العنوان الصفحة التي طويت تفتح صفحات ينبغي أن تقرأ (٢من٢)
الكاتب أبو اليزيد العجمي
تاريخ النشر السبت 18-أغسطس-2007
مشاهدات 13
نشر في العدد 1765
نشر في الصفحة 40

السبت 18-أغسطس-2007
د، السيد نوح كان نموذجًا لتكامل الرؤية الإسلامية عقيدة وعبادة ومعاملة وسياسة واقتصادًا واجتماعًا وبحثًا علميًا.
لقد كان من أثر الصفحة التي طويت بوفاة الداعية العالم الدكتور السيد نوح أن فتحت صفحات ذات أهمية قرأنا واحدة منها في العدد قبل الماضي، وهي صفحة خدمته للعلم على مستوى التكوين للطلاب، والترقي للمتخصصين من طلبة الدراسات العليا والباحثين بعامة، واليوم نقرأ صفحة أخرى جديرة بالتأمل، هي نجاحه في الجمع بين الدعوة والبحث العلمي، وقليل من يحدث هذا التوافق.
نحن نرى كثيرًا من الدعاة أو الخطباء المفوهين ولهم من الشهرة ما لهم، ولكنهم -إلا من رحم ربك- لا يتقنون الجمع بين الدعوة والبيان من جهة والبحث العلمي كمغذ للدعوة من جهة أخرى، لذا يلجأ هذا الصنف من الدعاة -مع ما لهم من فضل- إلى السرد والقصص أكثر منه إلى التحليل والاستنباط، وإقامة تراكم معرفي في أذهان المستمعين.
وفي نظري أن هذا القصور أت من الفهم لمهمة الدعوة ورسالة الداعية، حيث يحصرها البعض في الترقيق وإثارة المشاعر الإيمانية وربما ربطها البعض بمشكلات الحياة، ولكن على اختلاف في دقة الربط ومآلاته،
أما الشيخ السيد نوح فكان واعيًا بما يلي:
الدعوة علم وفن في آن واحد.
الدعوة هي طريق الارتقاء بالأمة لتأخذ مكانها اللائق بها وفق الرسالة التي اختارها الله لها.
الدعوة هي طريق الإصلاح والتغيير إلى الأفضل والأمثل.
الدعوة هي طريق حل المشكلات التي تعيشها الأمة.
الدعوة تنمية مستمرة للمتلقين حسب ظروفهم واحتياجاتهم.
بهذا الفهم، وضع د، السيد نوح خطته منذ أن تكونت رؤيته بوضوح فأدرك أن الدعوة تحتاج إلى الانطلاق من عقيدة صحيحة، فدرس العقيدة وتفنن في عرضها وربطها بالواقع، مبينًا أن العقيدة هي للدنيا أولًا، ثم للآخرة، لأن من صلحت دنياه صلحت آخرته.
ولم تكن قراءته في كتب العقيدة حفظًا فقط، ولكنها كانت الدرس والتحليل والربط بالواقع، وحسب متلقيه ومستمعيه أن يتذكروا كيف كان يتناول أسماء الله الحسنى في خطبه، ولقد أتيح لي أن أحضر بعضها والأمر في نطاق تخصصي العلمي فوجدته يكاد يكون قد ألم بمعظم ما كُتب حول الأسماء الحسنى، وقد أجاد في توظيفها في حياة الناس إيمانًا وسلوكًا الأمر الذي جعلني أراه كالنحلة تقطف من زهرات متعددة، لكنها تخرج شيئًا مختلفًا تمامًا عما أكلت وإن كان له أثر في الطعم والرائحة.
لكن هذا المحتوى العلمي يحتاج إلى أسلوب للعرض، أدركه وراعى فيه الحكمة التي تعني أن تقول الكلمة المناسبة في الوقت المناسب وباللغة المناسبة.
ولقد حاورته ذات يوم عن فهمه لهذا الأمر، فقال بكل تواضع: أنا لست أفضل من غيري، بل ولا أتميز عليهم، ولكني أحاول أن أعد خطبتي مراعيًا فيها:
ماذا أقول؟ وكيف أقول؟ ولمن أقول؟ ولماذا أقول؟
وقد كان هذا الفهم هو الذي جعله عظيم التأثير فيمن يستمع إليه، فضلًا عن إخلاصه الذي يشهده في الفاظه وحركاته، كل من عايشه ودرس عليه.
وهذا الفهم أيضًا هو الذي جعل طلاب العلم: يقولون حين استمعنا إلى د، السيد نوح خطيبًا ظننا أنه الخطيب وفقط، وحين جلسنا إليه طلاب دراسات عليا، وجدنا العالم الباحث الحافظ الحجة في تخصصه (الحديث وعلومه) والداعية العالم.
لم يكن يعد خطبه كيفما اتفق، بل لكل أمر خطته، ولكل موضوعات تتابعها الأمر الذي جعل من يداوم على خطبه يتعلم عن حقائق الإسلام الكثير ويتعلم عن أسباب النهضة الكثير، ويتعلم عن مشكلاتنا وسبب تخلفنا والمخرج من أزماتنا الكثير.
قلت: لم يكن د، السيد نوح داعية الطائفة أو حزب أو بلد وإنما كانت الأمة نصب عينيه، وإن كان الانطلاق لابد أن يكون من فرد ومن جماعة، ومن بلد لذا أحبه كل من سمعه أو قرأ له أو رأه أو لم يره.
وقد شهدنا تصديق هذا في العزاءات والوفود التي جاءت من كل حدب وصوب.
إذا كان د، السيد نوح داعية يعلم أن محتوى الدعوة علوم ومعارف ولقد وظف كل علومه ومعارفه للدعوة، فحفظه للقرآن الكريم وإجادة تفسيره وعلمه بالحديث وعلومه ودراسته للسيرة والتاريخ و غوصه في كتب العقيدة وإجادته للأدب واللغة كل هذا كان محتوى خطبه ومادة دعوته لكن ذلك كله لم يمنعه من قراءة الواقع والجديد فيه علومًا ومشكلات سياسية كانت أو اجتماعية، الأمر الذي جعل مستمعيه ينظرون إليه بإعجاب شديد ويحبونه حبًا جمًا، فهو يؤصل حياتهم الواقعية تأصيلًا شرعيًا ويحفزهم إلى واجبهم تجاه الأمة وقضاياها، وحسبك أن تعلم أنه كان يشتهر بخطيب الأقصى، كما كان يشتهر بخطيب الوسطية والاعتدال.
هذه الصفحة مهداة إلى الدعاة ليعلموا أن دعوتهم تحتاج إلى علوم شتى ومعارف وخبرات مختلفة عليهم أن يحصلوها ومهداة إلى العلماء الذين لديهم علم غزير لم يوظفوه لخدمة الأمة، اكتفاء منهم بالبحث ومسائله وتفريعاته، والحقيقة أنه لا تعارض، بل الواجب أن يكون هذا التكامل.
وقد ألف د، السيد نوح في الدعوة وتوجيهات نبوية، وأفات على الطريق وغيرهما، كما ألف في الحديث ودور الصحابة فيه، وقضايا التخريج والعلل وغيرها.
ولم يكن الدكتور السيد نوح إلا نموذجًا لتكامل الرؤية الإسلامية في شتى جوانب الحياة عقيدة، وعبادة، ومعاملة، وسياسة واقتصادًا، واجتماعًا، وبحثًا علميًا.
فهل تتأمل هذه الصفحة التي يتعلم الناس ظاهرها وهو نجاح الدكتور السيد نوح في دعوته، وسكناه قلوب الجماهير أما كيف وصل إلى هذا النجاح، واحتل هذه المكانة فهو ما نريده من قراءة هذه الصفحة، والله المستعان.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالوَهْن الـمُفضي إلى التلاشي الحضاري.. رَاهنُ البحث العلمي نموذجاً
نشر في العدد 2113
17
الأربعاء 01-نوفمبر-2017


