; الطريق إلى إكمال الشخصية الإسلامية (٢من2) | مجلة المجتمع

العنوان الطريق إلى إكمال الشخصية الإسلامية (٢من2)

الكاتب منير أحمد الخالدي

تاريخ النشر الثلاثاء 10-يناير-1995

مشاهدات 6

نشر في العدد 1133

نشر في الصفحة 52

الثلاثاء 10-يناير-1995

مهما عانى الإنسان من تمسكه بدينه فلا بد أن يثبت ويتذوق حلاوة الإيمان

لا بد للملم من الاطلاع على الاتجاهات الضالة والأفكار الدخيلة ودراسة الفرق المنحرفة

بدون مجاهدة لا يستطيع الإنسان تغيير وضعه والتقدم نحو الأحسن

إن الشخصية التي نسعى إليها هي التي أرادها الله للإنسان ليمارس إنسانيته، وتتعامل أو تقترب من الكمال، وهي بلا شك الشخصية الإسلامية، ولقد تحدثنا في الحلقةالسابقة عن بعض هذه الصفات وهذه بقيتها.

5 - ثابتة على الحق:

 إن ذلك الإنسان الذي حقق الإيمان في نفسه ووصلها بالآخرة فابتعد عن الحرام ثم اعتز بدينه يدعوه هذا كله إلى أن يتمسك بهذا الحق، ولا يحيد عنه فلا تتذبذب نفسه ولا تتردد في أمر دينها.

قد يتحمس المرء في وقت ما فجأة أو بتأثير قراءة كتاب أو بسبب سماع موعظة فتزداد طاعته لله وينوي أن يتوب ويرجع إلى الله، ثم لا يلبث أن يعود وينطفئ حماسه.. أو تجده بين أقرانه - وهذه مرتبطة بالنقطة السابقة - يحابيهم ويجاملهم على حساب دينهفقد يأتي وقت صلاة، وهو معهم فيتردد في أن يقوم إلى المسجد.. فيجاملهم ويؤخر الصلاة..

إن الثبات على الحق من الصفات المهمة للشخصية المسلمة ودليل على القناعة الكاملة بسلامة المنهج الذي يطبقه الإنسان في حياته ودليل على كمال إيمان وصدق نية وحسن صلة بالله تعالى.

ومهما عانى الإنسان من جراء تمسكه بدينه واتباعه لنهج ربه فلابد أن يثبت ويتذوق حلاوة الإيمان التي تطفى على مرارة العذاب فقد يشاء الله تعالى - لحكم هو أعلم بها - أن يبتلى المسلم، وقد يصل الابتلاء إلى الفتنة في الدين فليس للمسلم الصابر المحتسب إلا أن يعض على معتقده والذي هو أثمن ما في الوجود.

ولنا في الرسول صلي الله وعليه وسلم وصحابته من بعده خير مثال لهذا فلنتخيل أننا رجعنا إلى عهدهم وها نحن في مكة نرى الاستهزاء والسخرية بشخص الرسول عليه الصلاة والسلام من صناديد قريش وها نحن نرى سلا الجزور يُلقى عليه وهو ساجد لربه.

ونشاهد هناك خباب بن الأرت توضع على رأسه حديدة محمية بالنار فيسقط مغشيا عليه.. وذاك بلال على صدره صخرة جاثمة في رمضاء مكة وهو يصيح أحد أحد.

ثم نرى هؤلاء الرجال يتركون المال والأهل والولد ويهاجرون في سبيل الله تلبية لأمر رسوله صلي الله وعليه وسلم هل أثناهم ذلك عن دينهم أو تراجعوا عن طريق الحق ودرب الهداية.. الإجابة ولا شك معروفة بل على العكس لقد ربتهم تلك الأحداث وأرسخت الإيمان في قلوبهم وليس هنا مجال تفصيل ذلك. 

ومثال آخر نعيشه ونعاصر أحداثه.. المسلمون في الجمهوريات السوفيتية - سابقًا - سبعون سنة يعيشون تحت قهر الإلحاد وظلم الشيوعية التي لا ترحم سجنوا وقتلوا وشُردوا.. وهُدمت المساجد وصودرت المصاحف.. كان يكفي أن يجدوا مصحفًا أو أي شيء يشير إلى الإسلام من قريب أو من بعيد حتى يقتل من يجدون ذلك عنده.. وبعد أن اندحرت الشيوعية وهجرها أصحابها ونادوا بالإصلاح على طريقتهم وبدأت نسائم الحرية تهب على أهل تلك الديار، وإذ بنا نفاجأ بأن المسلمين أو نسبة ليست بسيطة منهم مازالوا متمسكين بدينهم حافظين لكتاب ربهم متبعين نهج نبيهم صلي الله وعليه وسلم ومما سمعنا وقرأنا عن وسائل ذلك أنهم بنوا أو حفروا سراديب في الأرض يعلمون فيها أبناءهم كتاب الله ويفهمونهم دينهم الحق، وقد يظل المتعلم شهورا تحت الأرض لكي يتعلم ويحفظ.. 

أي ثبات هذا وأي تمسك بالدين بالرغم من جميع الصعاب والأخطار التي واجهوها.

 6- تهتم بما ينفع وتبتعد عنسفاسف الأمور ودناياها:

 اهتمام الشاب بسيارته بشكلها وبتنظيفها وتلميعها.. جمع الطوابع.. تربية الطيور.. التسكع والانتقال بالسيارة من مكان إلى آخر.. تشجيع الفرق والاهتمام غير الطبيعي بالرياضة ونتائج مسابقاتها.. متابعة الرائي «التلفاز» وما يعرض من غث وثمين.. امتلاء الأوقات بقيل وقال.. بالغيبة والنميمة ومزاح زائد عن الحاجة.. هذه أمثلة الأمور يهتم بها كثير من الناس، ولكن ما الفائدة التي يجنيها صاحبها منها.. هذا إن لم تكن عليه وبالًا وثبورًا يوم القيامة.

إن الإنسان الذي يريد أن يحقق الشخصية المسلمة في نفسه لابد له من اهتمامات متعلقة بما يرضى الله تعالى عنه وهذه هي قمة المنفعة الدنيوية والآخروية، ولا بأس باهتمامات أخرى تفيده في دنياه مع أنه إن أخلص العمل لله كسب بذلك أجرًا وإن كانعمل المباحات.

ويروي أبي بن كعب أنه كان رجل من الأنصار بيته أقصى بيت في المدينة فكان لا تخطئه الصلاة مع رسول الله ﷺ قال: فتوجعنا له فقلت له: يا فلان لو أنك اشتريت حمارًا يقيك من الرمضاء ويقيك هوام الأرض. قال: أما والله ما أحب أن بيتي مطلب ببيت رسول الله ﷺ «كناية عن قرب بيته ببيت الرسول ﷺ» قال: فحملت به حملًا حتى أتيت نبي الله ﷺ له فأخبرته قال: فدعاه فقال له مثل ذلك وذكر أنه يرجو في أثره الأجر فقال له النبي ﷺ «إن لك ما احتسبت مختصر» صحيح مسلم. 

تفكر يا أخي في حال هذا الرجل وبماذا اهتم.. بيته في أقصى المدينة ومع ذلك محافظ على جميع الفروض في المسجد «لا تخطئه الصلاة مع رسول الله ﷺ» وتذكر يا أخي كم صلاة فاتت عليك في المسجد خلال شهر واحد مع قرب المساجد وتوفر سبل المواصلات، ثم إن هذا الصحابي كان مهتمًا جدًا بكسب الأجر والثواب فلم يكن يحب أن يكون بيته ملاصقًا لبيت الرسول ﷺ ليس إعراضًا عنه ولكن طمعًا في أخذ حسنات مسيره من بيته إلى مسجد النبي ﷺ والذي كان بجوار بيته عليه الصلاة والسلام. 

فاهتمامات الإنسان المسلم في حرصه على صلاته في المسجد في صومه النوافل..قراءته لكتاب الله وقراءة الكتب النافعة... حضوره للمحاضرات والندوات.. دعوته إلى الحق وأمره بالمعروف مخالطته الرفقة صالحة تعينه على الخير زيارته لأقاربه وصلة رحمه.. إلخ.

7-حسنة الخلق:

لن أطيل في الكلام هنا عن الأخلاق ومنزلتها في الإسلام كفاها أن الرسولقال فيها: 

«ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذي» رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.

وسئل رسول الله ﷺ عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: «تقوى الله وحسن الخلق»رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.

 فالإنسان المسلم صادق.. أمين عفيف.. يعفو ويسامح.. يقابل السيئة بالحسنة، إذا خاصم لا يفجر يعامل إخوانه بما يحب أن يعامل هو.

8- أوابة إلى الحق:

ومن منا لم يخطئ سواء بحق الله تعالى أو بحق نفسه أو بحق خلق الله، وماذا بعد الخطأ إلا الرجوع والعودة إلى الحق.

إن كان خطأ بحق الله من ذنب أو معصية صغيرة كانت أو كبيرة فلابد من التوبة والإنابة إلى الله وكثرة الاستغفار واتباع السيئة الحسنة كي تمحوها وتزيل آثارها، إن من الخطأ أن يستمر الإنسان في خطيئته خصوصاً إن كانت في جنب الله بل يقلع عن هذا الاسم مباشرة ولا يستصغر شأنه حتى يستفحل أمره ويتمكن من النفس.

 يقول تعالى ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ (ق:31-33).

 فهذا مدح من الله تعالى وذكر الجزاء الأوابين العائدين إلى الحق المهاجرين لأخطائهم وسيئاتهم.

أما الخطأ إن كان بحق أحد من خلق الله، فلا تتكبر وتأنف نفس من تقديم الاعتذار والاستسماح من صاحب الحق ولا يجعلك الشيطان تتردد وتتراجع بل أقدم وأرغم نفسك على هذه الوساوس الشيطانية وتذكر أن من له حق عندك فسيقتصه منك إن لم يكن في الدنيا فبالآخرة حيث لا يفيد الندم ولا تنفع الحسرة. 

فالخطأ وارد مع نفسك ومع الناس وفي دينك وفي عملك ووظيفتك فلابد من متابعة للنفس ومراقبة ثم معاتبة ورجوع إلى الصواب والحق.

9- شخصية مثقفة:

أبو الحسن القطان المتوفى عام ٣٤٥هـ أحد العلماء الجهابذة يقول عنه أبو يعلى، أبو الحسن القطان شيخ عالم بجميع العلوم والتفسير والفقه والنحو واللغة.

قد لا نصل إلى أن نكون على هذا القدر من العلم والثقافة ولكن كي تكتمل شخصية الإنسان المسلم عليه أن يلم بقدر من الثقافة والعلم اللذان يجنيهما من القراءة، ومن حضور حلقات العلم ومصاحبته للصالحين وسماعه للأشرطة النافعة وما أكثرها وما أقلسامعيها.

إن للإنسان المسلم حظ من تعلم علوم القرآن كالتجويد والتفسير ولو بقراءة كتاب واحد من المختصرات في التفسير وقدر من علوم السنة وحفظ للأحاديث، كحفظ الأربعين النووية وقراءة كتاب رياض الصالحين وهذا أقل القليل، ثم عليه أن يتعلم الأحكام المتعلقة بما يجب عليه من أعمال وهكذا ينهل من العلوم الشرعية ثم يتخصص إن أراد بما يميل إليه قلبه ويراه أنفع له لمستواه وتفكيره.

ولكي تكتمل هذه الثقافة لابد من الاطلاع والتعرف على بعض الاتجاهات الضالة والأفكار الدخيلة ودراسة الفرق المنحرفة المعاصرة وقراءة ما يقال ضد الإسلام والمسلمين من أعدائهم الوثنيين، أو من اليهود والنصارى ومعرفة موقف الإنسان المسلم من هذا كله كما أنه لابد من المتابعة اليومية أو على الأقل الأسبوعية الأخبار العالم وخصوصًا العالم الإسلامي وذلك من خلال الجرائد والمجلات الإسلامية أو غيرها إن احتيج إلى ذلك.

10 – مجاهدة:

وهي من أهم الصفات التي تحتاجها الشخصية المسلمة بل هي الوسيلة لاكتساب كثير من المزايا التي ذكرت هنا أو المزايا والصفات الأخرى، فبدون مجاهدة لا يستطيع الإنسان أن يغير من وضعه ويتقدم نحو الأحسن فلكي تصبح مؤمنا حقا مبتعدا عن الحرام ثابتا على الحق متحليًا بأخلاق الإسلام صاحب ثقافة واعية لابد أن تجاهدنفسك وتجاهد هواك وتجاهد الشيطان إنسه وجنه.

يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ (العنكبوت: 69).

الرابط المختصر :