الثلاثاء 22-ديسمبر-1970
المؤامرة الكبرى على القرآن الكريم
بيان لا بد منه
ماذا يراد بتعصير الإسلام؟
هل القرآن كدستور لم يفسر تفسيرًا كافيًا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ (184) شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ﴾ (البقرة: 183 إلى 186).
الكُتَّاب ثلاثة:
- فريق متآمر يُدير المعركة ظاهرًا أو خفيًا، مستغلًا مكانه في العمل كرئيس تحرير مثلًا أو ما دونه.
- وفريق آخر موظف ضعيف يكتب ما يُؤمَر به، وما لا يدين به ولا يعتقده.
- وفريق آخر متحمس حسن النية يندفع في لحظات الحماس بلا روية وتؤدة، يستغله من يحيطون به.
فكان لزامًا أن نُوضّح أنه ليس كل من كتب في عدد «الهلال» عن القرآن الكريم وخانه التعبير أو تباعد عنه التوفيق من الصنف الأول.
• القرآن الحبيس!
- بعد أن تصوَّر الكاتب الأول في عدد «الهلال» القرآن حبيس قيود وأغلال من صنع رجال فقهه وعلومه، وطبعًا لم يذكر ولو من بعيد القيود التي وضعها رجال الحكم والتشريع دون إنفاذه وتطبيقه، والحرب الظاهرة والخفيَّة، المعلنة بكل سلاح محلي ومستورد ضد المحاولين تنفيذه والمطالبين بتطبيقه وإخراجه من حيز «التراث» المحفوظ في متاحف المكتبات إلى ساحة العمل ومجالات الأخذ به. مما يؤكد لدينا القصد الخبيث الماكر من أن يظل القرآن الكريم كتاب تطريب وتنغيم، يتنادون بأن يكون صورة مكرورة للإنجيل المُزيف يترنم به «القس» مع «الشماسة» على ألحان الموسيقى الصادحة لحظات من ليل أو نهار بين جدارن المعبد أو الكنيسة ﴿وَيَمۡكُرُونَ وَيَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِين﴾ (الأنفال: 30).
* ينادي بتعصير الإسلام
ويجيء بعده الكاتب الثاني في العدد «إبراهيم عامر» لينادي «بتعصير» الإسلام -واللفظ له- ويرفع عقيرته بدعوة إلى رجال الأزهر، فاقرأوا خُلاصة دعوته:
▫ أولًا: فتح باب حوار خصب بين الفكر الإسلامي، والأفكار المعاصرة الراهنة -من أمثال: الوجودية ثم الماركسية- لتكون بداية حركة تقدم ديني جديدة، تخلق حلقة رئيسية من حلقات روابط ذاتيتنا القومية.
▫ ثانيًا: تجديد صورة الإسلام أمام أعين العالم، وتحديد مكانه بوضوح في حركة التطور، وأن يطور معناه؟! هكذا قال بالحرف الواحد.
▫ ثالثًا: في سبيل تدعيم دعوته أورد تصوره للقرآن الكريم بأن له معنيين:
أولاهما: أنه مجموع «كلام الله» المُنزَّل على نبيه ورسوله محمد بن عبد الله، والذي دُوّن -أي كُتب- في فترة لاحقة في المصحف.
ثانيهما: أنه الدستور الذي يتضمن مجموع مبادئ وقواعد تنظيم كل حياة المسلمين.
* هل هذه دعوة مخلصة؟
- بكل ما في نفسي من إيمان بالإسلام العظيم، وبكل ما أحمل من رغبة في أن يهتدي إليه الناس أجمعون. أقول: لا، وألف لا. فهذا الباب الذي يريدون فتحه لا نَلِجُه «باب الحوار المفتوح»، ليس لأننا أعجز من أن توجد لدينا القدرة على مواجهة باطل ما في داخله من باطل نرده أو خبث ننفيه؟ بل لدينا من قذائف الحق التي تدفع باطلهم، ومواد التطهير التي تقتل جراثيم الفكر الإلحادي وتطهر أرضنا من آثاره ونفاياته. ومع تقديري لرجال الإسلام الذين تناولوا هذه الأفكار بالدحض بعد البيان من أمثال الشيخ محمد الغزالي في كتابه «الشيوعية والإسلام» وكتابه «الزحف الأحمر»، والمرحوم عباس العقاد في كتابه عن الشيوعية، والأستاذ البهي الخولي في كتابه «الإسلام، لا رأسمالية ولا شيوعية»، والصاغ محمد فرج في كتابه «الإسلام في معترك الصراع الفكري»، والدكتور محمد البهي في مؤلفاته العديدة. وغيرهم كثير من رجال الأزهر الشريف في مصر وعلماء المسلمين في كل مكان الذين جاهدوا ضد هذه الأفكار وبيان زيفها على صفحات المجلات والجرائد وبواسطة الإذاعات وغيرها.
• إننا نرفض هذه الدعوة:
١- لكننا نرفض هذه الحلقات عزوفًا عن تحقيق ما يريدون؛ لاختلافنا معهم في الغاية فهم يهدفون إلى «حركة تقدم ديني جديدة» أوضحها المقال الأول، كالحركة التي قام بها «مارتن لوثر» ضد الكنيسة الكاثوليكية أو ضد سلطة رجال الدين الزمنية. كما تصايح بها في شرقنا الإسلامي عن جهل أو تقليد تلامذتهم في الماضي والحاضر تحت شعار «الدين لله، والوطن للجميع»، «دع ما لقيصر القيصر وما لله لله».
٢- ذلك لأنه ليس في الإسلام طبقة رجال الدين يتحكمون في دنيا البشر ويمنحونهم صكوك الغفران، ويتسلطون على الآخرة ببيع أسهم وقراريط في الجنات، ولهم من الامتيازات ما لم تحظ بها طائفة أخرى. «يفرضون على الناس الإتاوات المالية والروحية والفكرية، ويفرضون الخضوع المُذل لهم، ويفرضون عليهم أفكارًا معينة بوصفها كلمة السماء».
٣- كذلك لم يحدث في تاريخنا الطويل أن إسلامنا وقف ضد علوم الدنيا ونكَّل بالعلماء، وأن فقهاء المسلمين كانوا دعاة إلى الاستفادة بما سخَّره الله للناس في الكون.
٤- نرفض هذه الدعوة لأننا نؤمن بأن جيل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم المميز في تاريخ البشرية كلها -والذي أحدث في دنيا البشر هذا التعبير العظيم في العقائد والعبادات ونظم الحياة- لم يكن ينهل إلا من نبع القرآن الصافي الذي لم تُلوِّث تفاسيره أخلاط من أوهام البشر وخرافاتهم، ولذلك كان غضب المعلم الأول عليه الصلاة والسلام من عمر بن الخطاب حينما رأى في يده صحيفة من التوراة يقرؤها قائلًا له: «أمتهودون أنتم؟ والله لو بُعث موسى حيًّا ما وسعه إلا أن يتبعني». ولذلك أوضح «سيد قطب» هذا النهى بقوله: «كان هناك قصد من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقصر ذلك النبع الذي يتلقى عنه ذلك الجيل على كتاب الله وحده، ولتخلص نفوسهم، وليستقيم عودهم على نهجه وحده.
وذلك بطبيعة الحال في غير العلوم «الدنيوية» البحتة والتطبيقية، وشؤون الدنيا العملية من زراعة وصناعة وما أشبهها، فهذه داخلة في قوله صلى الله عليه وسلم «أنتم أعلم بشؤون دنياكم» أمور موكولة إلى تجارب البشر، ومن الواجب تلقيها حيث كانت.
أما مسائل العقيدة، والخلق، ونظام المجتمع، ونظام الحكم، وسائر ما يختص بالإنسان من ناحية فكره وقلبه، ومشاعره واعتقاده، فتلك داخلة في نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه قصد مرسوم لتحقيق منهج معلوم.
٥- نرفض هذا النداء؛ لأنه لا يجوز أن ننزل بما خطط الله لنا إلى منزلة الند والمماثلة مع أفكار البشر.
٦- إننا رأينا بأعيننا في هذا الجيل شقاء الإنسانية بالمناظر البشعة للوجوديين والشيوعيين الذين أنزلوها إلى درك الحيوانية وجردوها من نعمة التكريم والسمو.
٧- إننا لمسنا تجارب تطبيق أفكارهم فما وفروا للناس لقمة العيش ولا نعمة الأمن.. وأنهم لأفكارهم كل حين يُغيرون ويبدلون.
٨- نرفض هذا الحوار المفتوح لأننا نؤمن بأن هذه الدعوة يُبتغَى منها صرف الناس وجمهرة المؤمنين إلى حلقات المناظرة والمجادلة مع الملحدين وغيرهم، وخلق معارك جانبية تبعد بالناس عن خط السير الطبيعي للتطبيق العملي.
٩- نرفضها كذلك لأننا نؤمن بأن الله أغنانا عن كل ما يدور في أفكار البشر حتى قال رسوله عليه السلام: «ما تركت من خير إلا وأمرتكم به، وما تركت من شر إلا ونهيتكم عنه».
١٠ - نرفضها أخيرًا لأننا نؤمن بأن إسلامنا الذي صنع من آبائنا أئمة العلوم والمعارف، وقادة الفتح والمعارك، وأساتذة الدنيا في الحضارة، هو.. هو.. بصفته التي أنزل بها، وبمعانيه التي عاشوا وأعاشوا عالمهم فيها ردحًا من الزمن.. سعيدًا مثاليًّا.
• الصورة الزائفة
- وإذا كان بعض كتاب «دار الهلال» ومن على شاكلتهم يريدون أن يوهموا القراء بأن الصورة الحالية للإسلام بالية يريدون تجديدها -وكان الأجدر بهم لو كانوا مخلصين أن يقولوا إن صورة المسلمين الحالية لا تمثل ديانتهم وإسلامهم- بل تجاوزوا فتطاولوا على المعاني التي فهمها أسلافنا بأنها معانٍ خاطئة، ومن أجل ذلك قالوا «بتعصير» الإسلام تلاوة بالتلحين ومعانٍ بالتطويع والتطوير.
فإننا نرى على خلافهم الصورة للإسلام التي ورثناها صورة واضحة جلية مضيئة نيرة، يبصرها ذو الأبصار السليمة التي لم يُصبْها رمد الإلحاد أو أوبئة الفسق والفجور، أو غبش المتاهات الجدلية الفلسفية أو فضلات الأفكار الإلحادية.
- وأن المعاني التي فهمها بدو الصحراء فانطلقوا بها من قلب الجزيرة العربية ليطرقوا أبواب أوروبا وآسيا وأفريقيا فاتحين، حتى يُهدي خليفتهم الساعة المائية «لشارلمان» فيعتبرها نوعًا من السحر.
وأنها هي التي صنعت من ابن خلدون مؤسسًا لعلم الاجتماع، ومن ابن سينا، والفارابي وغيرهم أساتذة الطب وعلوم الفضاء (الفلك).
هي المعاني التي نقلها إلينا علماء التفسير، والتي أكرمنا الله بها بين أيدينا وصدق الله العظيم: ﴿وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ﴾ (القمر: 17).
• الكذب المفتوح
- وإذا كان هذا الكاتب قد كتب بأن القرآن الكريم قد دُوّن في فترة لاحقة لنزوله، فقد شاء الله العليم الخبير أن يكشف كذبه وافتراءه؛ حيث أفلتت منهم في نفس العدد صفحة (16) الأحاديث الصحيحة أن للرسول عليه الصلاة والسلام كُتَّابًا سُمّوا بكُتَّاب الوحي، وأن الآية كانت تنزل على المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فيأمرهم بكتابتها على رقاع من الجلود والعظم، وأنه كان يأمرهم بوضع الآية في المكان الذي حدده له أمين الوحي جبريل عليه السلام، وأنه قد بلغ من الحرص أن يقول لكُتّاب الوحي «لا تكتبوا عني غير القرآن»، وأن عددهم كما أحصاه المستشرق «بلاشير» كان أربعين رجلًا.
القرآن دستور
- هل القرآن كمجموعة من المبادئ والقواعد تُنظّم حياة المسلمين لم يُفسَّر بالتفسير الكافي كما زعم الكاتب؟
إذا كان الكاتب بجهله لا يعلم، أو بدَسّه وخبث طويته قد تجاهل، أو بعمى بصيرته وبصره لم ير.
هل نترك قُرَّاء كتابته يتخبطون في الظلام؟! أم يا ترى صودرت الكتب التي ورَّثنا إياها أئمة الدعوة الإسلامية؟ يقيني بأنها تُطبَع وتُوزَّع في طبعات حديثة فليقرأ ما تنشره «دار الشعب» عنده من «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي الأندلسي، أو ليذهب إلى أقرب مكتبة ليجد «أحكام القرآن» للجصاص، أو ليطالع «النظريات السياسية» لضياء الدين بيبرس، أو ليقترضه منه وهو في كلية دار العلوم على بُعد خطوات من مقر مؤسسته الهلالية، أو يركب الترام «بعشرة مليمات» إلى دار الكتب ليطَّلع على «التشريع الجنائي الإسلامي» لعبد القادر عودة، أو يصل إلى مكتبة الأزهر الشريف حيث يدله العلماء هناك على المخطوطات القديمة والمؤلفات الحديثة إن كان جادًّا أن يؤمن ويدعو الآخرين، وهي لا تعد ولا تحصى، ولن أحيله إلى الأحكام السلطانية للماوردي، ولا للسياسة الشرعية لابن تيمية، ولا للمحاكم الشرعية ليعرف قانونًا اجتماعيًّا متكاملًا، ولا لكتاب «مرشد الحيران» الذي قنن فيه مؤلفه المرحوم «قدري باشا» القانون المدني الإسلامي.
فإني أخاف عليه الصدمة أن تُميته قبل أن يرى الناس فيه عبرة التهجُّم على السلف الصالح الذي يريد أن يعمق فهم الجيل الحاضر للقرآن الكريم عن فهمهم له، أو أنه يريد أن يقول بصراحة إن فهمهم رجعي لا يتناسب مع التقدمية القومية التي كسبت ثقلًا في حياة العالم، وتُناضِل في سبيل استردادها.
- ثقلًا في نكساتها المتتالية، وهزء العالم كله بمهانة الوجود الإسرائيلي على أرضها، وركوعها أمام الواقع المر في مواجهة مليونين من المتشردين اليهود، وذلك في عهود العنترية القومية والشعارات الإقليمية والاتكال على الشيوعية المُلحدة أن تساعدها في الخلاص، وتحفظ لها الوجود والبقاء.
• الحرب القائمة
- لقد جهل الكاتب أن الحرب المُعلنة علينا حرب عقيدية لا تعترف بالحدود الجغرافية، يشترك فيها الغرب الصليبي والشرق الإلحادي ويتخذون من العقيدة اليهودية في الحكم الإسرائيلي المقدمة العسكرية للجناحين اليساري واليميني، ومؤخرة من الأذناب والعملاء.
- لقد تناسى الكاتب أنه حتى الدولة العثمانية -التي أشبعوها الآن سبًّا وقذفًا بكل نقيصة استمدادًا من المعين الصليبي- كانت في أول عهدها بالإسلام يوم أن سيطر عليها بقرآنه وتعاليم رسوله العظيم صلوات الله عليه.
يوم أن سيطرت عليهم روح الجهاد من نبع أوامره حتى توفرت لهم السيطرة الروحية والمادية، تبوأوا قيادة العالم وحكموا ثلاث قارات، أوروبا وآسيا وأفريقية، وكانوا سادة البحر الأبيض المتوسط حتى جعلوه «بحيرة إسلامية».
كتب معتمد القيصر بطرس الأكبر لدى الباب العالي أن سلطان المسلمين يعتبر البحر الأسود كداره فلا يباح دخوله الأجنبي، وأنشأوا أسطولًا عظيمًا لا قِبل لأوروبا به حتى اجتمعت لسحقه من كل عمارات البابا والبندقية وإسبانيا والبرتغال ومالطة عام (945هـ)ـ (1547م) ولكن لم تغن عنهم كثرتهم شيئًا، وكانوا في أحسن مركز للقيادة العالمية حتى قال نابليون: «لو كانت الدنيا دولة واحدة لكانت القسطنطينية أصلح المدن لتكون عاصمة لها».
- حتى آخر خلفائهم السلطان عبد الحميد الثاني الذي تسلل إلى دولته «هرتزل» اليهودي ليعرض عليه في مقابل «أرض لليهود في فلسطين» والضائقة المالية خانقة رفض مقابلته قائلًا بكل إيمان وأدب: «انصحوا الدكتور هرتزل بألا يتخذ خطوات جديدة في هذا الموضوع، فإني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من الأرض». حتى قال: «إن عمل المبضع في بدني لأهون عليّ من أن أرى فلسطين قد بُترت من إمبراطوريتي، وهذا أمر لا يكون. إني لا أستطيع تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة».
• من أسباب الانحطاط
ويوم أن بلغ الشرف العلمي والمادي شأوًا عظيمًا في الدولة العثمانية وفتح العلماء أبواب الحوار المفتوح للفلسفة الإغريقية واليونانية، وأشبعوا نهم المجادلين وانشغلوا بالسفسطة؛ تجمدوا في مكانهم حيث أراد أعداؤهم، وغفلوا عن النبع الصافي الذي ورثوه عن القرآن الكريم، وانخرطوا في متاهات المفسرين التاريخيين!
كما يريد «إبراهيم عامر» اليوم. ذهب ما بقي لديهم من جندية لله، فأسلموا أنفسهم ودولتهم إلى الأعداء الذين استفادوا من عهدهم الأول.
- هل عرفت أيها القارئ العزيز أسرار الدعوة بالتعصير للإسلام والتفسير التاريخي للقرآن الكريم التي تحمل لواءها اليوم مؤسسة «دار الهلال» القاهرية؟
﴿بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٞۚ وَلَكُمُ ٱلۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ (الأنبياء: 18) صدق الله العظيم.
أبو هالة
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
قراءة في مستقبل الأديان في العالم (3 - 3) الإسلام.. أرحام ولَّادة وأجيال يافعة
نشر في العدد 2182
35
الثلاثاء 01-أغسطس-2023