العنوان الدور الغربي في صناعة مأساة أفريقيا
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 19-نوفمبر-1996
مشاهدات 1937
نشر في العدد 1226
نشر في الصفحة 9
الثلاثاء 19-نوفمبر-1996
الصراع الدائر في أفريقيا منذ عام ١٩٩٤م حتى الآن بين قبيلتي التوتسي والهوتو ليس وليد العامين الماضيين، وإنما هو صراع قديم تسببت الدول الأوروبية التي احتلت المنطقة في أعقاب الحرب العالمية الأولى في تأجيجه بين هاتين القبيلتين، ففي عام ١٩٣٤ م قامت بلجيكا التي كانت تحتل المنطقة بتصنيف السكان على أسس طبقية عرقية زادت في اتساع الهوة بين التوتسي والهوتو، حيث كان الاهتمام أكبر بالتوتسي، كما لعبت الكنيسة الكاثوليكية كذلك دورًا رئيسيًّا في تأجيج هذا الصراع، حينما اهتمت بتدريس أبناء التوتسي ومنحهم الامتيازات فيما تجاهلت أبناء الهوتو بشكل متعمد، وحينما هبت رياح التحرير على أفريقيا، وقامت بلجيكا برفع يدها عسكريًا عن رواندا وبروندي سلكت نفس الطريق الذي سلكته كل القوى الاستعمارية الأخرى وهو ضمان عدم الاستقرار وزيادة الصراع بين الأطراف العرقية وإثارة المشاكل الحدودية، وهو نفس السيناريو الذي سلكته فرنسا وبريطانيا وأسبانيا وكل القوى الاستعمارية الأخرى التي أبتليت بها أفريقيا وآسيا بعدما ضعف المسلمون ببعدهم عن دينهم وسقطت هيبتهم خلال القرن الماضي، وفي عام ١٩٥٩م منحت بلجيكا رواندا للهوتو، وبوروندي للتوتسي، فبدأت المذابح الأولى حيث قام الهوتو في رواندا بإقامة مذابح وحرب إبادة للتوتسي، فيما قام التوتسي في بوروندي بإقامة مذابح وحرب إبادة للهوتو، ولم يتوقف الصراع بين القبيلتين حتى تفجر بشكل مأساوي في عام ١٩٩٤م بعد مقتل رئيسي بوروندي ورواندا وكلاهما من الهوتو، حيث قام التوتسي بالهجوم على رواندا والاستيلاء على البلاد مما دفع مليونين من الهوتو إلى الفرار من رواندا خوفًا من انتقام التوتسي، وكان هذا بداية لسلسلة من المجازر البشرية التي صنعتها الدول الغربية.
والآن تفاقمت المشكلة بشكل كبير بعدما أصبحت زائير طرفًا فيها، حيث أعلن الحاكم العسكري لشرق زائير أنه سيطرد التوتسي الموجودين هناك الذين يزيد عددهم على نصف مليون رغم أنهم يعيشون في زائير منذ عدة قرون، ويقدر مسئولو الإغاثة أن عدد الذين أصبحوا معرضين للهلاك جوعًا في المنطقة يزيد على مليون ونصف مليون إفريقي يدفعون ثمن المطامع الاستعمارية والأنظمة الديكتاتورية التي صنعتها أجهزة الاستخبارات الغربية، فالرئيس الزائيري موبوتو سيسيكو الذي تدعمه الاستخبارات الأمريكية منذ ثلاثين عامًا، وتتعرض بلاده الآن للجوع والحرب والدمار يتنقل بين فنادق سويسرا وقصور باريس بعدما وضع ثروة بلاده كلها في حساباته الخاصة حيث تشير التقارير إلى أن أمواله تزيد على ٦.3 مليار دولار، وكان موبوتو يدفع لفندق بوريفاح في سويسرا، حينما أقام فيه الأسبوع الماضي مبلغ ٢٥٠ ألف دولار لليوم الواحد فيما المجاعة تهدد شعبه وتفتك به.
إن مأساة أفريقيا صنعت على أيدي الدول الغربية التي احتلت هذه القارة الغنية ولازالت تبتزها حتى الآن، ففرنسا تفرض سيطرتها على ما يقرب من نصف دول القارة الأفريقية فيما يخضع نصفها الآخر للنفوذ البلجيكي والأسباني والبريطاني والأمريكي، ولا يجني الأفارقة إلا الجوع والفقر والمرض والتشرد والضياع.
ثم تأتي الدول الغربية لتقذف بالفتات عبر الأمم المتحدة، وتصور عشرات الآلاف من الجياع وهم يتهافتون على المعلبات التي رسمت عليها شعارات الأمم المتحدة، وهي ترمي إليهم ليلتقطها من بقيت لديه القدرة على الوصول إلى الطعام.
إن الأمم المتحدة والمجتمع الغربي لن يفعلا شيئًا في حل مأساة الصراع الدائر في وسط وشرق أفريقيا لسبب بسيط هو أنهم هم الذين صنعوه، وهم الذين يريدون له الاستمرار حتى يتمكنوا من استنزاف ثروات هذه البلاد.
لقد بلغ عدد الذين قتلوا من جراء الحرب في رواندا وبروندي خلال العامين الماضيين ٨٠٠ ألف شخص، فيما بلغ عدد المشردين مليونين، والآن هناك ۳۰ مليون شخص مهددون بالدخول في أتون التصفيات العرقية والصراعات الجغرافية التي صنعها الاحتلال الأوروبي في المنطقة قبل عقود، ولا يتوقع في ظل الموقف الدولي الحالي أن يتم وضع حد لهذه الصراعات، بل يتوقع المزيد منها.
إن ما يحدث في أفريقيا الآن هو ثمرة من ثمار ضعف المسلمين وتخلفهم عن ريادة الدنيا وقيادة العالم، فهم وحدهم الذين كانوا يملكون حل هذه الصراعات بمنهجهم الرباني وأمانة الاستخلاف في الأرض التي منحها الله إياهم، لكن الضعف الذي يعيشون فيه الآن لم يضرهم وحدهم، وإنما ضر هذه البشرية التي تتخبط بين أنظمة دولية تصنع المآسي والدمار للبشرية بدلًا من إنقاذها وحمايتها، حتى يستعيد المسلمون دورهم في ريادة الدنيا وقيادة العالم ستظل هذه المآسي تعصف بالبشر، لأنهم بعيدون عن منهج خالق البشر، فهل يدرك المسلمون عظم الأمانة التي تنتظرهم فيهبوا ليستعيدوا مجدهم ويعودوا لدينهم حتى ينقذوا البشرية من هذا الضياع أم يظلوا هم الآخرون يدورون في فلك الدول الظالمة التي تقود البشرية إلى الهلاك والضياع ؟!.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل