; المجتمع الأسري- العدد 1240 | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع الأسري- العدد 1240

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 04-مارس-1997

مشاهدات 15

نشر في العدد 1240

نشر في الصفحة 60

الثلاثاء 04-مارس-1997

أنتِ المسؤولة!

القاهرة: ناهد إمام

تخرج «أم باسم» لعملها صباحًا، ولا تعود إلا في آخر النهار متعبة مجهدة، تفتح باب حجرة طفلها وتنادي عليه، يجري الطفل نحوها فرحًا مادًا ذراعيه الصغيرتين، ولكنها لا تعيره القدر الكافي من الاهتمام والرعاية والحب والحنان، وبدلًا من ذلك تسأله بحدة: ماذا فعل؟ ماذا ضرب ودمر؟ هل شرب حليبه أم لا؟ وهكذا تدخل معه في دائرة من التحقيقات.

نلاحظ في هذا الوقت أن الطفل يجري نحو أمه بحب وشوق ولهفة، ولكنها تصده فلا يجد منها أي تفاعل، فماذا يفعل؟ يقف بمفرده منزويًا في أحد جوانب الحجرة، والأم لا يهمها ذلك، تصرخ فيه لكي يأتي ويغير ملابسه لينام، ولكنه لا يبالي بصراخها، تنفعل الأم، وتتقدم نحوه بوجه عابس وتشده بعنف، بل قد تضربه لأنه لم يسمع كلامها، وقد تحكي لباقي أفراد أسرته عن غبائه وعدم سماعه لكلامها .

يقول د. علي سليمان - أستاذ الصحة النفسية بجامعة القاهرة - في دراسة له بعنوان «دور الأسرة في تربية الأبناء» تعليقًا على تلك الحالة: إن هذه التصرفات السبب الحقيقي وراءها هو «الأم»!

فإن سلوك أطفالنا يرتبط بالحالة التي نعيشها في بيوتنا، ولذلك تتغير تصرفات الطفل حسب الأحوال المحيطة به سلبًا أو إيجابًا، فالطفل يتحول من طفل مسالم إلى طفل عدواني وفق أسلوب المعاملة التي يلقاها في المنزل، فإذا ما تغير هذا الأسلوب تغيرت تصرفات الطفل.

وهذا النمط من السلوك العدواني يكون مرجعه الأساسي إما إلى كون الأم قاسية عنيفة غاضبة لأسباب لا تتصل بالطفل، ولكنها تنعكس عليه، وإما أن تكون مهملة له منفصلة عن عالمه الصغير، ولم تحاول أن تفهم لغته ..

الطفل الغيور ضحية وليس جانيًا

القاهرة: نور الهدى سعد

بمجرد أن تُرزق الأم بطفل جديد، أو يزور الأسرة ضيوف بأطفالهم، ينقلب حال الصغير رأسًا على عقب، ويبدو كشيطان حقود يدبر المقالب ويستفز الضيوف، ويؤذي أخاه، ويضرب الأطفال الآخرين، ويغضب سريعًا وبشكل حاد، مما يثير قلق الأبوين ويشعرهما بالخجل من صغيرهما.

هذه الحالة يلخصها لفظ واحد هو «الغيرة»، وهي حالة انفعالية داخل الفرد، ولها مظاهر خارجية يمكن الاستدلال منها على المشاعر الداخلية رغم أن الطفل يحاول جاهدًا إخفاء غيرته وإطفاء مظاهرها .

علامات الغيرة: ويؤكد د. أحمد علي بديوي - بكلية التربية جامعة حلوان - أن الطفل الغيور هو – غالبًا - طفل فشل في الحصول على أمر مرغوب، كالحب أو اللعب أو النقود، ورأى طفلًا آخر حصل على كل هذا، فانتابه انفعال مركب من حب التملك والشعور بالغضب والرغبة في الانتقام من هذا الطفل الآخر. 

وللغيرة علامات يمكن للأبوين اكتشافها، أهمها نوبات الغضب، والميل إلى الصمت، والانزواء، والتهجم وضعف الشهية، ونقص الوزن، واصفرار الوجه والصداع، والشعور بالتعب، والطفل الغيور أيضًا عدواني ومخرب سريع الغضب، وحاد الانفعالات، وشديد الخوف، ومتأخر دراسيًا، ويتبول لا إراديًا. 

وهو ضحية وليس جانيًا، ضحية لفتور العناية به بعد قدوم طفل آخر، وللمقارنة بينه وبين الآخرين لغير صالحه، ولتعلقه الشديد بأحد الوالدين مما يشعره بالغيرة من الآخرين. 

ولأن الغيرة مرض فإن هناك أساليب لعلاجه أو الوقاية منه بداية، وأهم هذه الأساليب - كما يقول د. أحمد بديوي - تعويد الطفل على الأخذ والعطاء منذ نعومة أظافره، حتى لا يغار من مشاركة الآخرين له فيما يحصل عليه من امتيازات، وكذلك تدريبه على احترام حقوق الآخرين، ومشاركتهم أفراحهم، وعلى الآباء إشباع احتياجات صغارهم العاطفية ومشاركتهم اللعب والأنشطة وتشجيعهم لأقل إنجاز، وعدم معايرتهم بالفشل والقصور بالنسبة لأقرانهم. 

الغيرة المرضية مرفوضة، ولكن هناك غيرة إيجابية على الوالدين والمربين غرسها في نفوس الأطفال، وهي غيرة الذود عن العقيدة والقيم إذا انتهكا، والغيرة على محارم الله إذا خاض أحد فيها.

تلك هي الغيرة الصحية التي يزهو بها صاحبها، ولا نخجل من إبداء مظاهرها.

ضرورة إتقان الطفل اللغة الأجنبية: «مَن تَعَّلم لُغة قَوم أَمِن شَرهم»

جدة: أحلام علي

بعد أن يتقن الطفل اللغة العربية بشكل جيد ويحفظ شيئًا من القرآن والحديث فلا بأس بإتقان لغة أجنبية سائدة، وذلك لتكوين جيل مسلم يستطيع كشف خطط الأعداء ويأمن مكرهم، وينقل العلوم المادية البحتة إلى المسلمين، وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما وصل إلى المدينة المنورة مهاجرًا من مكة.

فقد روى أبو يعلى وابن عساكر عن زيد ابن ثابت رضي الله عنه قال: 

أتي بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم عندما قدم إلى المدينة فقالوا يا رسول الله: هذا غلام من بني النجار وقد قرأ مما أنزل عليك سبع عشرة سورة، فقرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجبه ذلك، فقال يا زيد تعلم لك كتاب يهود فإني والله ما أمن يهود على كتابي، فتعلمته.. فما مضى لي نصف شهر حتى حذقته، فكنت أكتب لرسول الله ﷺ إذا كتب وأقرأ كتابهم إذا كتبوا إليه» (رواه أبو داود والترمذي).

وعلى هذا سار السلف في تعليمهم الأطفال بالإضافة إلى اللغة العربية لغة أجنبية أخرى، روى الحاكم في مستدركه وأبو نعيم في الحلية عن عمر بن قيس قال: «كان لابن الزبير رضي الله عنه مائة غلام يتكلم كل غلام منهم بلغة أخرى» «من كتاب منهج التربية النبوية للطفل - محمد نور سوید». 

ومن هذا المنطلق أصبح لزامًا على الأسرة المسلمة أن تعي جيدًا أن الحوار بين الشرق والغرب يفرض نفسه بطرق عديدة ووسائل شتى، لذا بات من الضروري أن يتعلم أبناؤنا اللغات الأجنبية بإتقان وجودة، حتى يستطيع هذا الجيل من الأبناء أن ينشر ضوء الإسلام بصورته الصحيحة في قلب العواصم الغربية ليجلي الغبار الكثيف الذي ألصقه الإعلام الغربي بصورة الإسلام الوضاءة حتى بدت مشوهة في نظر الكثير من الغربيين.

أيضًا هناك العديد من الشعوب الإسلامية «غير الناطقة باللغة العربية» في إفريقيا وغيرها تعيش الإسلام من خلال خرافات وخزعبلات يبرأ منها الإسلام وهؤلاء في أمس الحاجة إلى من يصحح لهم عقيدتهم بلغتهم هم بدلًا من تركهم بين فكي التبشير يلوكهم كيفما يشاء ثم نتباكى بعد ذلك على مصير هؤلاء. 

كم من أناس في شتى أنحاء العالم في عصر الخواء الروحي هذا متعطشون إلى معرفة الإسلام وفي أشد الحاجة إلى كتب تشرح لهم بلغتهم حقيقة هذا الدين العظيم.

فهناك عديدون دخلوا الإسلام بمجرد قراءة كتيب بسيط عن الإسلام، ولكن بلغة يفهمونها، إنها لأمانة في عنق كل أسرة مسلمة ألا تتغاضى عن هذا الأمر، وتأخذه بعين الجد، وبفضل من الله وفر العلم الحديث من الأجهزة ما تيسر تعلم اللغات حتى داخل المنزل، فهلا أخذنا بأيدي أبنائنا ليكونوا سفراء الإسلام في عواصم العالم، وناشريه في أرجاء المعمورة .

لمسات في التربية من جدي «الشيخ علي الطنطاوي» (20)

قيمة الكتاب

ما رأيت جدي يحب شيئًا حبه للكتب، نشأ على ذلك صغيرًا وكبر عليه حتى صار بعضًا من طباعه الأصيلة وواحدًا من حاجاته الأساسية، فلا يستغني عن الكتاب إلا بقدر ما يستغني عن الطعام والشراب والمنام وسواها من أساسيات الحياة، حدث هو عن نفسه كيف توفي والده وعليه ديون فبيع كل ما في الدار وفاء لها، إلا الكتب وقف جدي دون بيعها، هان عليه فقد الفراش والمتاع ولم يحتمل فقد الكتاب، ولما اضطرته الظروف إلى مفارقة بلده وترك بيته لم يسأل عن شيء من متاع أو مال غير كتبه، فكتب متحسرًا: «دنيا طالب العلم مكتبته، ومكتبتي في الشام مودعة في خمسة وثمانين صندوقًا لم تفتح من إحدى عشرة سنة، ولست أدري أأكلتها الأرضة أم هي سالمة لا تزال؟ وأنا هنا محروم منها لا أستطيع الوصول إليها»، «كتب جدي هذا في مكة قبل خمسة عشر عامًا، فيكون قد مر اليوم على كتبه بعيدة عنه في صناديقها ستة وعشرون عامًا». 

كانت سعادة جدي في اقتناء الكتب، وامتلاك نفائسها، فكان لذلك دائم الاطلاع على عالم الكتب يسأل عن القديم والجديد فيها، ويطلب كل من له صلة بالكتاب أن يزوده بكل طريف ومفيد، فإذا وجد كتابًا جديدًا مفيدًا أو خفيفًا طريفًا لم يتردد في طلب عدد من النسخ لتوزيعها على بيوت بناته كافة.

لقد قال جدي دائمًا إنه كان يقرأ في كل يوم ساعات، فإذا أقل القراءة يومًا قرأ مائة صفحة، وإني - إذ أحاول استرجاع صورته يوم كنت صغيرة وكيف كان حين نشأت - لأتخيله جالسًا دومًا في تلك الزاوية المخصصة له واضعًا نظارته وممسكًا بواحد من كتبه، وقد حفت به أكوام من الكتب والمجلات والجرائد والأوراق مجمعة على غير نظام تنتظر دورها للقراءة أو الفرز والتوزيع. 

تلك كانت «العدوى» الأولى التي نشرها جدي بين أهل بيته: حب الكتب، حتى صار ذلك طبعًا لازمًا لأكثرهم فيحرصون على اقتناء الكتب وزيادتها كما يقتني الناس أنواع الأثاث ويتفاضلون فيه، حتى كان في أكثر بيوت بناته وأسباطه غرفة خاصة للكتب والمراجع، أما «العدوى» الثانية فهي: احترام الكتاب ورعايته والعناية به والحرص عليه، لقد كان التعامل مع الكتب عند جدي علمًا لابد من إتقانه، فالكتاب لا يشترى كل يوم، إنما هي نسخة واحدة وتبقى إلى آخر العمر، وقد يرثها الأبناء من بعد، لذلك كان يعلمنا طريقة تناول الكتاب عن الرف بحيث لا يفسد غلافه: فنضع السبابة على الطرف العلوي من حرفه الخلفي ونميله برفق حتى نتمكن من إمساكه بيدنا، ثم نسحبه، أما تقليب الصفحات فإن له فنًا آخر: فكان يمنعنا منعًا صارمًا من لعق أصابعنا قبل قلب الصفحة «خوفًا على الورق من الفساد بسبب البلل»، أو الضغط على الورقة بشدة في زاويتها السفلية اليسرى لقلبها «لأن ذلك يشوه الورقة وقد يتسبب في تمزق طرفها»، أما الأسلوب الصحيح للتقليب فهو جذب الورقة بسبابة اليد اليسرى «بمساعدة الإبهام والوسطى» من الزاوية العلوية اليسرى للكتاب، جذبًا إلى أعلى لا ضغطًا إلى الأسفل! ثم كان يحظر علينا أن نضع داخل الكتاب قلم رصاص، أو كتابًا آخر أو أي شيء يزيد سمكه عن ورقة، فضلًا عن قلب الكتاب وهو مفتوح، لأن ذلك يفسخ كعبه ويفرق ملازمه.

وما وجدت جدي - طوال معرفتي به - يحرص على شيء حرصه على كتبه، فهو لا يسمح بخروج الكتاب خارج باب بيته إلا بظروف استثنائية، وبإذن رسمي، مشترطًا مدة محددة غير طويلة لإعادة الكتاب إليه، ضنًا به وخوفًا عليه، ثم هو يسأل المستعير عنه كلما قابله أو هاتفه حتى يقول: ليتني لم أستعر كتابًا من الشيخ، ولعله لا يعود إلى طلب كتاب بعدها!

نعم، أمران نشر جدي بين أهل بيته العدوى بهما «وأكرم بها من عدوى!»: حب الكتاب، واحترامه كأثمن ما يمكن للمرء أن يحوز.. فهلا ساعدتم - أسوة به - في نشر هذا الداء العجيب في بيوتكم وبين أهليكم؟!

عابدة فضيل العظم

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل