; المجتمع الأسري (1195) | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع الأسري (1195)

الكاتب حجازي إبراهيم

تاريخ النشر الثلاثاء 09-أبريل-1996

مشاهدات 14

نشر في العدد 1195

نشر في الصفحة 58

الثلاثاء 09-أبريل-1996

  • قصة جهاد خالدة نسيبة بنت كعب (1 من 2 )

هي نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم من بني مازن بن النجار. 

يقول عنها الإمام الذهبي: «الفاضلة المجاهدة الأنصارية الخزرجية النجارية المازنية المدنية» ([1]).

ويقول عنها صاحب الحلية: «المبايعة بالعقبة، المحاربة عن الرجال والشيبة، وكانت ذات جد واجتهاد، وصوم ونسك واعتقاد» ([2]).

إسلامها: لقد شرح الله صدرها للإسلام قبل هجرة النبي ﷺ فاشتاقت لرؤيته، فذهبت مع الوافدين إلى مكة لمبايعة الرسول ﷺ، فكانت إحدى اثنتين من النساء حضرتا بيعة العقبة الثانية. 

عن ابن أبي صعصعة قالت أم عمارة: كانت الرجال تصفق على يدي رسول الله ﷺ ليلة العقبة والعباس آخذ بيد رسول الله ﷺ، فلما بقيتُ أنا وأم منيع، نادى زوجي غزية بن عمرو: يا رسول الله هاتان امراتان حضرتا معنا يبايعنك، فقال: «قد بايعتهما على ما بيعتكم عليه؛ إني لا أصافح النساء»([3]).

التعريف ببيتها: زوجها الأول: تزوجت من زيد بن عاصم بن عمرو بن عوف، وهو ابن عمها. وولدت له عبد الله وحبيب.. وشهد العقبة وبدرًا، ثم شهد أحدًا ([4]).

ثم تزوجت من غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء بن مبذول، وهو قريب لها أيضًا ، فولدت له تميمًا وخولة، وقد شهد بيعة العقبة، وشهد أحدًا.

أبناؤها: عبدالله بن زيد بن عاصم ويكنى أبا محمد، شهد أحدًا وغيرها، ولم يشهد بدرًا، وهو الصحيح خلافًا لما قيل: إنه بدري.

وقد شارك في قتل مسيلمة الكذاب؛ حيث رماه وحشي بالحربة، وضربه عبد الله بن زيد بالسيف فقتله، ثأرًا لأخيه حبيب الذي قطعه مسيلمة كما سيأتي.

وجهاده سيأتي في سياق الحديث عن جهاد أمه في أحد.

حبيب: هو حبيب بن زيد كان فيمن شهد بيعة العقبة من الأنصار وشهد أحدًا والخندق وغيرها.

وقد أخذه مسيلمة الكذاب الحنفي، صاحب اليمامة، فجعل يقول له: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ فيقول: نعم. فيقول: أتشهد أني رسول الله؟ فيقول: لا أسمع، فجعل يقطعه عضوًا عضوًا حتى مات في يده، لا يزيده على ذلك، إذا ذكر له رسول الله ﷺ آمن به، وصلى عليه، وإذا ذكر له مسيلمة قال: لا أسمع، فلما كانت موقعة اليمامة وكانت بين المسلمين وبين مسيلمة الكذاب، خرجت أمه مع المسلمين فباشرت الحرب بنفسها حتى قتل الله مسيلمة، ورجعت وبها اثنا عشر جرحًا من بين طعنة وضربة.

أما ابناها من غزية تميم وخولة فلم أعثر على شيء من سيرتهما.

جهادها

في أحد: قال محمد بن عمر: شهدت أم عمارة بنت كعب أحدًا مع زوجها غزية بن عمرو وابنيها، وخرجت معهم بشن «قربة» لها في أول النهار تريد أن تسقي الجرحي، فقاتلت يومئذ وأبلت بلاءً حسنًا، وجرحت اثنى عشر جرحًا بين طعنة برمح أو ضربة بسيف، فكانت أم سعيد بنت سعد بن ربيع تقول: دخلت عليها فقلت: حدثيني خبرك يوم أحد، قالت: خرجت أول النهار إلى أحد وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله ﷺ وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله ﷺ، فجعلت أباشر القتال وأذب عن رسول الله بالسيف، وأرمي بالقوس حتى خلصت إلى الجراح، قالت: فرأيت على عاتقها جرحًا له غور أجوف، فقلت: يا أم عمارة من أصابك هذا؟ قالت: أقبل ابن قميئة، وقد ولى الناس عن رسول الله ﷺ يصيح: دلوني على محمد، فلا نجوت إن نجا، فاعترض له مصعب بن عمير وناس معه، فكنت فيهم فضربني هذه الضربة، ولقد ضربته على ذلك ضربات ولكن عدو الله كان عليه درعان.

وكان جرحها في أحد أعظم جراحها فداوته سنة، ثم نادى منادي رسول الله ﷺ إلى حمراء الأسد «موضع على بعد 8 أميال من المدينة»، فشدت عليها ثيابها، فما استطاعت من نزف الدم، ولقد مكثنا ليلتنا نكمد الجراح حتى أصبحنا، فما إن رجع رسول الله ﷺ من الحمراء ووصل إلى بيته حتى أرسل إليها عبد الله بن كعب المازني يسأل عنها، فرجع إليه يخبره بسلامتها، فسر بذلك النبي ﷺ.

عن عمارة بن غزية قال: قالت أم عمارة: قد رأيتني وانكشف الناس عن رسول الله ﷺ فما بقي إلا في نفير ما يتمون عشرة، وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه، والناس يمرون به منهزمين، ورآني لا ترس معي، فرأى رجلًا موليًا معه ترس، فقال لصاحب الترس: ألق ترسك إلى من يقاتل، فألقى ترسه، فأخذته فجعلت أتترس به عن رسول الله، وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل، لو كانوا رجالة مثلنا أصبناهم إن شاء الله، فأقبل رجل على فرس فضربني وتترست له، فلم يصنع سيفه شيئًا وولى، وضربت عرقوب فرسه فوقع على ظهره، فجعل النبي ﷺ يصيح: يا بن عمارة، أمك أمك. قالت: فعاونني عليه حتى أوردته شعوب «الموت». 

عن أمه عن عبد الله بن زيد قال: جرحت يومئذ جرحًا في عضدي اليسرى، ضربني رجل كأنه الرقل، ولم يعرج علي ومضى عني، وجعل الدم لا يرقأ، فقال رسول الله: اعصب جرحك، فأقبلت أمي إلي ومعها عصائب في حقويها، قد أعدتها للجراح فربطت جرحي، والنبي واقف ينظر إلي، ثم قالت انهض بني فضارب القوم، فجعل النبي ﷺ يقول: ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة. قالت: وأقبل الرجل الذي ضرب ابني، فقال رسول الله: هذا ضارب ابنك. قالت: فاعترضت له فضربت ساقه فبرك، قالت: فرأيت رسول الله ﷺ يبتسم حتى رأيت نواجذه، وقال: استقدت يا أم عمارة، ثم أقبلنا نعله بالسلاح حتى أتينا على نفسه، فقال النبي ﷺ: «الحمد لله الذي ظفرك، وأقر عينك من عدوك، وأراك ثأرك بعينك».

وعن الحارث بن عبد الله قال: سمعت عبد الله بن زيد بن عاصم يقول: شهدت أحدًا مع رسول الله ﷺ فلما تفرق الناس عنه دنوت منه أنا وأمي نذب عنه، فقال ابن أم عمارة؟ قلت: نعم، قال: ارم فرميت بين يديه رجلًا من المشركين بحجر، وهو على فرس فأصبت عين الفرس، فاضطربت الفرس، حتى وقع هو وصاحبه، وجعلت أعلوه بالحجارة حتى نضدت عليه منها وفرّ، والنبي ﷺ ينظر ويبتسم، ونظر جرح أمي على عاتقها، فقال: أمك أمك، اعصب جرحها، بارك الله عليكم من أهل بيت ،مقام أمك خير من مقام فلان وفلان، رحمكم الله أهل البيت، ومقام ربيبك، يعني زوج أمه خير من مقام فلان وفلان، رحمكم الله أهل البيت. قالت: ادع الله أن نرافقك في الجنة، فقال: اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة، فقالت: ما أبالي ما أصابني من الدنيا([5]).

تكريم عمر بن الخطاب رضي الله عنه لها لبلائها في أحد: 

عن ضمرة بن سعيد قال: أتي عمر بن الخطاب بمروط فكان فيها مرط جيد واسع، فقال بعضهم: إن هذا المرط لثمنه كذا وكذا، فلو أرسلت به إلى زوجة عبد الله بن عمر صفية بنت أبي عبيد، قال وذلك حدثان ما دخلت على ابن عمر، فقال: أبعث به إلى من هو أحق به منها، أم عمارة نسيبة بنت كعب، سمعت رسول الله ﷺ يقول يوم أحد: ما التفت يمينًا ولا شمالًا إلا وأنا آراها تقاتل دوني.

مواقف جهادية أخرى: 

ولقد شهدت معارك أخرى كثيرة، فقد كانت ضمن أربع خرجن مع رسول الله ﷺ معتمرات يوم الحديبية، ولما بلغ رسول الله مقتل عثمان رضى الله عنه قال: «إن الله أمرني بالبيعة»، فأقبل الناس يبايعونه حتى تداكوا، فما بقي لهم متاع إلا وطنوه، ثم لبسوا السلاح، وهو معهم قليل، وقامت أم عمارة إلى عمود كانت تستظل به، فأخذته بيدها، وشدت سكينًا في وسطها، مستجيبة لأمر رسول الله ﷺ فكانت ممن رضي الله عنهم: ﴿ لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا ﴾ (الفَتۡح: 18).

موقفها من اليهود: ولقد كان لهذه المجاهدة العظيمة موقف مع اليهود؛ إذ شاركت في حصار بني قريظة، وحصلت على نصيب من الفيء، ثم شهدت خيبر كذلك.

موقفها يوم حنين: وقد شهدت نسيبة فتح مكة، وفي يوم حنين وقفت وسط نسوة يقاتلن مع الرسول ﷺ وفي يدها سيف صارم، استلته في وجه الأحداث، وكانت تصيح بالأنصار أية عادة هذه!! مالكم وللفرار !! وشدت على رجل من هوازن فقتلته وأخذت سيفه.

 

  • الداعية زينب الغزالي تهمس في أذن الزوجة الجديدة (۲) من (۲)
  • استعدي دائمًا للصلح بعد الخصام والصفح بعد الغضب

القاهرة: بدر محمد بدر

تناولنا في الحلقة الماضية نصائح وتوجيهات الداعية زينب الغزالي من واقع خبرتها في المجال الأسري والاجتماعي للزوجة الجديدة التي تدخل بيت الزوجية لأول مرة، وفي هذه الحلقة نستكمل هذه النصائح، تقول الداعية الكبيرة:

نقطة أخرى أهمس بها في أذن ابنتي الحبيبة، أن يكون لديها الاستعداد الدائم والسريع للصلح بعد الخصام، والصفح بعد الغضب والاعتذار إن هي أخطأت أو طلب العفو والسماح إن تجاوزت حدودها، وهذا لأن هذه السلوكيات هي أساس الحب والمودة، ومثل هذه الأمور لا تمس كرامة الزوجة أو الزوج؛ لأن كرامة الزوجة من كرامة الزوج، ومن أهان زوجته فهو يهين نفسه... لابد أن يكون هناك من يسارع إلى الصلح بعد الخصام، وأن يرفض العناد النفسي الذي يزرعه الشيطان في الإنسان الغاضب، ويقول له: إن كرامتك لا تسمح بكذا أو بكذا، وهذا غير صحيح... إن الزوجة الكريمة الفاضلة هي التي لا تترك زوجها أبدًا ، يبيت غاضبًا منها، بل تحاول بذل جهد جهدها في سبيل إرضائه، وهي في ذلك تذكر حديث وافدة النساء التي ذهبت إلى رسول الله ﷺ، تشكو له استئثار الرجال بالأجر دون النساء في القتال ضد الأعداء، وفي صلاة الجمعة والجماعة وغيرها... فقال ﷺ قولته المشهورة: «حسن تبعل المرأة لزوجها يعدل ذلك كله، أي حسن إتقان الزوجة لواجباتها نحو زوجها يعادل ما تميز به الرجال في الأجر عند مشاركتهم في صلاة الجماعة أو في الحرب وغيرها... وهذا يعني أن الزوجة التي تضع نصب عينيها أنها تبتغي وجه الله وتخدم زوجها طاعة لله أولًا، لا يمكن أن تندم أو تشعر أن خدمتها لزوجها ذهبت مع الريح».

وصية أخرى أوصي بها الزوجة الجديدة، أن تعلم أن الزواج إنما هو رسالة، ووسيلة لإقامة المجتمع المسلم الملتزم الطائع لله الساعي لإرضائه، إذن فهو بناء له هدف سام وغاية نبيلة، وإذا العلاقة الزوجية واستمرارها في سعادة وطمأنينة وثقة... إنه زواج ليس هدفه الأساسي التمتع بزخارف الدنيا وملذات الحياة وشهوات النفس، فإن تحققت كانت السعادة، وإن لم تتحقق كان الشقاق والخلاف.. لا.. إنه ارتباط أرواح قبل الأبدان وتوافق رؤية وغاية قبل أن يكون تلاقي شهوات وملذات، ثم إنه زواج له مرجعية واضحة أساسها الالتزام بالقرآن والسنة، فإن حدث خلاف احتكم الطرفان لأقوال الشرع، أما الزواج بلا مرجعية إيمانية قرانية، فإنه يكون عرضة للعادات والتقاليد والأهواء، والتي تكون ظالمة في بعض الأحيان، خصوصًا في جانب المرأة، ولذا أنصح الفتاة المسلمة دائمًا بالزواج من صاحب الرسالة والخلق والدين. 

أمر آخر أذكر بناتي به وهو ألا يسرفن في الغيرة التي تؤدي إلى التوتر الدائم، والقلق والشجار وسوء الظن، حتى لا تنقلب إلى سلوك مرضي يزيد من المتاعب، وربما يؤدي إلى فشل العلاقة الزوجية، إن هناك غيرة محمودة، تشعر الزوج بالاهتمام والحرص، وتسعده أيضًا. 

وهناك غيرة شديدة، يضيق بها الزوج وتؤدي إلى الشقاق الدائم، فيجب أن تكون متوازنة عاقلة. 

ولا أنسى أن أهمس همسة أخيرة في أذن ابنتي حديثة الزواج، ألا تسارع إلى بيت أهلها عند أي خلاف مع زوجها ومع أسرته التي يقيم معها، بل تصبر أكثر وأكثر، وتبحث عن الوسائل الكفيلة بالعلاج والحل، فالتي تعتاد الخروج من بيت زوجها إلى بيت أهلها، تدمر جزءًا من بناء بيتها النفسي والوجداني، وتتيح الفرصة لتدخلات الغير، وتتعكر العلاقة الزوجية التي كانت صافية نقية شفافة... إن الزوجة الجديدة يجب أن تتصرف على أساس أن أي خلاف لا يمكن أن يمنعها من بيتها أو يبعدها عنه، وأنها لن تغادر منزل الزوجية، وكثيرًا ما رأيت الندم على وجوه أولئك المتسرعات بمغادرة بيوتهن؛ لأنهن اكتشفن أن الخروج من بيت الزوج كان أسوا من البقاء فيه. 

إنني أعتقد أن الزوجة الجديدة التي فهمت دورها وعرفت رسالتها، واستوعبت هدفها، وحرصت على إنجاح بيتها الجديد بحسن صلتها بالله، وحسن طاعتها للزوج، سوف تسعد هي وتسعد مع أسرتها ومجتمعها؛ بل وأمتها كذلك... والله الموفق والمستعان.

____________________________

الهوامش

([1] ) سير أعلام النبلاء 2/278.

([2] ) حلية الأولياء 2/64.

([3] ) نساء صحابيات 722

([4] ) أسد الغابة 2/292 /1849

([5] ) الإصابة ب/221 ، أسد الغابة 1/443 /1049

الرابط المختصر :