; الطريق إلى التفوق | مجلة المجتمع

العنوان الطريق إلى التفوق

الكاتب أ. د. سمير يونس

تاريخ النشر السبت 03-يونيو-2006

مشاهدات 16

نشر في العدد 1704

نشر في الصفحة 61

السبت 03-يونيو-2006

من الحياة

معًا نرتقي ببيوتنا (13)

أستسمحك -أختي الزوجة- أن أتوقف -مؤقتًا- عن حواري معك لإسعاد زوجك، اهتماما بأبنائنا وبناتنا في موسم الامتحانات النهائية، على أن أستأنف حوارنا فيما بعد. قمع قدوم موسم الامتحانات والاختبارات النهائية في مؤسساتنا التربوية والتعليمية.. تُعلن حالة الطوارئ في بيوتنا، ويتصاعد التوتر، ويشيع القلق والخوف، ويسرف الآباء في ممارسة الثواب والعقاب، وربما يأتي ذلك كله بتأثيرات سلبية، أو ربما لا يحقق ثمرة، وذلك لأننا لم نحدد الداء وسبب البلاء، فلم نحاور أولادنا لمعرفة سبب العزوف عن الدراسة والاستذكار وتحصيل العلم، ومن ثم فالخطأ في التشخيص يؤدي بالضرورة إلى خطأ في العلاج، لذا، أقول لأبنائي وبناتي المتعلمين والمتعلمات: أعلموا -بادئ ذي بدء- أن التفوق هو غاية المؤمن في أي زمان ومكان، كما أنه مفتاح النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، لذا يطيب لي أن أذكركم بسيرة نبي الله يوسف -عليه السلام- وكيف كان تميزه مفتاحًا لنجاته ونجاحه وفلاحه في الدنيا والآخرة.

لقد سُجن يوسف كما تعلمون، ودخل معه السجن فتيان، فرأى أحدهما في الرؤيا وهو نائم أنه يعصر خمرًا، ورأى الثاني أنه يحمل فوق رأسه خبزًا تأكل الطير منه فطلبا من يوسف أن يفسر لهما ذلك، وقيل أن يفعل، دعاهما إلى توحيد الله والإيمان، ثم فسر لكل منهما ما رأى، وقال يوسف لأحدهما: إذا خرجت من السجن احك قصتي للملك، لكن الفتى لما خرج نسي أن يشفع ليوسف عند الملك.

ومرت الأيام تلو الأيام.. ثم حدث أن رأى الملك رؤيا عجيبة، لقد رأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، كما رأى سبع سنبلات خضر وآخر يابسات، فلما أصبح حكى ما رأى وطلب ممن حوله تفسيره، فاعتذروا لجهلهم بتأويل الأحلام، وهنالك تذكر الفتى الذي كان مع يوسف -عليه السلام- وكان يوسف قد أوصاه بأن يحكي للملك قصته، فحكى الفتي للملك عن يوسف، وأستأذن منه أن يأتي به، لأنه متميز في تفسير الأحلام، فأذن له ونجح يوسف في تفسير رؤيا الملك المعروفة.

ولندع القرآن الكريم يقص علينا هذا المقطع من القصة: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ۖ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ۚ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ۚ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ﴾ (سورة يوسف: 43 – 51).

كثيرًا ما يسأل أولادنا؛ إذا كانت صفوف الخريجين -بالآلاف- لا تجد فرصة عمل، فلماذا تدرس؟ كثير من هذه الأسئلة وجهت إلى من أبنائنا وبناتنا وخاصة في الحوارات المفتوحة، لذا أردت أن أوضح كيف أستفاد يوسف -عليه السلام- من نجاحه وتفوقه وتميزه؟

ثقوا جيدًا، أيها الأبناء، أن الله تعالى لن يضيع عملكم أبدًا، وإن تأخرت الثمرة، فالله تعالى هو الذي وعدكم: ﴿ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾(سورة الكهف: 30).. ثقوا بـأن ثمار جهدكم واستذكاركم ستأتي وإن تأخرت ستأتي ولو بعد حين.. فلقد صبر يوسف -عليه السلام- على كيد إخوته، وعلى ابتلائه بإلقائه في الجب، وابتلائه بامرأة العزيز، والسجن وهو براء.. فكانت ثمار صبره وعلمه وتميزه ونجاحه كما رأيتم.

والسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: كيف تتفوق؟

وللإجابة عن هذا السؤال، أدعوكم إلى تنفيذ مجموعة من النصائح التربوية البسيطة، سأكتفي بواحدة منها في مقالي هذا، على أن أستكمل بقيتها في المقال القادم بمشيئة الله تعالى.

أولًا: إيجاد الدوافع للتفوق:

يرى علماء النفس أن الدوافع من أهم أسباب النجاح، وهم يقسمون الدوافع إلى دوافع خارجية تتمثل في الثواب والعقاب عندما تمارسهما على أسس تربوية صحيحة، ودوافع داخلية وهي إقناع الذات بأهمية العلم والتعلم والتفوق والتميز، وبمعنى آخر أن يوجد الطالب لدى ذاته رغبة ذاتية داخلية للتعلم، كان يقنع نفسه بأن طلب العلم هو عمله الأساس الذي يجب أن يتقنه تعبدًا لله تعالى؛ بغض النظر عن مكاسبه الدنيوية، وأن أي تقصير فيه سيحاسب عليه، وأن الرسول الكريم ﷺ دعانا لإتقان العمل، فقال: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه». ليعلم أولادنا هذه النصيحة الثمينة من الله تعالى لأحب خلقه: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (سورة طه: 114) فلتكن هذه النصيحة دافعًا داخليًا لك يا بني، فهي نصيحة وتوجيه رباني لكل من سار على درب النبي ﷺ.

 ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾(سورة الزمر: 9) وقوله سبحانه: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ (سورة فاطر: 28).

ولينصت أولادنا لهذه المقولة العظيمة لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه: «كفى بالعلم شرفًا أن يدّعيه من لا يُحسنه ويفرح به إذا نُسب إليه، وكفى بالجهل ذمًا أن تبرأ منه ما هو فيه».

وليتدبر أولادنا هذا القول الرفيع لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «تعلموا العلم، فإن تعلمه خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وبذله لأهله قربة، وتعليمه من لا يَعْلَمْه صدقة، وهو الجليس في الوحدة والأنيس في الوحشة..».

ونكمل في العدد القادم إن شاء الله.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل