; العالم العربي.. هل لا يزال لديه بعض الثقة في المنظمات الدولية؟! | مجلة المجتمع

العنوان العالم العربي.. هل لا يزال لديه بعض الثقة في المنظمات الدولية؟!

الكاتب د. عبد الله الأشعل

تاريخ النشر السبت 14-مارس-2009

مشاهدات 15

نشر في العدد 1843

نشر في الصفحة 20

السبت 14-مارس-2009

لو أعطى البشير واشنطن ما تريد لسعت لمنحه جائزة نوبل للسلام

بدأ العالم العربي ينظر إلى مصطلحات «القانون الدولي»، و«الأمم المتحدة»، و«المجتمع الدولي بعين الشك، فهو يعلم أن مبادئ القانون الدولي وضعتها الدول الغربية، ولكنه بدأ يدرك أخيراً أن العالم في حقيقته ينقسم إلى أقوياء وضعفاء، وإلى شمال وجنوب وإلى سادة وعبيد، وأن الأشكال المختلفة التي سادت العلاقات الدولية طوال القرنين الأخيرين قد أقنعت العالم العربي بأن نظرية الصراع هي التي تحكم علاقات الدول وأن الصراع يتطلب أوراق القوة، وأن العالم العربي لديه كل أوراق القوة ولكنه لا يستطيع - استخدامها ، فأصبح الغرب يحصل على مصالحه في العالم العربي دون مقابل سياسي!!

السفير د. عبدالله الأشعل

العالم العربي.. هل لا يزال لديه بعض الثقة في المنظمات الدولية؟!

العلاقة بين الغرب والعالم العربي والإسلامي لا يزال يحكمها تراث قديم ذو صبغة دينية مهما حاولنا أن نهمل هذا التصنيف

«المارق» هو من تحدده الولايات المتحدة وتتهمه بما يسمى «الإرهاب»... فيصبح الرجل إرهابيا ويمسي مقاوما إذا قررت واشنطن ذلك!

ومن الواضح أن العلاقة بين الغرب والعالم العربي والإسلامي لا يزال يحكمها تراث قديم ذو صبغة دينية، مهما حاولنا أن نقلت من هذا التصنيف الثنائي.. وفي الوقت نفسه، حاول العالم العربي أن يندمج في مؤسسات المجتمع الدولي دون أن يدرك أن العالم العربي - وإن ساهم مؤخرا مع الدول الغربية في وضع قواعد القانون الدولي - إلا أنه لا يملك القوة والقدرة على تطبيق هذه القواعد لصالحه وهناك الكثير من العوامل التي تدفع العالم العربي إلى التوقف لتبصر الموقف، فقد لاحظ العالم العربي والإسلامي أن الصراع الأمريكي - السوفييتي في أفغانستان أدى إلى استغلال الغرب للعالم الإسلامي للقضاء على الإمبراطورية السوفييتية، ولم يعدم الشعارات البراقة التي أغرت شباب العالم الإسلامي بالانخراط في صفوف معركة الغرب ضد الاتحاد السوفييتي، تارة بأن الإسلام والنصرانية أديان توحيد، وأن الصراع بين الموحدين والمؤمنين والملحدين وتارة أخرى بأنه صراع بين الحق والباطل دون أن يدرك العالم الإسلامي أن في المقولة طرفين أولهما يمثل الحق وهو العالم الإسلامي وأفغانستان، والآخر يستغل الظرف كعادته!

محور القضية

وعندما هاجمت القوات الصهيونية مقرات وكالة «الأونروا» التابعة للأمم المتحدة في غزة مرات عدة، حتى خلال وجود الأمين العام للمنظمة بان كي مون في «تل أبيب»، فإن العالم لم يحرك ساكنا بعد أن أصبح مجلس الأمن مشلولا عن اتخاذ أي عمل ضد الكيان الصهيوني ولكنه يتحرك بقوة لتعقب العالم العربي.

وكان آخر فصول هذه المأساة توظيف «المحكمة الجنائية الدولية» المساعدة مجلس الأمن في هذه المهزلة، فأصبحت المحكمة أداة أنيقة لاتهام من يجرؤ على الممانعة فنشأت محكمة خاصة بلبنان بشعار واضح، وهو تطويع حزب الله وسورية بالقانون، فيظن المراقب أن القانون الدولي سيف مسلول على المارقين، ولكنه لا يعلم أن المروق مصطلح غربي، وأن المارق هو من تحدده الولايات المتحدة، وتتهمه بما يُسمى «الإرهاب»، فيصبح الرجل إرهابيا، ويمسى مقاوما، إذا قررت واشنطن ذلك! ولذلك، فإن محور القضية هو الرغبة الغربية في الهيمنة وخاصة من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا التي يتم توزيع الأدوار بينها بما ينسجم تماماً مع المشروع الصهيوني، ولهذا يشهد العالم العربي الإسلامي هجمة جديدة بالقانون الدولي من خلال المنظمات والمحاكم الدولية.. وحسب هذا المفهوم، فإن الرئيس السوداني «مجرم ويجب محاكمته بسبب جرائمه في دارفور»، ولكنه إذا قدم للولايات المتحدة ما تريد فسوف تسعى «واشنطن» للحصول له على جائزة نوبل للسلام، تماما مثلما تحوّل «مناحم بيجين» - زعيم عصابة «الهاجاناه» - من زعيم عصابة ساهمت في إنشاء الكيان الصهيوني، إلى رجل سلام لأنه وقع معاهدة مع مصر.

مؤامرة واضحة

المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قرر ملاحقة الرئيس عمر البشير رغم هشاشة الاتهامات الموجهة إليه، وعدم وجود أساس قانوني للملاحقة، بينما تغاضى عن جرائم القيادات العسكرية والسياسية الصهيونية، رغم تقديمها موثقة من أكثر من ٣٥٠ منظمة دولية، كما رفض من قبل التحقيق في جرائم الولايات المتحدة في العراق وفي قضية البشير، تبدو المؤامرة واضحة، فمجلس الأمن الذي يفترض أن يحافظ على الأمن الدولي لا يتورع - عندما يتعلق الأمر بالدول العربية، ومنها السودان - أن يعمل على زعزعة الأمن في هذه المنطقة، وقد أصبح قرار القبض على البشير هو الطلقة الأخيرة في هذه المؤامرة. 

وفي ضوء هذه الخبرة الطويلة من تعامل العالم العربي مع المنظمات الدولية ومع القانون الدولي، أعتقد أنه قد أدرك أنه القانون «القائم», ولكن الذي يستفيد منه هو القوي، وأن الضعيف هو الذي ضعفت إرادته، وانحلت عزيمته، وتفرقت صفوفه وانقطعت صلته بحقه، فأبعده الوهن عن مناصرة الحق فأصبح الغرب يتحكم في مصيره ويهجم على دينه، وعلى رموزه، وعلى هويته حتى يفقد احترامه للرموز والعقيدة، كما يكفر بقيمه التي تستخدم هذه المنظمات كأدوات لتحطيمها تحت ستار «العولمة».

أداة في يد الكبار!

أعتقد أننا قد وصلنا اليوم إلى مرحلة بدأ فيها الكثيرون يتساءلون عن جدوى استمرار عضوية العالم العربي في الأمم المتحدة مادام مجلس الأمن أصبح أداة فعالة للسيطرة وبعد أن توافقت الدول دائمة العضوية على مصالح واحدة فأصبح أداة لدعم القوي ضد الضعيف وقد لاحظ العالم موقف مجلس الأمن إزاء القضية الفلسطينية، وكيف أن التلويح بما يسمى عملية السلام، قد خدر العالم العربي، ولاسيما بعد أن أصدر مجلس الأمن قراراً يؤكد فيه هيمنة التسوية من خلال إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب الكيان الصهيوني، بينما يساعد المجلس على تقويض أي أمل في قيام هذه الدولة، لأنه يأتمر بأمر الولايات المتحدة التي يسيطر الصهاينة على قرارها!

فإذا كان المجلس أداة في يد الكبار فلماذا لا ينسحب العالم العربي من المنظمة الدولية حتى لا يتم قهره من خلال مجلس الأمن، تحت ستار الطابع الإلزامي لقراراته التي لا تلزم سوى الدول العربية؟ هذا السؤال يطرح بشدة خصوصا هذه الأيام، وقد رأى البعض إنشاء منظمة جديدة لدول العالم الثالث، وإنشاء مجتمع دولي من هذه الدول. في دعوة إلى الصراع المكشوف والمفتوح بين الشمال والجنوب مادامت دول الشمال لا تزال تتصرف بعقلية «المستعمر»!

ويرى البعض أن قدرات العالم الثالث الاقتصادية والطبيعية هي مصدر غنى الغرب، فإذا حجب الجنوب ثروته، وتصدى الدول الشمال فإنه يستطيع أن يغير معادلة العلاقات الدولية.. ولكن هذا الرأي صحيح من الناحية النظرية فقط، لأنه لا يمكن فك الاشتباك بين الشمال والجنوب في جميع الساحات رغم الإدراك المتزايد من أهل الجنوب بمدى الظلم الذي يعانون منه.

كما أن الغرب عمد إلى إفساد حكوماتهم، وخلق مصلحة وهمية لهؤلاء الحكام عند الغرب، وهي فتات من خيرات الجنوب تلقى للحكام، مقابل أن يتمكن «المستعمر» الغربي من نهب ثروات الجنوب ويبقى الشعب يعاني من التخلف والفقر والجهل والمرض، بينما تزداد المسافة بين الحاكم والمحكوم في العالم الثالث!.

مفترق طرق!

ولم يعد هناك شك في أن المبادئ البراقة - مثل العدل والقضاء وحقوق الإنسان، والاعتبارات الإنسانية - قد تلطخت بدماء العالم الثالث، وأنها استخدمت واستغلت استغلالاً غير أخلاقي، ودفع الجنوب إلى الاعتقاد بقدسية هذه المبادئ فطعن في مقتل وهو لا يزال يعتقد في هذه القدسية.

خلاصة القول: إن العالم العربي يقف الآن على مفترق الطرق بعد أن تمكن الصهاينة من تشويش الرؤية أمامه، ووصل التناغم إلى درجة الاندماج الكامل في مشروع واحد يتقدم وسط هالة كبيرة من التضليل الإعلامي والسياسي والقهر النفسي.. ولذلك، فإن العجز العربي أمام الغرب لا يمكن تفسيره إلا في ضوء حرص الغرب على توفير مناخ هذا العجز، ولا أظن أن العالم العربي سوف يعثر قريبا على الطريق الصحيح المؤدي إلى نجاته إلا عند ظهور جيل جديد ممن هضموا هذه الحقائق، وحباهم الله القدرة على قيادة عالمهم ضد هذه الموجة الجديدة التي لا تقل قسوة وخطورة عن الموجه الأولى في نهايات القرن الخامس عشر الميلادي التي شهدت انهيار الإمبراطورية الإسلامية العربية في «الأندلس»، ودخول المنطقة العربية تحت وطأة الاستعمار الغربي المباشر!.

الرابط المختصر :