العنوان المجتمع الأسري عدد 1335
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الاثنين 01-فبراير-1999
مشاهدات 13
نشر في العدد 1335
نشر في الصفحة 58
الاثنين 01-فبراير-1999
ظاهرة مؤسفة
الزواج الصعب.. والطلاق السهل!
في عالمنا العربي وبخاصة في دول الخليج، يجد الشاب صعوبة بالغة في الزواج، بدءًا من الحصول على موافقة أسرة الفتاة، ومرورًا بتطلعات الفتاة للرياش والذهب، وأخيرًا بتكاليف العرس نفسه.
هذه كلها عقبات أمام الشاب، عليه أن يجتازها دون أن يتأوه حتى يبلغ نهاية الشوط الصعب، وهو الدخول إلى عش الزوجية.
وما أن يدخل العروسان في شهر العسل حتى تبدأ النكاءات في النزف ويئن الفتى، وتئن الفتاة لأن لكل منهما جماعة ولا حكيم يتدخل لرأب الصدع، في حين تتحكم العواطف في سلوك الآباء تجاه أولادهم، وتكبر المشكلة الصغيرة حتى يصل الأمر إلى المحكمة التي لا تتواني في إصدار الأحكام المتسرعة بالطلاق، وكان الأمر اشتباك بين خصمين، وليس هدم أسرة حرم الإسلام فصل عراها إلا بالحق.
والأمر هكذا: أقترح استصدار تشريع بألا ينظر في دعاوى الطلاق إلا بعد مدة زمنية كافية لمراجعة الأخطاء، مع تشكيل لجان من أهل الصلاح تتولى إصلاح ذات البين، فإن عجزت أحالت الأمر إلى المحكمة بعد وضع تقرير عن كل حالة.
فاتقوا الله يا مسلمون إن الطلاق عواقبه وخيمة: تشريد أطفال، وزرع شحناء، وتفكيك أواصر مجتمع، مع أن الله سبحانه وتعالى أرسل رسله لبث الوئام في ربوعه ورسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» (رواه البخاري ومسلم)
إبراهيم يوسف
حياتنا الزوجية... أسعد علاقة على وجه الأرض
مانيلا: عبدالله الصالح
يعاني الكثير من المجتمعات مشكلات عدة منها فشل الحياة الزوجية، وعدم استمرارها، بل إن ما يقرب من نسبة ٦٠٪ من الزيجات الأخيرة بالفلبين قد تعرضت للفشل التام بسبب أو لآخر.
لماذا يحدث ذلك؟
يعزو المحللون الأسباب لأربع مراحل نفسية لا بد من أن تمر بها الحياة الزوجية، وهي:
١- الأنانية التي قد يعاني منها أحد الزوجين، مما يؤدي لعدم اهتمامه برفيقه.
٢- عدم وضوح الرؤية هل زوجي هو الشريك الأنسب لحياتي، أم أنني قد أجد من هو أفضل منه مما يؤدي لتعطيل الزواج، ويتجه به نحو الهاوية والسلبية في التعامل؟
٣- عدم اعتراف كلا الزوجين بقيمة شريكه الآخر في الحياة، والأثر الإيجابي الذي يطبعه على حياته.
٤- عدم إدراك أن أفضل هذه المراحل على الإطلاق هو عندما يقوم أحد الزوجين أو كلاهما بمعالجة المشكلات المعترضة حياتهما بجد وإخلاص، مع تقليل أي صعاب في طريقهما، مما يؤدي لحياة زوجية طويلة وناجحة.
وإذا أردنا أن نجعل أي زواج ناجحًا لا بد من أن يعتمد هذا الزواج بالدرجة الأولى على مقدار التفاهم بين الزوجين، وعطاء كل منهما الذاتي.
أحد الموجهين النفسيين يقول لمراجعيه في عيادته الطبية: «إن الزواج علاقة خاصة تقوم على المحبة، وصدق الارتباط، والعاطفة الزوجية».
ولكي نجعل الزوجين متعاونين، ويشتركان في كل صغيرة وكبيرة بحياتهما لا بد من أن يكون باب التناصح والمصارحة كبيرًا.
فن الاستماع: الاتصال بين الكائنات دليل الاستمرار، ومن الضروري أن تحسن الاستماع كما تحسن التكلم مع شريك حياتك، فإن ذلك ركيزة مهمة لعلاقتكما.
