; المجتمع التربوي (العدد 1084) | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع التربوي (العدد 1084)

الكاتب د.عبدالحميد البلالي

تاريخ النشر الثلاثاء 18-يناير-1994

مشاهدات 14

نشر في العدد 1084

نشر في الصفحة 48

الثلاثاء 18-يناير-1994

وقفة تربوية

قصة من الأزمة

جمع ما استطاع مما قل وزنه وزاد ثمنه، ثم كدس في سيارته أمه وزوجته وأبناؤه ثم انطلق نحو الحدود الجنوبية للبلاد بعد أن اشتد على الناس البلاء وضاق الكثير منهم على أغراضهم وأنفسهم، وعندما وصل إلى مدينة «الوفرة» وهي من المناطق الحدودية رأى جنديًا عراقيًا بكامل سلاحه، واستغرب عندما لم يفعل لهم شيء بل دلهم على الطريق المؤدى للحدود السعودية، فانطلقوا نحو الطريق الذي دلهم عليه، وقبل أن تلوح لهم علامات الوصول للحدود قالت أمه له: يا ولدي ما الذي سوف نفعله بهذا الطعام الذي أخذناه معنا، ونحن مقبلون على خير وفير، لماذا لا ترجع إلى ذلك الجندي المسكين ونعطيه هذا الطعام؟ فغضب الولد وقال: كيف نعطيه الطعام يا أماه، وهو ممن جاء ليقتلنا ويهتك أعراضنا، ويدخل الرعب في قلوبنا؟

فأصرت الأم على أن يعود للجندي ليعطيه الطعام، وأصر جميع من في السيارة على عدم العودة، فلما رأت الأم إصرارهم هددته بعدم الرضا إذا لم يعد، ولما رأى الابن إصرارها عاد للجندي وقال له رغبة أمه، ولكن الجندي شك في الأمر وطلب منهم أن يأكلوا أمامه، فلما أكلوا من حيث اختار لهم، اطمئن للطعام، وأخذه منهم وشكرهم على صنيعهم، ثم فاجأهم بقوله: ما دمتم قد أحسنتم إلي وأسديتم لي هذا المعروف فاسلكوا الطريق المخالف للطريق الذي دللتكم عليه في المرة الأولى، لأنه يوصلكم إلى حقل ألغام، فتعجب الجميع لهذا الحفظ الرباني بسبب عمل الخير، وهكذا هي سنة الله، فهو يحفظ عباده الصالحين، بسبب أعمالهم الصالحة، وخير شاهد لذلك ما جاء في سورة الكهف عن حفظ الوالدين من ابنهما عندما قتله الخضر، وحفظ اليتيمين ومعرفتهما لكنزهما بسبب صلاح والديهما، فهل من معتبر؟!!

أبو بلال

مواقف الدعاة

روى الإمام الذهبي عن عبد الله بن هانئ: حدثنا أبي عن إبراهيم عن أبى عبلة، قال: بعث إلى الخليفة هشام فقال: إنا قد عرفناك واختبرناك ورضينا بسيرتك وبحالك. وقد رأيت أن أخلطك بنفسي وخاصتي، وأشركك في عملي، وقد وليتك خراج مصر.

قلت: أما الذي عليه رأيك يا أمير المؤمنين، فالله يثيبك ويجزيك، وكفى به جازيًا ومثيبًا، وأما أنا، فمالي بالخراج بصر، ومالي عليه قوة، فغضب حتى اختلج وجهه، وكان في عينيه حول، فنظر إلي نظرًا منكرًا، ثم قال: لتلين طائعًا أو كارهًا، فأمسكت ثم قلت: أتكلم؟ قال: نعم. قلت: إن الله سبحانه قال في كتابه: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ (الأحزاب: ٧٢).

 فو الله ما غضب عليهن إذ أبين ولا أكرههن، فضحك حتى بدت نواجذه وأعفاني.

سير أعلام النبلاء جـ ٦ ص ٣٢٤.

درس وعبرة

مضت تلك القرون والخير هو الغالب على الأعمال والأقوال، ومهما حصل من ضعف في تطبيق الإسلام، أو تجاوز لأحكامه، فإن فاعله كان يحس بالخجل، ويفضي أمام المنافحة أو المواجهة، ولو كان ملكًا جبارًا. وكان اختيار الأكفاء لمهمات الأمور بصورة عامة. مما يحرص عليه المسئول الأول، والجهات العليا.

ومن ميزات أمتنا -على امتداد التاريخ- أن منهج الدعوة قد ربى رجالًا على الصدق والواقعية وإنكار الذات والترفع عن الأثرة وعاجل المكاسب قاوموا إغراء المناصب، ولم يضعفوا أمام ما تحمله سائحات الفرص من عاجل المكاسب. إن الأمر عندهم أكبر وأخطر من لقب تبجيل أو زيادة رصيد أو سعة جاه وتعاظم نفوذ، إنها الأمانة فحين يأنس من نفسه المقدرة على القيام بأعبائها، فليقدم، ولا ضير، ومن خشى الضعف أو الضيعة، فإن في الأمر مندوحة ولا تثريب عليه أن يفطم نفسه قبل أن يذوق أفاويق الإمارة، لأنها نعمت المرضعة ويئس الفاطمة، إلا من أخذها بحقها وهيات هيات.

موقف حكيم

كثيرًا ما يتعرض رجل العقيدة لمواقف محرجة، وعروض مغرية، فلا بد أن يكون على درجة من الوعي واليقظة، وأن يتعامل معها بعقل كامل، وبصر نافذ لا تخدعه الرغبة، ولا تضعفه الرهبة، بل يتبع الدليل، ويقف مع الحق.

فما جنى ريحًا من غره معسول الكلام عن حقيقة واقعه، وأنساه الذي يجب أن لا يغيب له عن بال. ومنذ القدم درج الحكام على بذر الحب لصيد العلماء وأهل الصلاح فمنهم من وقع في الفخ أو علق منه الجناح، ومنهم من امتنع امتناع عقاب الجو، وحلق عاليًا فوق شامخات القمم هازئًا بالطعم والصياد. فما «أريد أن أخلطك بنفسي وخاصتي وأشركك في عملي» -عندهم- إلا الأحبولة التي ما إن تعلق بها الرجل حتى تلتف حول العنق. وهب أن ريح الدنيا جرت رخاء إلى المدى الموعود، فمن المجير من عذاب يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار؟؟

ادفع بالتي هي أحسن

ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شأنه، وإن المرء لينال بالرفق ما لا ينال بالعنف، والعاقل من قدر مواقع خطوه وعرف أثر كلمته فيقدم أو يحجم على بينة من الأمر، وبصيرة من الرأي.

ومن ابتلي بمثل هذه المواقف، فلا بد من الرفق والتلطف وبيان أسباب الاعتذار عن عدم إجابة ما يطلب منه. وهذا ما فعله ابن أبى عبلة: «مالي بالخراج بصر، ومالي عليه قوة» فكأنه يقول للخليفة لا يليق بك -وأنت المسئول الأول- عن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أن تولي أحدًا عملًا يجهل طبيعته والتزاماته، ويعجز عن أداء واجبه، إنك إن فعلت، فقد خنت الأمة وضيعت الأمانة.

ثقافة الداعية

كلما زاد رصيد الداعية من الوعي والثقافة -لا سيما الشرعية- كلما ساعده ذلك على حضور البديهة، وإسعاف الحجة، والنجاة من المأزق.

وما ألطف ما استدل به ابن أبي عبلة على امتصاص غضب الخليفة أليس الرب -سبحانه أولى- أن يغضب إذا ما عصي أمره ولم يسمع كلامه ومع ذلك فقد سبق حلمه غضبه فعفا عن العصاة وقبل عذر ذوى الأعذار، وعامل الخلق كلهم بالحلم، ومن كان في منصب المسئولية أولى الناس أن يكون ربانيًا في جميع شأنه.

مثل هذا الفهم والفقه زاد ضروري للدعاة ليستطيعوا أداء واجبهم، وتبليغ رسالة ربهم. ويتخلصوا من حرج المواقف وحبائل أهل الكيد.

سدد الله الخطى ووفق الجميع، والحمد لله رب العالمين.

الكويت -محمد الجاهوش

خواطر على الدرب

دموع المربي في العمل الإسلامي

في خضم العمل الإسلامي في الدعوة إلى الله صراع الحق والباطل والعراك بين الخير والشر والنفس الأمارة واللوامة يقف المربي مع نفسه لحظات قصيرة ولكنها بها استعراض طويل لماض عريق تنحدر بها من مقلتيه دموع حارة تترجم ما في قلبه من ألم دفين.

1 - الدمعة الأولى

دمعة حسرة وألم لما وصل إليه حال المسلمين من ضعف وهوان وتقتيل وتشريد ولا مجيب ولا نخوة، إلا أن لسان حاله يقول: ﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ (البقرة: ٢١٤).

 ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الروم: ٤٧).

فيهون عليه الألم وتكون هذه الدمعة باعثًا له إلى الجد المثابرة لنصرة هذا الدين.

٢ - الدمعة الثانية

دمعة المربي عندما يبذل ويعطي لتلامذته لتنشئتهم على النهج السليم والطريق القويم ويقضى معهم جل وقته وساعات عمره فإذا بأحدهم يضعف ويفتر، ثم يترك الجادة ويبتعد عن صحبته الصالحة، فيشفق عليه المربي ويرثى لحال التلميذ الذي أعطاه من مجهوده وحرق نفسه لأجله، ثم ذهب هذا المجهود بين ليلة وضحاها، ولكن سلوانه في ذلك قوله تعالى: ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ (سبأ: ٤٧). وإنما هي ضريبة الدعوة إلى الله.

3 - الدمعة الثالثة

وهى دمعة فرح عندما يرى المربي البذرة تنمو وتثمر وتنضج وقد سقاها هو بنفسه ورعاها وحافظ عليها من الرياح العاتية ومن الحشرات القارضة، فإذا هي ثمرة يانعة تشتم منها رائحة طيبة وطعمها حلو، نعم هذه الثمرة هي نتاج التربية للتلاميذ فعندما يراهم ينشئون وقد كان له دور ولو بسيط في غرس الكثير من المعاني فيهم، فإذا أحدهم يصبح شيخًا خطيبًا والآخر كاتبًا كبيرًا وآخر مفكر خطير كل يصب مجهوده لهذه الدعوة.

4 - الدمعة الرابعة

قال تعالى: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ (النصر: ١، ٢، ٣).

فهي دمعة فرح بالنصر لهذا الدين، عندما يرى معركة بين الحق والباطل تكون الجولة لصالح الحق المبين أو يسمع خبر إسلام رجل ودخوله في الإسلام أو شاب ضال هداه الله إلى الطريق المستقيم فيستبشر المربي خيرًا ويزداد إيمانًا بأن «المستقبل لهذا الدين»..

خالد على الملا –الكويت

مشكلات وحلول في حقل الدعوة

المشكلة: التسرع باتخاذ القرار

التعريف: اتخاذ قرار ما في أمر من أمور الدعوة دون أخذ شيء من الوقت لدراسة هذا الأمر، والنظر فيه من جميع جوانبه، مما يكون له آثار سلبية على الدعوة في كثير من الأحيان.

أعراض المشكلة

1- عدم أخذ وقت كاف للتفكير في المشكلة أو الأمر الذي يحتاج إلى قرار.

2- عدم مشاورة من ينبغي مشاورتهم، وانفراد الشخص المسئول باتخاذ القرار دون الرجوع لأصحابه.

3- وضوح الثغرات في ذلك القرار والتي تتعارض بشكلها العام مع أهداف وأخلاق ومبادئ الدعوة.

4- تغلب السلبيات على الإيجابيات.

أسباب المشكلة

1- الاستعجال الدائم للنتائج.

2- زيادة نسبة الغضب.. إذ إن العجلة صفة ملازمة للحالة الغضبية.

3- التقدير الخاطئ للقوة الذاتية فيفاجأ عند التنفيذ بالنقص في عناصر إنجاح المشروع.

4- الحماسة الزائدة غير المنضبطة.

5- التفرد بالرأي.

6- الغفلة عن الأخذ بالموازين الشرعية.

الحل

1- التشاور قبل اتخاذ القرار.

2- الدراسة المتأنية الشاملة لجميع الجوانب.

3- إخضاع جميع القرارات والمشاريع للموازين الشرعية.

4- الاستفادة من تجارب الآخرين.

5- يمكن اتخاذ القرار السريع في حالات محدودة جدًا، وهي الحالات التي يترتب على التأخير باتخاذ القرار أضرار يقينًا أو تفويت مصالح مؤكدة على الدعوة.

6- التركيز على أهمية الأناة كخلق إسلامي، ففي الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد قيس: «إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة» رواه مسلم.

الرابط المختصر :