; السلطان والمهرج | مجلة المجتمع

العنوان السلطان والمهرج

الكاتب أورخان محمد علي

تاريخ النشر الثلاثاء 15-سبتمبر-1998

مشاهدات 15

نشر في العدد 1317

نشر في الصفحة 52

الثلاثاء 15-سبتمبر-1998

وقعت أحداث هذه القصة في سنة ١٣٩٣م، أي عندما كانت الدولة العثمانية في دور الفتوة والقوة، وفي دور الصعود والتألق.

والسلطان هو السلطان «بايزيد» الملقب بـ «الصاعقة» للشجاعة التي كان يبديها في القتال منذ أن كان وليًا للعهد.

كان من عادة هذا السلطان سماع شكاوى الناس في البلد الذي يمر منه وهو خارج من عاصمته «بورصة» للغزو أو وهو راجع إليها، وكان يعقد لذلك مجلسًا شعبيًا كان يدعى آنذاك «آياق ديواني».

في أحد هذه المجالس الشعبية تقدمت منه امرأة عجوز وهي تصرخ وتطالب بحقها، ودعاها إليه وطلب منها الإفصاح عن مشكلتها فقالت المرأة يا سيدي السلطان!،. إن أحد خدمكم - من الذين تركتكم حبله على غاربه - قد اعتدى علي- ماذا فعل؟،. هيا اذكري ولا تخافي.

لقد جاء وشرب حليبي دون إذن مني، وعندما طالبته بثمنه صرخ في وجهي وشتمني، ذهبت إلى السيد إمام المسجد، وأخبرته بالأمر فاستطاع بمعاونة بعض الأهالي القبض عليه وسوقه إلى السيد القاضي، ولكن القاضي يا سيدي السلطان أصدر حكمه لصالحه وأطلق سراحه، إنني مظلومة يا سيدي السلطان وأطالب بحقي.

أرسل السلطان من يبحث عن هذا الرجل ويجلبه له حالاً. 

مثل الرجل أمام السلطان وهو يرتعد من الخوف.

سأله السلطان: هل فعلت كذا وكذا ؟

قال الرجل المرتعب وهو يتوسل: اصفح عني يا مولاي،لقد أغواني الشيطان، سأدفع لها ما تطلبه،أقسم بالله بأنني لن أعود لمثله أبدًا.

إذن فالتهمة ثابتة، وسيلقى الرجل جزاءه وتنتهي المسألة عند هذا الحد. 

ولكن لا ،فالقضية عند السلطان كانت أكبر من هذا بكثير، القضية المهمة عنده كيف أن قاضياً يقوم بإصدار قرار بالعفو في تهمة واضحة وثابتة ولها شهود عيان،كيف؟، هل أخذ رشوة؟

ألقى السلطان نظرة طويلة على الرجل الذي يكاد أن يذوب أمامه، ثم سأله:هل دفعت رشوة للقاضي؟ أجاب الرجل وهو منكس الرأس لا والله يا مولاي السلطان، لم أعطه رشوة، ولكني قلت له إنني في خدمة السلطان فعفا عني وأطلق سراحي.

قال السلطان وهو يحاول كظم غضبه إن الله تعالى لا يصفح عمن يعتدي على حقوق الناس، ولا يتوب عليه، فكيف إذن يقوم هذا القاضي بإصدار حكم بالعفو عمن هضم حقوق الآخرين،اذهبوا واجلبوا لي هذا القاضي.

وبينما هرع بعض رجال السلطان لتنفيذ أمره التفت السلطان إلى رئيس حراسه وقال له: اجمع رجالك واطرق باب كل بيت في المدينة، واكتب اسم كل من له شكوى ضد القضاة أو ضد المحاكم، ثم تعال وأخبرني، يجب أن نعيد العدل - الذي هو أساس الملك - إلى مجراه من جديد.

أتم رئيس الحراس مهمته بعد بضعة أيام، ثم قدم قائمة الأسماء إلى السلطان.

ما إن ألقى السلطان نظرة على قائمة الأسماء حتى أطلق آهة عميقة، لقد رأى مدى كثرة الأسماء، تمتم هامسًا:

معنى هذا أننا قد اقتربنا من نهايتنا. 

ما إن رجع إلى عاصمته «بورصة» حتى أرسل الفرمان الآتي إلى جميع أمراء وحكام الأقاليم: «قررنا الطلب منكم إرسال كل قاض في قريتكم أو مدينتكم أو قلعتكم شاع عنه مخالفته للشرع الشريف في أحكامه، أو شاع عنه أخذ الرشوة إلى العاصمة حالاً».

كان الصدر الأعظم رئيس الوزراء بالتعبير الحالي، جاندرلي باشا قلقًا من من غضب السلطان فيهذا الموضوع، لذا لم يملك نفسه من سؤال السلطان عن العقوبة التي ينوي إيقاعها بهؤلاء القضاة.

قال السلطان الشاب:

إن غياب العدل إشارة إلى زوال الدولة وأنا أنوي أن أضع هؤلاء القضاة الذين أصبحوا عاملاً من عوامل النخر في الدولة في بيت ثم أشعل النار فيه.

نزل هذا الجواب نزول الصاعقة على رأس الصدر الأعظم، كان عقابًا مخيفًا، وعندما سمعالوزراء الآخرون النبأ فزعوا، ولكن لم يكن في مقدور أحد معارضة السلطان المعروف بشدته.

كان هناك شخص واحد فقط يستطيع مخاطبة السلطان في مثل هذه الأحوال، إنه مهرج السلطان، فقد كان ماهرًا في أسلوبه عند مخاطبة السلطان، ويعرف جيدًا كيف ينقل إليهبعض وجهات النظر في قالب من الفكاهة.

استدعى الصدر الأعظم مهرج السلطان وشرح له الموضوع.

قال المهرج:

لا تقلق يا باشا ،هذا موضوع هين. 

في اليوم التالي لبس المهرج ملابس السفر ودخل على السلطان الذي ابتسم وهو يرىمهرجه في ملابس السفر، قال له: ما هذا ؟،. أنت عازم على سفر ؟

أجل أيها السلطان،وقد حضرت إليكم لأطلب الإذن منكم لي بالسفر يا مولاي.

وإلى أين ستسافر ؟

إلى «بيزنطة» يا مولاي.

وماذا ستفعل هناك؟

- أنا ذاهب إلى بيزنطة لكي أجلب مائة كاهن وقسيس إلى مدينة «بورصة».

قطب السلطان جبينه،مائة كاهن وقسيس إلى بورصة؟ 

وماذا يفعل هؤلاء الكهان والقساوسة في بلد المسلمين؟

سيقومون بأداء وظيفة القضاء فيه يا مولاي.

- هل جننت؟ كهان وقساوسة في منصب القضاء؟ ألا يوجد لدينا قضاة؟

لن يبقى هناك قاض بهمتكم يا مولاي وبجهودكم، لقد قررتم حرق القضاة ، لذا ولكي لا تتعطل أمور الأمة وقضاياها فقد فكرت في استقدام بعض القساوسة للنظر في شكاوى الناس في المحاكم وحل مشاكلهم، فهم أيضًا علماء على نحو ما 

ابتسم السلطان من كلام المهرج، أحس بثقل العقاب الذي كان ينوي إيقاعه بالقضاة، ثم قال: - حسنًا ،حسنًا ، لقد تراجعت عن قراري،، لعلي أفرطت في هذا الموضوع،وقل للوزراء: الذين أرسلوك إلي أن يطمئنوا.

واكتفى السلطان بعقاب مناسب للمنحرفين من القضاة.

الرابط المختصر :