; السَفيْنة المحْروقَة | مجلة المجتمع

العنوان السَفيْنة المحْروقَة

الكاتب الأستاذ محمد الحانوتي

تاريخ النشر الثلاثاء 23-يونيو-1970

مشاهدات 18

نشر في العدد 15

نشر في الصفحة 27

الثلاثاء 23-يونيو-1970

السَفيْنة المحْروقَة

بقلم الأستاذ: محمد علي حانوتي

مدرس في ثانوية صلاح الدين

عجيب أمر هذه السفينة التي تنحدر في وسط نهر منساب، والناس فيها شركاء أصاب بعضهم -حين اقتسموا السفينة- أعلاها، وبعضهم أسفلها.

وبينما السفينة تسير، شعر القوم الذين في أسفل السفينة بالملل والكلل نظرًا لأنهم كلما أرادوا أن يستقوا فإن عليهم أن يصعدوا إلى القسم العلوي في السفينة. ويبرز في القوم مفكر مبدع! يقول بصوت فيه رائحة التفكير التقدمي، ورافعًا شعار التحرير أو الحرية! 

یا قوم لماذا كل هذا التعب والنصب؟ لماذا كلما أردنا أن نأتي بالماء نتحمل مشقة الصعود؟، لا، إن لدي رأيًا جديدًا وفكرًا سديدًا، فانبهر لقوله الشركاء، وشنفوا آذانهم، ما هذا الجديد؟

قال: نستطيع أن نأخذ الماء مباشرة ونحن في قعر السفينة ولا يكلف ذلك إلا فأسًا ننقر به قعر السفينة أو منشارًا نقطع به لوحًا من الخشب. فآنذاك نستقي مباشرة من هذا الثقب ونتخلص من قيود الصعود والنزول ونصبح أحرارًا فيما نملك من السفينة!

فتلفت القوم يمنة ويسرة، فمنهم من سره الرأي لأن فيه جدة، ومنهم من ساءه لأن فيه طيشًا.

وبلغ القوم الذين في أعلى السفينة نبـأ الخطة فوقعوا في حيرة! ثم انقسموا كذلك طائفتين، بين مؤيد، ومعارض.

ما الذي سيصنعه أصحاب السفينة إذن. إذا تركوا هذا المحدث وشأنه فإن السفينة سينالها الغرق لا محالة، وسيغرق المؤيد والمعارض على حد سواء. وإن منعوا هذا المبتدع من كسر الخشبة فستنجو السفينة وينجون جميعًا.

وأثارت هذه الصورة في ذهني أولئك الذين يعيشون في هذا المجتمع وهم يرون الخطأ فلا يتدخلون في إصلاحه، بحجة أن الضرر غير محدق بهم، فمثلًا لو رأى أحدهم منكرًا يقول: «عليكم أنفسكم» فهو يتلو الآية أو جزءًا منها على غير ما هي له. وكأن المنكر إذا وقع لن يصيبه.

لا، إن كل فرد يعيش في هذا المجتمع لهو شريك كشركاء السفينة. وإن أي مفسد في هذا المجتمع -باسم الإصلاح- سيؤثر فساده على الصالحين الذين يقفون وقفة المحايد.

فلا يسع المسلم إلا أن يتدخل آمرًا بمعروف أو ناهيًا عن منكر لأن درءه للمنكر سيؤول عليه وعلى المجتمع بالوقاية من الشر وأمره بالمعروف سيعود عليه كذلك بشيء من هذا المعروف.

 أجل! ما أبلغ قول النبي صلى الله عليه وسلم:

«مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة، فصار بعضهم في أعلاها، فكان الذين في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به، فأخذ فأسًا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا: مالك؟ قال تأذیتم بي ولا بد لي من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم، وإن ترکوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم»

 یا مسلمون أوقفوا هؤلاء الذين إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، وخذوا على أيدي المخربين لئلا تغرق سفينة المجتمع وأنتم مع الغارقين.

 (1) المدهن هو المداهن أي المحابي

(۲) استهموا: أي اقتسموها بالقرعة

 

 

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

لم كل هذه الحرب؟

نشر في العدد 2

38

الثلاثاء 24-مارس-1970

شكر وتقدير

نشر في العدد 3

29

الثلاثاء 31-مارس-1970