العنوان المجتمع الأسري (عدد 1232)
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 31-ديسمبر-1996
مشاهدات 12
نشر في العدد 1232
نشر في الصفحة 60

الثلاثاء 31-ديسمبر-1996
▪ التفكك الأسري مسؤولية من؟
▪ الطلاق ثمرة طبيعية للأمية الدينية وللزواج الذي لم يستوف شروطه الشرعية:
بقلم الدكتور محمد الدسوقي
تعاني الأسرة المسلمة في العصر الحاضر من الضعف والتفكك، فلم: تعد الروابط التي التي تجمع بين أفرادها كما كانت من قبل قوية، كذلك لم تعد التقاليد الطيبة التي تضفي عليها هالة من العلاقات الحميمة والمشاعر الكريمة والمودة الصادقة لها تأثيرها واحترامها في حياة الأسرة.
وقد تضافرت عدة أسباب على ما تعاني منه الأسرة المسلمة، من بينها الغزو الفكري بصوره المتباينة والذي هجم علينا من الغرب في ركاب الغزو المسلح وما زال يواصل هجماته عن طريق وسائل الإعلام المختلفة وبخاصة وسائل البث الفضائي ودوره في إضعاف الروابط الأسرية، وتمزيق العلاقات الاجتماعية وطغيان الفردية والأنانية على مشاعر الإيثار والتكافل.
ولكن هذا الغزو لم يكن ليبلغ بعض ما يسعى إليه ويخطط له، لو لم تكن هناك عوامل مختلفة ساعدت على أن ينجح- إلى حد ما- في زعزعة المفاهيم الإسلامية التي تظلل الأسرة وتحفظ عليها أمنها وسلامتها وقيامها برسالتها المقدسة كما ينبغي أن تكون.
وأهم تلك العوامل ما يلي:
أولًا: الزواج غير الطبيعي:
وأعني به ذلك الزواج الذي لا يثمر بين الزوجين سكنًا ومودة ورحمة، ولا تعبر العلاقة بينهما عن معاني الرغبة المشتركة في حياة زوجية سعيدة، ولهذا الزواج صور شتى، منها إكراه الفتى أو الفتاة على الاقتران بمن لا يأنس إليه ولا يرغب في العيش معه، ومنها أن يتم الزواج دون الرؤية التي أمر بها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل العقد، وتفاجأ المرأة أو الرجل بعد العقد أو الدخول أنه تزوج بمن لا يسره أن ينظر إليها، ولا يجد الراحة النفسية حين لقائه والحديث معها.
ومن صور ذلك الزواج ألا يرغب الرجل في المرأة لذاتها، وإنما يسعى إليها لعرض زائل، ومتعة فانية.
فمثل هذه الصور وسواها مما يدور في فلكها لا تجعل من الزواج ميثاقًا غليظًا وعلاقة طاهرة مقدسة تبني أسرة على مبادئ الدين والخلق والاختيار المطلق والرضا الكامل، والأسرة التي لا تؤسس على هذه المبادئ لا تعرف الاستقرار والاستمرار، وتهب عليها غالبًا ربح الشقاء والتعاسة والتعرق والانهيار.
ثانيًا: الأمية الدينية في فهم العلاقة الزوجية:
إن عقد الزواج ينشئ بين الرجل والمرأة علاقة خاصة، تحقق بينهما الامتزاج الكامل والستر المشترك، وجاء في القرآن الكريم عن هذه العلاقة ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ۗ﴾ (البقرة: 187)، وليس بعد هذا التعبير في بيان طبيعة تلك العلاقة تعبير.
وما دامت العلاقة الزوجية على هذا النحو من التميز والخصوصية فإنها تفرض على كل من الزوجين حقوقًا متبادلة، ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ ﴾ (البقرة: 228).
وقوام كل هذه الحقوق المتبادلة بين الزوجين حسن العشرة بمفهومها الشامل الذي يستوعب الحاجات المادية والحاجات النفسية على السواء، والذي يتجاوز عن بعض الهنات الهينات والذي يتخذ المواقف العملية الكسب الود والاستعلاء فوق مشاعر الكراهية والنفور أو الإعراض والنشوز وعدم فهم الزوجين لما يجب على كل منهما نحو الآخر، وأيضًا عدم إدراكهما المسؤولية حماية الأسرة، والحفاظ عليها يهدد الأسرة بالقلق والتصدع، ويقضي عليها بالتفكك والتفرق.
ثم إن الدرجة التي وردت في قوله الله تعالى: ﴿ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ ﴾ (البقرة: 228) لا تعني محاباة للرجل أو إلغاء لشخصية المرأة، وليست كذلك حجة يتذرع بها الرجل للاستبداد ووأد شخصية المرأة، وإما تعني مسؤولية الرجل عن الأسرة من حيث الإنفاق المادي والرعاية التربوية، فقد منحه الله من الطاقات والقدرات ما جعله أهلًا للقيام بتبعات هذه المسؤولية.
ولكن عدم فهم الزوج لدرجة القوامة يجعله يقصر في واجباته نحو زوجته وأحيانًا يسيء إليها إساءة بالغة تنال من كرامتها وإنسانيتها، وقد يعتقد بمقتضى هذه الدرجة أن له الحرية المطلقة في أن يفعل ما يشاء دون أن تراجعه زوجته، أو تسأله مثلًا عن سبب غيابه كثيرًا عن البيت أو عن علاقاته بالآخرين.. وهذا السلوك يرتد على الأسرة بالاضطراب وفتور العلاقة بين الزوجين، وقد يصل الأمر إلى الشك الذي يدمر هذه العلاقة أو يجعلها أوهن من خيط العنكبوت.
ثالثًا: عدم وجود المصلحين عند الشقاق:
إذا كان عدم فهم الزوجين للعلاقة الزوجية وحقوقها المشروعة، وما تقتضيه هذه الحقوق من استقلال الزوجين بعلاج ما قد يطرأ على حياتهما من مشكلات تنذر بتمزق الأسرة وانحلالها، فإن عدم وجود المصلحين الذين أمر الله الأمة بإعدادهم للتدخل عند خوف الشقاق بين الزوجين لا عند وقوعه: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ ﴾ (النساء: 35).
إن عدم وجود هؤلاء المصلحين الذين يحاولون دون سأم أو ملل إنقاذ الأسرة من الشقاق الذي وقعت أو تخشى أن تقع فيه يهيئ لعوامل الاضطراب والقلق والتمزق أن تقوض بنيان الأسرة وتفرق بين أفرادها.
إن هذه الآية التي أمرت بإرسال حكمين عند خوف الشقاق يتوجه الخطاب فيها إلى المؤمنين عامة أو من يمثلهم ويكون أقدر على القيام بالإصلاح كأقارب الزوجين تؤكد مسؤولية الأمة عن حماية الأسرة من التدهور والتفكك لأنه حماية للأمة من الضعف والتخلف فالأسرة كما هو معلوم عماد المجتمع، ولهذا جاء الإسلام الذي بعث به محمد- صلى الله عليه وسلم- بأقوم المبادئ والتشريعات التي تدعم الأسرة وتخلصها من شوائب الضعف وتكفل لها الصلاح والاستقرار، ومن هذه المبادئ تدخل أهل الصلاح والخير للتوفيق بين الزوجين إذا اختلفا، وساد جو الأسرة سحائب النفور والكآبة.
وأغلب الظن أن المجتمع الإسلامي لم يعد ينهض بهذه المهمة المقدسة، مهمة التدخل بين الزوجين للإصلاح وعلاج ما جد على حياتهما من مظاهر الشقاق.
رابعًا: كثرة الطلاق لأوهى الأسباب:
إن ظاهرة كثرة الطلاق في المجتمع الإسلامي وبخاصة المجتمع الخليجي تعد ظاهرة خطيرة، لأن لها أثارها المدمرة للأبناء والأخلاق واستقرار الحياة بوجه عام.
وهذه الظاهرة تعكس في الواقع جهلًا بما أباحه الله من التفريق بين الزوجين عند الضرورة وبعد استنفاد كل وسائل الإصلاح، فالناس يسارعون إلى الطلاق لأوهى الأسباب، ولا يأخذون أنفسهم بما أمر الله به من المعاشرة بالمعروف وعدم الاستجابة لمشاعر الكراهية والنفور، وتحري الوقت الصحيح لإيقاع الطلاق إذا كانت المرأة من ذوات الأقراء وهو غالب حال النساء المطلقات فينذر أن تطلق المرأة الحامل أو التي بلغت سن اليأس، إن هناك جهلًا فاحشًا بأحكام الطلاق، ويخطئ الناس عدة أخطاء في تطبيق هذه الأحكام، وقد أشرت إلى هذا في كلمة نشرتها الوسطية منذ نحو عامين تحت عنوان «خمسة أخطاء في تطبيق أحكام الطلاق».
على أن ظاهرة كثرة الطلاق ثمرة طبيعية للزواج الذي لم يستوف شروطه المشروعة، وأيضًا للأمية الدينية في فهم العلاقة الزوجية وعدم وجود أهل الإصلاح للتوفيق بين الزوجين عند خوف الشقاق.
ولا شك في أن تلك الظاهرة، من أهم أسباب التفكك والتمزق للأسرة المسلمة، هذه أهم الأسباب التي تمخض عنها تفكك الأسرة، وضعف صلة الرحم بين أفرادها، وهناك غير هذه الأسباب عوامل مختلفة كان لها دورها في هذا الضعف وذلك التفكك كالتقصير في القيام بواجب رعاية الأبناء أخلاقيًا وعلميًا، وما تذيعه أجهزة الإعلام المرئية من مسلسلات وأفلام تزين الفساد وتحرض على الحرية التي لا تعرف الضوابط أو الالتزام بالقيم والأعراف الصحيحة.
ولا جدال في أن تلك العوامل جميعها سلبت الأسرة بعض خصائصها الإسلامية، ولا سيما خصيصة العلاقات الوثيقة والمودة الحميمة والاستقرار الذي يهيئ للأجيال الصاعدة النشأة السوية والتربية السليمة.
▪ العلاج مسؤولية من؟
وعلاج ما تعاني منه الأسرة المسلمة اليوم يحتاج إلى تضافر جهات متعددة واتخاذ إجراءات صارمة، ونشر الوعي الثقافي الإسلامي الذي يبدد ظلام التقاليد والأعراف البالية.
إن المجتمع الإسلامي يعيش أزمة الأمية الدينية وبخاصة بالنسبة لبناء الأسرة والدعائم التي تؤسس عليها، والقضاء على هذه الأمية عامل مهم في استقرار الأسرة وقيامها برسالتها على أحسن وجه، ولكن القضاء على الأمية الدينية ليس أمرًا هينًا، ومن ثم ينبغي أن تتعاون أجهزة الإعلام المختلفة مع المسجد والمدرسة والجامعة على تقديم الحلول العملية لمشكلات الأسرة، وكذلك تقديم الدراسات الجادة الموضوعية التي ترشد الرجال والنساء إلى حياة زوجية طيبة لا تعرف نزاعًا أو اضطرابًا وإنما تعرف وئامًا ومحبة وسلامًا.
ويضاف إلى هذه تكوين جمعيات في كل أحياء المدن والقرى مهمتها حماية الأسرة والتدخل في حالات الشقاق والخلاف للإصلاح.
وأرى أن مهمة القضاء في حالات النزاع الأسري لا يجب أن تظل مقصورة على الفصل في الخصومات، وإنما تتجاوز هذا إلى السعي للإصلاح والحيلولة دون تفرق الزوجين.
وقد جعل الإسلام الأمة كلها مسؤولة عن حماية الأسرة، فإن في حمايتها حماية للأمة، وفي ضعفها ضعفًا للأمة، وحين يدرك كل فرد في المجتمع الإسلامي مسؤوليته نحو الأسرة، فإنها تظل خلية حية في جسم المجتمع، ولبنة قوية تشد أزره وتدرأ عنه عوامل التخلف والفساد، وبذلك تظل الأمة الإسلامية في منزلة القيادة والريادة والشهادة على غيرها من الأمم.
▪ لمسات في التربية من جدي «الشيخ علي الطنطاوي» (١٦).. علاج حاسم وصريح
كانت الشام- التي نشأنا فيها صغارًا- تفتقر إلى أكثر المنتجات والبضائع الجديدة الجميلة التي يعرفها الناس هذه الأيام، وكان أهلنا يسافرون إلى بيروت بين حين وآخر ليوم أو أيام معدودات ونبقى- نحن الصغار.
في بيت جدنا، وبيروت فيها من الأشياء الجميلة النادرة (فيما كان يبدو لنا) الكثير، فكانوا إذا سافروا إليها جاءونا بما يفرحنا من هذه الأشياء.
وعاد أهلنا ذات يوم من بيروت ومعهم علب من الورق المقوى مصممة كل منها على شكل شنطة جميلة المظهر جذابة الألوان، تحتوي قطعًا كثيرة من الحلوى اللذيذة التي يحبها الأطفال، فوزعوا هذه الشنط علينا، لكل حفيد شنطة، وعلى أولاد أقاربنا الذين حضروا يومها لزيارتنا.
وكنا نتلقى- على الدوام- توجيهات من أهلنا تحثنا على أن تكون كرماء مؤثرين، فلما أعطونا تلك الهدايا حمل كل حفيد منا علبته وراح يدور بها على أقاربنا الكبار الذين حضروا لزيارتنا يدعوهم لتذوق ما فيها من الحلوى فسر أولادهم لذلك واحتفظوا بعلبهم التي قدمت لهم هدية مغلقة مؤجلين أكلها لحين اختلاهم بأنفسهم حتى يستأثروا بها كلها ومدوا أيديهم فأخذوا قطعًا من الحلوى من علينا التي كنا نطوف بها على آبائهم من الكبار، فما وجدوا منهم تنبيها ولا ممانعة، وقد أزعجنا ذلك التصرف وأريكنا فلم ندر ما نفعل وكيف نتصرف فلا نحن رضينا أن يأخذوا من علينا وعليهم ممتلئة مخبأة، ولا نحن تجرأنا على الاعتراض والانتقاد في حضرة الكبار، فسكتنا راغمين يملؤنا الغيظ مما بدا لنا من شراهة وطمع الصغار ولا مبالاة وعدم ملاحظة الكبار.
جدي كان جالسًا في الغرفة ذاتها- بطبيعة الحال- يرحب بالحاضرين مهتمًا بهم متحدثًا إليهم، ولكن شيئًا مما وقع لم يفته لدقة ملاحظته وسرعة إدراكه، فانتبه إلى استغلال الأطفال لكرمنا، وأخذهم لحلوانا، وعلبهم مغلقة لا يطعمون أحدًا منها، فلم يتعجب من تصرفاتهم (فالأطفال كلهم تقريبًا يتصرفون بهذا الشكل، وعلى هذه الطريقة)، ولكنه تعجب من أهلهم الذين جلسوا يراقبون صامتين، لا يوجهون ولا يعترضون، فهل تصدقون ماذا فعل جدي يومها؟
لقد جمع الحلوى من جديد من أيدي الأولاد وجيوبهم وأعادها إلينا كاملة، ثم قال لآبائهم بكل صراحة ووضوح إنه فعل ذلك لينبه أولادهم بموعظة جلية وتوجيه مباشر أن ما صنعوه بخل واضح، وطمع زائد. فالتربية ترسيخ المبادئ، وتقويم السلوك، والإحجام عن توجيه وتنبيه أطفالهم إلى ترك الشراهة والابتعاد عن الطمع في مثل هذا الموقف يجعل السلوك العفوي طبعًا أصليًا يصعب التخلص منه مستقبلًا.
أيها الإخوة والأخوات قد تعجبون من هذه القصة وتنتقدون هذا التصرف من جدي، فأنا مثلكم- رغم سروري وقتها بعودة الحلوى إلي- عجبت منه ووجدته غير لائق، لكن أقاربنا تقبلوه ولم يجدوا فيه غضاضة فجدي مرب للجميع، وهو قد نبههم إلى لمسة مهمة لم تخطر ببالهم، وكثير من المربين يحتاجون لمن ينبههم إلى أخطائهم ويوجههم ويساعدهم في تربية أولادهم، لقد تعلمت أن أسلوب الوعظ المباشر مفيد في بعض الأحيان فبعض الناس لا يدركون أنهم هم المعنيون عندما تستعمل معهم أسلوبًا مبطنًا لطيفًا، وأيقنت أنا الخطأ الجلي الواضح الذي يتم أمام الجميع يحتاج إلى عتاب وتوجيه وتصحيح أمام الجميع..
عابدة فضيل العظم
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
العادات الاجتماعية بالدول العربية وتأثيرها على زواج الشباب
نشر في العدد 2180
141
الخميس 01-يونيو-2023

