العنوان العرب بين مشكلة الزعامة وأزمة القيادة
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 09-ديسمبر-1980
مشاهدات 15
نشر في العدد 506
نشر في الصفحة 22
الثلاثاء 09-ديسمبر-1980
فقدان الزعامة الواحدة أدَّى إلى تشرذم الدول العربية فدخلت قياداتها في حالة من الصراع للبقاء.
يرى بعض الدارسين الإسلاميين أن العرب كأنظمة وأحزاب واتجاهات سياسية سقطوا في الفخ الذي نصب لهم في اليوم الذي أعلنوا حربهم على دولة الخلافة الإسلامية.
ويعلل هؤلاء الدارسون أوجه هذا السقوط مشيرين إلى نواحٍ متفرعة.. بعضها ما زال يتشعب ويأخذ امتداده في جسد الأمة، ويضرب هؤلاء أمثلة كثيرة منها:
•فصل الدولة عن الدين في البلدان العربية وأجزاء الخلافة الإسلامية الأخرى.
•تقسيم أجزاء الخلافة إلى دول وجمهوريات وممالك وإمارات مستقلة.
•فقدان الزعامة الشاملة التي تستقطب شعوب الأمة من خلال إمكانية التعبير عن مطامحها ومراميها، والذود عن حماها وصد الطامعين بها.
•تشرذم القيادة إلى قيادات متعددة، يغلب عليها الاختلاف في المذهب السياسي والاتجاه الثقافي والفكري.. بل حتى في الانتماء الطائفي في بعض المواقع العربية. الأمر الذي لابد وأن يؤدي إلى صرف الطاقات «العربية- الإسلامية» في صراع بين الأنظمة والإدارات العربية نفسها.. وقد يتطور الأمر إلى توريط الشعوب في هذا الصراع كما يجعل حاليًا لبنان وأقطار الغرب العربي، وهذا غيض من فيض الصراعات التي مازال يخطط المخططون لتفجيرها في الدويلات العربية.
لكن.. ما الحل لهذا السقوط؟؟ وكيف يتجاوز العرب هذا المشكل؟ وأين هي الزعامة العربية التي تمتلك إمكانات الثبات وسط التيارات المتناقضة والاتجاهات المتصارعة.. والصمود في وجه التحديات المحلية والخارجية؟
تلك هي المشكلة.. وبعض العمي مازالوا يعتقدون وجود الزعامة المخلصة في بعض العملاء.. ممن أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر أو ممن يكيدون ويمكرون بالمسلمين.. ولكن يمكر الله.. والله خير الماكرين!!
وهنا يطرح سؤال نفسه!
أين هي زعامة العرب إذًا؟
لابد قبل تحديد هذه الزعامة من حيث وجودها على الساحة العربية أو عدم ذلك.. من رصد الصفات الأساسية لشخصية الزعيم. لنستطيع فيما بعد أن نحدد إن كانت هناك شخصية عربية ما.. مؤهلة لقيادة الأمة وتوجيهها في السياسة والاقتصاد والعلائق الدولية.
وعند تحديد شخصية الزعيم لابد من الانتباه إلى القواعد الشعبية وحجمها وطموحاتها.. كما لابد من وضع عقيدتها وحاجاتها الدينية فكرًا وسلوكًا وسياسة في الحسبان، كما يجب التنبه إلى ضرورة ثبوت الاستقلالية السياسية لدى الزعامة المطلوبة عن الاتجاهات والولاءات الدولية التي تعرف الشعوب أنها واحدة من أبرز أسباب السقوط في الهاوية.
من هذه الاعتبارات نستطيع القول:
لابد للشخصية التي ستتزعم الأمة العربية أن تعتمد في الأساس على قواعد عريضة من أبناء هذا الشعب الذي يدين معظمه بالإسلام.
يفترض لوجود الزعامة في شخص ما أن يكون مؤهلًا للتعبير عن الطموحات الشعبية ورغباتها التي تشمل الدين والتشريع والاتجاه السياسي والانتماء الفكري وغير ذلك مما تصر الشعوب عليه.
ثبوت استقلالية الشخصية التي يمكن أن تتزعم العرب عن الولاءات السياسية والدولية وغير ذلك مما يتعارض أصلًا مع رغبات القواعد الشعبية ويصطدم بقناعاتها وطموحتها، وهذا يعني في المنظور الحالي أن كلًّا من الاتجاه الاشتراكي والاتجاه الرأسمالي لا يملكان منح أي شخصية سياسية قدرات الزعامة وإمكاناتها.
وإذا نادى بعض الخراصين بزعامة فلان أو فلان.. وزعامة حزب أو اتجاه.. فإن وجود هذه الزعامة لا يتحقق إلا بتحقيق المقاييس والملاحظات السابقة في شخصية صاحب الزعامة.
ولو ظن البعض أن «أتاتورك أو هتلر أو هيلاسلاسي» كانوا زعماء في بلادهم فإن هذا الظن ما زال فاقدًا لأي تأكيد، وهنا يجب أن نميز بين الزعامة الحقيقية.. والشخصية الديكتاتورية الحاكمة.
•فكل من هؤلاء الثلاثة لم يصل إلى سدة القيادة في بلده إلا بعد انقلاب عسكري وهذا يعني أولًا وأخيرًا أن فرصة الشعب في اختيار القائد المذكور لم تأخذ دورها أبدًا، وبالتالي فإن مجيء القيادة «أو الزعامة» على هذه الشاكلة لا يعتمد على أية قاعدة شعبية.. وعلى العكس تمامًا فشواهد التاريخ سطرت لهؤلاء جرائم أقرَّتها في مجتمعاتهم السلطة الديكتاتورية، وإن كان يحلو للبعض أن يتحجج ببعض صفات هذا أو ذاك.
•- فالحكم على الطريقة الديكتاتورية.. وإخضاع الشعب بالسياط ثم الحل والعقد من وراء الشعب لا يدخل في باب الزعامة بشكل من الأشكال، ومن أجل هذا ستنتهي زعامة هؤلاء بانتهاء حياتهم.. ويصبحون بعد ذلك لعنة من اللعنات.. وليس عنا ببعيد موقف الشعب المصري بعد موت عبد الناصر، فلقد عبَّر الشعب في مصر عن فرحته بإمكانية التنفس بعد أن أزاح الله عنه كابوس الديكتاتورية الحاكمة.. وصار اسم الرجل الذي عمل بعض الصحافيين أمثال هيكل على تمجيده وصنع الأسطورة منه.. يلفظ مقترنًا بأشنع النعوت والصفات، وهذا يعني بالضرورة أن الزعم بأن الرجل كان يعتمد على قاعدة شعبية عريضة إنما هو زعم أثبت واقع الشعب في مصر ما ينافيه ويناقضه.. وهذا لا يعني أن من خَلّفَ عبد الناصر على كرسي مصر كان له شرف الزعامة السياسية والشعبية.. لا.. فكل هؤلاء الانقلابيون يذهبون باللعنة وسوء الذكر بعد انتهاء دورهم في ممارسة الحكم على رقاب الشعب.
وإذا كان الأمر كذلك.. فأين هي الزعامة العربية إذًا.. ومن يملك أن يوجه العرب إرادات وأنظمة وشعوبًا؟؟.
الحقيقة أنه لا توجد مثل هذه الزعامة في صفوف الأمة.. فاستقرار وقائع التاريخ المعاصر.. مما هو بعد سقوط الخلافة الإسلامية.. وتمزق الأمة إلى دويلات وممالك متفرقة لم يتِحْ أي مجال لبقاء الزعامة القادرة على التوجيه، ولعل كثيرًا من العوامل تلعب في هذا الوقت دورها للقضاء على أية زعامة محتملة البروز.. تعبر عن آمال الشعب وإسلامه.. وفكره وعقيدته.. وآلامه ومشكلاته.. وتلك هي زعامة الإسلام التي تبحث عن شخصية تمنحه رداءها وفكرها ووسائلها وأهدافها، بعيدًا عن الولاءات السياسية والاتجاهات العميلة المشبوهة، نعم إن الشعوب الإسلامية على الساحة العربية تنتظر بروز هذه الشخصية لسد الفراغ الذي تعيشه الأمة عبر صراعات الأنظمة المحلية وانشغالها بالحفاظ على كيانها فحسب، هذه الأنظمة الرسمية التي تفتقر إلى المؤيد الشعبي.. والشريعة الحقة في ملاك الأمر، ومن هنا يمكن أن نقول:
- إن الأمة العربية تعيش في أزمة يمكن أن تسميها أزمة القيادات العربية.
• فغياب الزعامة أضاف إلى مشكلة تشرذم القيادات مشكلًا آخر تجلَّى في صراع هذه القيادات من أجل البقاء.
• وصراع هذه القيادات أدخلها في محاور واتجاهات محلية يقف على خطوط عدائية متوازية.. وما موقف الدول التي سمَّت نفسها «بدول الصمود والتصدي» من مؤتمر القمة الأخير إلا شكلًا من أشكال التمحور في صراع البقاء بين الأنظمة.
• وهذا التمحور لابد وأن يعتمد من أجل وجوده واستمرارية امتداده على قُوى معادية خارجية من أجل صمودها وتصديها للشعوب المحكومة من ناحية، وللأنظمة العربية الأخرى من ناحية أخرى.. وليس أدل على هذا من «موضة» المعاهدات مع الروس الشيوعيين الملاحدة أعداء العرب والإسلام، وهذا أشنع باب من أبواب العمالة للمستعمر الحديث.. بل هو أخطر موجودات السياسة وفلسفاتها في هذه الفترة.
إن الشعب العربي يعاني ويعيش أزمة هذه الأنظمة التي ضحت بكل شيء مما يخص شعوبها دون أن تقدم إليه أي شيء.. وهكذا يبقى العرب التائهون بين مشكلة الزعامة وأزمة القيادة إلى أن يظهر الرجل الذي يوحِّدُ هذه الأمة كما كانت، ولن يكون ذلك إلا بالالتحام الكامل مع الشعب المسلم عن طريق الإسلام.. بالإسلام وللإسلام ومن أجل الإسلام.. عن جميع ما سواه.