العنوان المالكي في مواجهة الملفات «الملغومة»
الكاتب علي محمود
تاريخ النشر السبت 03-يونيو-2006
مشاهدات 24
نشر في العدد 1704
نشر في الصفحة 34
السبت 03-يونيو-2006
بعد تشكيل الحكومة الجديدة: هل يتحقق للعراقيين ما يتمنونه؟
هل يصدق تعهد المالكي بإعادة النظر في هيكلية وقوانين الهيئات المستقلة ودعمها بما فيها الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث وهيئة النزاهة؟
من التحديات التي تواجه حكومة المالكي ملف "الفساد الإداري" الذي يعصف بالأمن والخدمات إلي انهيار مؤسسات الدولة.
بعد مخاض عسير أمتد لأكثر من خمسة أشهر منذ مشاركة العراقيين في انتخابات ١٥ ديسمبر ٢٠٠٥م كانت أشهرًا عجافًا مثل حال السنوات الثلاث الصعبة التي مرت على العراق منذ الغزو.
تشكلت أخيرًا الحكومة الجديدة برئاسة نوري المالكي، والحديث بين المواطنين في العراق يدور حول أهمية تشكيل «حكومة وحدة وطنية» تعيد الأمن المفقود، وتحسن الأوضاع المعيشية للناس، لكن يبدو أن أمل العراقيين - تعثر مع لحظة الولادة العسيرة لحكومة بدون وزيرين للأمن والدفاع!! لعدم الاتفاق عليهما بين القوى المتنافسة على حقائب الحكم!
رغم وجود معارضة شديدة للتشكيلة الجديدة، ولآلية اختيارها، ومدى العدالة في توزيع الحقائب الوزارية على أطراف البرلمان، فقد نالت التشكيلة «المبتورة» ثقة أغلبية البرلمان وأنسحب ممثلون من البرلمان كان منهم من يطمح بمنصب سيادي مؤثر، واعتراض على «شعور» منصبي أهم وزيرين في التشكيلة الحكومية «الداخلية والدفاع» المعنيتان بأهم مستلزمات حياة المواطن إلا وهو «الأمن» إلا أن السيد نوري المالكي أجل «ترضية» المعترضين، أما باقي الوزارات فجاءت متوافقة مع نظام «المحاصصة الطائفية سيّئ الصيت» الذي بات نظامًا يصعب تجاوزه على رغم الدعوات المتعددة التي تطالب بتعزيز الوحدة الوطنية بتجاوز هذا النظام والاعتماد على مبدأ «الشخص المناسب في المكان المناسب»، وهو الذي أضعف تمثيل القوى الليبرالية التي منحت وزارات غير مؤثرة، وهو ما جعل تلك القوى غاضبة من التشكيلة الوزارية بعد انتظار وطول معاناة ولدت «الحكومة الجديدة» ويخشى العراقيون أن «تقبع» هذه الحكومة مثل سابقاتها داخل ما يدعى بـ «المنطقة الخضراء» تسهم من حيث تدري أو لا تدري في خدمة المشروع الصهيو- أمريكي - صفوي في العراق، ترفع أيديها بالتأييد في جلسات البرلمان كلما طلب منها ذلك، وتتسلم رواتبها المجزية آخر الشهر، رواتب تنسيها هموم الناس ومعاناتهم، وبعد أن تحوّل المواطن العراقي إلى «متسول» في أغنى دول المنطقة، وبات يقضي يومه في التنقيب عن لقمة العيش، وتسوّل الوقود والكهرباء، والبحث في مخافر الشرطة وثلاجات الطب العدلي عن أخيه أو والده أو ولده.. وبعد رحلة الانتظار الطويلة والمؤلمة ترقبًا للخلاص، جاءت الحكومة الجديدة والناس تتمنى «ومن حقها أن تتمنى» أن تكون حكومة إنقاذ وخلاص وليست حكومة «تمشية أمور» كسابقاتها.
ولكن وعلى الرغم من الاعتراضات والملاحظات كلها التي تناولت تشكيل الوزارات العراقية الجديدة، فإن هناك بعضًا من الإيجابيات التي رصدها المتابعون للملف العراقي، أولها التخلص من شخص «باقر جبر صولاغ» بإبعاده عن وزارة الداخلية، وأن كان قد مُنح حقيبة وزارية مهمة «وزارة المالية» إرضاءً لزعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عبد العزيز الحكيم!!
الحوار الوطني
وقد وافق معارضو صولاغ على مضض على «ائتمان» جزار الداخلية على أموال العراق بدلًا من أن يظل في موقعه السابق «جزارًا» ينشر فرق الموت بملابس وزارة الداخلية، كما أن رئاسة نوري المالكي للحكومة بعدها كثير من العراقيين أفضل بكثير من هيمنة «الجعفري» الذي كان متفردًا في قراراته، ويتعامل بفوقية مع شركاء النظام من أكراد وسُنّة!
كما أن المالكي يعي تمامًا أخطار العملية الأمنية ويدرك أن عليه مهمة تنظيف الأجهزة الأمنية من العناصر التي زرعها صولاغ فيها، وإذا ما أستطاع المالكي أيضًا إعادة مد الجسور مع الطوائف العراقية التي تضرّرت وهُمّشت في وزارة الجعفري السابقة، فيكون قد وضع الأسس التي يمكن أن ينطلق منها نحو بناء مشاركة سياسية وطنية.. وليس تكريس هيمنة طائفة بعينها.
إن حكومة المالكي على المحك في تحقيق وعودها بالسير قدمًا في سياسة الحوار الوطني وتوسيع دائرة المشاركة السياسية بما ينسجم مع الدستور، ويبني عراقًا حرًا وبروح المصالحة والمصارحة. ونبذ العنف وإدانة منهج التكفير بشكل واضح وصريح، و«الإرهاب» بكل أشكاله، والاصطفاف لمكافحته بشكل فعال عبر مؤسسات القضاء ومؤسسات الدولة ذات العلاقة، وإيجاد كل الظروف الملائمة لترسيخ روح المحبة والتسامح بين أبناء الوطن مع احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
ويبقى تعهد المالكي بالإسراع في «رحيل قوات الاحتلال» مسألة جوهرية بالغة الأهمية القطاعات واسعة من العراقيين، إن لم نقل غالبيتهم العظمى، ولا يختلف عليها العراقيون الوطنيون؛ إذ وعد المالكي بالعمل على صيانة سيادة العراق وتعزيز استقلاله ووحدته والتعامل مع مسألة وجود القوات المتعددة الجنسيات في إطار قرار مجلس الأمن《 ١٥٤٦》، والإسراع في خطط استكمال القوات العراقية وفق الدستور وعلى أساس من المهنية والولاء الوطني، والإسراع في نقل المسؤوليات والصلاحيات الأمنية إلى قوات الجيش والشرطة والأمن العراقية، واستكمال المستلزمات الذاتية وفق جدول زمني موضوعي لتسلم القوات العراقية المهام الأمنية كاملة وانتهاء مهام القوات المتعددة الجنسيات وعودتها إلى بلدانها.
وتبقى معضلة «كركوك» هي الأشد والأكثر إحراجًا للمالكي في علاقته بالقوى الكردية «التحالف الكردستاني» الذي يُجَيش عواطف الأكراد باتجاه المطالبة بضم «كركوك» إلى إقليم كردستان «الذي لا شرعية دستورية عراقية لوجوده!» وتعهد المالكي بشأن كركوك أن تلتزم الحكومة بتنفيذ المادة《١٤٠》من الدستور، والمعتمدة على المادة 《٥٨》 من قانون إدارة الدولة والمتمثلة بتحديد مراحل ثلاث: التطبيع والإحصاء والاستفتاء في كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها، وتنتهي هذه المرحلة في ٢٩ مارس ٢٠٠٧م حيث تبدأ مرحلة الإحصاء من ٣١ يوليو ٢٠٠٧م وتتم المرحلة الأخيرة وهي الاستفتاء في ١٥ نوفمبر 2007م.
الفساد
لكن أحد أكبر التحديات التي تواجه حكومة المالكي بعد الملف الأمني، وملف الخدمات، هو ملف «الفساد الإداري» الذي يعصف بالأمن والخدمات ويؤدي إلى انهيار مؤسسات الدولة، فقد تعهد المالكي بوضع آليات فاعلة في مراقبة الإنفاق ومعالجة الفساد الإداري والمالي وتفعيل المواد الدستورية الخاصة بذلك والتعهد بالالتزام بها، وإذا استمر الفساد «المتسرطن» في جسد الدولة العراقية فإن كل جهود الأمن والخدمات ستذهب هباًء.
وتبقى مسألة استمرار قانون هيئة «اجتثاث البعث» سيّئة الصيت واحدة من أسباب معاناة الآلاف من المواطنين الذين رمت بهم قرارات اللجنة في مهوى البطالة بحجة انتمائهم السابق لحزب البعث، متناسين أن العراقيين كلهم كانوا مجبرين على «التسجيل» في حزب السلطة، وقد تعهد المالكي بإعادة النظر في هيكلية وقوانين الهيئات المستقلة ودعمها، بما فيها الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث وهيئة النزاهة بما لا يتنافى مع الدستور وتعديلاته.
أما موضوع «الميليشيات» التي عانى وما زال العراقيون يعانون منها الأمْرَيْن بسبب الجرائم والفظائع التي ارتكبتها بحق الأبرياء، وكانت معظم الأحزاب والتيارات والقوى العراقية تطالب بحل الميليشيات إلا أن المالكي استخدم «أسلوبا تمويهيًا» في إشارة إلى تطبيق قانون ۹۱ المتعلق بالميليشيات، وهو القانون الذي أصدره «بول بريمر»، بشأن «زج» الميليشيات الحزبية ضمن الجيش والشرطة، وهو ما يرفضه معظم العراقيين انطلاقًا من التجربة الأليمة والمريرة لفرق الموت التي كانت تمارس القتل والتصفيات الجسدية والتعذيب تحت ستار الحكومة وعناوين أجهزتها الأمنية، لذلك لا مجال أمام المالكي غير الاستجابة لمطالب العراقيين في تصفية الميليشيات وحلها دون التورط في زجَّها أو دمجها في القوات المسلحة أو قوات الأمن، لأنه لا أمن ولا أمان في ظل وجود الميليشيات الحزبية سواء كانت «منفردة» أم منضوية تحت ستار الدولة.
كما تواجه حكومة المالكي مشكلة التهجير القسري الطائفي الذي أصبح ذا أهمية كبيرة جدًا، خاصة بعد أن أعلنت وزيرة المهجرين بأن عدد الأسر النازحة وصل إلى ١٣٨٧٥ عائلة في مناطق مختلفة من البلاد!
كل ذلك يستلزم المعالجة الهادئة على أسس وطنية لا طائفية.