; العنصرية في أمريكا الحرب المعقدة بين البيض والسود | مجلة المجتمع

العنوان العنصرية في أمريكا الحرب المعقدة بين البيض والسود

الكاتب أحمد ابو الجبين

تاريخ النشر الثلاثاء 05-يوليو-1994

مشاهدات 14

نشر في العدد 1106

نشر في الصفحة 30

الثلاثاء 05-يوليو-1994

يقول فريد باوليدج: إن أكبر التحديات أمام بيل كلينتون في شأن العلاقات العنصرية سيكون في الفصل بين التمييز العنصري والاقتصاد

المعاملة غير العادلة للسود كلفت الولايات المتحدة ۲۱٥ بليون دولار في عام ١٩٩١م

إن من أكثر المفارقات مرارة والتي تواجه الأمريكيين في هذا القرن هو ذلك التناقض بين هويتهم الوطنية كشعب يقدس «الحياة والحرية والعدالة»، وشخصيته العنصرية الكامنة والتي تعود جذورها إلى عهد استرقاق السود، وهاتان الصورتان المتناقضتان- صورة مجتمع الحرية والمساواة مقابل مجتمع عنصري وقهري- قد تجلت في شكل مظاهرات وأعمال شغب وقتل وكراهية وتحلل اجتماعي.

إن سعي الشعب الأمريكي نحو الازدهار، حتى قبل التوقيع على إعلان الاستقلال في عام ١٧٧٦م، قد قام على أكتاف العبيد، إن العنصرية عمومًا تعتبر جزءا لا يتجزأ من نظرة الأمريكيين البيض نحو كل المجموعات الأثنية غير البيضاء، والسود هم أكبر ضحايا العنصرية الحقيقية في الماضي، والتي تحولت الآن إلى عبودية سيكولوجية خلال العقود الماضية.

لقد تم تلقين السود باستمرار حتى أصبحوا ينظرون إلى أنفسهم بأنهم أقل من البيض من ناحية قدراتهم العقلية، وهكذا يمكن تفسير المعضلة العنصرية الأمريكية وتعريفها ببساطة بأنها ذات شخصية ثنائية ومزدوجة الشخصية الإنجلو- ساكسونية البروتستانتية التي تسعى إلى تشويه العلاقة بين المهاجرين والأنجلو ساکسون البروتستانتيين، كما تسعى بنفس القدر إلى التقليل من إمكانيات السود وتنظر إليهم نظرة دونية أو تعتبرهم كسالى أو الاثنين معًا، وهذا لا يعني على كل حال أن كل البيض البروتستانتيين عنصريون، وأن كل الأجانب والسود ضحايا، وقد ارتفعت للأسف نسبة العنصرية المضادة حيث يحتقر السود البيض والأجانب «الحالة السابقة كانت بسبب الاضطهاد التاريخي، والحالة اللاحقة بسبب الاختلال الاقتصادي»، وهكذا فإن سبب التوترات العنصرية يمكن أن يعزي إلى الشخصية الثنائية التي ذكرناها أنفًا.

إن العنصرية في أمريكا تأخذ أشكالًا متعددة: على مستوى القواعد الشعبية والمثقفين والمؤسسات، فالعنصرية ضد الأجانب تنحصر بشكل عام على ذوي الياقات الزرقاء المعزولين ثقافيًا- سودًا أو بيضًا- والذين يجدون صعوبة في تقبل أولئك الذين يختلفون عنهم من ناحية أثنية واجتماعية وتختلف لغاتهم الرئيسية عن الإنجليزية، وهذه حقيقة بالنسبة للمؤسسات الأمريكية التي تقيم المهاجرين على أساس استعدادهم للتخلي عن أصولهم الوطنية والتحول إلى «الأمركة»، مثلًا استعمال الجينز وقمصان الأكمام القصيرة، والتحدث بالإنجليزية بلهجة أمريكية وتبني المفاهيم الأمريكية «ثقافة المسيحي الأبيض»، وهكذا.. على سبيل المثال نجد كثيرًا من الأمريكيين يعجبون بالأسيويين- باكستانيين وهنود وكوريين وصينيين- أو غيرهم من الذين يعملون بجد واجتهاد وينصهرون في المجتمع، ورغم أن الأحقاد ضد المهاجرين تعتبر قوة مدمرة داخل المجتمع الأمريكي، إلا أنها غيرمنتشرة مثل العنصرية المؤسسية ضد السود.

وتبدو بشاعة العنصرية المؤسسية عندما تطل برأسها في حالة رفض المهاجرين للمفاهيم المسيحية كما أقرها مؤسسو أمريكا، لقد كتب جيمس ماديسون الذي يعتبر المنظر الرئيسي للدستور الأمريكي يقول: «لقد أقمنا كل مؤسساتنا السياسية على قدرات الإنسان في حكم نفسه، وقدرات كل فرد، وقدراتنا جميعًا على حكم أنفسنا وأن نتكاتف كما ورد في «العهد القديم» الوصايا الإلهية العشرة»، إن الهوية المسيحية لأمريكا واضحة في التركيبة الاجتماعية- السياسية، وأمريكا المعاصرة رغم ادعائها الالتزام بالعلمانية وتحقيقها لانتصار أخلاقي شامل على عالم تتنازعه الصراعات ما زالت تنطلق من منطلقات مسيحية، وهكذا، وعندما يطلب مسلم أمريكي وقتًا لصلاة الجمعة أو عطلة مدفوعة الأجر لعيدي الفطر والأضحى أو يرغب في لبس غطاء إسلامي للرأس فإن من المحتمل أن يواجه معارضة كبيرة.

إن هذا الحاجز ضد حقوق المسلمين لا يأتي من تظلم مشروع لصاحب العمل، ولكنه ينبع من الغضب والرفض لشيء لا يمت إلى المسيحية قد بدأ يحدث، ومثال آخر يشرح نفسه وذلك عندما يجد أصحاب العمل أن عليهم أن يساوموا المهاجرين على أساس الفوارق الثقافية والدينية.

وفي مثل هذه الحالة تصبح العنصرية عاملًا رئيسيًا في تصرفاتهم أو سياساتهم وذلك لأن العنصرية هي المنبع الرئيسي للقوة، وعلى سبيل المثال، عندما تؤكد تفوقك على شخص يختلف عنك، تصبح أكثر ثقة واعتدادًا بتصرفاتك، ورغم ذلك فإن القادمين من وراء البحار إلى الدنيا الجديدة أمامهم خيار الانصهار أو التعرض للعنصرية، ورغم عدم عدالة مثل هذا القرار إلا أنه موجود هناك على الأقل، إن الأمريكيين السود ليس لديهم مثل ذلك الخيار.

ولكي نتحدث عن العنصرية في أمريكا يجب علينا بالضرورة التركيز على الانقسام بين البيض والسود والذي أخذ يتسع ويتسع عبر السنين على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت لتطويق آثاره السلبية، إن الأمريكيين السود ما زالوا مرتبطين عاطفيًا بماضيهم الأليم في العبودية، وسوف يشعرون باستمرار الغربة وسط الأغلبية البيضاء، وبنفس القدر نجد أن البيض بعلم أو بدون علم هم ورثة العقلية التي غرست فكرة تفوق العنصر الأنجلو- ساكسوني البروتستانتي على السود، وحتى عندما هاجر أفقر الأوروبيين إلى أمريكا اكتشفوا فجأة وحسب المفاهيم الأمريكية، أنهم ليسوا الطبقات الدنيا، ويقول توني موريسون: «إن أي مهاجر كان يعلم أنه لن يكون في قاع السلم الاجتماعي.. عندما خرجوا من المراكب، وكانت الكلمة الثانية التي تعلموها هي كلمة «Nigger» وهي لفظة مهيئة لكلمة «Negro» أي الزنجي، واستمر الأمر على هذا المنوال حتى عام ١٩٥٤م عندما أعلن النظام التشريعي الأمريكي أن التفرقة أمر غير دستوري، فقد قررت المحكمة العليا في قضية براون ضد إدارة التعليم بأن المؤسسات التعليمية والمنفصلة والمتساوية هي في واقع الأمر غير متساوية وهي بالتالي تعتبر مرفوضة.

ورغم أن المطالبين بإلغاء العبودية، كانوا دائمًا يستنكرون اضطهاد البيض للسود، فإن أمريكا البيضاء عموما كانت تاريخيًا ترفض التطوير الاجتماعي والاقتصادي للسود ليدحضوا قلة من المؤرخين، وحقيقة أن معارضة إبراهام لينكولن للعبودية لعبت دورًا في الحرب الأهلية الأمريكية، ١٨٦٥- ١٨٦٥م.

وعلى الرغم من الخطب والبيانات التي أطلقها كثيرون من البيض فإن عقلية الاسترقاق، قد بقيت وحتى بعد التصديق على إعلان التحرير في أول يناير ١٨٦٣م والذي أعلن أن العبيد المتمردين يعتبرون أحرارًا، فإن السود كانوا يعاملون بدونية وعلى أنهم معطلون فكريًا لذلك فإن الأمريكيين السود قد تحملوا تبعات التفرقة العنصرية، وتراوح رد فعلهم بين الخضوع والعنف العنصري المضاد، وصارت المعارضة ضد هذه التفرقة أكثر تنظيمًا في شكل حركة الحقوق المدنية والتي برزت في الخمسينات والستينات «رغم ظهور منظمات مثل المنظمة الوطنية لتطوير الملونين والتي تأسست في عام ١٩٠٩م وقبل وقت طويل».

وهذا الاتجاه الذي أخذ يستقطب التيار العام أكثر من التأييد الهامشي، اتخذ أشكالًا متعددة، وكان أكثرها شهرة «الفهود السود» والذين لجئوا إلى المواجهة المسلحة ضد المؤسسة البيضاء، وأمة الإسلام والتي أخذت تدعو إلى أن البيض شياطين وأن السود هم الأخيار، وسعى مارتين لوثر كينج للبحث عن المساواة بالوسائل السلمية، وكل هذه الحركات عملت على تثبيت شخصية الأسود واعتداده بنفسه وسعيه لتطوير نفسه اجتماعيًا واقتصاديًا، فالفهود السود اعتبرت بأنها مغالية في التطرف حتى من قبل بعض السود واستطاعت أن تحدث بعض الزخم ثم توارت بعد أن اخترقها الفساد وفقدت شرعيتها وقيادتها،أما أمة الإسلام تحت قيادة إليجا محمد وقوة شخصية مالكولم إكس فقد وجدت شعبية منقطعة النظير من داخل مجتمعات الأمريكيين السود، وقد خلقت البنية المتطرفة والمؤسسة للمنظمة لدى السود شعورًا بالأنفة والكبرياء فقلبوا الطاولة على غطرسة الرجل الأبيض واستبداده، إن أولئك الذين تحولوا إلى منظمة أمة الإسلام كانوا في الأساس معارضين لفكرة «أدر خدك الآخر» المسيحية.

إن حقيقة أن كثيرين من أعضاء وأتباع أمةالإسلام كانوا لا يعرفون أن العبادات الإسلامية توضح هذه النقطة، وأن سبايك لي الذي أخرج فیلم مالكولم إكس يقول: إن المسيحية قد استعملت حقيقة لخديعة السود ولجعلهم مسالمين، إن الدين قد أعطانا الروح والعزيمة على الاستمرار قدمًا عندما كان علينا أن نقوم بمهمة لقيط القطن، وأن نصعد لتلك السياط «أثناء العبودية».. انظر إلى كل أولئك العظماء عندما يخرجون من الكنيسة مارتين لوثر كينج، جيسي جاكسون، مالكولم إكس... «لويس فراخان» أمة الإسلام، لقد حصلت على ما كنت ترجوه الآن.

وعندما اعتنق مالكولم إكس الذي عرف أيضًا بالحاج مالك الشباز الإسلام ودعا إلى المساواة بين الناس أمام الله ثم اغتيل بعد ذلك بواسطة أمة الإسلام، بدأ ذلك التنظيم يفقد عضويته وأخيرًا كسبت نظرية مارتين لوثر كينج لتحرير السود أكثر المؤيدين ليس فقط بسبب رسالته السلمية ودعوته لنبذ العنف، بل أيضًا لأنه كان رجل كنيسة، وهكذا ومن خلال دعوته للمسيحيين أصبحت دعوته أكثر قبولًا، وبرفضه للعنصرية المضادة من قبل السود الذين لديهم عداوات وخصومات مع البيض، وجدت آراؤه من يتبناها بسرعة، وفي خطابه الشهير الذي ألقاه على الجمهور من مسرح، مبنى لينكلن التذكاري يوم ۲۸ أغسطس ١٩٦٣م، قال كينج: «إننا في سعينا من أجل الحصول على حقنا في الوجود، يجب علينا أن لا نرتكب أعمالًا خاطئة، دعونا لا نبحث عن ما يروي ظمأنا للحرية بالشرب من كوب المرارة والبغضاء، يجب علينا أن نناضل في ميادين العزة والكرامة، ولا يجب علينا أن نسمح لاحتجاجاتنا الخلاقة بأن تتحول إلى عنف.. إن ذلك التشدد المدهش الذي ابتلع مجتمع السود، يجب ألا يقودنا بعيدا عن كل البيض.

وهكذا... وبإزالة مخاوف البيض استطاع كينج أن يثير انتباه البيض لاحتياجات السود الأمريكيين، ولكن بعد اغتياله في عام ١٩٦٨م، لم تفقد حركة الحقوق المدنية فقط قائدها وخطيبها الأوحد، بل فقدت معه الزخم الحقيقي للإصلاح ومنذ السبعينيات فصاعدا حتى الآن أصبح البيض أكثر صمتا إزاء الانتهاكات العنصرية وأخذت القوانين والقرارات التي تصدر لتخفيف حدة التوتر العرقي وكأنها مجرد واجبات والتزامات يقتضيها الدستور الذي كتب في الأساس لمصلحة البيض ولكنه صيغ ليشمل الجميع، ومع هذا الخليط من عدم الاهتمام والتشويش فيما يتعلق بالوسائل التي يجب اتباعها لإزالة معاناة السود، ولدت الخطوات الخلافية بقانون الإجراءات الإيجابية، وسياسة الرعاية الاجتماعية.

وقانون الإجراءات الإيجابية هو مصطلح آخر لتنفيذ وضمان حصصي بنسب معينة للأقليات في عدد موظفي الشركات، وقد ظل ذلك موضع خلاف دائم، وفي الوقت الذي ساعد فيه ذلك القانون في إرغام المخدومين البيض على استخدام السود، فإنه لم يأخذ في الاعتبار ذلك التوتر الذي يمكن أن تحدثه مثل تلك السياسات.

ويؤكد وليام جوليوس ويلسون البروفيسور الأسود بجامعة شيكاغو بأن البرامج المخصصة كحلول المسائل ذات طابع عنصري، كما كتب في كتابه المحرومون الحقيقيون، قد تجد صعوبة في قبول التأييد الشعبي العام لها، وفي رأي ويلسون أن إعطاء السود وضعية خاصة من شأنه أن يؤجج الأحقاد العنصرية بين المجموعات العرقية المختلفة في المدن الرئيسية وأن يوسع الفجوة بين المدن والأحياء الحضرية، إن مثل هذه الحلول التي تقدم لمعالجة القضايا على المدى القصير من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الأوضاع على المدى الطويل وترقى بثقلها على البنية الأساسية للمجتمع، وهكذا فإن ويلسون يدعو للتحول من الطرح التقليدي القائم على الأساس العنصري والأخذ ببرامج يمكن أن تنخرط فيها المجموعات الأكثر حيوية من كل الخلفيات العنصرية والاجتماعية وبالتالي يمكنها الارتباط بها بإيجابية، إن هذا الخط الجديد في التفكير يمكن أن يستمر طويلًا في مواجهة ذلك الخط الاجتماعي- الاقتصادي الفاسد والسلبي والذي قيد رفاهية مجتمع الأمريكيين السود.

إن النظام الأمريكي في  توزيع المساعدات المالية للمواطنين الذين ليس لهم عمل من كل الأجناس، إضافة إلى المصاعب التي تواجه السود في سعيهم للانخراط في العمل مما يجعلهم أكبر شرائح المجتمع المعتمدة على نظام المساعدات قد خلقت جوًا مشحونًا بالتوتر وقابلًا للانفجار أحيانًا، إن نظام العون الاجتماعي يضع أيضًا ضغوطًا على الباقين من دافعي الضرائب، وأكثريتهم من البيض الذين يميلون إلى الاعتقاد بأن السود يعتمدون على المساعدات لأنهم كسالى، ونتيجة لذلك وحسب رأي أنتوني هاكر، وهو خبير في شئون الأمريكيين السود: لم يعد هناك أمريكيون كثيرون يتعاطفون مع سليمي البنية البدنية من الشباب الذين يعيشون عالة على الأموال العامة مع حقيقة أن معظم الذين يعيشون على العون الاجتماعي من السود أو الهنود الحمر قد جعلوا بدون شك نظام العون الاجتماعي للقادرين على العمل، ومع ذلك فإن عدد السود كبير مثل عدد البيض الذين يتلقون العون الاجتماعي وقادرون على العمل أيضًا، إن الرغبة في العمل موجودة ولكن بين السود فإن النضال من أجل الحصول على المساواة العرقية يظل تجربة قاسية.

إحصائية توضح نسبة السود في الوظائف

النسب من إجمالي القوة العاملة: ١٠,١%

21%

الحراس والبوابون

23.3%

حواس سجون وإصلاحيات

23.3%

طهاة مؤقتون

23.5%

حراس أمن

26.1%

منظفو سيارات

27.2%

عمال مفاصل ومجففات كهربائية

27.7%

خادمات فنادق وعمال فنادق

27.2%

سعاة بريد

27.7%

خدم منازل

29.3%

مساعدات تمريض

31.2%

مصممو ديكور

2.9%

محامون

2.6%

مهندسون معماریون

2.1%

نجارون

2.0%

جرسونات

1.5%

أطباء أسنان

1.5%

ملاحون  «طيارون» تجاريون

1.3%

إخصائيون لتعليم النطق

1.1%

معقمو أسنان

0.7%

جيولوجيون

المصدر: مكتب إحصاء الأيدي العاملة.

إن كثيرين من السود اقتنعوا بأنه مهما حاولوا فإن النجاح أصبح مستحيلًا أو على الأقل ما زال بعيدًا وصعبًا ولا يستحق ذلك الجهد، وبالإضافة إلى هذا الإحباط يقول هاكر: هناك حقيقة «أن أكثر مما نرجوه ونتوقعه، فإن المفهوم السائد بين المتعلمين والمخدومين البيض هو أن على السود أن يقبلوا البدء من نقطة البداية من القاع، وأن يحققوا على الأقل قفزات مقبولة على السلالم الوظيفية، وكما يوضح الجدول «أ» فإن معظم الوظائف التخصصية مغلقة أمام السود الذين يتم استخدامهم في الوظائف العمالية الوضعية، ويتوقع دائمًا أن يبدي السود صبرًا أكبر من البيض في التطور الوظيفي وفي قبول أجور أقل، لذلك فإنهم يرون أنهم برفضهم لتوقعات المجتمع الذي يهيمن عليه البيض يكونون أكثر تأثيرًا في جلب الاحترام لأنفسهم، ويناقش ريتشارد ماجورز، وجانيت بيلسون في كتابهما «وضع جامد» معضلات الرجل الأسود ويقولان: أن تكون رجلًا وأسودًا.. يعني أنك محكوم عليك بعدم الجدوى والفاعلية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهكذا فإن الرجال السود يتصرفون إزاء عدم المساواة العنصرية باتخاذ موقف حاد للتعبير عن القوة والعنف وحالة الانفصال، وأسلوبهم المميز.. كطريقة للاستمرار والبقاء في مجتمع ملئ بالقيود.

إن عملية التحرر من آثار الماضي وسط الشباب من السود في أعماق المدن قد أخذت شكل العنف، وحلقات الإجرام، وموسيقى الراب ویرى كثير من السود أن هناك مؤامرة من البيض لتقويض جهودهم من أجل التطور ويأخذون بتلك النظرية أحيانًا ويذهبون بها مذهبًا متطرفًا لا يستند إلى قاعدة، لذلك يخزنون غضبهم على العنصرية سواء كانت حقيقية أم خيالية ويسمحون له بأن يترعرع وينمو إلى أن ينفجر في النهاية، إن الاضطرابات التي شهدتها مدينة لوس أنجلوس لم تكن بدون سابق إنذار رغم أنها أصابت المجتمع الأبيض بصدمة، إن ارتباك البيض إزاء الاضطرابات يعزز اعتقاد السود بأن أمريكا البيضاء تختار عدم التطرق إلى معاناة السود، إن الدلائل التي توضح مدى استياء السود يمكن تلمسها من خلال تعابير معظم أغاني الراب والتي تدعو أحيانًا إلى العنف ضد البيض.

إن الشباب من السود، لم يعودوا مستفيدين من الزعماء المشهورين من أمثال مالكولم إكس ومارتين لوثر كينج، ولم يعودوا يحاولون إخراج أنفسهم من دائرة الفقر، ولكنهم بدلًا من ذلك بدأوا يصبون جام غضبهم على المجتمع الدولي المدني الأبيض، والذي يتهمونه بأنه يتعمد إبقاءهم داخل دائرة التخلف، لقد أبدى كثير من السود غضبهم من تصرفات الأمريكيين البيض فهم بعد أن قبلوا بالدخول في وحل الإعانات الاجتماعية كحالة دائمة وليست مؤقتة يذهبون أحيانًا إلى معاقبة السود الآخرين الذين يحاولون الدخول إلى عالم يعتقدون أنه يهيمن عليه البيض إن هذا الانتقاد يبرر إلى حد ما افتقارهم للتطور سواء كانت تطوعًا أم مفروضًا عليهم، وفي نفس الوقت يسمح لهم بأن يفصلوا أنفسهم سايكولوجيًا من عالم الرجل الأبيض ولكن لسوء الطالع، فإن النظام التعليمي الذي يهيمن عليه البيض تقليديًا يعتبر ضعفاء لصالح البيض، وعلى سبيل المثال يعزي الشباب السود عدوانيتهم إلى اعتدادهم بأنفسهم وقوة شخصيتهم، ويربطون التعليم بالضعف والاستسلام للرجل الأبيض، والأطفال السود الذين يتفوقون في المدارس يواجهون دائمًا تهما بأنهم أطفال البيض.

إضافة إلى ذلك، وحسب ما تشير إليه صحيفة نيويورك تايمز فإن موسيقى الراب وكذلك نسبة كبيرة من الشباب الأمريكي الأسود تستعمل الكلمة المسيئة زنجي- Nigger بكثرة، الأمر الذي خلق تشويشًا داخل المجتمع الأسود، وكبار السن من السود يرون أن تلك الكلمة تعني تحقيرًا لهم، وتذكرهم بالماضي الذي كان يستعمل فيه البيض تلك الكلمة، أما الشباب السود فيرون أن استعمالها يجردها من معناها العنصري، أما بالنسبة للبيض فإنها كلمة لا يجب استخدامها، وتستعمل دائمًا بين السود في إطار التحقير، ورغم أنها تقضي في النهاية الى المزيد من التحلل الاجتماعي والفكري فإن مثل تلك التصرفات لا تنفع من فراغ بل إن لها ما يبررها، إن السود الذين استعملوا تلك الأساليب كانوا دائمًا يشعرون بالخجل من سحنهم السوداء لدرجة أن بعضهم حاول أن يحك جلدهبالماء والصابون مرارًا ويصف أليكس هيلي في كتابه سيرة مالكولم إكس كيف أن مالكولم إكس في شبابه حاول مرارًا أن يغسل «سواده» عن طريق حك جلده باستمرار، إن رد الفعل إزاء القبول بالمعونة الاجتماعية كأسلوب حياتي والاستخفاف بالأذكياء من الشباب السود، واستعمالهم المصطلحات عنصرية في لغتهم المحلية، يعتبر خليطًا من التطرف القابل للانفجار، إن مثل هذه التصرفات التي تتراوح بين الاستسلام والعدوانية تعتبر مدمرة لتطور مجتمع السود ومشجعة لتنامي الأحقاد العنصرية.

ويعتقد وليام راسبيري، أحد كبار المعلقين الصحفيين بصحيفة «واشنطن بوست» بأن العنصرية لم تعد المشكلة الرئيسية التي تواجه الأمريكيين السود: إن العنصرية ما زالت حية جدًا في الولايات المتحدة.. ولكن الحاجز الأكبر الذي يقف أمام تقدمنا له علاقة بتصرفاتنا نحن «کسود».

ومثل تلك التصريحات صعبة الوقع على الكثير الذين لا يتقبلونها، خاصة في ضوء إحراق رجل أسود مؤخرًا في فلوريدا والضرب المبرح للشاب الأسود رودني كينج بواسطة رجال شرطة بيض في لوس أنجلوس، ومع ذلك يؤكد راسبيري بأنه على مجتمع السود الخيار في أن يتحمل مسئوليته المدنية إزاء الأجيال القادمة من الأطفال الذين يعيشون في وهدة الفقر، وتحت تأثير المخدرات والعنف، ويعتقد راسبيري أن العدوانية كاستجابة مضادة للاضطهاد العنصري وعدم المساواة تؤدي إلى نتيجة سلبية إن الشباب لم يفهم بعد أن الغضب ليس برنامجًا للإصلاح الاجتماعي إنهم يعبرون عن غضبهم ويعتقدون في نفس الوقت أنهم يكررون ما فعله كينج في عام ۱۹۹۰م، ويصر راسبيري على أن الشباب السود يجب أن يؤمن بأن لبس العقود الذهبية والعيش باستهتار والنظر من فوق أكتاف الآخرين، وأن يقتل أو يقتل أكثر مدعاة للسخرية من لبس بذلة كاملة والذهاب إلى المكتب، والكلية وتعلم الكيمياء وعلوم الكمبيوتر وامتلاك منزل بحديقة مسورة وأطفال يجرون بداخلها، وهكذا فإن جهدًا عظيمًا يجب أن يبذل من قبل الأمريكيين السود لإخراج أنفسهم من هذا الدمار النفسي والأخلاقي، وعلى الحكومة الأمريكية أيضًا تقع مسئولية أكبر لإزالة القيود النفسية لسياسة العون الاجتماعي وتطبيق حلول أكثر عائدًا وإيجابية وتماسكًا.

وكثير من المراقبين من الأمريكيين السود يحدوهم الأمل بأن يكون الرئيس كلينتون أكثر تفهمًا وقدرة على تطبيق برامج اقتصادية، اجتماعية تهدف إلى رفع الغين والمعاناة والفقر والتوترات العرقية، إن تصريحات كلينتون في مؤتمره الاقتصادي الذي عقده قبل تنصيبه وتعليقه على كتاب ويلسون قد قوبل باستحسان من قبل قادة مجتمع الأمريكيين السود، لقد قال كلينتون: «إنه أفضل وصف مختصر لوضع المناطق الحضرية الأمريكية هو ما قرأته في هذا الكتاب إنه يعطينا بعض الموجهات لما يمكن عمله إزاء هذا الوضع، ويبدو أن كلينتون قد أزاح جانبًا الطرح الزائف للحلول الكلامية المطاطة التي تستند على أسس عنصرية معينة، وبدلًا عن ذلك تطرق إلى المسائل المتعلقة بالفقر».

إن طرح كلينتون- جور «الناس أولا» لم يذكر موضوع العنصرية كثيرًا، وركز على الحاجة إلى إجراء إصلاحات شاملة، وكانت الإشارة الوحيدة غير المباشرة للمسألة العنصرية هي التعهد بالعمل على موازنة الحصص على أسس عرقية، والتي تعتبر مثار خلاف وانقسامات اجتماعية، ويعرب فريد باوليدج- مؤلف كتاب «أحرار أخيرًا؟» - حركة الحقوق المدنية والذين أنشأوها، عن تفاؤله عمومًا من انتخاب كلينتون رئيسًا «لقد استطاع كلينتون أن يكسر الحاجز لموروثنا من العنصرية السياسية بطريقة لم يسبقه فيها رئيس أمريكي من قبل.. إن تجربة كلينتون كطفل أبيض نمي وترعرع أثناء فترة صعود حركة الحقوق المدنية قد أعطته القدرة التي لا تتوفر إلا لدى القلة من السياسيين البيض، وهي القدرة على أن يقول لا  «للزعماء السود»، إن كلينتون لم يستسلم «للجولات المشبوهة»، والمرتبطة بالمطالب التعجيزية من قبل بعض الزعماء السود، كالذي فعله عندما وضع جيسي جاكسون شروطه لإبداء الولاء وفي رأي باوليدج: إن أكبر التحديات أمام بيل كلينتون فيما يتعلق بالعلاقات العنصرية، سيكون في الفصل بين التمييز العنصري والاقتصاد»، ونشرت صحيفة واشنطن بوست مثلًا تقريرًا يوضح أن المعاملة غير العادلة للسود قد كلفت الولايات المتحدة حوالي ۲۱٥ بليون دولار في عام ١٩٩١م.

إن مستقبل العلاقات العرقية في أمريكا يعتمد في المقام الأول على قدرة القيادة الأمريكية في تطبيق السياسات الاقتصادية التي تهدف إلى تقليل حدة الفقر، دون أن تستند تلك البرامج على أسس عنصرية، وهكذا فإن من المهم أن تؤخذ تلك المشاعر الدفينة بين مختلف المجموعات العرقية بالاعتبار وأن لا يتم تجاهلها.

إن العنصرية تعتبر جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الأمريكية وستظل كذلك، والتحدي هو في تهميشها وتقليل أثرها بالاستثمار في مجال التعليم والإصلاح الاجتماعي والبرامج الاقتصادية التي تهدف إلى رفع الغبن والفقر عن كامل الفقراء في المدن الداخلية، أما المهاجرون فإنهم أيضًا يواجهون مشاكل مختلفة، إن أمامهم خيارات صعبة تتمثل في التخلي عن هويتهم الثقافية وقد لا يحققون بعد ذلك القبول الكامل، أو التمسك بالمميزات الأساسية لتقاليدهم الثقافية والاجتماعية والدينية، ومن ثم مواجهة المضايقات أو مغادرة أمريكا، والفارق الجوهري بين المجموعتين هو أن المهاجرين لا يتعرضون للاضطهاد بالجملة كمجموعات أثنية ولكن حالات التمييز والحقد العنصري التي يتعرضون إليها حالات فردية، مثلًا استنادًا على مدى استعداد المهاجرة للتأمرك، فإنه يكتسب القبول أو الرفض.

أما السود فإنهم يواجهون عنصرية لم تتطور فقط بنفس وتيرة التطور لدى المجتمع الأبيض، بل إنها أصبحت جزءًا من التطور الديمقراطي لنظام العدالة، إن المعضلة الأمريكية فيما يتعلق بالعنصرية، تحتاج إلى أكثر من تحركات فردية من قبل الحكومة التي يهيمن عليها البيض، إن المجتمع الأمريكي يحتاج إلى تعاون أكبر بين الزعماء البيض والسود والمهاجرين وكبار المسئولين.

ومن ناحية مثالية فإن كل هذه المجموعات يمكن أن تنجح إن هي اتبعت قول أليكس هيلي: «أبحث عن الخير وأمدحه بدلًا من البحث عن الشر»، وما لم تبذل جهودًا صادقة وتتخذ خطوات جريئة لتحقيق المساواة الاجتماعية والعنصرية، والتي قد تبدو مثالية- فإن سياسة الأمر الراهن قد تقود إلى المزيد من الإخلال من التركيبة الاجتماعية، وقد ينتهي الأمر بانفجار الأوضاع وحدوث اضطرابات عرقية تخلف نتائج غير متوقعة خلال العقود القادمة، إن أمريكا البيضاء كانت تعيش في حالة اقتناع ذاتي بأن الأمور تسير بصورة طبيعية خلال العشرين سنة الماضية، وسوف تواجه بصدمة كبيرة توقظها من نومها عندما يقوم السود بحملات عدائية ضخمة ضد الظلم الاجتماعي، وعندما يجيئ ذلك الوقت، ستبدو أحداث لوس أنجلوس نوعًا من الخلاف البسيط مقارنة مع التخريب والتدمير الذي سيحدث..

«*» باحث في المؤسسة المتحدة للدراسات والبحوث.

الرابط المختصر :