العنوان رسائل الأخاء- الله
الكاتب الشيخ نادر النوري
تاريخ النشر الثلاثاء 24-أغسطس-1993
مشاهدات 15
نشر في العدد 1063
نشر في الصفحة 36
الثلاثاء 24-أغسطس-1993
إن المسلم لا يعرف اليأس؛ لأنه لا ييأس من روح الله إلا الكافرون، ولا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، فمهما ادلهمت الخطوب، وتتابعت المحن، واشتدت الصعوبات، وعصفت بالأمة الأعاصير فلا بد يومًا أن يأذن الله بالفرج، والمتتبع للتاريخ يرى أن الأمة ما إن تولت وأعرضت عن كتاب ربها وسنة نبيها إلا وابتلاها الله بالخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات؛ ليعيدها إلى رشدها، وليملأ قلوبها بالرجاء ممن يملك إجابة الدعاء، ومن غير الله يقدر على ذلك؟
لقد قالها الأنبياء والمصلحون لما تقطعت بهم الأسباب: ﴿مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ (سورة البقرة: ٢١٤)، ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ، فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ، وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ، وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ، تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ، وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ (سورة القمر: ١٠، ١٥).
إننا بحاجة إلى الالتجاء إلى الله، ذلك الاسم الأعظم الذي تكرر في القرآن ألفين وستمائة وسبعة وتسعين مرة.
لذا يجد القارئ والسامع لكتاب الله -عز وجل- سمة غالية من سماته ومكررة في آياته؛ إنه جعل الشأن الأول في حديثه المعجز أن يذكر الله، ويذكر به وبشئونه التي يبديها في الأنفس والآفاق، ويعرض ذاته العليا في عالمي الخلق والأمر، يفتتح بها الآيات، ويختمها أو يفصلها أو يستغرقها كلها، إنه يدق على القلوب، يفتح مغاليقها، ويقتحم أسداءها حتى ينفذ إلى مسارب النفس، وينيرها بنور الله.
الله اسم الله الأعظم جملة الأسماء راجعة إليه، تبدأ الأمور وتختتم به، وتعليق كلمة التوحيد ورسالة الرسول -صلى الله عليه وسلم- به: «لا إله إلا الله محمد رسول الله» به يبدأ المصلون، ويدعو الداعون، ويبدأ الحجاج والمعتمرون والغزاة وأحوال الخلق مرتبطة به، بقولنا الله أكبر، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والحمد لله، وهو الثناء الكامل على الله مع التعظيم باللسان والأركان والجنان، الثناء على الله بأسمائه الجليلة، والشكر على نعمه الجزيلة، والمدح لأفعاله الجميلة.
نحن نبتدئ بالحمد لله في كل أمر ذي بال في الكتب والتعليم والخطبة والنكاح ودعاء الاستفتاح في الفريضة والقيام، وفي قراءة الفاتحة والحمد في الركوع والسجود، والرفع من الركوع، وبعد الصلاة، وبدء الدعاء وختمه، والحمد عند حصول نعمه أو اندفاع مكروه: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّه﴾ (سورة الأعراف: ٤٣)، ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ (سورة إبراهيم: ٣٩).
ونحمد الله بعد العطاس، ونحمده في الصباح والمساء، الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور، ونحمد الله عند موت الولد، ونحمده عند رؤية ما نحب ونكره، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والحمد لله على كل حال، ونحمده عند رؤية المبتلين، ونحمده عند دخول السوق، وعند ركوب الدابة، والأكل والشرب، والقيام من المجلس، والخروج من الخلاء، والاستيقاظ من النوم، وعند الإيواء إلى الفراش، وعند النظر في المرآة أو السؤال عن الحال: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ ۗ آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (سورة النمل: ٥٩).
فالحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأن ما بين السماء والأرض، فالحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، فالله أحد حمد مقصود في الحوائج، وهو على كل شيء قدير، عزيز لا يزل، هو الغنى ذو الرحمة، لطيف بعباده، عالم بأسرارهم وأحوال المصلح والمفسد الفضل بيده يؤتيه من يشاء.
غالب على أمره، قاهر فوق عباده، فالله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين، قاهر الجبارين، وكافي عباده المؤمنين: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ (سورة الزمر: ٣٦)، ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ (سورة النحل: ٥٣)، ﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ (سورة إبراهيم: ٣٤).
فنحن بحاجة إلى إحسان الظن بالله -تعالى-: ﴿وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (سورة فصلت: ٢٣).
قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه» رواه مسلم، وفى الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم-: «يقول الله -عز وجل- أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء».
وبحاجة إلى الرجاء في الله، وهو الاستبشار بجود وفضل الرب -تبارك وتعالى- والارتياح لقضائه وقدره، ومطالعة كرمه وجوده، وفي الحديث القدسي: «يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي».
والرجاء عبودية، وتعلق بالله من حيث أسمائه «المحسن، البر، الرحيم، اللطيف» ولولا التعلق بالرجاء تقطعت نفس المحب تحسرًا وتمزقًا.
لولا الرجا يحدو المطي لما سرت
بحمولها لديارهم ترجو اللقا
والله -سبحانه- يمت اليائسين ويحب من عباده أن يؤملوه ويرجوه فهو الملك الجواد، فهو أجود من سئل، وأرأف من ملك، وأوسع من أعطى، وأحب العباد إليه الملحون في الدعاء، ومن لم يسأل الله يغضب عليه، والحديث عن الله من شأنه أن يملأ القلب بالرجاء؛ لأنه يجد ظهره مسنودًا بيد الذي بيده ملكوت السموات والأرض.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل