العنوان الكونجرس الأمريكي: سياسات متخاذلة وقرارات متسرعة.. استرايجية لمواجهة التحدي الأمريكي بشأن القدس
الكاتب مراسلو المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 01-يوليو-1997
مشاهدات 12
نشر في العدد 1256
نشر في الصفحة 28
الثلاثاء 01-يوليو-1997
واشنطن: د. محمد علیمات
رغم أن الدستور الأمريكي يحرم المساس بالممتلكات الدينية إلا أن الأرض المخصصة لبناء السفارة الأمريكية في القدس هي وقف إسلامي مغتصب!
الأحزاب الصهيونية تجمع على أن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل.. فعلى أي شيء يتفاوض العرب ؟
ما هي الأطر العامة للسياسة الأمريكية تجاه مدينة القدس وبالخصوص بعد قرار الكونجرس الأمريكي الأخير والقاضي بالاعتراف بمدينة القدس عاصمة أبدية للدولة العبرية، بما يترتب على ذلك من نقل للسفارة الأمريكية إلى المدينة وإقامة مبناها على أرض الوقف الإسلامي الذي تم الاستيلاء عليه من قبل وزارة المالية الإسرائيلية وتأجيره إلى الخارجية الأمريكية لإقامة مبنى السفارة عليه.
قامت سياسة الولايات المتحدة تجاه القدس ولا سيما جزءها الشرقي، على اعتبارها أرضًا محتلة يتوجب عدم المساس بمكانتها وبطابعها التاريخي والديني والسكاني من قبل أعضاء معادلة الصراع وفقا للقانون الدولي، وعليه فقد حافظت الحكومة الأمريكية على سفارتها في تل أبيب للخمسة عقود الماضية. ومنذ الخمسينيات سعت الإدارات المتتالية للتأكيد على سياساتها الهادفة إلى إرسال رسائل واضحة للحكومات الإسرائيلية بضرورة الالتزام ولو نظريًا بقرارات الأمم المتحدة بهذا الخصوص والامتناع عن اتخاذ إجراءات من شأنها المساس بسيادة وطابع المدينة، فمواقف الكونجرس الأمريكي الحالي والذي سبقه ومواقف الإدارة الأمريكية تنحو منحًا مغايرًا للسياسة الأمريكية التقليدية تجاه المدينة، ونشير في البداية إلى أن هناك تطابقًا تامًا بين مواقف الحكومة الأمريكية ومواقف الكونجرس الخاضع للسيطرة الجماعات الضغط اليهودية فيما يتعلق بمستقبل القدس ونقل
السفارة الأمريكية إليها. فقد سعت جماعات الضغط اليهودية ومؤيدوها منذ فترة طويلة على إصدار تشريعات من الكونجرس ذات طابع غير إلزامي تحث الإدارة الأمريكية على الاعتراف بالقدس كعاصمة أبدية لدولة إسرائيل، كما تحث الحكومة على نقل سفارتها إلى القدس، كما سعت تلك الجماعات إلى إصدار تشريعات تقيد من حركة السلطة الوطنية الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة وذلك من خلال ربط حركة السلطة بالمساعدات المقدمة لها التي يحددها الكونجرس ويحدد طبيعة استخدامها. وعموم القول في ذلك، فإن الكونجرس الأمريكي بمجلسي النواب والشيوخ مؤيد تمامًا للسياسات الإسرائيلية الرامية إلى تهويد المدينة المقدسة باستثناء حفنة من الأصوات الحرة التي ماتزال تدافع عن الحرية الحقيقية واستقلالية الرأي داخل المجتمع الأمريكي.
حيثيات قرار مجلس النواب الأمريكي الأخير
يعتبر التشريع الذي صدر مؤخرًا مدعمًا ومؤيدًا للتشريع الذي أصدره مجلس الشيوخ في سبتمبر عام ۱۹۹٥م والهادف إلى الاعتراف بالقدس كعاصمة أبدية الدولة إسرائيل وحث الإدارة الأمريكية على نقل سفارتها إلى المدينة المقدسة، وفيما يلي بعض النقاط المهمة في التشريع:
أولًا: وفقاً لما ورد في مرافعات المجلس، فإن هذا التشريع يواكب ما أسماه أعضاء المجلس الذكرى الثلاثين لتوحيد القدس كعاصمة أبدية للكيان الصهيوني وبذلك يقدمون التهاني للشعب اليهودي ولسكان المدينة بهذه المناسبة، كما يقدم أعضاء المجلس كافة أنواع الوعود لتسخير جهود الحكومة الأمريكية لهذه الغاية.
ثانيًا: التأكيد على استمرارية القدس كجوهر للوجود اليهودي وعلى مدار ٣٠٠٠ عام مناقضين بذلك حقائق التاريخ.
ثالثًا: أن التشريع صدر ليؤكد حق اليهود في المدينة بما أنهم الأغلبية الساحقة متناسين بذلك الجهود الإسرائيلية والتي هدفت منذ قيام الدولة العبرية إلى تقليص عدد المواطنين العرب وطردهم من بيوتهم والاستيلاء عليها وعلى أرضهم، وبناء المستعمرات وتوسيع حدود المدينة لتشمل تجمعات استيطانية يهودية.
رابعًا: اعتبر التشريع العرب معتدين على حقوق اليهود وأنهم قاموا بطرد اليهود من مدينتهم حتى استطاع هؤلاء اليهود انتزاعها بقوة السلاح وإعادة توحيدها عام ١٩٦٧م.
خامسًا: أن هذا التشريع يأتي استجابة لروح التسامح الديني التي أبدتها الحكومة الإسرائيلية منذ عام ١٩٦٧م حيال اتباع الديانات الأخرى مما يؤهلها لمواصلة الاستقرار والتسامح في المدينة!
سادسًا: التنديد بدور حكومةالأردن التي أدارت المدينة بطريقة إرهابية تعسفية، حارمة اليهود من ممارسة حقوقهم الدينية حتى تم طردهم «الأردنيين» من المدينة وإعادة توحيدها!
سابعًا: العمل على إجبار الحكومة الأمريكية على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، إلى جانب دعوة الرئيس كلينتون ووزيرة خارجيته اليهودية للتأكيد على تغيير السياسة الأمريكية علنًا بما يتمشى مع قرار المجلس.
ثامنًا: حث الرسميين الأمريكيين عن الامتناع عن أي تصريحات مغايرة لقرار الكونجرس «سعيًا لخرس الأصوات الحرة عن مجرد التنديد بالتشريع هنا، فحتى مجرد الانتقاد يحرمه القانون لكي لا تمس مشاعر الدولة العبرية المرهفة».
تاسعًا: حث الإسرائيليين والفلسطينيين على تسوية خلافاتهم والتي بنظر القانون لا تتعدى الخلافات الشكلية، أما جوهر البحث فالمدينة تخضع للسيادة الإسرائيلية بما في ذلك رعاية وديمومة الحقوق الدينية للأقليات غير اليهودية.
عاشرًا: زعم الكونجرس أن قراره السابق «مجلس الشيوخ ١٩٩٥، قد ساعد على عملية التسوية مشيرًا إلى مقولة رابين: «إن القرار ساعد جيران إسرائيل على القدوم إلى طاولة المفاوضات»، وذلك بإرسال رسائل واضحة لا تدعو للشك فيما يتعلق بموضوع القدس. وقد تبارى أعضاء المجلس الجمهوريين والديمقراطيين للتعبير عن أسبقيتهم في دعم قرار الاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة إسرائيل، إلى درجة أن بعضهم وصف الوضع الحالي بأنه «سخافة لابد من تصحيحها »على أن التبجح قد بلغ مبلغه لدى بعض أعضاء الكونجرس لدرجة الإنكار المطلق لحقوق غير اليهود في المدينة، فقد تحدى بعضهم السلطة الوطنية أن تقدم أي دليل أو
ادعاء منطقي حول أحقيتها في السيادة على القدس الشرقية، ولا حتى وجهة تاريخية باعتبار المدينة موطنًا للشعب اليهودي منذ ثلاثة آلاف سنة مؤكدين على جهلهم بتاريخ الأمم الأخرى.
موقف معارضي القرار
من ناحية أخرى شددت الأصوات الحرة في مجلس النواب الأمريكي على أن التشريع غير مبرر وله آثار سلبية متعددة منها:
أولًا : آثاره السلبية على تعقيد عملية التسوية. فعملية التسوية تمر بمأزق خطير - جراء السياسات الإسرائيلية الهادفة إلى بناء المستعمرات في الأراضي العربية ورفض الحكومة الإسرائيلية الوفاء بوعودها، من هنا فإن هذا التشريع يمثل دعمًا لحكومة نتنياهو ولسياساته التوسعية.
ثانيًا: التشريع بحد ذاته يشجع الحكومة الإسرائيلية على إقامة حقائق ملموسة يصعب إزالتها مما يؤثر من ناحية أخرى على جوهر الصراع «ومستقبل العملية التفاوضية».
ثالثًا: التشريع يضر بحقوق المجتمعات غير اليهودية في المدينة مشيرين بذلك إلى حقوق المسلمين والمسيحيين والتي تم التغاضي عنها من قبل المسيحيين أنفسهم في المجلس لغايات إرضاء الأقلية اليهودية.
رابعًا: إن الاعتراف بالقدس كعاصمة أبدية لإسرائيل ونقل السفارة إليها مخالف لروح.. اتفاقيات أوسلو التي أكدت على أن موضوع القدس يتم بحثه في الاتفاقات النهائية، وعلى ضرورة عدم قيام أحد أطراف الصراع بأي إجراءات من شأنها أن تضر بالمستقبل التفاوضي، وغني عن القول أن قرار الكونجرس يعتبر تدميرًا مباشرًا لصالح أحد الأطراف ومدعمًا لموقعه في الوقت الذي يحرم فيه الطرف الآخر من أي حقوق في المدينة.
خامسًا: التشريع يضر بمكانة الولايات المتحدة «كطرف محايد وراع العملية السلام». كما أنه يزعزع أي ثقة متبادلة بين الأطراف.
موقف الرئيس والخارجية
ليس هناك خلاف مبدئي بين الرئيس والكونجرس حول موضوع السيادة على القدس ونقل السفارة الأمريكية إليها، فهو اعتراف لا يتعدى التوقيت، فإدارة الرئيس كلينتون غير مسبوقة بتأييدها لإسرائيل ومدى اختراقها من الجماعات اليهودية، فالإدارة الأمريكية بدءًا من وزارة الخارجية والدفاع والمالية ومجلس الأمن القومي، مرورًا بوكالة المخابرات الأمريكية وانتهاء بكتبة خطب الرئيس مخترقة تمامًا، فلم يشهد التاريخ الحديث وبالأخص على مر العقود الخمسة الماضية رئيسًا في البيت الأبيض كالرئيس كلينتون، وضع سياسته الشرق أوسطية بأيدي اليهود ليشكلوها كما يشاؤون، وقد وعد كلينتون بنقل السفارة في حملته الانتخابية عام ١٩٩٢م، كما أنه لا يتوقع استخدامه لحقه في الفيتو ضد قرار المجلس، حتى ولو قام بذلك فإن المجلس قادر على نقض قراره وإعادة التصويت عليه، وفيما إذا قرر عدم الرد عليه يصبح قانونًا بعضي عشرة أيام من وروده إلى البيت الأبيض. فمواقف كلينتون متحيزة لجانب إسرائيل وعلى كافة الأصعدة داخليًا وخارجيًا وفي الأمم المتحدة. فقد قدم الرئيس كافة التسهيلات المالية لبناء المستعمرات اليهودية على الأرض العربية، ومارس كافة أنواع الضغوطات على الأردن والسلطة الوطنية ومصر وسورية، ودول عربية أخرى، والدول الأوروبية لرعاية مصالح إسرائيل لدرجة أنه لم يبق للجانب العربي ما يتم التفاوض عليه من كثرة تقديم التنازلات. كما أن زعماء الحزب الجمهوري ليسوا أقل تأييدًا لإسرائيل، فالمرشح السابق للرئاسة بوب دول - زعيم الجمهوريين - هو الذي طرح قانون مجلس الشيوخ لعام ١٩٩٥م، أما زعيم مجلس النواب جينجريتش فقد استهزا مرارًا بما أسماه مطالبة العرب بوقف الاستيطان في القدس معتبرًا الاستيطان موقفًا داخليًا، ونشاطًا طبيعيًا لدولة ذات سيادة يحق لها أن تفعل ما تشاء على أرضها. لابد من التأكيد هنا على حقيقة أن قطعة الأرض التي تجرى إقامة مبنى السفارة الأمريكية عليها في القدس والواقعة بالتحديد بين القدس الشرقية والغربية هي أرض ملك للوقف الإسلامي، وهو ما يعرف «بوقف الخليلي»، وقد تم الاستيلاء عليها من قبل وزارة المالية الإسرائيلية وتأجيرها بعقد طويل الأمد إلى الحكومة الأمريكية.
وباعتبار أن السفارات تمثل امتدادًا إقليميًا للوطن الأم ويجري عليها من القوانين ما يجري على البلد الأم، فإن الدستور الأمريكي يحرم المساس بالممتلكات الدينية كما يحرم تدخل الدولة في شؤون الأديان، وعليه فلابد من طرح قضية الاستيلاء كقضية دستورية أمام المحاكم التالية بغض النظر عن نتائجها وعن التحيزات المتوقعة:
أولًا: القضاء الأمريكي.
ثانيًا: المحاكم الإسرائيلية.
ثالثًا: المحاكم المحلية في القدس.
رابعًا: المحاكم الدولية.
إستراتيجيات تحدي قرار الكونجرس الأمريكي
إن حجم العمل المطلوب ينبع التحدي المفروض، وهو يتطلب ردًا أمميًا شاملًا
على مستوى الأمة من أقصاها إلى أقصاها، وأي فعل يفتقد تلك المواصفات محكوم عليه بالفشل، فالحملة الأممية المقاومة ومناهضة قرار الكونجرس يجب أن تبدأ من البعد المحلي المقدسي والفلسطيني إلى البعد الوطني والإقليمي والدولي والأممي، بهذا الخصوص لابد من ربط تلك الحلقات ببعضها البعض بهدف إعادة قضية القدس إلى إطارها الطبيعي الأممي وتخليصها من الادعاءات الضيقة التي أدت إلى ضياع القضية وضياع المدينة نفسها، فالقدس ليست ملكًا للفلسطينيين وحدهم، فكل مسلم له فيها من الحق ما لكل مواطن مقدسي من الحقوق والواجبات، يضاف إلى ذلك حقوق المسيحيين العرب في المدينة وواجباتهم، من هنا لابد من حملة تعبئة أممية تشد كافة الطاقات وذلك بجعل قضية القدس قضية مركزية تسخر لها كافة.
مشاريع تهويد القدس
بقلم: عبد الرحمن فرحانة
دخل ملف قضية القدس أروقة الأمم المتحدة في ٢٦ نوفمبر عام ١٩٤٧م حيث أصدرت الجمعية العامة قرارًا برقم ۱۸۱ يدعو لتدويل منطقة القدس التي تقع ما بين قريتي أبوديس شرقًا وعين كارم غربًا ومبين شعفاط شمالًا وبيت لحم جنوبًا، وطرحت لاحقًا عدة حلول منها حل المدينة المفتوحة، وشهدت ما بين ٦٧.٤٨م مرحلة التقسيم العملي بين الدولة اليهودية والأردن.
وعلى إثر حرب الخامس من يونيو عام ١٩٦٧م احتل اليهود القدس الشرقية بالكامل وفي الثالث والعشرين من الشهر نفسه أصدرت سلطات الاحتلال القانون رقم (1) الذي ينص على ضم القدس بشطريها للدولة اليهودية، وتضمن القرار توسيع نطاق منطقة بلدية القدس الجعل حدودها شمالًا مطار القدس وقرية قلنديا وقريتي صور باهر وبيت صفافا جنوبًا، ومن الغرب خط الهدنة لحرب ١٩٤٨م، وقرى أبوديس وعنانا والرام من الجهة الشرقية، وفي يوليو عام ۱۹۸۰م صوت الكنيست بأغلبية ٦٩ صوتًا مقابل ١٥ وامتناع ٣ عن التصويت لصالح ما سمي بـ «قانون القدس» الذي ينص على أن القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة إسرائيل، وهي مقر رئيس الدولة والكنيست والحكومة والمحكمة العليا، وفي سبتمبر عام ۱۹۹۳م أصدرت محكمة العدل العليا، قرارًا يقضي باعتبار المسجد الأقصى وساحاته أرضًا إسرائيلية ووضعه تحت وصاية منظمة أمناء جبل الهيكل الصهيونية، وفي تطور لاحق أصدر المستشار القانوني المكتب رئيس الوزراء نتنياهو المحامي شمعون شتاين فتوى قضائية في 9 مارس ۱۹۹۷م تفيد بأن الصلاة لليهود في ساحة المسجد الأقصى مسموح بها، وأنه ليس هناك أي إجراء قانوني
سابق يمنع من ذلك. وقد سارت هذه الإجراءات القانونية موازية لسلسلة منظمة من مخططات التهويد التي تستهدف جعل منطقة القدس الكبرى عام ٢٠٠٠م تتمدد على مساحة ١٢٥٠ كم أي ٢١٪ من مساحة الضفة الغربية وبحيث يصبح طول المدينة ٤٥ كم وعرضها ٢٥ كم، وتشير بعض التقارير الصحفية إلى أنه لم يتبق من القدس الشرقية التي يكتفي بعض العرب بالمطالبة بها سوى ١٤٪، وقد ألقت عملية التهويد بظلالها على طبيعة التصور النهائي المستقبل القدس السياسي، وفيما يلي استعراض موجز لأهم المشاريع الصهيونية حول مستقبل القدس ومن قبل كافة ألوان الطيف السياسي الصهيوني.
مشروع يعقوب حزان
قدمه زعيم حزب ألمابام آنذاك يعقوب حزان ونشرته صحيفة على همشمار في ٢٢ فبراير عام ١٩٧٦م ، ويمثل رؤية اليسار، ويدعو حزان في مشروعه لجعل القدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل، وتقسيم منطقة القدس الكبرى إلى بلديات فرعية تخضع لإدارة البلدية الكبرى للمدينة، وتشكل البلديات الفرعية حسب تركيب المناطق الديمغرافي ويعطى الاستقلال الذاتي للعرب في المجال البلدي، بشرط أن يكون التوجه العام مواليًا «لإسرائيل»، وبخصوص الجنسية يُخير السكان العرب ما بين الجنسية العربية أو الإسرائيلية، وفيما يتعلق بالذين يختارون الجنسية العربية يحق لهم التمتع بكافة الحقوق المدنية في «إسرائيل» سوى الاشتراك في الانتخابات التشريعية للكنيست، وبخصوص الأماكن المقدسة وإدارتها يدعو مشروع المابام لإعلان البلدة القديمة مدينة للسلام للأديان الثلاثة، ويقوم على إدارتها مجلس ديني يتشكل من اتباع الديانات الثلاث، أما السيادة والإدارة العامة فتكون منطقة القدس خاضعة لقوانين دولة« إسرائيل»، وما يسميه المشروع «جيب منطقة الحرم» أي المسجد الأقصى وساحته فيكون تابعًا في إدارته للمجموعة المشتركة في المجلس الديني للبلدة القديمة، وتقام فيه عريشة خاصة كمصلي لليهود وفقًا لفتوى الحاخام «موشي جورون»، وفي المرحلة النهائية إذا ما أقيم اتحاد كونفدرالي إسرائيلي - عربي ما بين اليهود والفلسطينيين فستتبع منطقة الأقصى لإدارة الاتحاد الكونفدرالي للطرفين. إمكانيات الأمة وبما يواكب حجم التحدي المفروض، على أن تلك السياسة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار المحاور التالية:
على مستوى الأنظمة العربية: غني عن القول أن سياسة التنديد، والشجب، والاستنكار، وإعلان الحزن والأسى وخيبة الأمل لم تعد كافية للرد على السياسة الأمريكية - الصهيونية، ولابد من اتخاذ خطوات عملية، وواقعية تسعى لتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع، وهو ما يتطلب:
- حملة دبلوماسية لفضح الأبعاد العنصرية لقرار الكونجرس الأمريكي، وتوضيح مخاطر تغيير السياسة الأمريكية الرسمية تجاه القدس، وعلى
كافة الأصعدة واللقاءات.
- التنسيق بين ممثلي الدول العربية والإسلامية في المحافل الدولية بما يخدم مصالحنا الأممية، ويكفل حقوقنا التاريخية في المدينة بما في ذلك الدعوة لإقامة ندوات وبث برامج تليفزيونية عن القدس، وعرض حقائق تخاطب العقل العالمي والأوروبي والأمريكي، ونشر مقالات في الصحف العالمية الرئيسية لتحريك الرأي العام العالمي لمصلحة قضية القدس.
- وضع قضية القدس وحقوقنا المقدسة في المدينة على جدول أعمال المنظمات الدولية من قبل ممثلي الدول العربية والإسلامية، ولدى المنظمات غير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان، وحتى منظمات البيئة وشرح أبعاد بناء المستوطنات ومخالفتها لحقوق الإنسان، وأبعادها في تدمير البيئة واستغلالها لصالح فئة ضئيلة وتسخير مقدرات الأمم والشعوب الخدمة أهداف فئة تقدم نفسها وباستعلاء على كل العالم.
- التنسيق بين ممثلي الدول العربية والإسلامية داخل العاصمة الأمريكية للقيام بحملة إعلامية ضد قرار الكونجرس وشرح أبعاده والإعلان صراحة للحكومة الأمريكية بأن أي تغيير في سياستها سوف يؤثر على مصالحها القومية لدى الشعوب العربية والإسلامية بما يتطلبه ذلك من شراء وقت على المحطات الرئيسية الإعلامية، والقيام بعقد مؤتمرات صحفية وشراء مساحات في الصحف الرئيسية لعرض قضيتنا العادلة للشعب الأمريكي المضلل.
- إلغاء المؤتمر الاقتصادي المزمع عقده في الدوحة في نوفمبر القادم، وتوضيح أسباب إلغائه وربطها بمواقف الحكومتين الإسرائيلية والأمريكية ومواقف الكونجرس.
- وقف التعاون الأمني والسياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي وأي نوع من أنواع التواصل مع دولة العدو، لإعطاء رسالة واضحة المعالم بأن تصرفاتها غير مقبولة إطلاقًا، وأنه لا يمكن مواصلة الحديث معها في الوقت الذي تتواصل فيه سياساتها التعسفية تجاه الأرض والوطن.
على المستوى الوطني: لابد من حملات وطنية شاملة في كافة الدول العربية والإسلامية تشارك فيها كافة قطاعات الشعب بأحزابه ومؤسساته، وجامعاته، ومدارسه، ووسائله الإعلامية، ومؤسساته الدينية والأسرية وغيرها بهدف توعية المواطن العربي والمسلم بأهمية القدس وحقوقه التاريخية والدينية في المدينة.
على المستوى المقدسي والفلسطيني: ينبغي تفعيل دور مؤسسة المقاومة للسياسات الإسرائيلية والأمريكية، وذلك ببعث روح التحدي في نفوس النشء بما يتطلبه ذلك من انتفاضة في سبيل القدس وبما يتطلبه ذلك من تضحيات تلائم
مستوى التحدي. وعلى السلطة الفلسطينية تحمل مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني صيانة لحقوقه الدينية والمدني، فمواقف السلطة دون مستوى التحدي إلى درجة أنها أصبحت غائبة، وعلى السلطة الكف عن تشجيع المؤسسات الفلسطينية على الرحيل عن القدس بحجة مخالفتها لقرارات أوسلو الهزيلة في الوقت الذي تبني فيه إسرائيل المستعمرات وتهدم بيوت الفلسطينيين وتحرمهم من حقهم في الإقامة في المدينة. إن إستراتيجية بهذا المستوى ستظهر آثارها العملية قريبًا وتجبر الكونجرس الأمريكي والحكومة الأمريكية والإسرائيلية والدول الداعمة الدولة إسرائيل بمراجعة حساباتها، وأخذ الحقوق العربية والإسلامية بعين الاعتبار والتوقف عن سياسات الغطرسة الهادفة إلى تدمير مقدساتنا وتهويد القدس .
رؤية حزب العمل «الوسط»
خلال استقراء المشاريع المطروحة من قبل ساسة حزب العمل ابتداء من مشروع ألون عام ١٩٦٧م مرورًا بمشروعات أبا إيبان عام ١٩٦٨م ومشروع جولدا مائير عام ۱۹۷۱م ومشروعي بن غوريون وديان عام ۱۹۷۲م ووثيقة غاليلي عام ٧٣م ومشروع بيريز عام ١٩٨٩م وحتى ما يسمى بوثيقة بيلين - أبو مازن عام ١٩٩٦م، تتضح رؤية حزب العمل حول مستقبل القدس التي تؤكد على مبدأ وحدة القدس بشطريها تحت السيطرة الإسرائيلية، وحول مستقبل الفلسطينيين الذين يقطنون في القدس، إذ سيتمتعون بحقوق المواطنة دون حق المشاركة السياسية الكاملة، والتطور الملحوظ الذي يمكن استشعاره في موقف حزب العمل، هو ما ظهر في وثيقة بيلين - أبو مازن عام ١٩٩٦م حيث دعت الوثيقة لإنشاء عاصمة رمزية للكيان الفلسطيني في قرية أبوديس المحاذية للقدس شرقًا وتقع خارج المجال البلدي للمدينة.
مشروع دوري غولد ١٩٩٦م: يعتبر هذا المشروع عينة تمثل وجهة النظر اليمينية، وقد أعده مستشار نتنياهو الحالي دوري غولد المركز يافي للدراسات الإستراتيجية التابع لجامعة تل أبيب عام ١٩٩٦م.
ويستعرض غولد في دراسته الحلول الممكنة بشأن ملف القدس ويصنفها في ثلاثة اتجاهات: الحل الجغرافي، البلدي، الديني، وفي معرض مناقشته لهذه الخيارات يرى غولد باستحالة الحل الجغرافي لأسباب تخص الجانب الفلسطيني الذي يراه منقسمًا في مرجعيته تجاه هذا الخيار، فبعض الفلسطينيين في نظره يعودون في مرجعيتهم لحل «الكيان المنفصل»، حسب خط التقسيم لعام ١٩٤٧م، والبعض يميل إلى الرجوع للوضع الذي كانت عليه القدس ما قبل عام ١٩٦٧م، أما فيما يتعلق بالموقف الصهيوني فيعتقد بأن التنازلات بخصوص القدس- إسرائيليا - غير ممكنة لأنه سيؤدي إلى تفسخ نسيج المجتمع «الإسرائيلي»، باعتبار قضية القدس من قضايا الإجماع الوطني، وبالتالي لن تجرؤ أي حكومة «إسرائيلية »على الدنو من هذا الخط الأحمر الذي يمثله هذا الخيار.
ويلمح غولد بإمكانية التوصل إلى تفاهم بشأن المصالح الدينية الإسلامية التي تشكل المطلب الأساسي على المستوى العربي الرسمي، وقد تتحول هذه الصيغة المدخل حقيقي في ترسيم الحل النهائي لما يمكن أن ينجم عنها من تفاهمات خاصة، وما ستولده من نمط جديد من التعايش والمفاهمة، وتعزيزًا للموقف «الإسرائيلي» حول مسألة القدس يقترح غولد الضغط بأقصى قوة لمنع قيام الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية، لأن ذلك في نظره سيستدعي قيام هذه الدولة بالتوجه نحو القدس كعاصمة لها، كما يدعو إلى التوصل إلى ترتيبات خاصة مع الأردن بشأن القدس بهدف إضعاف الموقف الفلسطيني.
تفاهم الليكود والعمل
ولأن قضية القدس تشكل موقفًإستراتيجيًا ونقطة وفاق وطني لدى كافة الأحزاب الصهيونية، فقد كانت من النقاط الثابتة التي تم الاتفاق عليها ما بين الحزبين الكبيرين الليكود والعمل في المفاوضات التي جرت مؤخرًا بشأن المبادئ العامة للحل الدائم مع الفلسطينيين، وقد تضمنت وثيقة إيتان - بيلين التي تولدت عن هذه المفاوضات ونشرتها صحيفة معاريف في ١٤ يناير عام ۱۹۹۷م على نقاط أساسية بشأن القدس منها:
-القدس هي العاصمة الموحدة «لإسرائيل».
-إيجاد تسوية خاصة متفق عليها بين الأطراف حول الأماكن المقدسة.
-الفلسطينيون في القدس العربية سيحصلون على سلطات بلدية لإدارة شؤونهم الحياتية في المدينة.
وختامًا يتسائل المرء بمرارة بعد قراءته لهذه الرؤى الصهيونية تجاه مستقبل القدس ويغالبه السؤال القائل : ماهي الإستراتيجية العربية والإسلامية نحو المدينة المقدسة.. بل أين ما يسمى بلجنة القدس العتيدة ؟؟..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
«الخطة الخمسية».. التهويد الشامل للقدس ومحو هويتها العربية والإسلامية
نشر في العدد 2183
30
الجمعة 01-سبتمبر-2023