العنوان الافتتاحية .. الرحلة إلى البيت العتيق بانتظار موعد مع الأقصى
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 20-أغسطس-1985
مشاهدات 19
نشر في العدد 730
نشر في الصفحة 4
الثلاثاء 20-أغسطس-1985
يتدفق المسلمون هذه الأيام من كل فج عميق برًا، وبحرًا، وجوًا، قاصدين رحاب بيت الله العتيق حيث اللقاء الرائع بين ملايين المسلمين من مختلف الأجناس والقوميات والطبقات الاجتماعية والأهواء الفكرية الكل يؤدي مناسك واحدة في الأرض المباركة تتسم بالطاعة لله والمساواة بين الجميع.. لا ارتفاع لرأس على رأس ولا تمييز لوجه على وجه فالكل أمام الله سواء يحدوهم أمل واحد وتدفعهم غاية واحدة ألا وهي كسب رضوانه تعالى ومغفرته.. في رحاب مدرسة الحج التربوية يتعلمون الطهر والنقاء والبذل والتضحية والفداء.. ومن خلالها يتعلمون النظام والتعاون وإنكار الذات.
ومن فضل الله تعالى على أمته أن يسر لها حجها في أيامنا المعاصرة فوسائل المواصلات الحديثة جعلت البعيد قريبًا والخدمات بشتى أنواعها متوفرة في الرحاب الطاهرة وهي أيضًا في تحسن مستمر عامًا بعد عام وهذا بالتالي يتطلب من كل حاج أن يتفرغ لعبادة ربه ويستفيد من أيام الحج حق الاستفادة فيما يعود على المسلمين بالنفع والخير والنفس حين تتجرد لعبادة الله في أداء الشعائر تصفو من دواعي الخصام والجدال والمعاصي والآثام.. ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ﴾ (البقرة: 197).. ولا شك أن ما يفعله بعضهم في الحج من تحزب وتجمهر وتعصب لجماعة أو دولة يعد مخالفة صريحة لمفهوم الحج في الإسلام ويزيد من تشتت المسلمين بدل أن يكون عامل توحيد لهم والرسول الكريم في حجة الوداع حذر المسلمين من خطر الشقاق والنزاع والانقسام شيعًا وأحزابًا وكأن أحداث المستقبل ماثلة أمامه حين قال: «وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض.. ألا هل بلغت.. قالوا: نعم قال: اللهم فاشهد».
إن الإسلام لا يعرف التفرقة ولا يقرها ولا يقر الوسائل التي توصل إليها ويوم عرفات هو يوم الوحدة الإسلامية وإذا خالج الشك بعض الناس بقيمة الوحدة هذه وانتابتهم مخاوف الحفاظ على مصالحهم الشخصية فإن الإسلام يطمئن تلك القلوب المترددة بأن مبدأ الإسلام وشعاره هو المساواة والحج يترجم ذلك المبدأ إلى واقع عملي وفي أجواء هذا الواقع تنبت الأفكار الصالحة وتتهيأ الخطط الملائمة وتتضح معالم الشخصية الإسلامية الذاتية.
إن معظم المسلمين اليوم وهم في محنتهم حيث غزيت ديارهم وسلبت حقوقهم وانتهكت مقدساتهم ما زالوا يسبحون في أجواء الضباب بلا أحزمة لاهثين وراء أحلام السلام الكاذبة وهم أحوج ما يكونون إلى وحدة الصف وجمع الكلمة وتآلف القلوب ونسيان المصالح الخاصة وتناسي الأحقاد وطرح الحزازات وبدء حياة جديدة تقوم على شرع الله ونبذ كل ما سواه من قوانين الشرق والغرب الزائفة وينعقد فيها العزم على استعادة الأرض والمقدسات.
أيها الحجاج..
أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها...
إن الحج يحمل في مناسكه من جملة ما يحمل من معان خيرة كثيرة ذكريات التضحية والفداء ويوحي بالصبر والصمود والإيمان والاستعلاء على كل قوى البغي والعدوان فاجعلوا منه مناسبة لتحرير الأقصى السليب وعودة المهجرين إلى ديارهم ومساكنهم وإخماد نيران الفرقة وحقن الدماء المسلمة والأخذ على أيدي المارقين المفسدين الذين يتاجرون بدماء المسلمين ويبنون ثراءهم وسلطانهم على حساب الضحايا الأبرياء.
أيها الحجاج..
إن الله تعالى جعلكم في درجة المجاهدين لأنكم لبيتم النداء وهتفت قلوبكم بوحدانية الألوهية فاغتنموا فرصة الحج وتشاوروا في شؤون المسلمين وما أصاب ديارهم وهذا هدف من أسمى أهداف الحج كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يحرصون عليه فقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يلتقي بولاة الأمصار في موسم الحج ويتدارس معهم مصالح المسلمين وذلك تحت سمع جماهير الحجاج وبصرهم.
يا حجاج بيت الله الحرام اغتنموا الفرصة العظيمة لينطبق عليكم قوله تعالى ﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ (الحج:28) واعلموا أنكم ستأتون ربكم يوم القيامة وليس معكم إلا أعمالكم فاجعلوها صالحة إن شاء الله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ (الأنفال: 24).. نعم إذا كان الرحل قد شد اليوم إلى البيت العتيق فالأمل الذي ينتظره المسلمون هو موعد قريب لشد الرحال إلى الأقصى إن شاء الله.. وما ذلك على الله بعزيز.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل