; الشهادة ومفهوم الحرب في الإسلام | مجلة المجتمع

العنوان الشهادة ومفهوم الحرب في الإسلام

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الجمعة 18-أغسطس-1978

مشاهدات 13

نشر في العدد 408

نشر في الصفحة 27

الجمعة 18-أغسطس-1978

- هل يعتبر كل من يقتل في الحرب شهيدًا؟

وللإجابة على هذا التساؤل الذي يتردد كثيرًا على ألسنة الشباب، لا بد من تحديد مفهوم الحرب التي هي «الجهاد المقدس» في الإسلام، فلقد خاض المسلمون على امتداد التاريخ كثيرًا من الحروب، فقتلوا وقتلوا، ونزفت منهم دماء القتل تحت رايات كثيرة، بل رايات مختلفة في بعض الأحيان، وإذا كانت حروب المسلمين القديمة التي خاضوها في بدر والخندق وحطين وغيرها لم تخرج عن الخير الإسلامي الديني لمفهوم الجهد في سبيل الله، فذلك لسببين: 

السبب الأول وضوح الهدف من هذه الحروب، والهدف هنا لا يخرج أبدًا عن وظيفة الدعوة الإسلامية، فهو إما رد على اعتداء من خارج المعسكر الإسلامي، وإما توطيد لكيان الأمة الإسلامية في الأرض.

 وأما السبب الثاني فهو وضوح نية المقاتل في المعركة، والنية هنا تعقد لإعلاء كلمة الله وتثبيت سلطانه وحكمه في الأرض، ولما كانت هذه هوية الحرب الإسلامية، فما هو حظ الحروب التي يخوضها المسلمون في الوقت الحاضر من هذا المفهوم؟

إن للحرب أنواعًا كثيرة، لا يدخل منها في باب الجهاد المقدس في الإسلام إلا نوع واحد، حدده لنا سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الشيخان عن أبي موسى رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله».

ويتضح من هذا الحديث مفهوم الحرب الإسلامية والجهاد في سبيل الله، وأمام هذا المفهوم تتحدد هويات الحروب الأخرى، وذلك من خلال دوافعها ونوايا أصحابها، فالحرب العصبية ليست حربًا إسلامية، ولا تدخل في باب الجهاد، والحرب العرقية أيضًا ليست حربًا إسلامية، ولا تدخل في باب الجهاد، وحروب القوميات والنعرات الإقليمية القائمة على أساس من العصبيات العرقية والبيئية ليست حربًا إسلامية، ولا تدخل في باب الجهاد، وقد ورد عن رسول الله ما يفيد في هذا الباب، ويبعد شبهة الإقليمية والقومية عن مفهوم الجهاد المقدس والحروب الإسلامية حيث نستطيع اعتبار كل حرب تقوم على أساس عربي أو جنسي أو قومي حربًا جاهلية لا تمت إلى الإسلام بصلة، ويتجلى ذلك واضحًا بارزًا في موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من شاب فارسي مسلم، حيث كره منه رسول الله أن يظهر فارسيته ويذكرها ويعتز بجنسيته في ميدان الجهاد، فقد أخرج أبو داود عن عبد الرحمن بن أبي عقبة عن أبيه «وكان مولى من أهل فارس» قال: «شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا، فضربت رجلًا من المشركين، فقلت: خذها وأنا الغلام الفارسي، فالتفت إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «هلا قلت: وأنا الغلام الأنصاري؟ أن ابن أخت القوم منهم، وأن مولى القوم منهم». 

لقد أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعطي الأمة درسًا بموقفه هذا من الشاب الفارسي المسلم، فوضح لنا أن الحرب الإسلامية ترفض مبدأ الجنسية والقومية، وترفض أن يكون دافعها دافعًا عنصريًا، ولفت النظر إلى أن الحرب يجب أن تكون إسلامية بأسبابها وحقيقتها وأهدافها، وقد نبه الرسول أيضًا إلى أن الفخر في المعركة بغير صفة الجهاد الديني تخرج المحارب عن مفهوم الحرب الإسلامية، فالمسلم إذ لا يحارب إلا تحت راية النصر لهذا الدين، وذلك في سبيل الله وحده دون شركة في شارة ولا هدف ولا غاية إلا الله، وفي سبيل المنهج الإلهي الذي شرعه الله وليس في أي سبيل آخر، ولا تحت أي شعار آخر، وإذا قتل المحارب المسلم في حرب تحمل هذا المفهوم للقتال، فإن له أجر شهيد دون ريب، وهو بمقتله هذا يجوز على الشهادة في سبيل الله، فقد قتل وهو يحاول إعلاء كلمة الله متجردًا عن كل مفهوم يتصل بالجنسية والعرقية والمفاهيم القومية، وبهذا يخرج عن نيل الشهادة كل من يقاتل في حرب لا تحمل صفات الحرب الإسلامية المقدسة من حيث الدافع والواقع والهدف.

على أن كل حرب لا تهدف أولًا وأخيرًا إلى نصرة هذا الدين، ليست إلا حربًا دنيوية، يكون المقاتل فيها غير مأجور، حتى إن المسلم يفقد أجره الأخروي إذا أراد الجهاد وهو يبتغي الدنيا بذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلًا قال: يا رسول الله: رجل يريد الجهاد في سبيل الله، وهو يبتغي عرضًا من الدنيا، فقال: «لا أجر له». فأعاد عليه ثلاثًا كل ذلك يقول: «لا أجر له». والحمد لله رب العالمين.

 

الرابط المختصر :