العنوان العالم الإسلامي يحترق وينهار
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 12-أكتوبر-1982
مشاهدات 16
نشر في العدد 590
نشر في الصفحة 4
الثلاثاء 12-أكتوبر-1982
الافتتاحية:
على امتداد الخارطة الإسلامية.. لنقف برهة نتأمل بأناة وروية.. ماذا سنجد يا ترى؟
إننا لن نرى بين الأمور التي يمكن رؤيتها ما هو أبرز من الحرائق والأدخنة والقهر والظلم وحفنة من الأباطرة تسوس الشعوب في أغلب مواقع عالمنا المسلم بالخسف الذي يزيد النار اشتعالًا.. وسوف نرى إلى جانب هذا أصابع أجنبية تصب الزيت على النار.. تساوم هذا وتراوغ مع ذاك، لتأخذ البيادق أدوارها على الوجه المطلوب في لعبة الحريق والانهيار!
﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُم﴾ (سورة المنافقون: 4)
هذا هو وجه خارطة عالمنا المسلم، ذلك الذي بدأت تجرحه الأخاديد والشروخ منذ ولادة الحركة الإسلامية المعاصرة فيه، بالفتنة تارة وبالحرب أخرى. ولعل مولد المسخ الإسرائيلي على أرضه زاد كثيرًا من بشاعة المأساة في عالمنا هذا. وجعل القوى الخارجية المتكالبة تضاعف من تربصها بدوائرنا بقية حماية جريمتها إسرائيل، ومن ثم حماية مصالحها في أرضنا. ولما كانت تلك الحماية لا تتم إلا بوضع الركائز المصطفة على رؤوس الشعوب لتحكمها بالحديد والنار، فقد أوجدت القوى الخارجية ثلة من العملاء المخلصين يضربون بمطرقة الأجنبي على سندان الشعوب المسلمة كلما اقتضت المصلحة ذلك. وضمن هذا النسق لتسويس الأمة وقهر شعوبها، وجد حكام كثيرون لإشعال اللهب والفتنة في المنطقة، مثل هيلا سيلاسي، والسادات، وشاه إيران، وحكام تركيا العسكريين والشيوعيين في أفغانستان والقذافي والنصيرية وحكام لبنان المارونيين.. وإلى جانب هؤلاء وجدت الأحزاب العلمانية الكافرة والاتجاهات الشيوعية الإلحادية هنا وهناك من أجزاء عالمنا المسلم من أجل أن يظل الوطيس حاميًا.. يأكل الشعوب.. ويحرق أحلامها.. ويعصف من ثم ببعثها الإسلامي الذي أطلت براعمه على العالم منذ سنوات.
وهكذا نستطيع بعد هذه النظرة التأملية للخارطة الإسلامية أن نحصر عدونا.. لنجده ثالوثًا خطرًا ممثلنا بالعداوة والضغينة على هذه الأمة، وعلى هذا الدين. أما أطراف الثالوث فهي:
أولًا: إسرائيل.
ثانيًا: أمريكا وروسيا وسائر القوى الاستعمارية والمؤيدة لإسرائيل.
ثالثًا: الركائز الحكومية في كثير من عواصم العالم الإسلامي.
المستهدف:
المستهدف الوحيد في حرائق العالم الإسلامي وفتنه هو الشعب.. الشعب الذي صحا فيه الإسلام من جديد بولادة الحركة الإسلامية وتنامي فروعها.. الإسلام الذي يرفض كل ألوان التبعية وأشكالها الفكرية والسياسية والعسكرية.. الإسلام الذي يرفض أيضًا اضطهاد الحكام وسياساتهم اللاإنسانية.. الإسلام الذي يرفض الابتزاز والسلب والنهب والاستسلام للعدو.. الإسلام الذي يرفض أن تسلب من هذه الأمة حقوقها لحساب العدو في الداخل والخارج.. الإسلام الذي يرفض -أخيرًا- إلا أن يسود ويحكم ويسوس الأمة بالمنهج الرباني وحده.
لهذا كان المستهدف الوحيد هو الشعب المسلم من كل الحرائق والانهيارات المفتعلة.. إنه شعب صحا من غفلته.. وهو شعب يريد أن يتحرر بالإسلام.. من أجل تحكم الإسلام.. وهو (البعبع) الذي يخيف اليوم أطراف الثالوث المعادي.
موسم جديد:
على أن شعوبنا المسلمة تشهد اليوم موسمًا جديدًا للحرائق والانهيارات.
- فلبنان أصبح مشلولًا مقسمًا بين إسرائيل والكتائب والطرف النصيري.. يتبادلون فيه الأدوار حيث تزهق على أيديهم في كل يوم مئات الأرواح من المسلمين الفلسطينيين واللبنانيين العزل.
- والخليج ما زال يشهد منذ شهور طويلة حرب الأنظمة التي تأكل الشعوب بنيرانها وتلتهم مقدراتهم ومواردهم، وتستنزف بالتالي كل طاقات هذه المنطقة التي تريد القوى الكبرى إجهاض مخزونها وتفريغها من القدرة الاقتصادية الهائلة، ومن ثم إشغال شعوبها بملهاة الحرب القذرة.
- أما مصر وسوريا وتونس وليبيا فهي تشهد في هذا الموسم الجديد لغارة الحريق على العالم الإسلامي المزيد من القهر والتهمة والتنكيل بالإسلاميين.
- كذلك فإن القرن الأفريقي توقد فيه النار ليصطلي عليها أعداء الأمة.
- تبقى أفغانستان مثلًا صارخًا على غارة الأعداء على الإسلام وحملته من أبناء هذا الشعب الذي استيقظ.. أفغانستان التي ما زالت تشهد منذ ثلاثة أعوام هجمة العدو الشيوعي الشرس ضمن مسلسل الهجمات العدوانية على عالمنا.
صاحب المصلحة:
وإذا كان لكل موسم جديد من مواسم الاحتراق والانهيار المقصود هدف ومصلحة، فمن هو صاحب المصلحة اليوم؟ وماذا يريد؟
إننا لن ننتظر طويلًا لنعرف أن صاحب المصلحة هو مشعل النيران نفسه.. ذلك هو الثالوث المعادي للشعوب.. والذي يتألف من إسرائيل والقوى الاستعمارية، وعلى رأسها أمريكا. ثم ركائز الاستعمار في قلب العالم الإسلامي. هؤلاء جميعًا هم أصحاب المصلحة من حرائق عالمنا وفتنه. ولعلهم أجمعوا أمرهم اليوم على إطفاء شعلة الإسلام التي بدأت تضيء الطريق لشعوبنا.. ولعلهم أجمعوا أيضًا على خنق النفس وكم الأصوات في حناجر أبناء المسلمين.. تاركينهم يتلظون بنيران الاحتراقات.. ويكتوون في جحيم الانهيارات، ليظلوا بالتالي بعيدين عن اللعبة بين الأنظمة وإسرائيل، وليبقوا بمعزل عن مصير الأرض العربية المسلمة التي حان للمزاودين أن يعلنوا تنازلهم عنها لليهود، وليعلنوا بعد ذلك اعترافهم بشرعية الوجود اليهودي وشرعية امتلاكه للأرض العربية الإسلامية! ثم ليقيموا العلاقات الدبلوماسية بينهم وبين عدو الأمة.. أما الشعب المسلم فعليه أن يدخل بعد ذلك في مرحلة التطبيع!
واجب الحركة الإسلامية:
إن على عاتق الحركة الإسلامية حملًا كبيرًا. لذا فهي اليوم مطالبة بإعداد نفسها وحصر عدوها وتشخيص أهدافها بدقة، وبرمجة مجالاتها بذكاء، كذلك فهي مطالبة باتخاذ الوسائل والسياسات التي تخدم الهدف الأسمى.. وعلى الحركة الإسلامية في هذا المقام أن تجعل أهدافها واضحة ذات صفة كمية لا وصفية، تحمل خصوصية الواقع الذي نعيش فيه من خلال رؤية إسلامية مفصلة، وليس بعمومية الإسلام، لتكون بالتالي أهدافها قابلة للقياس في موازنة الحرب مع الأعداء. كذلك فإن على الحركة الإسلامية أن ترصد كل وسائل أعداء الأمة لتتمكن وهي تضع استراتيجيتها الواضحة من كمال الإعداد وحسن الحساب المتوازن بين المصلحة وخططها وبين القيم الإسلامية وحدودها، ليكون الإعداد إعدادًا محكمًا منزهًا واضحًا لا لبس فيه ولا غموض أبدًا، مما يجنب الحركة كل العراقيل إن شاء الله.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل