العنوان السلطان عبد الحميد المفترى عليه
الكاتب الشيخ طه الوالي
تاريخ النشر الثلاثاء 19-يوليو-1977
مشاهدات 13
نشر في العدد 359
نشر في الصفحة 17
الثلاثاء 19-يوليو-1977
- شهد له أعداؤه بإخلاصه للدين والأمة والوطن
- السلطان عبد الحميد فضل أن يفقد منصب الخلافة على أن يخضع لمطالب اليهود!!
في 12 رجب 1397 هـ «28/6/1977 م» صدرت مجلة «المجتمع» الزاهرة وفيها إشارة إلى المؤتمر الثاني للسيرة النبوية الذي انعقد في إسطنبول وأن هذا المؤتمر «جهر بالترحم والثناء على المغفور له السلطان الشهيد المظلوم عبد الحميد الذي فضل أن يفقد منصب الخلافة على أن يخضع لمطالب اليهود والماسونيين في فلسطين».
إنه يسعدنيالإعراب لكم عن تقديري لهذه البادرة التي أردتم بها إنصاف السلطان عبد الحميد الثاني وإقالة سمعته مما أراد خصوم الإسلام وصمه به من الافتراءات والأكاذيب التي شحنوا بها بطون الكتب وعقول الناس لأن هذا الحاكم العثماني المسلم قال «لا»ردًا على كل المحاولات والوساطات والإغراءات التي قام بها اليهود وأنصارهم من الصليبيين والماسون لإقناعه الطائفة إلى فلسطين بقصد البقاء فيها واستيطانها بالتخلي عن معارضته القاطعة لدخول أبناء هذه وذلك حرصًا منه رحمه الله، على إبعاد هذه الأرض التي فيها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين عن المؤامرات الأجنبية التي كانت تستهدفها بالاغتصاب والتهويد وإزالة معالم الإسلام والعروبة من جميع أرجائها.
لقد وضع الثالوث الاستعماري القائم على قواعد الصليبية والصهيونية والماسونية كل إمكاناته التي يملكها في ميادين الثقافة والإعلام وغير ذلك من وسائل التوجيه من أجل غسل أدمغه الناشئة العربية والإسلامية مما فيها من عاطفة التقدير والاحترام للعهد العثماني الذي جاهد سلاطينه العظام ستمائة سنة في سبيل الذود عن حياض المسلمين والدفاع عن دينهم وبلغ هذا الثالوث الحاقد غاية تعصبه ضد السلطان عبد الحميد الثاني الذي استطاع بحنكته وحكمته وألمعيته السياسية إفشال جميع المخططات التي وضعت في دهاليز أوروبا وأمريكا لتصويب طلقة الرحمة على الإمبراطورية العثمانية الأمر الذي حمل هذا الثالوث على التخلص من شخص هذا السلطان عن طريق الجمعيات الثورية التي اندس فيها يهود الدونمة واتجهوا بها نحو الانقلاب على صاحب العرش الهمايوني باسم «الدستور» الذى أعلنوه سنة 1907 م وهو الدستور الذى دفعت شعاراته الزائفة كيان الدولة العثمانية نحو الهاوية التي تردت فيها عندما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها سنة 1918، ولست أريد في هذه العجالة أن أعود إلى الأحداث التي تراكمت على كاهل السلطان عبد الحميد الثاني وجعلته ينوء تحت أثقالها بالإضافة الى الأثقال التي ورثها عن أسلافهمن السلاطين الذين تضاعفت هموم الدولة العثمانية في أيامهم، فإن لمثل هذا الحديث مجالًا آخر أرجو أن أعود إليه في مناسبة قادمة إن شاء الله.
أماالآن فإني أحب استباق الزمن فأضع تحت أنظار قراء مجلة «المجتمع» القراء خبرين هما في الواقع بمثابة شهادتين لا تقبلان الشك ولا المناقشة في سلامة موقف السلطان عبد الحميد الثاني من قضية فلسطين ردها الله للعروبة والإسلام. هذه القضية التي كانت السبب المباشر لاهتزاز سرير السلطنة تحت السلطان المذكور ثم انهياره نهائيا تحت إلحاح المؤامرة التي دبرها ضده ذلك الثالوث: الصليبية والصهيونية والماسونية.
إنأولى هاتين الشهادتين وردت في صحيفة تركية اسمها «اقشام» أي المساء بقلم صحفي إنجليزي يدعى «كريسبي» وقد نقلت جريدة المعرض البيروتية ما كتبه هذا الصحفي وذلك في عددها الصادر في 10 كانون الثاني «يناير» سنة 1933 ص 19 وفيما يلي النص كما ورد بالحرف الواحد:
أرسل المسيو كريسبي مقالًا حول القضية الصهيونية يشير فيه الكاتب إلى حادث وقع خلال سنتي1900 - 1901، قالکریسبی: «كان الدكتور هرتزل في ذلك العهد رئيس تحرير القسم الأدبي في جريدة «نيوفرى» في فيينا، فأرادني أن أسعى له في مقابلة السلطان عبد الحميد، بعد أن بسط لي بحزن شديد كيف أن غليوم «إمبراطور ألمانيا» والبرنس دوبیلوف خدعاه لما رافقهما في رحلة الإمبراطورإلى فلسطين فقد وعده هذا الأخير أن يقدمه إلى السلطان ، فلما وصلوا إلى الآستانة اكتفى البرنس بأن عرفه إلى عزت باشا «العابد» الذي ما كاد يسمع بالقضية الصهيونية حتى غرق في بحر من اللذات ووجد أنها مزراب من الذهب «الكلام للصحافي البريطاني كريسبي» وقد قبلت أن أهتم شخصيًا بقضية الدكتور هرتزل وخصوصًا أن هذه المطالب لم تكن تعاكس المساعي التي كنت أقوم بها يومئذ و بدأت بكل شجاعة عملي، فاصطدمت في البداية بصعوبات خفية ولولا مساعدة شيخ الإسلام «جمال الدين أفندي»، وكنت على صلة دائمة به، لفقدت كل أمل بنجاح مساعي. فإن هذا الشيخ أخذ على نفسه مهمة رفع كتابات الدكتور هرتزل وتقدماته «أي الاقتراحات والعروض» وكانت هذه التقدمات باهرة وإليك بيانها:
هرتزل يقول: إن الصهيونيين يتعهدون لقاء نزول اليهود المضطهدين في أنحاء العالم بفلسطين أن يدفعوا الدين العثماني البالغ «إذا لم تخني الذاكرة »33 مليون ليرة إنكليزية، ويتعهدون كذلك ببناء أسطول كامل للدفاع عن أراضي الدولة العلية.. وفي هذه الأثناء قبل «أي هرتزل» أن يعقد للدولة العثمانية قرضًا بمبلغ مليون فرنك تصرف في سبيل التسليح العام، ولكن هذه المساعي حبطت ولم تنجح، انتهى كلام الصحافي البريطاني کریسبی.
والشهادة الثانية جاءت على لسان هرتزل نفسه الذى أشار في مذكراته التي نشرها باللغة الألمانية في تل أبيب عام 1924 إلى أن السلطان عبد الحميد الثاني - رحمه الله - رفض مقابلته وأرسل إلى هرتزل من يقول له: بلغوا الدكتور هرتزل أن لا يبذل بعد اليوم شيئًا من المحاولة في هذا الأمر «أي توطين اليهود في فلسطين»، فإني لست مستعدًا لأن أتخلى عن شبر واحد من هذه البلاد لتذهب إلى الغير، فالبلاد ليست ملكي، بل هي ملك شعبي، روى ترابها بدمائه فليحتفظ اليهود بملايينهم من الذهب» انتهى كلام هرتزل أقول: و هرتزل هو تيودور هرتزل، رئيس المؤتمر الصهيوني الذي عقد في مدينة بال بسويسرا عام 1887 وقرر فيه اليهود بدء اتصالاتهم الدولية من أجل إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين.
أما بعد؛
فإني أجتزئ اليوم بهذا القدر من شواهد التاريخ على موقف السلطان عبد الحميد الثاني البطولي ضد المطامع الصهيونية في فلسطين، هذا الموقف الذي كلفه في النتيجة ثمنًا باهظًا بالنسبة لمقامه السامي ألا وهو إزاحته عن عرش الخلافة الإسلامية وسرير السلطنة العثمانية ثم إرغامه على قضاء بقية حياته منفيًا في مدينة سلونيك تحت رقابة الذين تآمروا على خلعه من الدونمة اليهود الذين كانوا يعلنون الإسلام ويضمرون البقاء على دين آبائهم وأجدادهم على أنه لابد من القول في نهاية هذه العجالة أن عبد الحميد فقد تاج الملك ولكنه لم يفقد تاج الكرامة والشرف، والفضل ما شهدت به الأعداء.
هذا وأرجو أن أعود إلى قراء المجتمع في مناسبة ثانية لأقدم لهم بعض الصفحات المطوية من تاريخ المؤامرة التي دبرها الثالوث الحاقد: الصليبية والماسونية والصهيونية ضد السلطان الذي سمته مجلة المجتمع بحق «الشهيد المظلوم» هذه المؤامرة التي مازال العرب والمسلمون يعانون من آثارها الرديئة حتى اليوم في دينهم ومجتمعهم وأوطانهم.
فإلى اللقاء عما قريب إن شاء الله.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل