العنوان الرســول والقرآن.. قــدس الأقــداس
الكاتب د. أحمد ناجي
تاريخ النشر الثلاثاء 01-أغسطس-2023
مشاهدات 24
نشر في العدد 2182
نشر في الصفحة 36
الثلاثاء 01-أغسطس-2023
* الاعتداء على مقدسات المسلمين لم يتوقف قديماً وحديثاً، وفي هذه الأيام رأينا من يسيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بنشر رسوم مسيئة، وكذلك رأينا من يسيء إلى القرآن الكريم بتمزيقه وحرقه، فما حكم الإسلام في هذه الإساءات؟
- إن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم هما قدس الأقداس بالنسبة للمسلمين في أنحاء العالم، لا يسمحون ولا يتهاونون في أي تطاول عليهما، وإن محاولات بعض الشخصيات الغربية بالاجتراء(1) على هذين المقدسين فعل مستنكر، وإنني أشبه فيلم «جيرت ويلدرز»، زعيم حزب الحرية اليميني الهولندي المتطرف، الذي تطاول على القرآن الكريم بكتاب «كفاحي» للزعيم النازي «هتلر»، وأدعو لمقاطعة هذا الفيلم ومنعه من التداول في هولندا وأوروبا.
هؤلاء يزعمون أن القرآن الكريم يحرّض على القتل والعنف والكراهية، وهذا كذب وافتراء وكلام مختلق لا يقوله إلا جاهل أو مكابر أو معاند، وموقف البرلمان الهولندي من هذا الفعل الشنيع حلقة من حلقات مسلسل العداء الغربي للإسلام، وأدعو لاتخاذ موقف إسلامي جماعي من الذين يتطاولون على مقدسات المسلمين.
نحن أمة مسالمة، والغرب هو الذي يناوشنا باستمرار؛ لأنه في موقف القوة ونحن في موقف الضعف، ومشكلتنا مع الغرب أنه هو الذي يبدأ بعداوتنا، فالغرب هو الذي بدأ بالإساءة إلينا بإعادة نشر الرسوم المسيئة إلى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، بعد أن نسينا هذا الأمر، وكنا نحاول أن نبدأ صفحة جديدة، فنحن مشغولون بإصلاح أنفسنا وبهداية العالم من حولنا، وما كنا نحب أن نشغل أنفسنا بهذا الأمر.
من سالمنا سالمناه، ومن مدَّ يده إلينا ذراعاً مددنا أيدينا إليه باعاً؛ لأننا لسنا هواة صدام ولا صراع، فنحن أمة سلام، و«السلام» اسم من أسماء الله تبارك وتعالى، وعندنا قوة روحية تتمثل في الرسالة العظيمة التي خصنا الله بها، وهي رسالة الإسلام، والدستور العظيم المتمثل في القرآن الكريم كتاب الخلود الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يوجد كتاب يحفظه مئات الألوف كما يحفظ المسلمون القرآن الكريم.
وأطلب من النائب الهولندي المتعصب الذي لا يرى الحقيقة أن يدلنا على الآيات التي تحض على الكراهية أو التي تحض على العنف أو التي تحرض على القتل!
إن من يقرأ آيات القرآن الكريم بفهم وعقل وإنصاف لا يجد فيها ما يحرض على العداوة والبغضاء، والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تدعو للمحبة والعفو والصفح والتعايش بين الناس كإخوة مهما اختلفت أجناسهم ودياناتهم، منها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13).
والقرآن الكريم يحارب البغضاء والكراهية والعداوة، والله عز وجل عندما حرم الخمر لم يعلل تحريمها بأنها تدمر العقل والجسم، وإنما لأنها توقع العداوة والبغضاء بين الناس، فحماية الناس من العداوة والبغضاء هما السبب في تحريم الخمر، والله عز وجل يريد من عباده أن يتعارفوا وأن يتحابوا مهما اختلفت أديانهم، وأن أخوة الإنسانية تجمعهم فكلهم أبناء آدم.
يزعم البرلماني الهولندي بأن أسماء الله الواردة في القرآن تحث على العنف، وهذا زعم باطل، فأسماء الله تعالى التي وردت في آيات القرآن الكريم تجمع بين الرحمة والمغفرة، والقرآن الكريم به 113 سورة من بين 114 سورة، تبدأ بـ«البسملة» (بسم الله الرحمن الرحيم)، و«الفاتحة» أول سور القرآن تؤكد آياتها أن الله هو الرحمن الرحيم، وأن المسلم يقرأ تلك السورة 17 مرة في الصلوات الخمس لتتمكن الرحمة من قلبه ونفسه.
واسم الله «الجبار» لم يرد في القرآن الكريم إلا مرة واحدة في أواخر سورة «الحشر» ضمن أسماء أخرى وردت في قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ 22 هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ 23 هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(الحشر).
وصفة الله «الجبار» وردت في القرآن لبيان جبروته سبحانه على الفراعنة والمستكبرين والمتجبرين على الناس بغير الحق، وإذا قارنا بين صفة الله في القرآن الكريم وصفته في التوراة التي يؤمن بها البرلماني الهولندي المتعصب، وجدنا أن صفة الله في القرآن «أرحم الراحمين» وردت 4 مرات، وصفته «خير الراحمين» وردت مرتين، وفي المقابل فإن سورة الله في التوراة: أنه منتقم غضوب ينتقم من الآباء في أبنائهم حتى الجيل الثالث والرابع، والقرآن الكريم يحرم قتل النفس إلا بالحق، وينص على أن من قتل نفساً بغير ذنب فكأنما قتل الناس جميعاً، وعندما شرع الله تعالى الجهاد، شرعه دفاعاً عن الدين وعن الوطن وعن الأرض والعِرض والحرمات، والإسلام ليس متعطشاً لسفك الدماء وقتل الأبرياء، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا..»(2).
وفكرة القتل يرفضها الإسلام حتى بالنسبة للحيوانات، ورفض النبي صلى الله عليه وسلم طلب الصحابة بإبادة الكلاب الضالة في المدينة المنورة قائلاً لهم: «لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها»(3).
ومبدأ قتل الشعوب وإبادتها فكرة توراتية، حيث تدعو التوراة اليهود لقتل ذكور الشعوب التي ينتصرون عليها سواء كانوا أطفالاً أو كباراً، والمسيحيون طبقوا فكرة إبادة الشعوب التي أمرتهم بها التوراة على سكــــــــان أمريكا وأستـــــــراليا الأصلييـــــــــــــن، فقد تمــــــــــــــت إبادتهم على يد المستعمر الجديد.
للأسف أن بعض المسلمين يقدمون صورة مشوهة عن الإسلام بسبب سوء فهمهم لما أمر به القرآن الكريم، وأدعوهم لفهم أعمق وفقه أشمل لما جاء به الإسلام من رحمة ودعوة للمسالمة والأخوة الإنسانية بين البشر جميعاً، وأتمنى أن يعرف غير المسلمين حقيقة الإسلام وما يريد لهم من رحمة وخير وسلام.
ولقد سُررت بموقف الحكومة الهولندية التي أعلنت بصراحة براءتها من النائب، وإدانتها لما قام به وأسفها لعرض الفيلم الذي لا يحقق سوى الإهانة والإساءة لمشاعر المسلمين، الذي يجعل الإسلام والعنف في كفة واحدة، رغم رفض أغلبية المسلمين للعنف، ووقوعهم ضحايا في أكثر من مكان في العالم.
وأرحب بموقف الجالية الإسلامية واتحاد المنظمات الإسلامية في هولندا، حيث وقفوا موقفاً عقلانياً هادئاً، وتبنوا الردود المتزنة على موقف النائب المتعصب، وأدعو للتعريف بالقرآن ورسالته الحضارية للناس أجمعين لتفويت الفرصة على الذين يعكرون الماء ليصطادوا، وليشوهوا صورة الإسلام والمسلمين(4).
____________________________
الهوامش
(1) اجتراء: مصدر اجترأ، اِجْتراءُ الوَلدِ: تَشَجُّعُهُ، جرَّأَ: (فعل)، جَرَّأَ وَلَدَهُ: شَجَّعَهُ، وجَعَلَهُ يُقْدِمُ. معجم المعاني الجامع.
(2) رواه البخاري (2965).
(3) أخرجه أبو داود (2845)، والترمذي (1489) واللفظ له
(4) موقع العلامة القرضاوي يرحمه الله، بتصرف.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلمطالِبة بتجريم ازدراء الأديان.. مؤسسات إعلامية عربية وإسلامية تنظم مؤتمراً افتراضياً بعنوان «قرآننا عزنا»
نشر في العدد 2182
15
الثلاثاء 01-أغسطس-2023
حرق المصحف.. مواسم الكراهية القادمة من الشمال وكيف نتعامل معها؟
نشر في العدد 2182
22
الثلاثاء 01-أغسطس-2023