ومن آداب الاستماع أن تضع نفسك في مكان شريكك، وأن تحاول أن ترى المشكلة من مكانه وبمنظاره.
ومن أفضل الطرق لإيجاد حياة زوجية ناجحة قضاء الوقت معًا، والاستمتاع بالحياة: تضحك مع زوجك، وتعمل معه، وتتمشيان معًا، مما يولد ثقة شديدة بينكما.
التفاهم: من أساسيات الحب، فكيف ينمو حب دون فهم؟
وكيف يتكون فهم دون إنصات واستماع؟
لا بد من فهم سلوك صاحبك، وما يهواه، وما لا يحبه، هدفنا في ذلك ليس إتقان أو فهم الزوج بدرجة من الكمال، بقدر ما هو مساعدة بعضنا البعض، فالشعور باحتياجات الآخرين وآلامهم جزء من العلاج.
النكد: يفسد الحياة الزوجية، ويقضي عليها سريعًا، إن الموت البطيء للحياة الزوجية يكبر مع النكد ويزول مع المحبة والود والدعاء.
العون الإلهي: الثقة أساس الفهم، وأهم حلقات الحياة الزوجية، وهي تعني أن نثق بمن نحب، وكيف يفكر إيجابيًا للعمل لإنجاح الزواج واستمراره.
يمكن للحياة الزوجية أن تكون أسعد علاقة على وجه الأرض إذا ما حدثت الثقة بين الزوجين، فالعون الإلهي يتنزل عند وجود هذه الثقة، والإخلاص والإيمان بالله.
وأفضل الزيجات على الإطلاق تلك التي تقوم على ارتباط قوي بالله جل وعلا، إذ يقوم كلا الزوجين بواجباته نحو إلهه أولاً، ثم يخلصان فيما بينهما، ومن ثم تأتي حقوق الذرية، وتدور عجلة المجتمع بنجاح.
في ندوة «المجتمع»: «السنوات السبع الأولى من حياة الطفل» (١ من ٢)
الطفل مرآة تعكس سلوك الوالدين... وشخصيته تتشكل في السنوات المبكرة
القاهرة: ناهد إمام
التغذية السليمة والبيئة الصحية أساسيان لنمو بدني وعقلي صحيح للطفل.
«الوليد سيد سبع سنين، وخادم سبع سنين، ووزير سبع سنين، فإن رضيت مكاتفته إحدى وعشرين، وإلا فاضرب على جنبه فقد اعتذرت إلى الله فيها»، أي فارقه وأتح له استقلالاً كاملاً (رواه الطبراني في الأوسط بسنده عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-).
حول مرحلة الطفولة المبكرة أو «السنوات السبع الأولى في حياة الطفل»، نظم مركز الإعلام العربي بالتعاون مع مجلة المجتمع ندوته الشهرية التي شارك فيها صفوة من المتخصصين في عالم الطفولة والتربية.
في البداية أكد الأستاذ علي أحمد لبن - الموجه العام السابق للفلسفة والتربية والخبير التربوي - في كلمته أن سنوات الطفولة المبكرة في الفترة الحيوية لتكوين شخصية الطفل وضميره الخلقي والوازع الديني، وتنمية الرقابة الذاتية في داخله «الضمير»، وتكوين حسه المرهف بحيث يصبح سلوكه المرغوب فيه تابعًا من ذاته، أو ما يسميه علماء النفس «بالضبط الداخلي»..
ويقول: الأطفال شديدو التأثر بكل أسلوب يعاملون به، فهم يستطيعون تميز العطف والمحبة من ملامح الوجه ورنة اللهجة التي يخاطبون بها واللطف والحلم والفهم الذي يعاملون به وعلى قدر ما يطبق الأهل من طرق العنف تلبية لرغباتهم الجامعة في الحصول على طاعة أبنائهم، وعلى قدر ما يستعملون أيديهم الثقيلة، وتعابير وجوههم القاسية على قدر ما يعظم عصيان الطفل وسلبيته وشقاؤه، وشعوره بالقلق وعدم الطمأنينة وتظهر عليه المشكلات النفسية، فنجد أنفسنا أمام شخصية مريضة سلوكيًا ثم تساءل... لماذا؟!
اكتشاف الذات
ومن جهته يشير الدكتور سناء أبو زيد – استشاري طب الأطفال – إلى أن اكتشاف الذات هو إحدى خصائص تلك المرحلة.. وعلى سبيل المثال يكتشف الطفل ملكة «الرفض»، واستعمال كلمة «لا»، لكنه يستعملها غالبًا في غير موضعها نظرًا لقصور الإدراك لديه.. لذا لا يصح أن يعامل الطفل بالمشورة في هذه السن، بل يكون التصرف الإيجابي هو المتبع معه مباشرة فتقدم له الأم الطعام ولا تستشيره وهكذا.
ويوضح طبيب الأطفال أن التغذية السليمة والمناخ الصحي أساسيان لنمو بدني وعقلي سليم مما يؤثر على شخصيته الصغيرة المتفتحة... فالشمس والهواء النقي المتجدد لازمان لحياة الطفل.... والمسكن الصحي هو الذي يتعرض فيه الطفل للشمس والهواء، وفي حال حرمانه بسبب «سكني رديئة»، فإنه يتعرض للإصابة بكثير من الأمراض مثل تأخر المشي وأمراض الجهاز التنفسي وفي هذه الفترة تعنى الأم بتناول أطفالها للألبان ومنتجاتها والأسماك والبيض بما يشبع حاجة الصغير للكالسيوم والفوسفور اللازمين لبناء العظام، وكذلك تمده بالأطعمة الغنية بالحديد كالعسل الأسود، والكبد، والسبانخ والبروتينات اللازمة لبناء الأنسجة والعضلات حيث تنمو عضلات الصغير، وينشط ويلعب ويحتاج إلى كميات متزايدة ولا تنسى الأم الفيتامينات المتوافرة في الفواكه والعصائر.
وتراعي في الأطعمة التي تقدم للطفل - والكلام مازال للدكتور سناء - التكيف مع الجو والنظافة والتعقيم بقدر الإمكان خاصة للطفل في مرحلة الرضاعة وعدم اتباع أساليب خاطئة في فطامه فالمعنى العلمي للفطام هو العطاء وليس العكس بمعنى أن الأم لا تحرم طفلها من ثديها، بل تعطيه وجبات خارجية بجانب الإرضاع مثل شوربة الخضار والزبادي، واللحم والدجاج المفري والمدهوك...وهكذا وعن النمو المعرفي للطفل يؤكد الدكتور نصر الدين شهاب – أستاذ أصول التربية بجامعة حلوان – أن هناك مرحلة ما قبل تكوين المفاهيم ثم مرحلة المفاهيم فالمفاهيم عند الطفل غير ناضجة ولا يستطيع استيعابها جملة، فهو من الممكن – مثلاً – أن يعرف أن الطيور لها أجنحة، ولكن كيف تطير؟ وكذلك يعرف أن السيارة ذات عجلات، ولكن كيف تسير؟ وما العمليات التي تتم لأجل سيرها؟ إنه لا يدرك ذلك كله، وإنما يأتي إدراكه لذلك في مرحلة متقدمة.
فتكون المدرك لدى الطفل – والكلام – للدكتور نصر الدين – يأخذ شكله العام وليس تفاصيله ونحن نستطيع أن نستخدم الرموز كإحدى وحدات النشاط المعرفي في الربط مثلاً بين الأشياء بشكل يدركه الطفل، كأن تربط بين ألوان إشارات المرور والفعل الواجب اتخاذه عند كل لون، فهذه يستطيع الطفل أن يدركها، وعن طريق وحدات النشاط المعرفي وهي الشكل العام، والصور الذهنية والرموز والمفاهيم يمكن تنمية القدرات المعرفية والعقلية عند طفل هذه المرحلة.
أهمية العلاج
أما الدكتور سناء أبو زيد – طبيب الأطفال، وهو من المهتمين بعالم الطفل النفسي – فيؤكد أن للعب الطفل فوائد صحية عديدة تعود عليه بالنفع في مرحلة الطفولة المبكرة، فمع الانطلاق تتحرك الرئتان بالهواء النقي، ويندفع الدم في العروق، وتنشط العضلات، وتتناسق حركات أعضاء الجسم فيمكن للطفل التحكم في أعضائه، وبخاصة عند رمي الكرة أو تلقيها .. وهكذا تزيد ثقة الطفل في نفسه.
متفقًا مع الرؤية السابقة يشدد الدكتور شهاب على أهمية اللعب في اكتشاف موهبة الطفل مبكرًا ومن ثم تنميتها فيقول:
في هذه المرحلة نلاحظ قدرات الطفل وميوله، ونضع أمامه اختيارات كثيرة متمثلة في تنويعات من الألعاب التي تختلف كل واحدة منها عن الأخرى، فهناك طفل شغوف بألعاب الفك والتركيب والمكعبات هو ما نسميه بالألعاب الهادئة أو ألعاب المنضدة، وآخر تستهويه الأقلام الملونة، وكراسة الرسم، فهذا لديه ميول فنية، وثالث يمكن أن يرتب مجموعة كلمات مع بعضها ويرددها فهذا لديه فصاحة.. وهكذا فهناك ارتباط بين ميل الطفل لنوع اللعب، وقدراته العقلية، وإمكاناته المرتبطة بالتصور والفهم، فهناك أطفال يميلون إلى العاب الأكبر سنًا منهم، فهؤلاء سنهم العقلية سبقت سنهم الزمنية فهو يتقبل موضوعات أكثر تعقيدًا.
والطفل الموهوب بصفة عامة – كما يوضح الدكتور نصر الدين – يفضل الألعاب التنافسية فلديه قدرة على المواجهة والتحديث، وذلك أمر جيد إذا أمكن استثماره في حدود قدرات الطفل حتى لا يتعرض للمخاطر، وهو – أيضًا – أكثر نشاطًا وتنوعًا وتحايلاً في لعبه، وغالبًا ما يعاني الأطفال فائقو الذكاء من صعوبات ذات طابع عقلي، إذ يمكن من خلال التعاون بين المنزل والمدرسة حلها حتى لا يصاب الطفل بالإحباط .
يوميات أم
نطالب برد اعتبار
عابدة المؤيد العظم
لقد نبهتني الإهانة التي تلقيتها من صديقاتي (عندما حقرن مهنة الأمومة) إلى شيء مهم لم انتبه إليه قبلاً، هو فهم الناس الخاطئ لعملية التربية، وعدم تقديرهم لأبعادها الحقيقية، وغفلتهم عن دور التربية في تغيير الأفراد، وتبديل المجتمعات وحفزني الأمر على تبيان الوظيفة الأصلية للتربية في مجتمعاتنا، فالناس يرون التربية «مهنة وضيعة» لأنهم جعلوها كذلك، إنها ليست في مفهوم معظمهم أكثر من عمل الخادمات، فهي توفير للطعام واللباس والمأوى، وحماية من الأخطار، فإن لقن المربي ولده الصلاة والصيام تلقينًا لا تفهيمًا، وإذا اهتم بتدريس ولده مسهمًا في رفع درجاته المدرسية لا بتحصيله العلم النافع كان مربيًا ناجحًا ومتميزًا ويخطئ من يظن التربية الحقيقية كذلك، أي عطفًا وحنانًا وطعامًا وشرابًا ولباسًا، ودرجات مدرسية، فهذه بعض الجوانب ولا تزال للتربية جوانب أخرى يهملها الكثيرون بالرغم من أنها أكثر قيمة وأهمية.
إن التربية تشمل نواحي عدة منها: الدينية والاجتماعية والخلقية والعقلية والجسمية والنفسية... والتربية بهذا المفهوم عملية شاملة متكاملة، ومهمة معقدة صعبة تبدأ بالحمل، وتظل مستمرة حتى الموت وللوالدين في كل مرحلة دور مهم، لكن الدور الأساسي والرئيس والأهم هو في السنوات الأولى، لأنها هي التي تحدد مبادئ وأفكار وأخلاق وسلوك ودين الأطفال، وقد بين ابن قيم الجوزية ذلك في كلمات قليلات جامعات: (ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خلقه فإنه ينشأ كما عوده المربي في صغره من غضب، ولجاج، وعجلة، وخفة مع هواه، وطيش، وحدة، وجشع، فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخة له.. ولهذا تجد أكثر الناس منحرفة أخلاقهم، وذلك من قبل التربية التي نشأ عليها).
ثم بين لنا شيئًا من الصفات الواجب تعليمها للمولد حتى يستقيم دينًا وخلقًا: (ويعوده البذل والإعطاء.. ويجنبه الكسل والبطالة والدعة والراحة... ويجنبه فضول الطعام والكلام والمنام.. ومما ينبغي أن يعتمد حال الصبي وما هو مستعد له من الأعمال، ومهيأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له فلا يحمله على غيره... هذا كله بعد تعليمه له ما يحتاج إليه في دينه).
وقد تقررت هذه الحقائق في الحديث الشريف: «فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه» (أخرجه البخاري (1385)، ومسلم (2658). فالوالدان هما اللذان يحددان دين أبنائهما، وبالتالي يحددان سلوكهم ثم مصيرهم الدنيوي والأخروي فالتربية (التي أضحت اليوم مسؤولية الأم وحدها) تستوجب التفرغ والاهتمام لأنها تتضمن مهام عدة، فهي مبادئ تلقن، وعقيدة ترسخ، وأخلاق تعلم وسلوك يهذب وآداب تنمق. ومهارات تكتسب... ولا يخفى علينا ما يحتاجه تلقين هذه المبادئ والمفاهيم والأخلاق من تفرغ واهتمام من جانب الوالدين، وأخص الأم.
أمانة.. وجوهرة
لكن كثيرًا من الأمهات انصرفن عن هذه المهنة «لوضاعتها» وتركنها إلى الخادمات والمربيات وشغلن أنفسهن بالأزياء والموضات أو بالتحصيل والدراسة، أو بالعمل في أي مهنة أخرى وبغياب المرأة عن عملية التربية والتوجيه والرعاية غابت المبادئ واختلطت المفاهيم، وأشكل الأمر على الناشئة، فهم لا يدركون الدس والتلفيق من دون إرشاد ذويهم، ولا يقدرون الأبعاد، ولا يعرفون المشتبهات، ولا يميزون الغزو الفكري ويجهلون الكثير الكثير، الأمر الذي سهل عمل المفسدين ومهد الطريق أمام المخربين، لأن في إيمان أولاد المسلمين هشاشة، وفي معتقداتهم رقة، وهم من دون قاعدة دينية وأخلاقية صلبة تحفظهم، وتحميهم من السوء والمنكرات يقول الإمام الغزالي: (الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة سانية خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة وإن عود الشر، وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك) (محمد نور سويد منهج التربية النبوية للطفل ص ٢٥).
فالإهمال وترك التربية يقودان الأولاد إلى الشر لا محالة، وبرغم ذلك، وبرغم ما نراه اليوم من انحراف الجيل، وكثرة المفاسد مازلنا نعتبر التربية مهنة وضيعة!
فنحن اليوم بحاجة إلى المزيد من الجهد والتفرغ والاهتمام بأبنائنا لا المزيد من الانشغال والإهمال.. فكيف تحقق هذا والأمهات العاملات في ازدياد؟ وكيف نعيد أمجاد الإسلام وأعداد المنحرفين في ارتفاع؟ فهل أدركتم الفراغ الذي أحدثه غياب الأم عن التربية والتوجيه؟
فيأيها المسلمون، أتعرفون سببًا رئيسًا من أسباب تخلفنا وانحسار حضارتنا؟ إنه تحقير عملية التربية والنظر إليها على أنها مهنة وضيعة، والقول إن جلوس المرأة في البيت تعطي لنصف المجتمع، هذا القول فيه إهانة لنا معشر النساء الأمهات المربيات بل هو الإهانة بعينها لأن هذا القول يلغي أثر الأم، ودورها في التربية، ويذهب بقيمتها الاجتماعية، ويوحي بأن عملنا لا قيمة لا ولا وزن، ولا فائدة، فلماذا نرهق أنفسنا إذن نحن الأمهات؟ ولماذا نحرم أنفسنا من متابعة الدراسة أو نحد من طموحاتنا وأحلامنا أو نمتنع عن الخروج من بيوتنا بحثًا عن الترويح والتسلية؟
مشروع مضمون
إننا – نحن الأمهات المهتمات بتربية أولادهن ما اخترنا الجلوس في البيت لنستجم ونستمتع ولا لنقضي وقتنا في النزهات واللهو مع الصاحبات ولا لتضيع الوقت والمال في الأسواق، لقد ضحينا بأنفسنا وبأحلامنا وبمستقبلنا من أجل أطفالنا لأننا باختصار فضلنا مصلحة أبنائنا ومستقبله على مصالحنا ومستقبلنا، وفضلنا أن نكون القائمات على الجيل الجديد تتحكم في جودته وتعمل على توجيهه، ونسهم في توعيته على أن نكون مجرد آلات: عاملات أو موظفات أو معلمات، وإننا ندعو كل أم عاملة لها أولاد صغار دون سن المدرسة إلى ترك العمل خارج البيت والإسهام معنا في مشروعنا الخيري المضمون هذا.
ولكن وقبل ذلك نطالب برد اعتبار! فنحن نرفض أن نسمى النصف العاطل عن العمل، لأننا نعمل عملاً عظيمًا، ونرفض التقليل من شأن مهنتنا ونرفض احتقار جهودنا، فهذه الكلمات هي التي تسببت في خروج المرأة إلى العمل، وإهمالها بيتها وتسببت في ترجلها ومنافستها للرجال، وكانت السبب غير المباشر في فساد الجيل، وانحراف الأولاد عن الدين القويم.
فيأيها المسلمون: هلا رددتم إلى المرأة اعتبارها باحترامكم مهنتها، وتقديركم جهودها، وشكركم تضحيتها، حتى تستقر نفسيتها وتهدأ ثورتها، وتعود إلى القيام بواجبها على النحو الأفضل والوجه الأكمل، فتخرج لنا جيلاً فريدًا متميزًا، لا جيلاً فاسدًا فاسقًا منحرفًا؟
إنه لنداء، وإنها لاستغاثة، فهل من يجيب الاستغاثة، ويلبي النداء.
الثناء قبل الانتقاد حتى لا يفقد الثقة بنفسه
كيف تتعاملين مع عثرات طفلك؟
عندما يرتكب الطفل خطأ يتسبب عنه انكسار كوب أو تحطم طبق أو تلف لعبة: هل يجدي أسلوب التوجيه النقدي المباشر أم أن الأفضل الثناء على الطفل أولاً، ثم توجيهه إلى التصرف السليم في جو من الحب والصبر، وكظم الغيظ لدينا مقياس واضح.. النقد البناء هو الذي يدعو الطفل إلى عمل يجب عليه أن يعمله متناسين تمامًا الملاحظات السلبية الخاصة بشخصيته، وهذه أمثلة:
إن طفلاً عمره عشر سنوات سكب على المائدة كوب اللبن في أثناء تناول الإفطار... قالت الأم:
-إنك كبرت إلى درجة تعرف فيها كيف تمسك بكوب اللين كم مرة قلت لك يجب أن تكون حذرًا؟
- قال الأب: إنه لا يمكنه أن يكون كذلك إنه مهمل.. وسيظل عمره مهملاً ....
إن الابن سكب بضع قطرات من اللبن، وربما الكوب بأكمله، لكن ما حدث بعد ذلك يكلف أكثر بالنسبة لفقدانه الثقة في نفسه.. إذا وقع خطأ فعلينا بعلاج الخطأ ذاته فحسب، وليس توجيه النقد شاملاً كاملاً.
ولو أن الأم قالت: إني أرى الكوب قد سقط على المائدة.. هذا كوب آخر.. وهذه قطعة قماش تنظف بها اللبن المسكوب.
قطعة قماش
وتناول الأم ابنها قطعة القماش مع الكوب لا شك في أن الصغير سيخجل، لأنها تنتشله من الشعور بالإثم، وتعاتبه بالقماشة بمنتهى الرقة ولا شك في أن رده عليها سيحمل من الانفعال.... قد يقول وهو ينظف المائدة:
- شكرًا يا أمي.
وقد لا تضيف الأم كثيرًا إلى ما قبل.. اللهم إلا عبارة قصيرة قد تكون:
- أود أن تكون أكثر يقظة مستقبلاً.
إن الصراع على اللبن المسكوب من الممكن أن يفسد اليوم كله، والمنازعات والمشاحنات بين الوالدين والأطفال تنشب بين حين وآخر، وبشكل منتظم... ويتصرف الآباء بشكل مهين مع الصغار... وقد يجيب الطفل بكلمة نابية... ويتصاعد الخلاف، مما يضطر الأب إلى استخدام يديه.. والأمثلة كثيرة أيضًا:
الطفل الذي كان يلعب بفنجان صغير فقالت له الأم:
- ستكسر الفنجان.. اتركه.... إنك دائمًا تكسر الأشياء.
قال الطفل: لا.. لن ينكسر.
ويسقط الفنجان لينكسر في اللحظة نفسها.
هنا نتذكر كيف ضرب جحا ابنه حين طلب إليه أن ينقل إناء من مكان إلى آخر.. فسأله الطفل:
- لماذا تضربني ولم ينكسر الإناء؟
رد جحا وماذا يجديني ضربك إذا انكسر الإناء؟
أما الأم صاحبة الفنجان فراحت تصرخ وتشتم ابنها قائلة:
يا إلهي! ما أغباك! إنك تكسر كل شيء في البيت!
- لست وحدي ... أنت أيضًا كسرت الطبق أمس!
- أنت ولد وقح.. تشتم أمك؟
- أنت التي قلت إني غبي... في البداية!
- قم انصرف اذهب إلى غرفتك فوراً!
وقد يرفض الطفل الذهاب إلى غرفته... وتشعر الأم أنه يتحداها، وتفقد صوابها، فتجذبه وتضربه في غضب ... وقد يدافع عن نفسه، ويدفعها فتصطدم بشيء ما ربما قطع الفنجان المكسورة وتجرح الأم وتحرج، وإذا بالدم يسيل فيثير ثائرتها، فيجري الطفل خارج البيت.
هل كانت هذه المعركة ضرورية.. أم أنه من الممكن لنا أن نتناول مثل هذه الأمور العابرة بشكل أكثر رزانة؟
كان في استطاعة الأم منذ البداية إبعاد الفنجان عن يد طفلها .. وكان في مقدورها بعد كسره أن تعاونه في جمع أجزائه المكسورة وتوجهه إلى شيء آخر يلعب به غيره.. مع تنبيهه إلى عدم اللعب بالأشياء السهلة الكسر.. لأن في تدميرها خسارة كبيرة.. وقد يعتذر الطفل عن خطئه إذا غاب الصراخ والعويل والضرب.
الحق أن الأطفال يمكن أن يتعلموا دروسًا كبيرة من أحداث بسيطة وعابرة.. وهم يتعلمون من آبائهم الحدث البسيط والمزعج.. والحدث المؤسف والمفجع والتفرقة بين هذه كلها .. وكثير من الآباء ينزعجون لبيضة تكسر، كما ينزعجون الساق تنكسر.. والواجب أن نعلمهم (قيمة) الحدث.
فتقول الأم:
أه... هأنتذا قد فقدت كتابك للمرة الثانية !..الكتب تكلفنا النقود.. شيء يؤسف له ما حدث!.
إن فقد كتاب يجب ألا يفقدنا أعصابنا إن قطع قميص يجب ألا يفلت معه زمامنا حتى لا يتحول كل شيء إلى تراجيديا يونانية!.
إن النقد «الهدام أشبه» بالسهام المسنونة يجب ألا تسدد إلا إلى الأعداء.. ومن ثم لا توجه إلى الأطفال...
فإذا قال شخص ما هذا مقعد غير نظيف... فلا شيء يحدث للمقعد في هذه الحالة.. فلا هو أحرج ولا هو أحس بالإهانة... ويبقى المقعد كما هو.
رد فعلي داخلي
أما إذا قيل للطفل إنه غبي.. أو قبيح.. أو سخيف فإن شيئًا كبيرًا يحدث للطفل: ردود فعل داخلية نفسيًا وجسديًا، ويجري الغضب والكراهة في دمه.. وتبدأ الرغبة في الانتقام... وسلسلة من ردود الأفعال تجعل الطفل وأبويه «حفنة من البؤساء».
والواقع أننا لم نتدرب في طفولتنا على استيعاب الغضب برغم أنه حقيقة حياتية.. نعم قال -صلى الله عليه وسلم-: «وليس الشديد بالصرعة... وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (أخرجه البخاري (6114)، ومسلم (2609)، كما حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر قائلاً: «لا تغضب» (صحيح البخاري) لما للغضب من أضرار جسيمة.. لكننا في لحظات الغضب قد نتصرف مع أطفالنا بما لا نقوله مع أعدائنا أنفسهم، نصرخ ونشتم ونسب ونضرب تحت الحزام كما يقولون في الملاكمة وعندما يتبدد الغضب تلوذ بالصمت شاعرين بالإثم.
إن توجيه النقد للأطفال لا يستلزم الغضب الشديد والنهر، وإنما يتطلب تبصيرهم بما فعلوه من أخطاء حتى يتجنبوه في مرات مقبلة... ولا داعي للسب والشتم، لأن هذا يجعل الطفل مصرًا – في بعض الأحيان – على فعل أشياء تغضب الأب أو الأم.. إنها نفوس بريئة تحتاج إلى توجيه وتبصرة.. فضلاً عن أن نعاملهم كما عامل الرسول الكريم وصحابته أطفالهم ..
عبد العليم عبد السميع غزي
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل