العنوان الغرب.. ومخطط التآمر على ماليزيا- هل تنجو الدولة الإسلامية الفتية من براثن السيطرة الاستعمارية؟؟
الكاتب د. أحمد يوسف
تاريخ النشر الثلاثاء 05-يوليو-1994
مشاهدات 11
نشر في العدد 1106
نشر في الصفحة 20
الثلاثاء 05-يوليو-1994
•الغرب يريد إغراق ماليزيا في الديون من البنك الدولي مثل باقي الدول الإسلامية حتى يسهل السيطرة عليها.
•الصحف البريطانية تشن حملة على ماليزيا المسلمة لأنها بدأت تنهض صناعيًا وتكنولوجيًا وتستغني عن الغرب.
إن الغرب لا يفهم إلا لغة المصالح وأسلوب الاستغلال، وأي محاولة للخروج من قبضة التبعية السياسية الاقتصادية لنظمه ومؤسساته فإنها قد تفسر من قبل دوائره على أنها تهديد لحضارته، ثم سرعان ما يتم التصعيد وإلصاق التهم بتلك الدول بأنها راعية للإرهاب وهناك من الشواهد- على ذلك- الكثير.
وإذا نظرنا إلى ماليزيا كدولة «إسلامية»قد قطعت شوطًا معقولًا في مشوار تطورها واستقلالها السياسي، حتى غدت تقف على مشارف نهضة صناعية هائلة تبشر بصعودها- خلال السنوات الخمس القادمة- إلى مصاف الدول المتقدمة في جنوب شرق آسيا كاليابان وكوريا الجنوبية.
وإذا كان الغرب قد أذهله التطور الصناعي الهائل والاستقلالية السياسية التي تتمتع بها ماليزيا في ظل قيادتها الإسلامية، فإن الاتهامات التي تتعرض لها اليوم ما هي إلا إرهاصات لعدم رضى الغرب عنها، وبدايات للتحرش والتآمر لإحباط نجاحات التجربة الإسلامية الفتية في ماليزيا.
ففي أغسطس الماضي- وأثناء زيارته الرسمية إلى كوالالمبور- وقع رئيس الوزراء البريطاني جون ميجور خمس صفقات ضخمة تناهز قيمتها ١٥ بليون دولار مع ماليزيا، وقد انتقد العديد من المثقفين الماليزيين هذه الصفقات واعتبروها تنازلًا من بلادهم لبريطانيا المتهمة بالتواطؤ في مذابح البوسنة.
وفي ۲۸ فبراير الماضي، علق البروفيسور شاندرا في مقابلة صحفية أجرتها معه مجلة (EIR) على القرار الذي اتخذته الحكومة الماليزية قبل يومين من ذلك التاريخ والقاضي بحجب الصفقات الحكومية عن الشركات البريطانية والعودة إلى سياستها التي اتبعتها قبل عام ۱۹۸۸م، والتي تنص على شراء المنتجات البريطانية في «الأخير»، بالقول: «إن هناك جانبًا من العدالة المنسقة : POETIC JUSTICE في قرار الحكومة الماليزية القاضي بإلغاء كل الصفقات مع الشركات البريطانية، وأضاف: ومن بين الصفقات التي تأثرت بالقرار تلك الصفقات التي تغطيها مذكرات التفاهم الخمس التي تم التوقيع عليها أثناء زيارة جون ميجور، وفي ذلك الوقت، كانت مؤسسة JUST WORLD TRUST التي يرأسها البروفيسور شاندرا قد ذكرت بأن ماليزيا يجب عليها أن لا تقدم فرصا وعروضا تجارية ضخمة للشركات البريطانية، وأضافت أن بريطانيا مسئولة أكثر من أي دولة غربية أخرى عن منع المجموعة الأوروبية والأمم المتحدة من اتخاذ إجراءات فعالة ضد العدوان الصربيولهذا السبب قامت الحكومة البوسنية بتحذير الحكومة البريطانية باعتبارها متهمة بالتورط في مذابح البوسنة.
وحتى خلال الشهور القليلة الماضية كشفت بريطانيا مرة أخرى لعبتها الخطرة التي تقوم بها في البوسنة، فقد عملت بالتنسيق مع روسيا للتأثير على الأوضاع بطريقة لا يستطيع فيها حلف الناتو القيام بتوجيه ضربات جوية ضد المواقع الصربية حول سراييفو، إن بريطانيا كما أشار إليها عدد من المحللين المختصين في شئون منطقة البلقان، لا تريد إضعاف الموقف الصربي لأن صربيا قد لعبت دورا رئيسيًا في خلق نوع من توازن القوى في مطلع القرن الحالي والذي تسعى بريطانيا إلى تكريسه في تلك المنطقة من أوروبا.
وعقب البروفيسور شاندرا قائلا: ورغم أن قرار الحكومة الماليزية الخاصة بمقاطعة الشركات البريطانية كانت وراءه دواع واعتبارات أخرى، فإن الذين يطلبون العدل من أمثالنا لشعب البوسنة لهم الحق في الاحتجاج ضد بريطانيا.
الفضيحة البريطانية:
لقد تم إعلان القرار الماليزي في ٢٥ فبراير الماضي من خلال مؤتمر صحفي لنائب رئيس الوزراء الدكتور أنور إبراهيم، وفي نفس الوقت قام رئيس الوزراء د مهاتير محمد باستدعاء السفير البريطاني دنكان سلاتار، إلى مكتبه وسلمه رسالة إلى الحكومة البريطانية، وصرح وزير الدفاع الماليزي نجيب تون رزاق بأن حكومته سوف تتوقف عن شراء أسلحة جديدة من بريطانيا، وقال: «إننا سنلتزم بقرار مجلس الوزراء ولن نشتري أسلحة أو معدات عسكرية من بريطانيا»، وقال إن القوات المسلحة الماليزية لن تقبل أي عطاءات من الشركات البريطانية وأنها ستبحث عن مصادر أخرى للسلاح لقد بلغت قيمة التبادل التجاري بين ماليزيا وبريطانيا مبلغ ٢,٧٥ بليون دولار خلال العشرة أشهر الأولى لعام ۱۹۹۳م، كما بلغت في نفس الفترة من عام ۱۹۹۲م مبلغ ٢,٤ بليون دولار وقفزت الاستثمارات البريطانية إلى ١.٦ بليون دولار في عام ۱۹۹۲م بعد أن كانت لا تتجاوز ۱۰۰ مليون دولار في الثمانينات، وخلال السنوات الأولى قدمت ماليزيا عطاءات حكومية لشركات بريطانية بما قيمتها 6 بليون دولار.
لقد كان القرار الماليزي نابعًا من حملة إعلامية مضادة لماليزيا شنتها المؤسسة البريطانية من خلال أجهزة إعلامها تحت شعار الفساد، وكانت الحملة على وجه التحديد بقيادة مجموعة إمبراطور الإعلام اليهودي- الصهيوني روبرت مردوخ، وبالتحديد في صحيفة صنداي تايمز اللندنية، وبلغت الحملة الإعلامية ذروتها بإطلاق تهم الفساد في مشروع خزان بيرجاو (PERGAU DAM) في شمال شرق
ماليزيا، وهو مشروع حيوي لمقابلة متطلبات الطاقة المتزايدة لماليزيا، وتقويض هذا المشروع وتحت أي سبب من الأسباب- من شأنه أن يلحق أضرارًا وعواقب وخيمة بالنسبة لماليزيا.
وفي عام ۱۹۸۸م قامت رئيسة وزراء بريطانيا آنذاك مارجريت تاتشر بحث دكتور مهاتير محمد على إنهاء سياسة الشراء من بريطانيا في الأخير، والتي بدأها الزعيم الماليزي في عام ۱۹۸۱م بعد وصوله إلى رئاسة الوزارة الماليزية بفترة قصيرة.. وسعت تاتشر وأعوانها بشدة وراء الأسواق الماليزية، واستطاعت عقد صفقة لبيع فرقاطات بريطانية الصنع وقاذفات هوك (HAWK JETS) بقيمة 1.5 بليون دولار، ووضعت هذه الصفقة نهاية لسياسة الشراء من بريطانيا في الأخير.
إن الاتهامات التي بدأت تطل شيئًا فشيئًا من خلال الصحافة البريطانية وأصبحت محورًا لفضيحة تقف وراها بريطانيا، كانت تدور حول منحة قدرها ٦٣٤,٦ مليون دولار قدمتها بريطانيا لبناء خزان بيرجاو (PERGAU DAM) والتي تم ربطها بصفقة الأسلحة البريطانية، وقامت صحافة مردوخ بتفجير فضيحة السلاح مقابل العون.
وفي ۲۰ فبراير الماضي اتهمت صحيفة صنداي تايمز اللندنية مباشرة الدكتور مهاتير محمد بالفساد، وذكرت أن رئيس الوزراء الماليزي قد منح مبلغ ٥٠.٠٠٠ دولار كعمولة من قبل مؤسسة GEORGE WIMPY IN TERNATIONAL من أجل بناء مصنع لصهر الألمونيوم وأن المصنع لم يتم إنشاؤه ورغم ضعف الأدلة، فإن صحيفة صنداي تايمز جعلت عنوانها الرئيسي على صفحتها الأولى يقول: «ويمبي قدمت رشاوي لعقد صفقة لرئيس الوزراء الماليزي».
وذكر أحد الماليزيين المقربين من السلطة بأن من المؤكد أن المؤسسة البريطانية قد قررت أن توجه ضربة إلى ماليزيا، حيث إن ذريعة مسألة السد والرشاوي وخلافاتها ليست مسائل مهمة في يد بريطانيا، فقضايا الفساد مثلها مثل قضايا حقوق الإنسان، ومشاكل البيئة وغيرها من الذرائع تعتبر كلها من الأسلحة التي تستعمل ضد كل من يقاوم سيطرة تلك الدول، والحقيقة تكمن في أن البريطانيين يشعرون بأن ماليزيا، برفضها الاستدانة من البنك الدولي بدأت تشكل خطرًا.. وإن من الأمور المقبولة- إلى درجة ما أن ماليزيا وبعض دول العالم الثالث أصبحت في وضع يسمح لها بشراء بعض التكنولوجيا الحديثة من الغرب، ولكن ليس من المقبول أن تفلت تلك الدول من نطاق السيطرة الغربية وهو ما يسمى بالتفرقة التكنولوجية TECHNOLOGICAL APARH- TEID وأضاف آخر: «هناك سؤال آخر ما زال معلقًا حول ماهية الدور الذي لعبته الليدي تاتشر في كل هذا؟ لقد لعبت مارجريت تاتشر وأتباعها دور أصدقاء ماليزيا أو دور الشرطي الرقيق (SOFT COP)، ولكن من السذاجة الاعتقاد بأن الصراعات الداخلية في المؤسسة البريطانية تأخذ بعدا أكثر من اللازم، حيث تصل إلى نقطة معينة عندها تكون المصلحة المشتركة للصفوة الحاكمة هي التي تحكم السياسة البريطانية، ومن المحتمل جدًا أن تكون مجموعة تاتشر- والتي لا يمكن أن نراهن على أمانتها- لقد لعبت دورًا نشطًا في تصعيد حمى الاتهامات بالفساد في الوقت الذي تبنت فيه موقفًا معتدلًا بهدف التشويش على القيادة الماليزية.
مردوخ و«العقلية الاستعمارية»:
قال نائب رئيس الوزراء أنور إبراهيم في المؤتمر الصحفي الذي عقده للرد على الحملة الإعلامية المغرضة ضد رئيس الوزراء: إن الصحافة البريطانية قد تكون لديها أجندتها السياسية الخاصة بها، ولكننا نكره تصرفهم الفوقي وأسلوبهم المتكبر وإشارتهم الخبيثة إلى أن حكومات الدول النامية- خاصة دولة مسلمة مثل ماليزيا- تعتبر دولة فاشلة، وأن زعماها فاسدون.. إنني ممتعض شخصيًا من الهجوم على شخص رئيس الوزراء والذي إلى جانب قيادته لماليزيا في مرحلتها الحالية التي تشهد تطورًا اقتصاديًا سريعًا وناجحًا، لم يجن أي ثروات شخصية لمصلحته الذاتية.. إننا نعتقد بأن على الصحافة الأجنبية أن تعلم حقيقة أن عددًا من الدول النامية التي يقودها مسلمون ملونون لديها القدرة على تصريف شئونها بنفسها.
وأوضح أنور إبراهيم قائلًا: إن مشروع خزان بيرجاو لتوليد الطاقة الكهربائية والذي تم اختياره ليكون موضوعًا للحملة الانتقادية، قد تم التخطيط له لمقابلة احتياجاتنا المتزايدة من مصادر الطاقة الكهربائية لاستغلالها للاستهلاك المنزلي ولإدارة المصانع خلال العقود القادمة والحقيقة أننا نواجه حاليًا نقصًا في الطاقة الكهربائية بسبب التطور السريع الذي تشهده بلادنا وأوضح الدكتور مهاتير محمد قراره الخاص بمنع الشركات البريطانية من الصفقات والعقود الماليزية قائلًا: لقد تعلمنا هذا الدرس من الغرب نفسه، لقد كانوا دائمًا يستعملون الأسلحة الاقتصادية لإرغامنا على أن نكون ديمقراطيين ونحترم حقوق الإنسان والمسائل البيئية.
وكان قد سبق للدكتور مهاتير أن تهكم على وجه التحديد- بروبيرت مردوخ والأهداف المبيتة لمؤسسته، وطرح التساؤلات التالية بصراحة لماذا اشترى السيد روبيرت مردوخ ٦٤% من محطة تلفزيون ستار بمبلغ ٥٠٠ مليون دولار؟ وإذا لم يكن يسعى إلى السيطرة على الأخبار التي تدفع لها لكي نستمع إليها، فماذا يعني ذلك؟، وعندما سئل عن الجهة التي تقود الحملة الإعلامية ضده، أجاب الدكتور مهاتير: أعتقد أن جزءًا من المؤسسة الإعلامية التي يملكها مردوخ.. إن هناك داخل المؤسسة الإعلامية البريطانية من يحملون عقليات استعمارية.
وكان إمبراطور الإعلام الأسترالي هذا قد واجه حملة انتقادات خلال العام الماضي، عندما قام بشراء محطة تلفزيون ستار (STAR TV) التي تتخذ هونج كونج مقرًا لها، وتعتبر من أهم أدوات الحرب الإعلامية التي تشنها بريطانيا في منطقة شرق آسيا.
البحث عن النهضة، وتفادي «الفقاعات»:
إن هناك مجموعة قوية داخل القيادة الماليزية ومن الأنتيليجنسيا (Intelligensia) التي نذرت على نفسها أن تعمل لما هو أكثر من التنمية المظهرية الهشة (GENERIC)، ولعل في هذا ما يوضح سبب رد الفعل البريطاني الغاضب.
إن هذه المجموعة تركز بقوة على نقطة أساسية واحدة وهي كيف يمكن إطلاق شرارة النهضة (Renaissance) بحيث يتم العمل على أساس إسباغ الطابع الدولي لما يمكن أن تساهم فيه ماليزيا، وليس فقط من أجل مصلحة ماليزيا بل العالم أجمع، ففي الخطاب الذي ألقاه أنور إبراهيم في مؤتمر آسيا في القرن الحادي والعشرين، قال: «إن الدولة الصناعية يجب أن تمتلك ما هو أكثر من المصانع، ففي قلب المجتمع الصناعي تكمن قوة العقل ويجتمع العلماء وخبراء التكنولوجيا والمخترعون الذين يترجمون الإبداعات الإنسانية والأفكار العلمية إلى حقائق وإنتاجات ملموسة، إن المصانع والمعدات هي في واقع الأمر تمثل المراحل الأخيرة لحصيلة العمل التنموي، إن التصنيع الحقيقي يتطلب ثقافة علمية متوطنة في المجتمع، وقادرة على أن تتخلل النسيج الاجتماعي كله بحيث لا يمكن فصلها عن المجتمع، إن الدول الآسيوية وباستثناءات قليلة عليها أن تحقق مستوى من التنمية، بحيث يكون القطاع الصناعي مسنودًا بثقافة علمية وتكنولوجية محلية (Indigenous).. وفي نفس السياق حذر الدكتور أنور إبراهيم من مخاطر الاقتصاد الفقاعي (Bubble Economy) مثلا، التوقعات المالية التي تصدر تحت مبدأ حماية التجارة الحرة والتي يمكن أن تجعل دولة ما في قبضة دائني مدينة لندن وول ستريت وهو ما يطلق عليه تحقيق الثراء السريع واقتصاد الفقاعة، ومن المهم تنظيم القطاعات التي تكون عرضة أكثر من غيرها للتذبذب والتحول، وهي القطاعات التي يمكن أن يخلق فيها الجشع اقتصادًا فقاعيًا هشًا، ومثل هذه الفقاعات تنفجر بسرعة وتفقد مجمل الاقتصاد توازنه، وتقضي على أي إنجاز وتنجرف بمسيرة التنمية.
إن عشرات الآلاف من الكوادر المثقفة التي تلقت تعليمها في الغرب في السبعينات والثمانينات- ثم عادت إلى بلادها لتوظيف خبراتها وحصيلتها العلمية في التنمية والتقنية والتطوير، لهي الأيدي الأمينة التي يمكن التعويل عليها في حماية استقلال الدولة الإسلامية الفتية والحفاظ على مسار التطور فيها..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
العجوز الشمطاء.. تخطف أطفال المسلمين إلى نفق وظلمات «السوسيال»!
نشر في العدد 2173
110
الثلاثاء 01-نوفمبر-2022