العنوان القدس بين الإصرار اليهودي والتخاذل العربي
الكاتب وليد نمر
تاريخ النشر الثلاثاء 24-أغسطس-1993
مشاهدات 18
نشر في العدد 1063
نشر في الصفحة 26
الثلاثاء 24-أغسطس-1993
لم تحظ مدينة في العالم بأهمية تاريخية وحضارية وإنسانية لشعوب كثيرة كمدينة القدس باعتبارها مركزًا للسلام ومهدًا للحضارات عبر التاريخ الإنساني، ولعلها في الدائرة العربية الإسلامية رمز من رموز العقيدة الإسلامية، وعنوان يحمل في طياته كينونة هذه الأمة، ومهد عزتها، وليس ما أقدمت عليه العصابات الصهيونية في 21/8/1969 بحرقها للمسجد الأقصى المبارك إلا حلقة في سلسلة متتابعة على كافة المحاور والأصعدة للصراع الدائر على هذه المدينة المقدسة، والساعي لطمس الهوية الإسلامية لهذه المدينة ومعالمها الحضارية، وإحلال الرموز اليهودية المستمدة من التعاليم التوراتية والتلمودية والساعية لتهويد القدس، وإفراغها من أصحابها الشرعيين منذ بزوغ فجر التاريخ البشرى، حينما قطن هذه البقعة اليبوسيون الكنعانيون منذ آلآف السنين، وبنوا هذه المدينة الخالدة.
ونظرًا لهذه المكانة التي تحتلها القدس فقد كانت المحور الأكثر جدلًا، والقضية الأكثر بعدًا وعمقًا في تاريخ صراعنا الأولي مع اليهود؛ الأمر الذي يؤدي إلى صعوبة تجاوزها في أي حل أو تشويه تسعى الأطراف المتنازعة عليها لحل القضية الفلسطينية بالطرق السلمية عبر المفاوضات المباشرة بين أطراف النزاع، والتي استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بعد في أزمة الخليج أن ترغم كافة الأطراف بالجلوس على طاولة المفاوضات في مؤتمر مدريد، وعلى الرغم من مضي عشر جولات من المفاوضات المباشرة لم تستطع الأطراف المعنية إحراز أي تـقدم واضح وملموس في موضوع القدس الذي تم تجاوزه كلية إلى الآن نتيجة للضغوط التي مارستها إسرائيل، واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة راعية هذا المؤتمر وشرطي العالم الجديد.
وبنظرة سريعة لمواقف الأطراف المعنية بمفاوضات السلام نجد أن بحث موضوع مدينة القدس يدور ضمن المحاور التالية:
1-المحور الإسرائيلي اليهودي.
2-المحور الأمريكي والدولي.
3- المحور العربي.
المحور الإسرائيلي اليهودي:
يسعى الطرف الإسرائيلي فيما يتعلق بالقدس وعلى أرض الواقع إلى المضي قدمًا في المشروع الصهيوني بتهويد القدس؛ لإنشاء ما يسمى بمنطقة القدس الكبرى، وذلك بضم أراضي جديدة لمدينة القدس، ومحاولتها طمس المعالم الدينية والتاريخية، وتوطين اليهود في القدس الشرقية ذات الأغلبية العربية، وإن كانت تشير آخر الإحصائيات بتفوق عدد السكان اليهود (72%) على السكان العرب (28%) لأول مرة في تاريخ القدس، واتباع سياسة تضييق الخناق على السكان العرب لترك القدس، واضطرارهم للسكن في أراضي الضفة الغربية، وليس ما تقوم به إسرائيل من مشاريع لربط القدس بالمستوطنات اليهودية وعزل القدس عبر الأراضي المحتلة- إلا إحدى حلقات هذه السلسلة لفرض الأمر الواقع اليهودي على العرب والعالم أجمع.
ولعل ما يميز المجتمع الإسرائيلي وكافة الحكومات التي تعاقبت على حكم إسرائيل هو توحد موقفهم من قضية القدس، والتي يعتبرها اليهود قضية إستراتيجية غير قابلة للمساومة، فيقول إسحاق شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق «القدس كالقلب، والإنسان لا يمكن أن يتخلى عن قلبه»، وأما إسحاق رابين رئيس الوزراء الحالي (الأقل تشددًا) كما وصفته الأوساط العربية بعد فوز حزب العمل في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة- فيؤكد ترسيخ هذا المبدأ اليهودي في مقابلة أجرتها معه اللوموند الفرنسية الواسعة الانتشار في فرنسا في معرض رده على أحد الأسئلة، والتي تم نشرها في جريدة الوطن (13/7/1993) حيث قال عن موقفه من القدس الشرقية: «القدس عاصمتنا الموحدة وخاضعة لسيادتنا، ولن نقبل أي تسوية من أي نوع كان، وهذا هو موقفنا، ونتمسك به مهما كلف الأمر، ومنذ ١٩٦٧ يوجد إجماع في إسرائيل حول هذا الموضوع».
المحور الأمريكي والدولي:
لعل الموقف الأمريكي لا يختلف كثيرًا من الناحية العملية عن الموقف الإسرائيلي؛ وذلك لأنه الموقف الداعم للكيان الصهيوني (الحليف الإستراتيجي) وبالتالي فإنها تغض الطرف عن الممارسات الإسرائيلية من استيطان واستيلاء على الأراضي والمنازل، بل وصل الأمر من الدعم الأمريكي لدرجة منح إسرائيل ضمانات القروض للمضي قدمًا في مخططها التوسعي، وإن كانت الولايات المتحدة تحرص على إظهار تمسكها بالقرارات وما يسمى بالشرعية الدولية، واستطاعت الولايات المتحدة وبدعم من اللوبي اليهودي من تحييد الدور الأوروبي والدولي في هذه القضية لصالح العدو الصهيوني، وتعتبر الإدارة الحالية أكثر الإدارات الأمريكية تحيزًا لصالح إسرائيل.
ولعل هذه السياسة الأمريكية الداعمة لإسرائيل تجاه مدينة القدس والسلام بصورة عامة- بدأت بالتراجع حتى عن الأسس التي بدأت بها المفاوضات في مدريد، والخاصة بمرجعية المؤتمر، وقد استطاعت أمريكا وحتى الجولة العاشرة بتحييد موضوع القدس عن جولات المفاوضات، وترى السياسة الأمريكية بعدم إعطاء أية تعهدات أو ورقة مبادئ تمس هذه القضية، وأن الحل النهائي يجب أن يتم من خلال طاولة المفاوضات، وعلى ما يتم الاتفاق عليه بين الأطراف المتنازعة، الأمر الذي حدا الناطقة بلسان الوفد الفلسطيني أن تصف الأفكار الأمريكية بعد الجولة العاشرة للمفاوضات بأنها خرق للسياسة الأمريكية منذ عهد الرئيس كارتر، وخصوصًا فيما يتعلق بالقدس والولاية الجغرافية، الأمر الذي يرسخ فرض الأمر الواقع، والتي بموجبها تسيطر إسرائيل على مدينة القدس العربية كمدينة موحدة وعاصمة الدولة العبرية.
المحور العربي:
لعل المحور العربي هو المحور الأضعف في هذه المفاوضات الدائرة من الواقع الذي تحياه الأمة العربية، ولا يتعدى المحور العربي الفلسطيني في قضية القدس الأفكار التالية سواء ما يتم طرحه، أو ما يتم تداوله أو الموافقة عليه:
١-اقتسام العرب واليهود مدينة القدس على أساس قرارات المنظمة الدولية (342،٣٣٨).
٢-تدويل القدس وإدارتها من قبل الأم المتحدة بإدارة عربية وأخرى إسرائيلية في بلديا واحدة.
٣-تقاسم الإدارة على القدس بحيث يدير العرب القدس الشرقية، وتكون عاصمة للدولة الفلسطينية المرتقبة، وتدير إسرائيل القدس الغربية، وتكون عاصمة للدولة اليهودية.
وإن كانت إسرائيل ترفض هذه الحلول مجتمعة، وتصر على بقاء القدس موحدة تحت السيطرة اليهودية، ويمكن للعرب أن يتولوا السلطة الدينية على المقدسات الإسلامية بإدارة مشتركة مع اليهود كالمسجد الأقصى، ومسجد عمر، والقبة المشرفة، وغيرها من المقدسات والرموز الإسلامية ذات العلاقة.
إن القدس الشريف والتي تستنجد همم المسلمين، وتستحث عزائمهم ونخوتهم للدفاع عنها كإحدى مقدسات هذه الأمة- تخشى أن تكون عملية عزل الأراضي المحتلة هي بداية النهاية للتواجد العربي والإسلامي في هذه المدينة المقدسة، فهل سيأتي اليوم الذي لا يستطيع فيها أبناء القدس من زيارتها، والصلاة في المسجد الأقصى إلا بتصريح الحاكم العسكري الإسرائيلي، ومن ثم ومع مرور الزمن يزال المسجد الأقصى من الخارطة الجغرافية والواقعية لمدينة القدس بعد بناء الهيكل المزعوم؟