه العقيدة للفطرة السليمة التي لم تتلوث بمرض التعصب، وأتذكر أن أستاذًا لي بجامعة طوكيو قدمت له رسالة عن الإسلام ترجمها الحاج عمر ميتا في المقدمة أن الإسلام يتصف بالإيجابية على عكس المسيحية والبوذية إذ هما سلبيتان.
وضرب مثلًا وقال في المسيحية إذا ضربك إنسان على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر بينما يقول الإسلام إن من حقك أن تجيب على الصفعة بمثلها وإن عفوت فهو خير، فلما قرأها هذا الأستاذ أبدى إعجابه بالإسلام.
٢- الفراغ العقيدي الذي يعانيه الشعب الياباني وهذا مما يجعل عنده حرية كاملة للاختيار فإذا عرض عليه الإسلام لوحده قبله واستقر في قلبه وسد المنافذ على جميع العقائد الأخرى، وإذا عرضت عليه الأديان كلها بما فيها الإسلام سهل عليه الحكم والمقارنة فيقبل الإسلام.
٣- وجود الحرية الكاملة للفرد في أن يعتنق أي دين، حرية داخل البيت وفي المجتمع فقد تجد الأب شنتو والأم بوذية وأحد الأبناء نصرانيًا فإذا صار الابن الآخر مسلمًا فهناك حرية تامة للجميع وتعايش سلمي عجيب لا تراه في غير الياباني.
٤- كون الإسلام دين شرقي ليست عليه شبهة استعمارية وارتباط بمطامع غير شريفة.
والآن يأتي دور السؤال الثالث عن مستقبل الدعوة إلى الإسلام في اليابان، إن الحكومة اليابانية والمفكرين اليابانيين راعهم الفراغ لدى الشباب والتحلل من القيم الأصيلة الممتازة للشعب الياباني وهم يفكرون جديًا في إدخال مادة الأخلاق في المدارس لتربية وتوجيه النشء الجديد على المبادئ الفاضلة، فاليابان في الحقيقة تفتش عن شيء.
يحفظ لها كيانها ومقوماتها الخلقية ويرد لشبابها المثل الإنسانية التي لا غنى عنها وهنا يأتي دور الإسلام وما يمكن أن يلعبه في تحقيق هذه الأهداف، أنه لو توفر للإسلام الدعاة المخلصون الحكماء لاستطاعوا أن يطفئوا ظمأ الشعب الياباني، وما دامت اليابان الآن على مفترق طرق بين المسيحية والماركسية والبوذية فأحرى بالإسلام أن يتدخل منافسًا رابعًا ولأصبح دين المستقبل في اليابان أن الشعب الياباني مثقف ومدرك وجرب أنواع الحكم المختلفة والأديان والأنظمة الكثيرة، إنه شعب يمقت العنف والتحكم ويحب الحرية ومن هنا فلا مستقبل للماركسية في بلاده كما أنه يحتاج لعقيدة إيجابية توفق بين حاجاته الروحية والمادية وتوجد توازنًا بين تقدمه التقني وفقره الروحي والمسيحية والبوذية تعجزان عن تحقيق هذه الأهداف والإسلام وحده هو الجواب على مشاكل الشعب الياباني فهو يضمن حرية الفرد ويحارب استعباد العباد كما أنه في نفس الوقت دين يجمع بين المادة والروح والدنيا والآخرة في اتساق عجيب وهذا ما يجعله صالحًا لكل زمان ومكان ولكل شعب.
إن الياباني عنصر قوي نشيط دؤوب ومخلص فإذا أخذ الإسلام بإيمان نصره وأعزه والرسول صلى الله عليه وسلم يقول «خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا».
كما أن اليابان تعتبر من أكبر الدول الصناعية وتلعب دورًا كبيرًا في اقتصاد العالم فلو كسبها العالم الإسلامي عن طريق الدعوة والتبليغ لتحقق هدفان الأول توسيع رقعة العالم الإسلامي وحماية مؤخرته من طعنة صليبية أو ضربة شيوعية كما أن التوازن العالمي يختل لصالح المسلمين والثاني دليل عملي آخر على تفوق الإسلام وانتشاره بالإقناع وليس بالإكراه كما حصل في الملايو وإندونيسيا والفلبين، وفوق كل هذه الأهداف الحصول على مثوبة الله وأجره حيث يقول ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (فصلت: 33).
وهذه فرصة للعالم الإسلامي يستفيد منها قبل أن تتحول اليابان مسيحية أو شيوعية أو بوذية متعصبة وحينذاك يصعب العمل الإسلامي فيها وقد يمتنع.
والآن وبعد أن قطعت الدعوة الإسلامية في اليابان المرحلة التي ذكرناها لا بد من التخطيط للمرحلة التالية على نطاق أوسع وأتم ومن جملة المقترحات للمرحلة الجديدة هي:
١- إنشاء مركز إسلامي في طوكيو مزود بالمتفرغين الأجانب واليابانيين لأن العمل الإسلامي في اليابان كان حتى الآن يقوم به متبرعون بجزء من وقتهم ومعروف أن الوضع الاجتماعي في هذه الأيام وببلد صناعي مثل اليابان أصبح معقدًا والأمور تحتاج إلى ملاحقة ومتابعة فلا بد من توفر المتفرغين بكامل وقتهم.
٢- إنشاء مراكز فرعية في المناطق التي يوجد فيها مسلمون أو عندها استعداد أكثر لتقبل الإسلام فمن المعلوم أن المناطق النائية عن العواصم يكون فيها مجال العمل أحسن.
٣- تدريب أكبر عدد من اليابانيين المسلمين على الدعوة بعد تعليمهم الإسلام في البلدان الإسلامية وتفرغهم للدعوة في اليابان فهؤلاء سيكونون أكثر تأثيرًا، وإني أرى دولتين تستطيعان أن تضطلعا بهذه المهمة وهما المملكة العربية السعودية والكويت. فقد هيأ الله لهما فرصة وجود المصالح الاقتصادية المتبادلة مع اليابان وهذا توفيق من الله سبحانه وتعالى أن جعل ارتباط اليابان متينًا ببلدين يؤمل منهما كل الخير في تأييد مثل هذا المشروع.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
قراءة في مستقبل الأديان في العالم (3 - 3) الإسلام.. أرحام ولَّادة وأجيال يافعة
نشر في العدد 2182
35
الثلاثاء 01-أغسطس-2023