العنوان الكفاح الحرام والانهزام المباح!!
الكاتب د. توفيق الواعي
تاريخ النشر الثلاثاء 15-نوفمبر-1994
مشاهدات 10
نشر في العدد 1125
نشر في الصفحة 37
الثلاثاء 15-نوفمبر-1994
من يستطيع منع المظلوم من الصراخ؟ من يستطيع كبت المسروق المستباح؟ مَنْ يستطيع منع المقتول من النواح؟ مَنْ يستطيع منع الشعوب المهضومة من الكفاح؟ ماذا يصنع المسلم إذا كان يُسترخص دمه، وتُهتر كرامته، وتسوء سمعته، وتُنْهَب أمواله، وتسرق دياره؟ ماذا يصنع المسلم إذا قُطع لسانه، ودُقت عظامه، وامتهنت عقيدته، وأريد له أن يدع دينه وهو يعتقد بصحته، ويترك منهجه وهو يؤمن بسلامته، ويخرج عن انتمائه وهو جزء من حياته؟ ماذا يصنع المسلم إذا بيع في سوق النخاسة، وذُبح في ساحة العمالة، ودُفن في مزابل التاريخ؟ ماذا يفعل ذلك المقهور المستباح المهموم المقروح؟
والهم -يا للهم- في قلبي له وخز الرماح
قالوا عليل، قلت: بل والله تثخنني الجراح
أنا في الجهاد أخوض للـ إيمان معترك الكفاح
والعزم فوق ذرى النجوم تروده همم صحاح
أنا في صراع الدهر أطــــــــــــــــــــــلب للعلى ما لا يتاح
قد يرتمي جسمي ضنى والعزم لا يرمي السلاح
والواقع أن الاستعمار وأعداء الإسلام لم ينقطع لهم دأب منذ احتلوا بلادنا كي يحيلوا الإسلام ركامًا من الانقاض، ويُحولوا أهله أوزاعًا من العبيد، وبذلك يخلصون من الاثنين معًا، ولو أن الأمور سارت وفق ما يشتهون لكان الإسلام والمسلمون اليوم أثرًا بعد عين لولا أن تداركتنا عناية الله، وهل يصدق أحد حتى ولو كان مخبول العقل أن أحقاد أوروبا على الإسلام هدأت في قرن من القرون القديمة أو الحديثة، وأن عاطفتها ضد الدين النقي الطاهر قد فترت أو خفت؟! ولقد نجح الغرب في إلحاق نكبات فادحة بالإسلام والمسلمين، وإثارة دخان كثيف في آفاقه وإلحاق أذى كثير بسمعته، كما نجح في تخسير قضايا المسلمين في أنحاء الأرض وإسقاط قيمتها في المجال الدولي، وتآمر على ذبح المسلمين في فلسطين وفي أصقاع كثيرة من العالم واتجهت جهود الاستعمار إلى تفكيك الأمة الإسلامية حتى يتلاشى كيانها المادي والأدبي، ورسم مخططًا خبيثا لضرب الإسلام، وحشد له زمرًا من رجال القلم، ودهاة الأمم لتنفيذه في أمد يطول أو يقصر حسب الظروف المتاحة والمقاومة المتوقعة وكان من ذلك ما يلي:
1 - جعل القومية شعار كل دولة من هذه الدول المصنوعة، ومنع -في صراحة حينًا، وفي التواء حينًا آخر- أن يكون الإسلام روحًا للدولة أو دعامة لنظمها.
۲ - حظر الاحتكام إلى قوانين الإسلام وشرائعه المدنية والجنائية والتجارية والمالية... إلخ، وترك قوانين الأحوال الشخصية ريثما تسنح فرصة للقضاء عليها هي الأخرى.
3 - فصل الإسلام عن تقاليد المجتمع في البيت والشارع والأماكن العامة والخاصة، حتى ينظر إلى الإسلام كأنه الآثارالقديمة التي يجب تركها والاستغناء عنها.
4 - تمكين ذوي الآفات العلمية والخلقية من نهش الإسلام ونقد أصوله وفروعه والعبث بمقدساته وشعائره، وإهانة ثقافته ورجاله بواسطة أعداء الإسلام في الداخل والخارج.
5 - تربية طبقة من القادة على كراهية الإسلام، أو البعد عنه والانبهار بالغرب، وكان كمال أتاتورك مثلا جيدًا في ذلك، وجاءت بعده ثلة تهرع على إثره، يقول برنارد لويس في كتابه«The Emege Of Modern Turkey: «لم يكن سرًا أن مصطفى كمال لا يدين بدين، لذلك كان شائعًا بين الناس بعد انكشاف أمره ان الخلافة ستلغي قريبًا، وقد فزع الناس حين شاع أن مصطفى کمال اتاتورك رمى المصحف على راس شيخ الإسلام الذي كان من كبار علماء الإسلام وشخصيته محترمة، وكان جزاء ذلك أن يلقى مصطفى كمال حتفه في ساعته جزاء فعلته تلك ولكن ذلك لم يحدث ويدل ذلك على أن الزمن قد تطور تطورًا كثيرًا، ولقد كان مصطفى كمال في الحقيقة يعبد قشور الحضارة الحديثة.
٦ - فصل الدين عن التعليم العام ليخلق أجيالًا مبتوتة الصلة بالإسلام تتردد بين الجهل به والجحود له، ولذلك يقول الشاعرالإسلامي «أكبر» «يا لبلادة فرعون الذي لم يصل تفكيره إلى تأسيس الكليات، وقد كان ذلك أسهل طريق لقتل الأولاد، ولو فعل ذلك لم يلحقه العار وسوء الأحدوثة في التاريخ!، ويقول محمد إقبال: «إن التعليم هو الحامض الذي يذيب شخصية الكائن الحي، ثم يكونها كما يشاء، إن هذا الحامض، هو أشد قوة وتأثيرًا من أي مادة كيماوية هو يستطيع أن يحول جيلًا شامخًا إلى كومة من تراب» ويقول «جب»: «إن التعليم الغربي قد ترك المسلمين -في غير وعي منهم- دمية لا صلة لها بالإسلام».
كل ذلك ويُراد للمسلمين أن يكونوا «صم بكم عمي فهم لا يعقلون أو يسمعون أو يتحركون أو يتكلمون أو يجاهدون، وإلا فهم يُنبئون ويُقتلون ويُسجنون»!
ضع في يدي القيد ألهب أضلعي
بالسوط ضع عنقي على السكين
لن تستطيع حصار جهدي ساعة
أو نزع إيماني ونور يقيني!
فالنور في قلبي وقلبي في يدي
ربي وربي ناصري ومعيني!
سأعيش معتصمًا بحبل عقيدتي
وأموت مبتسمًا ليحيا بيني!
وإلا فقل لي بربك أيُباح الانهزام في أمة محاط بها، متآمر عليها، مهزومة مرصودة؟ وهل هناك أحد عنده مسكة من ضميرأو غيرة أو وطنية يقول بذلك؟!!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل