; الشيخ رشيد رضا.. ومعاركه مع العلمانية والصهيونية (٤)- وأولى المعارك ضد الصهيونية | مجلة المجتمع

العنوان الشيخ رشيد رضا.. ومعاركه مع العلمانية والصهيونية (٤)- وأولى المعارك ضد الصهيونية

الكاتب د. محمد عمارة

تاريخ النشر السبت 21-يونيو-2008

مشاهدات 16

نشر في العدد 1807

نشر في الصفحة 36

السبت 21-يونيو-2008

أفتى بحرمة بيع الأراضي العربية للصهاينة.. في الوقت الذي كانت الصحافة الصهيونية بمصر تشجع اليهود على شرائها

التبعية الثقافية للعلمانيين العرب قادتهم للغفلة عن الخطر الصهيوني في فلسطين.. بل تجاوز بعضهم ذلك إلى حد التعاطف مع اليهود 

لم يكن موقفه من الصهاينة عنصريًا.. فهو الذي كتب عن العدل الإسلامي تجاه اليهود وكيف رفع عنهم اضطهاد الرومان النصارى

في الوقت الذي كانت الصحافة الصهيونية بمصر تنشر الإعلانات التي تغري اليهود بشراء أرض فلسطين كان الشيخ رشيد ينشر «فتواه الشهيرة» بتحريم بيع الأرض العربية لليهود.. وكما قدر للشيخ رشيد رضا أن يكون الرائد الذي ينبه لخطر الدعوة العلمانية والتبشير بفصل الدين عن الدولة والتصدي لدعاتها.. على صفحات «المنار» سنة 1899م.

  • كذلك قدر لهذا الرجل أن يكون المتفرد في ساحة الفكر الإسلامي- لخطر المشروع الصهيوني على فلسطين والعرب وعموم المسلمين.
  • فبعد عقد الحركة الصهيونية الحديثة لمؤتمرها الأول في سويسرا، بقيادة هرتزل (١٨٦٠ ١٩٠٤٠م) سنة ١٨٩٧م. ووضع مخطط إقامة الدولة الصهيونية في الممارسة والتطبيق.. 
  • وبعد رفض السلطان عبد الحميد الثاني (١٢٥٨ - ١٣٣٦هـ. ١٨٤٢ - ١٩١٨م) اقتراح، هرتزل، تمكين اليهود من فلسطين، لقاء البلايين التي عرضها عليه.. أخذت الحركة الصهيونية، بدعم من الاستعمار الغربي.. والحركة البروتستانتية الأوروبية والأمريكية في التسلل إلى أرض فلسطين لإقامة المستوطنات وتجنيد وتدريب العصابات.
  • والأكثر مدعاة للعجب والاستغراب هو الغفلة العربية، عن هذا المخطط الصهيوني.. بل عن نشاط الجمعيات الصهيونية في البلاد العربية في مساندة هذا المشروع، وفي السعي لشراء الأرض في فلسطين!

 وكما تقول إحدى الدراسات الجادة التي أرخت لدور اليهود المصريين في ذلك التاريخ أوائل القرن العشرين، «فإن معظم اليهود الذين وجدوا في مصر كل رعاية قد أيدوا الصهيونية وقاموا بدعمها بشتى الوسائل.. وذهبوا إلى حد إنشاء الجمعيات الصهيونية التي كانت تتولى جمع التبرعات وإعداد الشبان اليهود تمهيدا لتهجيرهم إلى فلسطين، وإصدار الصحف الصهيونية بلغات متعددة، بما فيها اللغة العربية- لحشد يهود مصر وراء الهدف الصهيوني الأسمى الذي يتمثل في إقامة دولة عبرية على أرض فلسطين» (۱).

وكذلك كان يصنع اليهود في الجزائر الذين اشتركوا بوفد يمثلهم في مؤتمر بال بسويسرا ... سنة ١٨٩٧م (۲)!

وكذلك يهود المغرب الذين أسسوا لهم جمعية صهيونية سنة ١٩٠١م. وحضروا المؤتمر الصهيوني الخامس- في بال– سنة1901.

وكذلك كان الحال مع اليهود في العديد من البلاد العربية.. ففي ليبيا أنشأ اليهود الليبيون مدرسة عبرية عسكرية لتدريب الشباب اليهود عسكرياً للانضمام إلى اللواء اليهودي، الذي تشكل خلال الحرب العالمية الثانية- والذي حارب في فلسطين بعد الحرب العالمية لإقامة الدولة الصهيونية!!(۳)، وكذلك كان حال النشاط الصهيوني عند يهود العراق (٤).. 

  • وبينما كانت المظاهرات العربية تجتاح أرض فلسطين سنة ١٩٣٥م، ضد الاستعمار والاستيطان الصهيوني، كانت الصحافة الصهيونية بمصر تنشر الإعلانات عن المزادات، لبيع أرض فلسطين لليهود باعتبارهم أبناء فلسطين البررة!!(٥).
  • وبينما كان ذلك يحدث علنًا، في البلاد العربية.. ويواكب النشاط الصهيوني والاستعماري المحموم في الغرب، سياسيًا وفكريًا وإعلاميًا، لتمكين الصهيونية من فلسطين.. كانت النخبة العربية وخاصة الليبرالية والعلمانية تعيش «غفلة مذهلة» عن هذا الذي يدار وينفذ لفلسطين والعرب والمسلمين.. حتى لتقول إحدى الدراسات الأكاديمية الجادة عن هذه الغفلة «إن المثير للدهشة أن معظم المثقفين المصريين الذين عاصروا اليهود أثناء وجودهم في مصر قبل حرب سنة ١٩٤٨م لا يعلمون شيئا عن طبيعة النشاط الصهيوني الذي مارسه الصهيونيون في البلاد» (٦).
  • هكذا قادت «التبعية الثقافية» أصحابها إلى هذه «الغفلة» عن الخطر الذي يتخلق وينمو ويسرح ويمرح بين ظهراني هؤلاء المثقفين الليبراليين.. بل لقد تجاوز بعضهم نطاق الغفلة إلى حيث تعاطف مع اليهود الزاحفين على الاستيطان في فلسطين! 
  • لكن بعض الدراسات الأكاديمية الجادة التي صورت النشاط الصهيوني في البلاد العربية في النصف الأول من القرن العشرين وتحدثت عن هذه الغفلة الغريبة من قبل الليبراليين العرب عن هذا الخطر قد أنصفت التيار الإسلامي عندما أشارت إلى تميزه بالوعي بخطر هذا المشروع الصهيوني.. فقالت إحدى تلك الدراسات «إن المثقفين الليبراليين العرب قد تسامحوا- «!!!»- مع الصهيونية ولم يقف ضدها إلا أصحاب الاتجاهات الإسلامية والعربية» (٧).

فإذا علمنا أن هذه الشهادة التي أنصفت الموقف الإسلامي من الصهيونية والوعي الإسلامي إزاء هذا الخطر في دراسة يسارية، أدركنا قيمة هذه الشهادة للإسلام والإسلاميين في هذا الموضوع الخطير.

  • وهنا تبرز ريادة الشيخ رشيد رضا و«المنار».. ريادته في الوعي بخطر هذا المشروع الصهيوني لا على فلسطين وحدها وإنما على عموم العرب والمسلمين... ويبرز جهاد صاحب «المنار» الفكري والسياسي.. والعمل ضد الصهيونية والغرب الاستعماري الذي يقف وراءها.. وتأتي الإشارة إلى معركة الشيخ رشيد رضا ضد الصهيونية التي رفع بها «بلوى عموم الغفلة» عن العرب والمسلمين!
  • ففي نوفمبر سنة ١٩١٠م نبه الشيخ رشيد على خطر التغلغل اليهودي في الدولة العثمانية «لأن هدفهم أن يملكوا بيت المقدس وما حوله ليقيموا فيه ملك إسرائيل»(۸).
  • وفي أكتوبر سنة ١٩٢٨م نبه الشيخ رشيد إلى مخاطر إقامة الكيان الصهيوني على الوحدة العربية والإسلامية، وذلك بإقامته الجسم الصهيوني العازل بين أجزاء الوطن العربي فالهدف «هو جعل هذه المنطقة من البلاد يهودية بريطانية فاصلة بين عرب مصر وعرب سورية والعراق» (۹).

وإبان ثورة البراق سنة ١٩٢٩م التي اندلعت في فلسطين ضد الاستعمار الإنجليزي والصهيونية كتب الشيخ رشيد رضا سلسلة من المقالات كانت أوفى تحليل لخطر الصهيونية، ومشروعها الاستيطاني والاستعماري على الشرق والعرب والمسلمين، ومما جاء في التحليل:

«إن اليهود من قواعد شريعتهم التعاطف مع اليهود «التوراة» أن يستأصلوا القوم الذين يغلبونهم على أمرهم «حتى لا يستبقوا منهم نسمة ما».

ومن الحقائق الثابتة الخفية أن «الجمعية الماسونية» التي ثلت عرش الحكومات الدينية من أمم أوروبا والترك والروس، هي من كيد اليهود، وهم أصحاب السلطان الأعظم فيها، وإن كان ذلك يخفى على كثير من أهلها أو أكثر المنتمين إليها.

 ومن غرائب كيد اليهود وقدرتهم التي فاقوا بها جميع شعوب البشر، أن الغرض السياسي النهائي لهم من هذه الجمعية هو تأسيس دولة يهودية دينية في مهد الدولة الإسرائيلية التي أسسها داود وأتمها سليمان باني هيكل الدين اليهودي في أورشليم على جبل صهيون، ولهذا سموها جمعية البنائين الأحرار، ويريدون بهم الذين بنوا هيكل سليمان، وأكثر أفراد هذه الجمعية يجهلون السبب الصحيح لهذه التسمية.

ومن الحقائق الاجتماعية التاريخية أن اليهود هم الذين وضعوا النظام المالي والذي هو قطب رحى المدنية الغربية الحاضرة في العالمين القديم والجديد، وأن لهم به النفوذ الأعلى في جميع الدول والأمم الرأسمالية، كما يقال في عرف هذا العصر.

ومن الحقائق الثابتة التاريخية أيضاً، أنه لم توجد جماعة من جماعات البشر الدينية والسياسية عرفت كنه كيد اليهود ومكرهم في الأمم ومقاصد الماسونية وأهلها وتصدت لمقاومتهم وإسقاط نفوذهم إلا جمعية الجزويت الكاثوليكية وذلك أن الكاثوليك يدينون بوجوب الخضوع الديني والسياسي لأحبار رومية رؤساء الكنيسة المعصومين عندهم، ويعلمون أن اليهود هم الذي ثلوا عرشها بنفوذ الجمعية الماسونية التي انتظم في سلكها الملايين من النصارى ومن غيرهم وأكثرهم لا يشعرون.

 كما لا يخفى ما كان من نفوذ اليهود في ملاحدة الروس الذين أضعفوا سلطة الكنيسة الأرثوذكسية بمجلس الدوما، ثم أسقطوها بثل عرش القياصرة دعاتها وحماتها، وتأسيس حكم البلشفية في تلك الممالك الواسعة.

وما كان من نفوذهم في ملاحدة الترك بإسقاط نفوذ الخلافة التركية العثمانية. ثم بهدم الشريعة الإسلامية من المملكة التركية، وجعل حكومتها الحادية تسعى لمحو الإسلام من الشعب التركي ومن الشعوب الأعجمية الإسلامية التي كانت تابعة لها كالألبان والبوشناق وغيرهما كالإيرانيين والأفغانيين..

ولقد استخدم اليهود دول النصارى فظاهرتهم على المسلمين.. وأسسوا الجمعية الصهيونية للسعي إلى ذلك بقوة الشعب اليهودي المالية والمعنوية وبجعل الاعتقاد التقليدي حاديا لهم في هذا السعي، وقوة روحية تؤيد سائر القوى الكسبية.

إنهم سدنة المال، هيكل المعبود الأكبر للأمم والدول العظمى في هذا العصر، وهم الذي استعبدوهم له، ولهم بهذا المال في العالم المدني من النفوذ والصحف والقدرة على الدعاية ما يقلب الحقائق، ويلبس الحق بالباطل.

وهم يعتمدون فيما يرومون من الاستقلال في الوطن القومي في فلسطين على قوة الإنجليز تحميهم ولقد طلب عشرة آلاف من شبان اليهود الأمريكيين إذن حكومتهم لهم أن يذهبوا إلى فلسطين لقتال العرب ..(10).

هكذا قدم الشيخ رشيد رضا وظل يقدم على امتداد عقود تخلق الخطر الصهيوني في الشرق العربي والإسلامي هذه التحليلات السياسية والتاريخية والدينية، التي بلغت في الوعي والعمق آفاقًا بعيدة.

 ولم يكن الرجل ذا موقف عنصري إزاء اليهود.. ولا متعصبًا دينيًا إزاءهم... فهو الذي أشار فيما كتب إلى الموقف الإسلامي من اليهود في تاريخنا الحضاري، وكيف أن العدل الإسلامي هو الذي رفع عن اليهود الاضطهاد الذي أوقعه بهم الرومان والنصرانية الرومانية، «فكان من عدل المسلمين ورحمتهم أن رفعوا الاضطهاد عن رؤوس اليهود، وعاملوهم بالعدل والرحمة، حتى إنهم صاروا يأذنون لبعضهم بالإقامة في بيت المقدس». بعد أن كانوا ممنوعين من ذلك على عهد الرومان. (۱۱)

  • هذه هي حقيقة موقف الشيخ رشيد رضا من اليهود، كأهل كتاب، وموقفه من الصهيونية، كحركة استعمارية- تحالفت مع الأعداء التاريخيين لليهود ضد الذين أحسنوا إلى اليهود طوال التاريخ.

الهوامش

(۱) د. سهام نصار اليهود المصريون بين المصرية والصهيونية ص طبعة بيروت سنة ١٩٨٠م.

(۲) المرجع السابق، ص 9.

(۳) المرجع السابق، ص ١٠.٩.

(4) المرجع السابق، ص ١٠.

(٥) د. عواطف عبد الرحمن الصحافة الصهيونية في مصر ١٨٩٧ - ١٩٥٤)، ص ١٦٤، طبعة القاهرة سنة ١٩٨٠م.

(6) اليهود المصريون بين المصرية والصهيونية، ص9.

(۷) الصحافة الصهيونية في مصر ۱۸۹۷ 1954م، ص ٦.

(۸) المنار، المجلد ۱۳، ج ۱، ص ۷۲5 (1) المصدر السابق المجلد ٢٩ ج ٠٤١٦/٦.

(۱۰) المصدر السابق، المجلد ۳۰، ج 5 / ۳۸5، ۳۸7.

(۱۱) المصدر السابق.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل