العنوان اللعبة الشيطانية في لبنان
الكاتب عبدالله الصالح
تاريخ النشر الثلاثاء 30-ديسمبر-1980
مشاهدات 16
نشر في العدد 509
نشر في الصفحة 16
الثلاثاء 30-ديسمبر-1980
بريطانيا وفرنسا غرستا جذور اللعبة الشيطانية في لبنان
هل سيشهد لبنان حقًّا تطورات خطيرة في خريطته الجغرافية عام 1981؟!
إجماع دولي على إيجاد كيان طائفي صليبي في لبنان بالرغم من تعدد الفئات المتصارعة فيه!
الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان هو المستهدف من الصليبية والصهيونية.
التقارير السياسية التي تخرج من لبنان كثيرة.. ولبنان اليوم يبدو وكأنه ينظر في المرآة العاكسة لطبيعة الأوضاع السياسية والعسكرية التي افتعلتها بريطانيا وفرنسا في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.. بل إن الحالة اللبنانية على ما يراه بعض المراقبين الإسلاميين هي الثمرة المرة للتكريس الذي امتد على مدى قرن كامل بفعل التدخل الأجنبي في أرض المسلمين اللبنانية.
لم يكن لبنان في يوم ما بلدًا للنصارى ودولة للصليبيين على مدى التاريخ.
ولم يكن للطوائف الإسلامية موقع سياسي في لبنان إلا في عهد الجاهلية الجديدة.
- ولكن دورة الدهر على مدى قرن أفرزت لبنانًا يئن على سكين القوى التي تذبح كل يوم فيه نبضًا. فالمراقب اليوم لا بد وأن يكتشف التقسيم الجديد- القديم الذي أرادته القوى الصليبية منذ القدم.
خطة شيطانية:
هذا تعبير حديث أطلقه نصراني تسلم سدة الحكم في سنوات ماضية في لبنان، إنه تعبير لسليمان فرنجية أحد أطراف النزاع الداخلية الظاهرة في لبنان. ونحن نسوق ما ذكره عن واقع لبنان لا لمجرد الاستشهاد بقوله، بل للوقوف على حقيقة اللعبة التي ينفذها فرنجية وزعامات أخرى في لبنان. يقول فرنجية في مقابلة مع جريدة القبس الكويتية:
«إن لبنان لا يزال يعيش أجواء طريقة شيطانية ورطتنا كلنا في الأحداث»
وهو يوضح ذلك بقوله: «جاءت الأحداث نتيجة مخطط مرسوم اشتركت فيه كل الأطراف دون أن تدري ما هي الطريقة الشيطانية التي جرتنا كلنا إلى ذلك».
ثم يوضح فرنجية طرفًا من تصوره للعبة اللبنانية بقوله:
«كانت الخطة تعنى بتهجير المسيحيين، وتوطين الفلسطينيين مكانهم.. لكنها تغيرت الآن، فهي تعمل لتوطين الفلسطينيين في الجنوب، بدون أن تطرد المسيحيين من لبنان»
ويضع فرنجية حدًّا لاستقرار الأمور اللبنانية فيقول:
«إن الأمور لن تتحلل قبل نهاية عام 1982؛ لأن انتخاب أي رئيس لبناني يكون قادرًا على تحمل المسؤولية إنما يعني نهاية الأزمة»
ماذا عن واقع الخطة؟
إن الواقع اللبناني يشير فعلا إلى أن هناك خطة شيطانية دبرت للبنان، ولعلنا نخالف فرنجية الذي لا بد أنه يعتقد أن هذه الخطة وجدت وبدأت في نهاية حكمه للبنان عام «1976»، وإذا فتحنا الصفحة اللبنانية خلال قرن مضى، فإننا لا بد أن نقف على الحقائق التالية التي توضح لنا خطوط الخطة الشيطانية وعناصرها :
كان لبنان قطعة من بلاد الشام... وبعد التقسيم الأول الذي حصل بين بريطانيا وفرنسا عام «1917» والذي سمي باتفاقية «سايكس بيكو» كانت سورية بما فيها لبنان من حصة الفرنسيين.
مهّد الفرنسيون والإنكليز للعبة الشيطانية قبل ذلك بإدخال العنصر النصراني إلى لبنان، حيث قامت بريطانيا بدفع فئات كثيرة من نصارى فلسطين للسكن في لبنان. وعملت من أجل ترغيبهم إلى تأمين الامتيازات بواسطة الحكام المحليين آنذاك. كما دعي قسم كبير من نصارى دمشق للهجرة إلى لبنان.. يضاف إلى ذلك أن فئات نصرانية أوربية أخرى هاجرت إلى لبنان بإيعاز من حكوماتهم في اليونان وفرنسا وإيطاليا وغيرها.
ودخل الفرنسيون سورية الكبرى «عام 1920» ليكرسوا وجود النصارى حول جبل لبنان، وفي المواقع الإستراتيجية في بيروت التي صارت عاصمة لبنان بعد تقسيم سورية الكبرى. ثم عمل الفرنسيون على تقسيم لبنان إلى ما يشبه المديريات، بحيث يتم الوجود النصراني في مناطق خاصة، وتم خلال ذلك تغليب العنصر النصراني على الساحة السياسية العامة.
خرج الفرنسيون من لبنان عام «1945» تاركين الوراثة السياسية للنصارى تحت اسم الأكثرية، وذلك بعد تقسيم المسلمين إلى قسمين «سنة وشيعة» بحيث يمثل الحكم فئات ثلاث كل منها على حدة «النصارى- السنة- الشيعة»، وبذلك يكون النصارى في مستقبل الحسبة الفرنسية هو الأكثرية الجماهيرية والنيابية؛ الأمر الذي يؤهلهم إلى السيطرة السياسية في لبنان.
كل هذه تعتبر في نظر المراقبين الإسلاميين بعضًا من جذور المشكلة اللبنانية التي يزعم النصارى أنها مشكلة حديثة.. أو أنها مشكلة الوجود الفلسطيني في لبنان أو في أجزائه.
فكتائب الصليبية في لبنان تزعم أنها تخوض معركة تحرير الجنوب لبنان بصريح العبارة من الفلسطينيين، ترى لو كان هؤلاء الفلسطينيون مارونًا أو أقباطًا أو غير ذلك من فئات النصارى.. هل قام نصارى لبنان بفعلهم هذا؟
واليهود في فلسطين المحتلة يصورون الحال اللبنانية على أنها مأساة نابعة بسبب الوجود الفلسطيني فيها.. وهم من أجل ذلك يبررون ما يقومون به من أعمال في الساحة اللبنانية.. ومن ذلك عون النصارى على إيجاد الدولة الصليبية في الجنوب.. ويتم خلال هذا التبرير:
ضرب الفلسطينيين.
ضرب الاتجاهات التي تتعاطف مع النصارى والمارون.
العمل على تحييد الجنوب كدولة شرعية معترف بها.
وإذا كان هذا فعل اليهود والنصارى... فما هي ردة الفعل العربية والإسلامية؟
هذا واقع يحدث في لبنان، بينما البعض واقف يتفرج!!!
تشاؤم في باريس ونيو يورك :
وكالات الأنباء الأجنبية التي تزيد في الطينة بللا، والتي تدأب دائما على التغطية الملائمة لتحرك القوى الكبرى.. بدأت منذ فترة تمهد «لكهربة» الأجواء اللبنانية انتظارًا لما يمكن أن يسمى بالحل النهائي لمشكلة لبنان.
فأزمة ما يسمى بالشرق الأوسط تلقى الآن طروحًا جديدة من الحلول.
والقسم الأكبر من الزعامات العربية متفق على إنهاء دور قوات الردع في لبنان.
وقضية لبنان هي جزء من مشكلة الشرق الأوسط.. والردع الموجود على الأرض اللبنانية هو جزء من المشكلة...
في هذا الوقت تماما.. تتناقل وكلات الأنباء بعض مزاعم التشاؤم فتقول على لسان بعض المسؤولين اللبنانيين بعد جولات لهم في أوربا وأمريكا، وذلك كما أشارت إليه مجلة الحوادث في عددها الصادر بتاريخ 19/12/1980:
وزير الأنباء اللبناني ميشال أده وسفير لبنان الدائم لدى الأمم المتحدة غسان تويني متشائمان من عام 1981.
الوزير زار فرنسا في الأسبوع الماضي ونقل عن لسان بعض المسؤولين الفرنسيين بأن المعلومات المتوفرة لديهم تؤكد أن لبنان مقبل على تطورات خطيرة قد تؤدي إلى تفجيرات في خريطته الجغرافية. ويرى الفرنسيون أن كل أنواع التقسيم واردة في لبنان عام 1981.
والسفير تويني، بدوره عاد من لبنان إلى مركز عمله في نيويورك فوجد معلومات خطيرة بانتظاره، نقلها فورًا إلى الخارجية في بيروت. والمعلومات كان يجري تداولها على ألسنة الديبلوماسيين الأوروبيين في المنظمة الدولية، وتفيد أن إسرائيل تعتزم «احتلال جزء من أراضي جنوب لبنان وتقديمه لتوطين الفلسطينيين».
نعم هكذا تروج وكلات الأنباء المأجورة مع الصحافة الأوروبية التي لا تريد الخير للمنطقة أبدًا. وإذا كان لمثل هذه الأخبار أن تخفي تحت صداها أمرًا ... فإن ذلك ينحصر في شيئين :
الأول: التعمية والتعتيم على حقيقة الفعل الذي توجهه الدول الكبرى وتريد حصوله في المستقبل.
الثاني: أن المشكلة اللبنانية وصلت إلى طريق دخلت فيه بحيث لا تحل إلا بحل مشكلة الشرق الأوسط.
وإذا كانت المشكلتان مقترنتين معًا... فإن لا غنى في نظر الدول الكبرى عن المساومة ...
فكما أن مسألة الشرق الأوسط والاختلاف في المواقف المعلنة للدول الكبرى حولها ينطلق من مفهوم توازن القوى والرغبة في السيطرة والنفوذ، فإن المشكلة اللبنانية دخلت منذ عام 1976 في اللعبة نفسها.. لعبة توازن القوى.. وهي اللعبة التي ينفذها «اليمين لحساب الغرب.. واليسار لحساب روسيا الشيوعية» وبين الطرفين عشرات من الفئات المتنافسة يدخل بينها المرتزقة واللصوص وعملاء بعض الأنظمة التي تتصور أنه من الضروري أن تستخدم الورقة اللبنانية كلما أرادت أن تمرر مصلحة لها.
لكن.. مهما اختلفت الفئات المتصارعة في لبنان.. فإن هناك حدًّا يتفق عليه المحركون الدوليون.. وهو إيجاد الكيان الصليبي الطائفي كدولة شرعية معترف بها في أجزاء متعددة من دولة لبنان.
الرأس الفلسطيني مطلوب حالا :
اليهود والنصارى في لبنان وفلسطين... وصلوا إلى قناعة تامة مفادها أن الرأس الفلسطيني الموجود في لبنان يجب أن يوضع على المذبح.. وإذا كان ما حصل من قتل ثلاثة من الجنود السوريين في لبنان على أيدي القوات الإسرائيلية قد حصل بالخطأ. فإن حكومة العدو وصحفها تصرح دائمًا وبكل وضوح أن الردع لم يكن في وقت من الأوقات مستهدفًا.. وإنما الهدف هو تصفية الوجود الفلسطيني.
تقول صحيفة جيروزاليم بوست معلقة على الموقف في الجنوب اللبناني:
«حرب إسرائيل ضد المخربين لن تنتهي إلا حين يترك المخربون أسلحتهم، ويتخلون عن أعمالهم العدوانية، وطالما لم يتحقق ذلك فالحرب ضدهم عادلة ومستمرة مهما كان موقف الولايات المتحدة»
وهذا يشير بكل وضوح إلى ما ذهبنا إليه لأن الوجود الفلسطيني، ولا سيما الوجود المسلح هو الوجود الوحيد الذي قد يشكل عائقًا أمام ما تصبو إليه الصليبية واليهودية في لبنان.. ولا سيما الجنوب.
ولكي تتضح الصورة بالمقصود الحقيقي من التعاون الماروني- اليهودي على الساحة اللبنانية- فإن الصحيفة نفسها تستطرد قائلة:
«من الخطأ أن يهدد الرائد سعد حداد بإجراءات انتقامية ضد القرى داخل سوريا ردًّا على قصف عدد من القرى في منطقة الحدود، وربما يظن الرائد حداد أن من مصلحته ومصلحة أفراد المليشيات التابعة له وكذلك من مصلحة الجيش الإسرائيلي استفزاز السوريين غير أنه في مثل هذه الحال تقول الصحيفة يجب إفهامه -أي الرائد حداد- أن السوريين الذين يواجهون وضعًا داخليًّا غير مستقر... لا يحتاجون إلى ذلك».
جيروزاليم بوست- 22/12/1980
وإذا عدنا الآن قليلا إلى ما ذكرناه في بداية المقال عن اللعبة الشيطانية... أو كما أسماها «فرنجية» الخطة الشيطانية.. ووازنا بين ما حاول الفرنسيون والإنكليز تحقيقه في لبنان عبر عقود التاريخ الحديث.. وبين ما هو حاصل في لبنان حاليا.. لوقفنا بالتأكيد على خطوط اللعبة الوضيعة التي يديرها الغرباء المستعمرون، وينفذها النصارى واليهود وبعض العرب، وذلك وفق أدوار قد تبدو مختلفة. إلا أنها في حقيقة الأمر لا تخرج عن الهدف الواحد، وهو إيجاد الكيان الطائفي الصليبي المستقل في لبنان.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل