العنوان الطلاق مشكلة المجتمعات العربية.. نظرات على طريق الحل
الكاتب د. محمد أحمد عزب
تاريخ النشر السبت 01-سبتمبر-2018
مشاهدات 15
نشر في العدد 2123
نشر في الصفحة 20

السبت 01-سبتمبر-2018
الطلاق مشكلة المجتمعات العربية.. نظرات على طريق الحل
د. محمد أحمد عزب
أستاذ مشارك بقسم العقيدة بكلية العلوم الإسلامية - جامعة المدينة
رغم أن الطلاق أبغض الحلال إلى الله فإنه أصبح أقرب لنفوس بعض المتزوجين من ديمومة المودة
الأسرة هي البناء الأول في المجتمع، واستقرارها هو دليل استقراره ورسوخه وثباته في وجه التقلبات، والأسرة حارسة القيم، وغارسة المبادئ وحصن الأجيال، والرباط الزوجي بين الرجل والمرأة آية من آيات الله تعالى، قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً) (الروم: 21)، فلما كانت الزوجية من نفس النوع الإنساني؛ كان هذا أدعى للسكن والرحمة والمودة، بل علة اتحاد النوع هو تحقيق السكن والمودة والرحمة، قال تعالى: (لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم: 21)، ووصف التآلف الزوجي بأنه لباس؛ (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) (البقرة: 187)، واللباس هو السكن والراحة، وهي المعاني التي يجمعها رباط الزوجية.
في عصرنا الحديث تبث الإحصاءات والبيانات الحكومية الراصدة لحالة الأسرة في الوطن العربي أرقاماً مفزعة داخل الكيان الأسري، 60% من حالات الزواج في بعض الدول تنتهي بالطلاق، ثماني حالات طلاق في الساعة الواحدة ببعض دول العالم العربي، ومن بين خمس حالات زواج هناك ثلاث حالات طلاق.
وبهذا أصبح أبغض الحلال إلى الله أقرب لنفوس المتزوجين من ديمومة المودة والرحمة!
يتساءل المرء: وماذا بعد؟ فالأوضاع الاجتماعية التي صارت عليها مجتمعاتنا اليوم لم تعد كما كانت بالأمس، فالعلاقة الزوجية مع انهيارها يترتب عليها خصومة قد تصل لحالة القطيعة والحرابة، وقطيعة عائلية بين المتلاحمين بالأمس القريب، تصل لمرحلة الانفصام التام، ويتشتت الأطفال وتضيع أهم ركائز المثل العليا في حياتهم، صحيح أن الطلاق قد يكون ضرورة في بعض الأحيان لتستقيم الحياة، لكنه يظل ضرورة لا يتجاوزها أبداً، ناهيك عن أثر الطلاق على البناء المجتمعي ككل، وتأثيره السلبي على عملية النمو والتقدم للدول.
لماذا الطلاق؟
لماذا الطلاق؟ سؤال يحتاج إلى مكاشفة ومصارحة مجتمعية بين أفراد المجتمع، فبعضهم يتناسى الأسباب الحقيقية للطلاق، ويعود به إلى أسباب ليست هي المسببة له، وحينئذ تفرض القوانين التي تزيد الأمر سوءاً، والحياة تعقيداً وصعوبة.
إن مسؤولية الطلاق مسؤولية مشتركة بين الطرفين، ومسؤولية استمرار الحياة هي قاسم مشترك بين الرجل والمرأة، ولا يمكن إلقاء اللوم على المرأة وحدها أو الرجل وحده في تحمل نتيجة انهيار الحياة الزوجية.
إن ضريبة الطلاق باهظة، وتتحمل أكثرها المرأة بفعل الثقافة السائدة في المجتمعات العربية، وإن شئنا قلنا: المرأة أولاً، والأولاد ثانياً، ويقع الجزء الأقل على الرجل غالباً.
لكن لا بد للعودة للجواب عن السؤال؛ الذي يعود في بعض جوانبه للقصور المجتمعي في تعليم وتثقيف المقبلين على الزواج بطريقة وثقافة التعايش الزوجي، فالفتاة تذهب لبيت الزوجية وهي لا تعرف إلا معلومات يتداولها المجتمع، بعضها صواب والآخر دون ذلك، فضلاً عن تصورات قاصرة عن الحياة الزوجية لا تؤهلها لدور الزوجة، والأم تخجل من عملية المكاشفة بينها وبين ابنتها المقبلة على الزواج، وتتركها تواجه حياتها بنفسها، اللهم إلا أن تلقي في روعها حقوقها في المطعم والملبس والرفاهية تجاه زوجها، فضلاً عن تصور الحياة الزوجية أنها ندّية وليست رحمة وسكناً ومودة، أو تصورها على أنها رؤوس تطاول رؤوساً! أما التبصير بالحقوق الواجبة عليها تجاه زوجها، وتجاه أهله الذين يمثلون ركيزة في حياته فلا تقيم له اعتباراً، ثم تتركها تواجه مصيراً يخضع للتصرفات الوقتية، وتصبح المعالجات والتقويمات وقتية خاضعة للظروف التي قد لا تواتي أبداً لتدارك شرخ الانفصام.
من الأخطاء التي يعيشها واقع المرأة العربية وتؤدي للطلاق ثقافة الاستهلاك التي أصبحت تشكل الركيزة التي تدور حولها في حياتها، ولا تبحث عن غيرها، فهي تريد أن تسبق أترابها في كل مظهر وفي كل أثاث.
من الأخطاء أن تفاخر المرأة بعملها أو بما تحمل من شهادات زوجها، وتجهل أنها مهما بلغت هي في نظر زوجها زوجته حتى لو حازت أعلى المناصب أو أحطّها، وعليها أن تراعي أن هذا أمر لا يمكن تجاوزه، ليس أدل على هذا من أن أحاسيس الأمومة تشترك فيها النساء لا فرق بين أمومة الوزيرة والمسؤولة وأمومة العاملة الكادحة، فكذا شعور الزوجية عند كل زوج لكل زوجة.
المرأة تخرج من بيت أبيها وهي فتاة مدللة، إلى بيت زوجها، فتتحول إلى امرأة مسؤولة راعية، بطبيعة الحال لن يلبي لها زوجها كل ما تريد شأن أبيها، ولن يصبر على إهمالها كأمها، وحين تقارن الفتاة الزوجة بين دلال الأب والأم وحساب الزوج واحتياجاته ولا تعرف دورها الجديد يقع الشقاق، قد تتصور الفتاة أن الحياة الزوجية قصة حب حالمة لا تعتريها منغصات، ونزهة على شاطئ تستنشق فيه النسيم، فإذا خرجت الحياة عن هذا وقع النفور والشقاق.
تتحول بعض الزوجات بعد إنجابها من الجمع بين حياة الزوجة والأم إلى الاقتصار على دور الأم، ويُنسيها ولدها الذي خرج من أحشائها منذ أيام أنها زوجة في الأساس، يحتاج لها زوجها كما يحتاج لها ولدها، فهي تتصور أن رعاية الطفل هي رعاية لأبيه، حتى لو أهملت حقوق أبيه التي فرضها الله له عليها.
ويبدو أن هذه الظاهرة مشكلة قديمة ضاربة في عمق الزمن بطول الأمصار، فهذه أم زوجة الإمام الشعبي تزوره بعد مضي عام من زفافه بابنتها، فتقول له تعقيباً على ثنائه على ابنتها: «أبا أمية، إن المرأة لا يرى أسوأ حالاً منها في حالتين، قلت: وما هما؟ قالت: إذا ولدت غلاماً أو حظيت عند زوجها» (المستطرف في كل فن مستطرف، ص 459)، فكأن المرأة تظل في أنوثتها الكاملة حتى يعرض لها ما سلف، فإذا عرض فربما تبذلت في مظهرها فيقع منها نفور كان يمكنها تلافيه.
فلتقف الزوجة عند هذا القول طويلاً، لترى المساحة التي تقف فيها، وستدرك أنها ما صنعت هذا يوماً طول حياتها، يناقش النبي صلى الله عليه وسلم حدود العلاقة بينه وبين أم المؤمنين فيقول لها: «إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت عليَّ غضبى» قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: «أما إذا كنت عني راضية، فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت عليَّ غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم»، قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك» (متفق عليه).
فانظر إلى تلك المشاعر الفياضة التي يجلس فيها النبي إلى عائشة ليحدثها عن حدود ما بينهما من علاقة، وانظر إلى أم المؤمنين ما هجرته إلا وصالاً؛ فأحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم جده الخليل عليه السلام؛ لأنه أولى الناس به، فعادت إليه في غضبها من أحب الناس إليه.
حين نعود للزوج نجد تصوره للقوامة نوعاً من نزغات الجاهلية العمياء، كأنه اشترى أَمَة يملكها بملك اليمين، وهذا خلل بالغ في فهم واجب وتكليف هو صاحبه، من أخطاء الزوج رعاية حق الأهل وتعطيل حق الزوجة، ومن أخطائه التبسط مع الناس من حوله والصرامة والشدة مع أهله وزوجته، من أخطائه الزراية بزوجته وتحميلها فوق ما تطيق، أو ذكر الأخريات أمامها تنقيصاً لها أو تقليلاً من شأنها.
يشترك الزوجان في بعض العلل، كترك مساحة للأهل للتدخل بينهما مما يمكن أن يحل بدونهم، ولا تتسع بتدخلهم شقة الخلاف، ومنها خروج أسرار البيت وأموره من الزوجين لمن يجب ألا تخرج له تلك الأسرار، ومنها إهمال كل طرف للآخر، حتى ينشأ بينهما الخرس الزوجي، يتحدث الزوج مع أصدقائه ساعات طويلة، وتتحدث الزوجة في هاتفها ساعات طويلة، فإذا تجالسا غدت جلستهما كأنهما في مجلس من مجالس الصمت، أو كأن على رؤوسهما الطير.
ماليزيا والتجربة الفريدة
في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، بلغت نسبة الطلاق في ماليزيا 32%، وهي نسبة مفزعة، لا يمكن لدولة تبغي الريادة أن تتركها، هنا استعان رئيس الوزراء الماليزي بالخبراء، فحددوا مكمن المشكلة في فقر الثقافة الزوجية بين الأزواج الجدد، ووضعوا برنامجاً لتعليم هذه الثقافة، وألزموا كل مقبل على الزواج من الطرفين الحصول على هذا البرنامج فيما عرف بـ «رخصة الزواج»، يُعطى الموظف شهراً كاملاً إجازة من عمله للحصول عليها، ولم تمض سنوات قليلة حتى انخفضت النسبة إلى 10% ثم انخفضت إلى 7% بعد حين! لتصبح ماليزيا هي الأقل على مستوى العالم في معدلات الطلاق.
إن الأمر يحتاج إلى جهد مؤسسي حقيقي لدرء خطر التشرذم المجتمعي الناتج عن ارتفاع معدلات الطلاق، الذي تدفع فيه المرأة العربية القسم الأكبر من سعادتها وبسمتها، وتصبح في نظر نفسها كلأ يقف عليه الذباب من كل حدب، إذ لا بد من وضع برنامج من علماء الدين وعلماء الاجتماع وخبراء التربية وعلم النفس، يلتزم بتعلمه كل راغب في الزواج، وأن يكون ملزماً لطرفي الزواج بالحصول عليه واجتيازه.
فالمشكلة خطيرة، والحل ميسور، وخطبة الجمعة ومجالس الوعظ لن تحل ولن تفلح في كبح جماح التفكك الذي تتحول فيه المرأة إلى مطلقة في مجتمع تشبع بثقافة الزراية بمن تتعرض له.>
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

