العنوان اللهم بارك لنا في شعبان.. وبلغنا رمضان
الكاتب عصمت عمر
تاريخ النشر السبت 24-يوليو-2010
مشاهدات 15
نشر في العدد 1912
نشر في الصفحة 52
السبت 24-يوليو-2010
سمي شهر شعبان بذلك الاسم لأن العرب كانوا يتشعبون فيه لطلب المياه، كما أن العرب كانت تتشعب فيه «أي تتفرق»؛ للحرب والغارات بعد قعودهم في شهر رجب، وقيل: لأنه شعب أي ظهر بين شهري رجب ورمضان، ويجمع على شعبانات وشعابين. وأحب الأعمال إلى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في شعبان كانت: كثرة صيامه صلى الله عليه وسلم في شعبان؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان».
وقد ورد عن عائشة أيضًا قولها: «لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله»، ما أثار تفسيرات مختلفة بين العلماء حول تضارب الحديث عن أنه كان يصوم أغلب شعبان أم شعبان كله مثل رمضان، ورجح الجميع أنه كان يصوم صلى الله عليه وسلم أغلب شعبان ولكن ليس كله، وأن معنى صيامه كل شعبان «صيامه من أوله ووسطه وآخره»، وفي هذا يقول القاضي عياض: «وقيل: يعني بصومه كله أي: يصوم في أوله ووسطه وآخره، لا يخص شيئا منه ولا يعمه بصيامه». وقال العلماء: وإنما لم يستكمل غير رمضان لثلا يظن وجوبه.
حكمة الإكثار من صيام شعبان
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: «ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم». وقال ابن رجب في بیان وجه الصيام في شعبان: «وفي قوله: «يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان» إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه، إما مطلقًا، أو لخصوصية فيه لا يتفطن لها أكثر الناس، فيشتغلون بالمشهور عنه، ويفوتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم».
سمي «شعبان» لأن العرب كانوا يتشعبون فيه لطلب الماء والحرب
السنة صيام أغلب شعبان وليس كله.. فهذا في رمضان فقط
قيام ليلة النصف من شعبان وصيام نهارها سنة مؤكدة
والمعنى الثاني المذكور في الحديث هو أن شهر شعبان ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يرفع عمله وهو صائم، وذكروا لذلك معنى آخر وهو التمرين الصيام رمضان، قال ابن رجب: «وقد قيل في صوم شعبان معنى آخر، وهو أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان، لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط».
وعن سبب إكثاره صلى الله عليه وسلم من الصيام في شعبان دون المحرم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد المفروضة صلاة الليل».
وقد استشكل العلماء إكثاره صلى الله عليه وسلم من الصيام في شعبان مع تصريحه بأن أفضل الصيام بعد رمضان صيام المحرم؟! وقد أجاب النووي عن ذلك فقال: «لعله لم يعلم فضل المحرم إلا في آخر الحياة قبل التمكن من صومه، أو لعله كانت تعرض فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه كسفر ومرض وغيرهما».
الصيام في آخر شعبان
ثبت في الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: «هل صمت من سرر هذا الشهر شيئًا؟، قال: لا، قال: «فإذا أفطرت فصم يومين»، وفي رواية البخاري: «أظنه يعني رمضان»، وفي رواية لمسلم: «هل صمت من سرر شعبان شيئًا؟» (أخرجه البخاري: ٤/٢٠٠، ومسلم: ١١٦١).
وقد اختلف في تفسير السرار، والمشهور أنه آخر الشهر، يقال: «سرار الشهر» بكسر السين وبفتحها، وقيل: إن الفتح أفصح، وسمي آخر الشهر سرارًا لاستسرار القمر فيه «أي لاختفائه»، فإن قال قائل: قد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين، إلا من كان يصوم صومًا فليصمه» (أخرجه البخاري:١٩٨٣، ومسلم:۱۰۸٢)، فكيف نجمع بين حديث الحث وحديث المنع؟!
والجواب: قال كثير من العلماء وأكثر شراح الحديث: إن هذا الرجل الذي سأله النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن له عادة بصيامه، أو كان قد نذره فلذلك أمره بقضائه، وقيل في المسألة أقوال أخرى، وخلاصة القول: إن صيام آخر شعبان له ثلاث أحوال:
أحدها: أن يصومه بنية الرمضانية احتياطًا لرمضان، فهذا محرم.
والثاني: أن يصام بنية النذر أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة ونحو ذلك، فجوّزه الجمهور.
والثالث: أن يصام بنية التطوع المطلق، فكرهه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بالفطر؛ منهم الحسن - وإن وافق صومًا كان يصومه - ورخص فيه مالك ومن وافقه، وفرق الشافعي والأوزاعي وأحمد وغيرهم بين أن يوافق عادة أو لا.
وبالجملة فحديث أبي هريرة - السالف الذكر - هو المعمول به عند كثير من العلماء، وأنه يكره التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له به عادة، ولا سبق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصلًا بآخره؛ فإن قال قائل: لماذا يُكره الصيام قبل رمضان مباشرة «لغير من له عادة سابقة بالصيام»؟
والجواب هنا له معان، منها: ألا يزاد في صيام رمضان ما ليس منه، كما نهى عن صيام يوم العيد لهذا المعنى، ولهذا نهى عن صيام يوم الشك «هو اليوم الذي يشك فيه هل هو من رمضان أم لا؟»، والمعنى الثاني: الفصل بين صيام الفرض والنفل، فإن جنس الفصل بين الفرائض والنوافل مشروع، ولهذا حرم صيام يوم العيد ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن توصل صلاة مفروضة بصلاة حتى يفصل بينهما بسلام أو كلام.
في هذا الشهر ليلة عظيمة هي ليلة النصف من شعبان، عظم النبي صلى الله عليه وسلم شأنها في قوله: «يطلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان؛ فيغفر لجميع خلقه إلا المشرك أو مشاحن»، فمن دعا غير الله تعالى فقد أشرك، ومن سأل غير الله فقد أشرك،
أعمال لا أصل لها لدى أي من السلف:
تخصيص ليلة النصف بدعاء في المساجد
قراءة سورة «يس»
الصلاة ركعتين بنية طول العمر وركعتين أخريين بنية الغنى عن الناس والدعاء..
ومن زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم وسأله قضاء الحاجات فقد أشرك، ومن ذبح لغير الله فقد أشرك، ومن توسل بأضرحة أولياء الله الصالحين عند قبر الحسين أو المرغلي أو السيدة زينب أو إلى غير ذلك من الأضرحة وسألهم الحاجات فقد كفر وأشرك.
وكذلك من كانت بينهما شحناء وعداوة لا يغفر الله لهما حتى يصطلحا.. سبحان الله يستصغر الناس مثل هذه الأمور.. لذلك ترى اليوم في مجتمعنا ظهور هذه الصفات الذميمة بين أفراده، وخصوصًا الذين يعمرون المساجد يبغض بعضهم بعضًا لمجرد أمر حقير لا يستحق أن يذكر، وليكن الذين هم على شحناء وعداوة على علم ودراية بخطورة هذا الأمر، وأن الشحناء والبغضاء بين أخوة الإيمان سبب في عدم قبول صلاتهم، وعدم قبول أعمالهم، وعدم تطلع رب العزة والجلال إليهم في ليلة النصف من شعبان.
الأعمال المستحبة في ليلة النصف:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلها، وصوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء فيقول: ألا مستغفر فأغفر له؟ ألا مسترزق فأرزقه؟ حتى يطلع الفجر»، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «يعجبني أن يفرغ الرجل نفسه في السنة أربع ليال: ليلة الفطر، وليلة الأضحى، وليلة النصف من شعبان، وأول ليلة من رجب». ومن أفضل الأعمال في شهر شعبان هو صيام النصف منه وآخره فللصائم أجور جمة وللداعي إجاباته.
البدعة في إحياء ليلة النصف
لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن أهل القرون الأولى أنهم كانوا يتجمعون في المساجد لإحياء هذه الليلة، ويتلون دعاء خاصًا ويقيمون صلوات خاصة كالتي نعرفها في بعض بلاد المسلمين، فبعض البلاد يتجمع الناس فيها بعد المغرب في الجوامع، ويقرؤون سورة «يس» ثم يصلون ركعتين بنية طول العمر، وركعتين أخريين بنية الغنى عن الناس، ثم يتلون دعاء لم يؤثر عن أحد من السلف، وهو دعاء طويل مخالف للنصوص ومتناقض، ومتعارض في معناه أيضًا، ففي هذا الدعاء يقول الداعي: اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيًا أو محرومًا أو مطرودًا أو مقترًا علي في الرزق، فامح اللهم بفضلك شقاوتي، وحرماني، وطردي، وإقتار رزقي، أثبتني عندك في أم الكتاب سعيدًا مرزوقًا موفقًا للخيرات كلها، فإنك قلت قولك الحق في كتابك المنزل على لسان نبيك المرسل ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)﴾ (الرعد )!
وهذا الدعاء متناقض؛ لأن معنى الآية أن أم الكتاب لا محو فيها ولا إثبات، وإنما المحو والإثبات فيما عدا ذلك من صحف الملائكة وغيرها، فإن كان هذا هو معنى الآية، فكيف يطلب العبد من ربه أن «يمحو ويثبت في أم الكتاب»، وهي لا محو فيها ولا إثبات؟ ثم أي دعاء هذا الذي يقول فيه القائل هذا الترديد: إن كنت فعلت كذا فامح كذا، أو أفعل كذا؟ مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا إذا دعونا أن نجزم المسألة، نجزم ولا نردد الدعاء ولا نشكك، فهذا يدل على أن ذلك الدعاء مغلوط ولا أساس له.
فكل خير في اتباع من سلف.. وكل شر في ابتداع من خلف، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل