العنوان العلاقات الخليجية الإيرانية تفرض على أمريكا تغيير سياستها في المنطقة
الكاتب عامر الحسن
تاريخ النشر الثلاثاء 15-سبتمبر-1998
مشاهدات 15
نشر في العدد 1317
نشر في الصفحة 32
الثلاثاء 15-سبتمبر-1998
خمسة تطورات شهدها الشرق الأوسط تستدعي سياسة أمريكية جديدة في المنطقة.
تفرض عدة ظروف سياسية موضوعية على الولايات المتحدة ضرورة صياغة سياسة متناغمة ومنسجمة في الشرق الأوسط، تأخذ في الاعتبار عدة متغيرات بينها علاقات عضوية واضحة وهي جمود محادثات التسوية في الصراع العربي – الإسرائيلي، وتعقد الملف العراقي، ومؤخرًا التقارب الخليجي – الإيراني، ويلح المحللون الأمريكيون على الإدارة الأمريكية التعامل مع هذه المتغيرات بترابط وجدية، إذا كانت واشنطن حريصة على استبقاء شرعية، سياستها وسمعتها في المنطقة، وإلا فلن تجد سندًا قويًا، سواء على مستوى الحكومات الحليفة أو الشارع، لأي قرار مهم تتخذه مستقبلًا، تمامًا كما حدث مع أزمة بغداد مع الأمم المتحدة في فبراير الماضي، ورفض العرب والمسلمين توجيه ضربة عسكرية أمريكية لبغداد.
ويدلل المحللون على ترابط أزمات الشرق الأوسط، وأهمية تعامل واشنطن معها كما لو كانت حزمة واحدة بعرض نقاط التماثل والتقاطع التي أدت لنشوب تلك الأزمات أو قادت لتلك المتغيرات مركزين في ذلك كنموذج على حالة التقارب الخليجي - الإيراني، وهو ملف جديد وجدير بالاهتمام.
منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام ۱۹۷۹م وحتى انتخاب الرئيس الإيراني السابق رفسنجاني في ۱۹۸۹م شهدت العلاقات الخليجية – الإيرانية توترًا يعود لأربعة أسباب رئيسة هي:
أولا: السياسة الخارجية العدائية التي صاغ بنودها الخميني تجاه الولايات المتحدة «الشيطان الأكبر» والاتحاد السوفييتي والحكومات الخليجية، حيث كانت هناك رغبة قديمة منذ عهد الشاه، تعززت عند الخميني فيما بعد، لأن تكون إيران القوة الإقليمية الوحيدة المهيمنة على المنطقة، وتمثل ذلك عبر وسيلتين أولهما تصدير الثورة للدول الخليجية لتعزيز قبضة تيار المحافظين على السياسة المحلية الإيرانية، وثانيهما التدخل في الشؤون الداخلية للخليج عبر مساعدة تيارات معارضة ذات توجهات مذهبية وسياسية مغايرة، وعلى إثرها نشبت توترات في البحرين والكويت وتمثلت في مظاهرات و البراءة في موسم الحج.
ثالثًا: اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية في الثمانينيات ووقوف معظم العرب إلى جانب صدام حسينـ، باعتبار عروبته ووقوفه حائلًا دون الامتداد الإيراني باتجاه البوابة الشرقية، وقد هيأت الظروف السياسية في تلك الفترة لصدام التفاف العرب نحوه، وبخاصة بعد خفوت الدور المصري إثر معاهدة كامب ديفيد وقطع علاقة العرب بمصر – السادات وقد ساعدت مصر فيما بعد صدام بالجنود فيما دعمه الخليج بالمال.
رابعًا: ساهمت سياسة القوى العظمى أيضاً في توتير العلاقة بين إيران والخليج من خلال تأييدها المطلق للعراق فترة حربه مع إيران تمثل أمريكياً في إمداد صدام بالمعلومات الاستخباراتية اللازمة عن «العدو» بالإضافة لتدمير القوة البحرية الإيرانية خلال ما يسمى بـ «حرب الناقلات» وسوفييتيًا، كانت موسكو تبيع حليفتها التقليدية بغداد المعدات العسكرية والأسلحة المتقدمة وبخاصة أن الثورة الإيرانية لم تميز في تصنيفها بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، وإنما اعتبرت كليهما «شيطانًا».
متغيرات العلاقة الخليجية الإيرانية:
فرضت متغيرات إقليمية ودولية جديدة على إيران وضعًا مختلفًا ألزمها تحويل سياستها الخارجية من الأيديولوجية العدائية إلى ما يمكن تسميته بـ «السلام البراجماتي» وذلك في الفترة ما بين ۱۹۸۸ م – ۱۹۹۱م وشملت تلك المتغيرات انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية، وفاة الإمام الخميني، وانتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي، ونشوء جمهوريات آسيا الوسطى، واحتلال العراق للكويت، كان لزامًا على إيران أن تفتح صفحة جديدة مع جيرانها القدامى في الجنوب الخليجيين، وجيرانها الجدد في الشمال –جمهوريات آسيا الوسطى المستقلة- لقد يسر سقوط الاتحاد السوفييتي ونشوء جمهوريات آسيا الوسطى الغنية بالنفط والغاز -إلى جانب بحر قزوين- فرصة كبيرة لإيران عزز من موقعها الاستراتيجي والتجاري، وأوجد سوقًا ممتدة للمنتجات الإيرانية غير النفطية لتلك الجمهوريات تتراوح أرباحها من ٨ إلى ١٠ بلايين دولار في السنة.
ومع الجنوب، كان غزو العراق للكويت سببًا طارئًا ومبررًا استراتيجيًا لتحسين إيران علاقاتها مع الخليج، كان موقف إيران من الغزو واضحًا حيث دعا الرئيس السابق رافسنجاني العراق لسحب قواته من الكويت والاعتراف بالحدود القائمة وحل الأزمة بالطرق السلمية، كما أكدت طهران موافقتها مع قرارات الأمم المتحدة الخاصة بحرب الخليج الثانية، بما في ذلك الحصار على بغداد، وكان وزير الخارجية الإيراني السابق علي أكبر ولايتي قد قام بزيارة للكويت سنة ۱۹۹۰ م اعتبرت الأولى من نوعها منذ ثورة ۱۹۷۹م، كما حرص رافسنجاني على إعادة علاقته بالسعودية بعد أن انقطعت في ١٩٩٧م.
ومع ذلك كانت هناك معوقات تحول دون أن تبلغ العلاقات الخليجية – الإيرانية مداها مثل موضوع الجزر الثلاث، طنب الصغرى والكبرى وأبو موسى، بين إيران والإمارات، وحول الاختلاف في وجهات النظر من الصراع العربي – الإسرائيلي، وحول تنامي الوجود الأمريكي العسكري في الخليج بعد تحرير الكويت، وقيام أمريكا بعمل مناورات عسكرية مشتركة في المنطقة، تعتبرها إيران موجهة ضدها وليس ضد العراق، لكن فترة رافسنجاني اعتبرت في مجملها «مرحلة تمهيدية» باتجاه تطبيع العلاقة بين الإيرانيين والخليجيين سيما بعد مجيء الرئيس خاتمي للسلطة في ۱۹۹۷م.
وقد تبلورت ملامح التطبيع الخليجي - الإيراني بوضوح في القمة الإسلامية الثامنة التي انعقدت بطهران في ديسمبر ۱۹۹۷م، متزامنة مع وصول خاتمي للحكومة، وتميزت القمة، على اعتبار انعقادها في طهران، بكم الحضور وثقل رموزه السياسي، سيما من الجانب الخليجي وكانت كلمة معظم الوفود متفقة في العديد من الرؤى مع الجانب الإيراني، وبخاصة فيما يتعلق بالصلف الإسرائيلي بقيادة نتنياهو ضد الفلسطينيين.
ولم تكن أمريكا ترقب فعاليات القمة بارتياح، وبخاصة أنها اعتبرت مقاطعة العديد من الدول العربية لمؤتمر الدوحة الاقتصادي مقابل الحماسة العربية والإسلامية لحضور قمة طهران، مؤشرًا واضحًا لفشل سياستها في المنطقة، ولم تجد وسائل الإعلام الأمريكية ثغرة سوى التركيز على «الخلافات» في وجهات النظر بين طروحات خامنئي، بصفته ممثلًا عن التيار المحافظ وطروحات خاتمي، باعتباره ممثلًا للتيار المعتدل.
عربيًا، كان الخليجيون مرتاحين من مجمل كلمة خامنئي في القمة وتأكيده بأن «إيران» لا تمثل خطرًا على أي دولة إسلامية واحترامها لسيادة الدول واستقلال أراضيها وحدودها ورفض استخدام القوة أو التهديد بها أو التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار، وحل النزاعات الحدودية عن طريق الحوار.
العلاقة بين الخليج وفلسطين:
وكان فرق الحضور وثقل رموزه السياسي بين المؤتمرين: القمة الإسلامية، والمؤتمر الاقتصادي، إشارة واضحة لأهمية العلاقة بين قضايا الشرق الأوسط، وبخاصة بين أمن الخليج وعملية التسوية، وهي علاقة ترفض الإدارة الأمريكية إلى الآن -رغم جميع القرائن- الاعتراف بوجودها، وقد تبلورت العلاقة بشكل أقوى عندما رفضت معظم الدول الخليجية خيار أمريكا بقصف بغداد في فبراير الماضي، معاقبة الصدام على تعويقه مهمة فريق التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل «يونيسكوم» كان من الواضح أن الخليجيين لم يكونوا مرتاحين من الأداء الأمريكي مع إسرائيل وتعنتات نتنياهو مقابل حماسه لتأديب صدام، لكن وزيرة الخارجية الأمريكية أولبرايت رفضت الاعتراف بذلك عندما قالت لإحدى لجان الاستماع بالكونجرس في ١٠ فبراير ۱۹۹۸م «موضوع العراق وموضوع عملية السلام قضيتان مختلفتان»
أولبرايت.. وكيسنجر:
ويماثل موقف أولبرايت من قضايا الشرق الأوسط موقف نظيرها السابق هنري كيسنجر قبل ١٥ سنة، عندما رفض ربط جهوده لرفع حظر النفط الذي فرضته الدول العربية والخليجية على الدول الغربية في ۱۹۷۳م، بموضوع انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها من حرب ١٩٦٧م، وهو ما كان المقصود من الحصار أصلًا، أما وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر فكان أكثر صراحة مع نفسه من أولبرايت وكيسنجر عندما ربط بين صدام وعملية التسوية في كلمة له أمام الكونجرس في ١٠ سبتمبر الماضي قال فيها: «إن ورقة صدام القوية للمزايدة هي كونه نصير الفلسطينيين الذين ليس لهم بلد يأوون إليه» لذا تمخض عن حرب الخليج مباشرة مؤتمر مدريد، رغبة من الإدارة الأمريكية سد الطريق على «المزايدين».
غير أن ثغرات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بدأت تتزايد فترة كلينتون، بسبب تشتت الإدارة الأمريكية بين ميولها الصهيونية ورغبتها في إرضاء الخليجيين، وهما حالتان لا يمكن الجمع بينهما بجدارة، ومن هذا المنطلق فإن العديد من المحللين الأمريكيين يطرح على الإدارة الأمريكية أهمية إعادة صياغة سياستها بشكل منسجم يأخذ في الاعتبار خيوط التماس والاشتباك بين قضايا الشرق الأوسط مهما بدت متفاوتة في طبيعتها الجغرافية والسياسية ويشير المحللون إلى حدوث خمسة تطورات أساسية في الشرق الأوسط تلح على ضرورة صياغة سياسة أمريكية «منسجمة» وهذه التطورات هي:
أولًا: استمرار التقارب الخليجي – الإيراني بالرغم من وجود عدة صعوبات توتر هذا التقارب مثل النزاع القائم بين إيران والإمارات على الجزر الثلاثة، لكن حتى هذه صارت إيرانيًا مطروحة للنقاش بعد أن كانت من محرمات السياسة الإيرانية، ولن تسمح إيران لهذه المشكلة أن تعكر صفو العلاقات بينها وبين الدول الخليجية الأخرى سيما السعودية والكويت، حيث اعتبر التقارب الإيراني - السعودي أهم تطور إيجابي في العلاقات بين دول الإقليم، وذلك إثر زيارة رفسنجاني -بصفته رئيس تشخيص مصلحة النظام- للمملكة في المدة من ٢١ فبراير إلى ٦ مارس ۱۹۹۸، وتمخضت الزيارة التي تماثلت فيها وجهات النظر حول عدة قضايا عن تدابير إيجابية من بينها إلغاء إيران شرط الحصول على التأشيرة للسعوديين الراغبين بزيارة طهران.
ثانيًا: تحسن العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران واقترابها من التطبيع، منذ أن انقطعت في ۱۹۷۹ م وعلى واشنطن أن تعيد صياغة أولوياتها مع إيران، وبخاصة بعدما انتهت الحرب الباردة وانتهى الخطر الشيوعي، واكتسبت إيران أهمية استراتيجية جديدة، كونها متاخمة لبحر قزوين وجمهوريات آسيا الوسطى الغنية بالطاقة، والا فستشعر أمريكا بالعزلة السياسية.
ثالثًا: فشل ما يسمى بـ «سياسة الاحتواء المزدوج» الأمريكية في تقليم أظافر العراق كما كان يعتقد، حيث لايزال صدام يهدد ويعرقل عمل فريق اليونيسكوم من دون أن تستطيع أمريكا ردعه عسكريًا كما فعلت في حرب الخليج عام ۱۹۹۰م، لقد تغيرت الظروف السياسية في المنطقة، ودخلت أرقامًا جديدة في المعادلة.
رابعًا: التقارب الإيراني – الخليجي يتنامى كلما تقلصت جهود أمريكا في الضغط على الإسرائيليين لتحقيق سلام عادل مع الفلسطينيين، وهذا - حسبما يرى المحللون الأمريكيون- ليس في خدمة المصالح الأمريكية فالدول الخليجية لن تستطيع التوافق مع رغبات واشنطن لتحقيق رؤية أمنية معينة في المنطقة إذا كانت تتعامل بمكيالين من العراق وإسرائيل.
خامسًا: أدى سقوط الاتحاد السوفييتي لبروز ما يسمى بـ «الشرق الأوسط الكبير» الذي يشمل إيران وجمهوريات آسيا الوسطى، ولم يعد هناك مبرر لأن تفكر أمريكا بعقلية الحرب الباردة والصراع بين الشرق والغرب وبخاصة أن قواسم مشتركة دينية وثقافية، وإثنية، تجمع بين القوى الإقليمية في المنطقة، بما في ذلك عنصر الغاز والنفط في بحر قزوين، فمن مصلحة أمريكا أن تتصالح مع إيران لفتح فرص جديدة للشركات الأمريكية للاستثمار في تلك المنطقة.
ويقترح المحللون على واشنطن أن تتسم سياستها المنسجمة في المنطقة بالرغبة الأكيدة لحل المشاكل المزمنة، وتدمير أسلحة الدمار الشامل، يشمل ذلك أسلحة إسرائيل، وضم العراق وإيران للمنظومة الأمنية، باعتبار الوزن لكل منهما.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل