; العالم الإسلامي هو المسئول عــن تسلحينا ودعمنا | مجلة المجتمع

العنوان العالم الإسلامي هو المسئول عــن تسلحينا ودعمنا

الكاتب أحمد منصور

تاريخ النشر الثلاثاء 10-يناير-1995

مشاهدات 8

نشر في العدد 1133

نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 10-يناير-1995

حوار

أيوب جانيتش - نائب رئيس البوسنة والهرسك- لـ «المجتمع»:

العالم الإسلامي هو المسئول عــن تسلحينا ودعمنا

الروس يسكرون مع الصرب.. والفرنسيون والبريطانيون لا يحمون سوي أنفسهم 

 نحن الدولة الإسلامية الوحيدة في قلب أوروبا فقد سمحت أوروبا بإقامة حرب إبادة ضدنا

رغم وجود ستة ملايين مسلم في فرنسا وبريطانيا وعدة ملايين أخرى في باقي أوروبا إلا أنهم ليس لهم ممثل واحد في برلمانات هذه الدول

ليس أمامنا سبيل سوى الحصول على السلاح وتقوية أنفسنا حتى نضمن البقاء ومواجهة حملة الإبادة ضدنا

حاوره في سراييفو: أحمد منصور

يعتبر نائب الرئيس البوسني أيوب جانيتش من صناع القرار الرئيسيين في الأحداث الدائرة في البوسنة والهرسك، وذلك في ظل تكليف الرئيس البوسنوي علي عزت بيجوفيتش له بمتابعة عدة ملفات هامة من بينها ملف الأمم المتحدة وملف الكروات؛ حيث اختير جانيتش في يونيو الماضي ١٩٩٤م، نائبًا لرئيس الاتحاد الفيدرالي بين المسلمين والكروات الذي تم تشكيله بضغوط أمريكية ليشكل وحدة فيدرالية في المناطق المسلمة الكرواتية المشتركة ضمن إطار جمهورية البوسنة والهرسك الَّتي يرأسها الرئيس بيجو فيتش، والتي تعتبر الممثل الشرعي الشعب البوسنة والهرسك في المحافل والمنتديات الدولية، وقد كان لأيوب جانيتش، ولا زال بصمات بارزة في المهمات الَّتي أو كله بها الرئيس بيجوفيتش، ولذلك فقد سعينا للقائه والتعرف منه على آخر المستجدات فيما يتعلق بالملفات المكلف بها والتطورات والرؤى المستقبلية لما يدور على ساحة الأحداث في البوسنة والهرسك.

 وقد التقيت به في مكتبه في قصر الرئاسة بالعاصمة البوسنية المحاصرة سراييفو ودار هذا الحوار:

المجتمع: ما الأسس الَّتي قامت عليها الفيدرالية المعلنة بين المسلمين والكروات والَّتي تم اختيارك نائبًا لرئيسها إلى جوار منصبك الأساسي كنائب لرئيس جمهورية البوسنة والهرسك؟

جانيتش: يمثل دستور هذه الفيدرالية الذي تم إعداده بمساعدة أمريكية صورة لدولة ديمقراطية تقوم على أساس فيدرالي في مجموعة من المقاطعات، وهذا الدستور مبني على درجة عالية من الحكم الذاتي لتلك المقاطعات، وهو نظام رئاسي يشكل من الرئيس ونائب الرئيس ورئيس للحكومة الفيدرالية.

 وهذه الفيدرالية تنظم الأمور الحياتية والمعيشية في جزء من دولة البوسنة والهرسك وذلك في المناطق السكنية المشتركة بين المسلمين والكروات، وبالتالي فإن الفيدرالية هنا هي كيان داخلي ضمن نطاق جمهورية البوسنة والهرسك المعترف بها دوليًا والممثلة في المحافل الدولية وليس كيانًا مستقلًا، أما الأجزاء المحتلة منها والواقعة تحت أيدي الصرب فإننا سوف نواصل القتال من أجل تحريرها - إن شاء الله-.

ورغم وجود كثير من المشاكل في النظام الفيدرالي المعلن بيننا وبين الصرب إلا أننا نسعى لتطبيق دستور الفيدرالية في المناطق الَّتي يجب أن يتم تطبيقه فيها، لأن هدفنا أن تكون الفيدرالية مرحلة لإعادة السلطة إلى كل أجزاء جمهورية البوسنة والهرسك.

المجتمع: ما أهم المشكلات الَّتي لا زالت قائمة بينكم وبين الكروات فيما يتعلق بالفيدرالية؟

 جانيتش: نحن نلح على ضرورة عودة المهاجرين المسلمين إلى بيوتهم وأراضيهم في المناطق الَّتي تخضع لسيطرة الكروات، كذلك نطالب بضرورة انتخاب سلطات محلية في المناطق التابعة للفيدرالية. كما نطالب الكروات بضرورة تطبيق دستور الفيدرالية في المناطق الخاضعة للجيش الكرواتي مثلما يتم تطبيقه في المناطق الخاضعة السيطرة جيش البوسنة المسلم، ففي المناطق الَّتي تتبع الفيدرالية ويسيطر عليها المسلمون يتم تطبيق دستور الفيدرالية بالكامل، أما المناطق الَّتي تخضع لسيطرة الجيش الكرواتي فإني اعتقد أن نسبة تطبيق قانون الفيدرالية بها لا تزيد عن 20%.

المجتمع: إذن ما استفادة المسلمين من الفيدرالية المعلنة بينهم وبين الكروات؟

جانيتش: لا شك أننا استفدنا من الفيدرالية المعلنة بيننا وبين الكروات من أوجه عدة من أهمها انتهاك المعارك بيننا وبين الكروات، تلك المعارك الَّتي اندلعت بضراوة بيننا وبينهم في عام ١٩٩٣م. وبالتالي فقد خف الضغط العسكري على قواتنا وأصبحنا نقاتل الصرب فقط، ومن ثم فقد أصبح هناك تركيز في معاركنا مع عدو واحد، هذه هي الميزة الكبرى من الفيدرالية، أما الامتيازات الصغرى فمن أهمها فتح الطرق بيننا وبين كرواتيا، وكذلك الطرق داخل البوسنة في المناطق الَّتي يسيطر عليها الكروات والمسلمون، وهذه ميزة كبيرة لدولة محاصرة وتحارب عدوا يلقى الدعم من كل مكان منذ ثلاث سنوات.

 المجتمع: إذن ما تصورك المستقبل الفيدرالية في ظل الشكوك والعوائق الَّتي تهدد استمراريتها؟

جانيتش: نحن نأمل بأن تسير الفيدرالية إلى الأمام، لكن لا نعلم ما مدى السرعة الَّتي يمكن أن تسير بها، فنحن المسلمين البوشناق الوحيدون هنا في قلب أوروبا، وقد سمح المجتمع الدولي بإقامة حرب إبادة ضدنا لأننا مسلمون، ولو كنا مسيحيين كانوا قد منعوا هذه الإبادة وتدخلوا لإيقافها، وبالتالي فإننا نضطر لقبول كثير من الضغوط الدولية علينا لضمان بقائنا وإيقاف حرب الإبادة ضدنا، وقد أخذنا العبرة من كل ذلك بضرورة تأسيس جيش خاص بنا للدفاع عن أنفسنا بعدما اتضحت المؤامرة الدولية على شعبنا، وقد وصل تعداد جيشنا الآن أكثر من ۲۳۰ألف جندي، ورغم أن هذا الجيش لا يملك الأسلحة أو المعدات العسكرية الَّتي تخوله تحرير البلاد من المعتدين الصرب إلا أننا سوف نستمر في الدفاع عن بلادنا وسوف نحاول أن نحصل على السلاح بكل الطرق المتاحة حتى يكتب الله لنا النصر على أعدائنا وتحرير بلادنا.

 

المجتمع: بصفتك نائبا لرئيس جمهورية البوسنة والهرسك ما هو تقييمك للسلوك الدولي تجاه الأحداث الجارية في البوسنة والهرسك؟

جانيتش: هناك عاملين مهمَّين يحركان تصرفات الدول الكبرى في المجتمع الدولي هما: المصالح الاقتصادية، والترابط الديني، وكلا العاملين ليسا في مصلحتنا نحن مسلمو البوسنة، فدولتنا ليس بها نفط ولا يوجد بها موارد استراتيجية أخرى تدفع الدول الكبرى للاستفادة من هذه الموارد، كما أننا مسلمون نقيم كيانا مسلما في قلب أوروبا المسيحية، وأنتم تعرفون جيدًا ما حدث لمسلمي إسبانيا فرغم أنهم أقاموا دولة زاهرة هناك استمرت ثمانية قرون أبيدت دولتهم، ومحت هويتهم، وطردوا وشردوا من قلب أوروبا، والآن أصبحنا نحن الكيان المسلم الوحيد في قلب أوروبا، فرغم وجود ملايين من المسلمين في الدول الأوروبية المختلفة إلا أنهم ليس لهم كيان رسمي أو ممثلين في برلمانات هذه الدول وحكوماتها، ففي فرنسا يوجد أربعة ملايين مسلم ورغم ذلك لا يوجد منهم حتى عضو في مجلس بلدية باريس فضلًا عن أن يكون لهم ممثلين في برلمان فرنسا أو حكومتها، وفي بريطانيا يوجد مليونين أو أكثر من المسلمين لا يوجد ممثل واحد لهم في البرلمان البريطاني، فنحن السلطة الوحيدة المسلمة في قلب أوروبا والحرب علينا من كل جانب بلا هوادة فيها، ونحن نقف وحدنا نستند إلى الله وحده، وتحاول أن نبقي على أنفسنا هنا ونحمي أنفسنا بكل الطرق والوسائل المتاحة، فإذا كانت الدول الأوروبية الَّتي يصل عدد المسلمين فيها إلى أكثر من خمسة عشر مليونا، تعرقل أن يكون للمسلمين ممثلين في المجالس النيابية أو حكومات تلك الدول، فما بالك بموقفهم من سلطة مسلمة ودولة إسلامية تقع في وسطهم، وعلى هذا فإننا نعتقد أن مسئولية دعمنا وتقوية حكومتنا وتسليحنا بأحدث الأسلحة تقع على عاتق الدول الإسلامية والعالم الإسلامي، وليس على عاتق الغرب كما يعتقد البعض، لأن مسألة البوسنة هي اختبار للوحدة الإسلامية والتضامن الإسلامي في العالم كله، فإذا كانت الدول المسيحية تعلن الأحلاف والدعم العلني لبعضها بعضًا دون مواربة فلماذا يقف العالم الإسلامي منا هذا الموقف؟

المجتمع: بصفتك مكلفًا بشكل مباشر من الرئيس البوسني بمتابعة ملف الأمم المتحدة في البوسنة، ما تقييمك للدور الذي تقوم به الأمم المتحدة هنا في البوسنة والهرسك؟

جانيتش: دور الأمم المتحدة هنا محصور بتصرفات البريطانيين والفرنسيين الذين يشكلون أغلبية القوات الأممية في البوسنة، ومن ثم فإن قادة القوات الأممية يكونون إما فرنسيين أو بريطانيين، وهؤلاء يطبقون بالدرجة الأولى سياسة بلادهم تجاهنا وبالدرجة الثانية يطبقون سياسة الأمم المتحدة، وكلا السياستين ليس فيهما إنصاف لنا.

فمجلس الأمن لم يسمح بوجود قوات من الدول الإسلامية هنا إلا قوات رمزية، على الرغم من استعداد دول إسلامية لإرسال أعداد كبيرة من قواتها إلا أن وجود أغلبية لقوات من دول إسلامية هنا يعني أن تصبح قيادة قوات الأمم المتحدة منها، وهذا يعني تقليص دور فرنسا وبريطانيا، وهذا ما ترفضانه وتقومان مع باقي الدول الأعضاء في مجلس الأمن بعرقلة أية خطوة تؤدي إلى زيادة أعداد القوات الأممية من الدول الإسلامية.

إن قوات الأمم المتحدة هنا لا تفعل شيئًا، ونحن نقول لهم نحن نريد السلاح لندافع عن أنفسنا ما دمتم لا تدافعون عنا وهذا هو ما نقوم به الآن؛ حيث نسعى لتقوية وتنظيم أنفسنا من الداخل وقد أصبح لدينا -والحمد لله- الآن القوة الكافية الَّتي تعيننا على البقاء.

المجتمع: هل سجلتم مواقف وتصرفات السلوك القوات البريطانية أو الروسية يثبت انحيازها ضد المسلمين في البوسنة؟

 جانيتش: ماذا أقول لكم.. فالحقيقةُ مُرَّةً .. مُرَّةً جدًا.. فالروس يقيمون حفلات الشراب ويسكرون مع الصرب، أما البريطانيين والفرنسيين فهم لا يقومون بشيء سوى حماية أنفسهم ولا يقومون بأي دور في حماية شعب البوسنة المسلم أو الرد على مصادر النيران الصربية، وقد تحدثت كثيرًا مع الموفد الأممي ياسوشي أكاشي كثيرًا في هذه التصرفات، لكنني أصبحت من كل هذه التصرفات على قناعة بشيء واحد فقط هو أن نصبح أقوياء، وحينما تكون أقوياء سوف نجبر الجميع على احترامنا. 

المجتمع: في الختام ما هي في تصورك سيناريوهات المستقبل للحرب الدائرة في البوسنة والهرسك الآن؟

جانيتش: نحن سنحاول الوصول إلى السلام عن طريق المفاوضات لكننا في الوقت نفسه يجب أن نقوي أنفسنا من الناحية العسكرية وأن نستعد لخوض حرب طويلة مع الصرب لإجبارهم على القبول بالسلاح والانسحاب من الأراضي المغتصبة من جمهورية البوسنة والهرسك، فإذا لم تؤد محادثات السلام إلى حصولنا على الحد الأدنى من حقوقنا فإني أتوقع حربَ استنزاف طويلةً في البوسنة.

إنني اعتقد أنه لو كانت لدينا أسلحة وعتاد قوي لانتهت الحرب من مدة وبنتائج أفضل بالنسبة للمسلمين لأنك إذا نظرت في تاريخ الحروب كلها والمفاوضات الَّتي اعقبتها تجد أن القوة العسكرية لكل طرف لها دورها في حصوله على مزيد من المكاسب، أما إذا كان هناك طرف قوي مثل الصرب ويلقى الدعم من كل مكان، وطرف غير مسلح ومفروض عليه الحصار الدولي مثلنا نحن المسلمين فلاشك أن الصرب سينتصرون في المفاوضات، وهم يقولون لنا ذلك بصراحة ووضوح في المحادثات الَّتي تتم عبر وسائل إعلامهم يقولون نحن أقوى تسليحًا منكم ولذلك فقد قمنا باحتلال أرضكم واغتصاب نسائكم وحرق بيوتكم وسلب أموالكم.

ونحن نرد عليهم قائلين: لقد فعلتم ذلك لأننا لم نكن نمتلك السلاح الذي ندافع به عن أنفسنا لكننا لن نتنازل عن الثأر منكم واستعادة ما اغتصبتموه من بلادنا وأرضنا، لكن ليس بالطريقة الَّتي قمتم بها فنحن مسلمون لنا أخلاقنا في الحروب الَّتي تبتعد تماما عن الأساليب البشعة الَّتي قمتم بها من اغتصاب النساء وحرق البيوت وجرائم الحرب الأخرى، فإسلامنا يمنعنا من القيام بذلك ونحن في موقع القوة ولكننا - إن شاء الله - سوف نقضي على جنودكم وقواتكم العسكرية.

الرابط المختصر :