; الصراع في اليمن والمستقبل المجهول | مجلة المجتمع

العنوان الصراع في اليمن والمستقبل المجهول

الكاتب ناصر يحيي

تاريخ النشر الثلاثاء 18-يناير-1994

مشاهدات 16

نشر في العدد 1084

نشر في الصفحة 20

الثلاثاء 18-يناير-1994

لا تزال الأزمة السياسية في اليمن تتراوح في مكانها، رغم أن حدة الحملات الإعلامية قد خفت كثيرًا، وهو الأمر الذي كان يسهم بقوة في تأجيج الخلافات وإثارة المشاعر الانفصالية والمناطقية.

وفيما تكاد الأزمة تتحول إلى واقع يكرس وجود سلطتين، تفرض كل منهما وجودها وسيطرتها على جزء من البلاد، في الوقت نفسه يتواصل حوار القوى السياسية اليمنية حول عدد من القضايا المفترض أنها أساس الأزمة، لكن الجميع يعلمون أن هذا الحوار لن يؤدي إلى حل قوي ما دام أن الرئيس علِي صالح ونائبه علي سالم لم يلتقيا وجهًا لوجه لبحث المسائل التي يثور الخلاف حولها!

وكان الشارع اليمني يترقب نتائج اللقاء الذي كان مترقبًا بين الرئيس اليمني ونائبه في منطقة «الجند» يوم التاسع من يناير تلبية لدعوة من عدد من العلماء، تيمنًا بهذه المنطقة التي شهدت لقاء أهل اليمن بالصحابي الجليل «معاذ بن جبل» وإعلان دخول اليمنيين في دين الإسلام.

ولكن الحقيقة أن واقع الأزمة السياسية في البلد يزداد تعقيدًا كل يوم، ويتجاوز كل الأمنيات الشعبية. ويبدو توقع لقاء ثنائي أمرًا بالغ الصعوبة، ما لم تكن هناك معطيات مفاجئة!!

وفي هذا السياق، فقد بدأت أخبار محدودة تتسرب إلى الصحافة عن حوار سري بين حزب «المؤتمر» و«الاشتراكي» للوصول إلى اتفاق خاص بينهما حول تسوية الخلافات، بحيث يحتفظ كل منهما بنصيب متساوٍ في السلطة يجعله قادرًا على استخدام «فيتو» ضد كل ما يرفضه أو يشعر أنه مضر بمصلحته الآنية والمستقبلية.

وتزيد بعض المصادر المطلعة إلى أن الاتفاق الذي يتم طبخه بسرية يعيد «الثنائية» في السلطة ويستبعد التيار الإسلامي منها، رغم أنه حصل على المركز الثاني في الانتخابات، لكن الاشتراكيين يرددون أن الإسلاميين حصلوا على نصيب في السلطة على حسابهم، ولذلك فإن الاتفاق يجبر حزب المؤتمر الشعبي على منح الإسلاميين جزءًا من نصيبه من السلطة، وفي المقابل يمنح الاشتراكيون حلفاءهم جزءًا مماثلًا من نصيبهم، وبحيث يظهر الحكم بمظهر الائتلاف الوطني الذي يجمع كل التيارات السياسية في البلد، بينما هو في الحقيقة تقاسم ثنائي جديد للسلطة! الأمر الذي يجعل اليمن عاجزة عن تجاوز مشكلاتها الحقيقية، ويدخلها من جديد في نفق مظلم من السلبية الإدارية والنهب المالي المنظم.

واقع الانفصال

ما لم يكن هناك اتفاق سري جديد، فإنه يمكن القول بكل وضوح إن نوعًا من النظام الجامع بين خصائص الكونفدرالية والفيدرالية سوف يتم تكريسه من خلال تأكيد سيطرة الحزبين القويين على كل شطر «سابق» من اليمن (!)، ويؤكد الواقع اليومي للممارسات الإدارية والمالية والأمنية حقيقة هذا الأمر، فالدولة في «صنعاء» لم تعد تملك فرض أي قرار على المحافظات التي يحكم الاشتراكيون قبضتهم عليها ويمارسون فيها كل أعمالهم كأنهم دولة مستقلة بالفعل.

ولعل مما يؤكد هذا الأمر تعامل الجهات الأمنية مع القادمين من المحافظات الشمالية، حيث يتم منع أعضاء في مجلس النواب ذاته من دخول المحافظات الجنوبية دون أي تردد إذا رأت الجهات الأمنية هناك ضرورة ذلك، مثلما حدث عندما منعت وفود ذهبت لتشارك في تشييع جثمان العميد «حسين عثمان عشال» أحد قيادات التجمع اليمني للإصلاح وأول قائد للجيش في «عدن» بعد جلاء البريطانيين!

وفي السياق ذاته تعلن القناة الثانية للتلفزيون اليمني في «عدن» إعلانات متكررة عن منع دخول أي مواطن إلى مدينة «عدن» إذا كان يحمل «الجنبية»، وهي خنجر صغير يضعه اليمنيون في خصورهم كنوع من الزينة والاعتزاز بالتراث اليمني، ولعل خطورة هذا الإعلان تتجلى في أن كلا من الشيخ عبد المجيد الزنداني عضو مجلس الرئاسة، والشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب لا يجوز لهما أن يدخلا «عدن» ما لم يخلع كل منهما «الجنبية».

وفي الشهر الماضي نشرت صحف الحزب الاشتراكي نص رسالة موجهة من قيادة فرع الحزب في العاصمة صنعاء إلى قيادة الحزب في «عدن»؛ تدعوها فيها إلى تطبيق نموذج للحكم المحلي ومجتمع النظام والقانون والتقدم (!) في المحافظات الجنوبية والشرقية، ثم تعميم هذا النموذج -فيما بعد- على سائر اليمن!

وقد أثارت تلك الرسالة معارضة من داخل الأحزاب المؤيدة للاشتراكي، لأنها تعني -بكل بساطة- انفصالًا غير معلن ولصالح حزب واحد يهيمن على كل شيء!

فشل التجربة الديمقراطية

أبرز دلالات الأزمة الأخيرة أنها أعلنت فشل تجربة التعددية السياسية وتداول السلطة سلميًّا (!)، فقد أدت تداعيات الخلافات إلى الاعتماد على القوات المسلحة الخاصة بكل من الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي، ورفض الاشتراكيون أن يحصروا الخلاف في قاعة مجلس النواب حيث الشرعية الدستورية المفترضة، لأنهم يعلمون أنهم يمثلون أقلية لا تملك شيئًا.

ويمكن القول إن خطة الاشتراكيين في هذا الأمر قد نجحت بسبب حرص الأطراف الأخرى -المؤتمر والإصلاح- على عدم استخدام ورقة مجلس النواب، لأن رفض أي قرار حاسم من المجلس بإمكان أن يكون إعلانًا بانفصال البلد من طرف واحد جمع كل قياداته في «عدن»، وسحب معظم نوابه من مجلس النواب!!

وبرغم أن موقف المؤتمر والإصلاح من مجلس النواب قد أثر سلبيًّا على دوره وأظهره عاجزًا عن ممارسة دوره الدستوري، إلا أن هذا الموقف قد حد كثيرًا من رغبة الانفصال وأحرج الاشتراكيين، لأنه يجبرهم على البقاء -ولو نظريًّا- ضمن إطار الدولة المعترف بها رسميًّا.

أما المحصلة الأخيرة فهي وأد التجربة الديمقراطية، والالتجاء إلى القوة المسلحة المحصلة لتعزيز المكتسبات الحزبية، وهو ما یعني أن الدستور لم يعد الفيصل في حل الخلافات السياسية!

الأزمة الاقتصادية

وفي التوازي مع الأزمة السياسية، تشهد اليمن أزمة اقتصادية شرسة، فمنذ اعتكاف نائب الرئيس في «عدن» تصاعدت الأسعار بنسبة كبيرة جدًّا في مقابل انخفاض قيمة العملة المحلية بنسبة ٦٠% مقابل الدولار، كما يسود الأوساط الاقتصادية مشاعر متباينة من القلق والخوف من استمرار تدهور الأوضاع المعيشية وتصاعد موجة الغلاء، الأمر الذي قد يهدد بتكرار حوادث الشغب التي شهدتها اليمن في ديسمبر عام ١٩٩٢م.

الأزمة السياسية في اليمن: مستقبل مجهول لملامح الحل السياسي

كان المفترض أن تعلن لجنة الحوار للقوى السياسية اليمنية مشروع اتفاق ينهي الأزمة القائمة الآن في اليمن في ١٠ يناير الماضي، وفق القواعد المتفق عليها عند بدء الحوار.

ورغم أن المعلومات المتسربة من «عدن» تفيد بوصول ممثلي القوى السياسية إلى اتفاق على معظم النقاط المطروحة للنقاش، إلا أن عدم إعلان الاتفاق في موعده يوحي بوضوح أن الأمور لم تعد تحت سيطرة الزعماء السياسيين، بينما يردد الشارع اليمني أخبارًا عن ظهور قوى عسكرية، تستند إلى دعم قبلي تعمل على إفشال أي اتفاق ينهي الأزمة.

وعلى صعيد الحل السياسي المطروح أمام لجنة الحوار، فإن أهم ملامحه تتناول القضايا التالية:

١ - التأكيد على الإيمان بأن الإسلام عقيدة وشريعة، وضرورة الحفاظ على الوحدة اليمنية والنظام الجمهوري، وإقرار مبدأ التداول السلمي للسلطة، ونبذ العنف بكافة أشكاله، وعدم إقحام القوات المسلحة والأمن في الخلافات السياسية.

۲ - اعتماد نظام ديمقراطي، وتقليص صلاحيات مجلس الرئاسة إلى حد كبير، ومنح الحكومة صلاحيات أوسع وجعلها مسؤولة أمام مجلس النواب على أن يتم تشكيلها من حزب الأغلبية.

3 - اعتماد الحكم المحلي باختصاصياته المالية والإدارية والأمن العام والتعليم والصحة ونظام الخدمة، مع الإبقاء على مركزية الشؤون الخارجية والدفاع والأمن والتشريع، ووضع السياسات المالية والنقدية والاجتماعية والاقتصادية.

٤ - إخراج المعسكرات والميلشيات من المدن ووضع خطة عملية لتوحيد القوات المسلحة في خلال أربعة شهور.

وفيما تلبي هذه النقاط كل المطالب المطروحة من قبل الاشتراكيين، إلا أن هناك علامة استفهام كبيرة حول قدرة طرفي الأزمة على اللقاء ووضع الاتفاق موضع التنفيذ، ولا سيما أن سدًّا عريضًا من عدم الثقة قد انتصب بين الطرفين خلال شهور الأزمة.

وتقول مصادر عليمة إن الوصول إلى اتفاق نهائي في لجنة الحوار يعني لقاء الرئيس علِي صالح ونائبه علي البيض للتوقيع على الاتفاق، وهو أمر ربما يحدث في أي يوم ابتداء من ١٠ يناير، لكن عدم لقاء الرجلين سوف يعني أن آخر محاولة سلمية لحل الأزمة قد سقط نهائيًّا، وهو أمر يفتح احتمالات مجهولة لمصير البلد.

الاتفاق الذي يُجرى بحثه منذ عدة أسابيع في «عدن» يتميز هذه المرة بأنه يضم كل القوى السياسية اليمنية، وهي مسألة تشكل ضغطًا شعبيًّا وإحراجًا سياسيًّا على أي طرف في الأزمة يتنصل من الاتفاق أو يختلق مزيدًا من المعاذير والعراقيل. إضافة إلى ذلك، فإن السخط الشعبي تجاه الأزمة قد وصل منتهاه، وإن كان الجميع بانتظار اتفاق جديد من «عدن» ينهي معاناة الناس!

ويمكن القول: إن الوصول إلى اتفاق نهائي عبر لجنة الحوار سوف يكشف حقيقة كل شيء إن لم يؤدِّ إلى حل الأزمة، ولذلك يتوقع مراقبون أن تسعى جهات معنية بتفجير الأزمة إلى افتعال محاولات عنف وحوادث اغتيال ضد عدد من الشخصيات العامة لإجهاض الاتفاق.

الرابط المختصر :